جميعنا قد تعرضنا لمواقف محرجة، خانتنا فيها الذاكرة: مثل نسيان أسماء أشخاص أو تواريخ أو أحداث مهمة، وفي نفس الوقت تتذكر أحداثًا أخرى وأشخاصًا آخرين، ولكن من المتحكم في هذا؟
إنها الذاكرة -عزيزي القارئ- المتحكمة في تذكُر الأحداث والأرقام والتاريخ والأشخاص، وما لا يُخزن بداخلها يقع في هاوية النسيان.
فهيا بنا في رحلة قصيرة لنتعرف إلى الذاكرة وأنواعها وطرق تحسينها.
ما المقصود بالذاكرة؟
الذاكرة هي العملية التي يؤديها العقل للاحتفاظ بأحداث وصور ومعلومات معينة، بتخزينها والاحتفاظ بها واستردادها لاحقًا عند الحاجة إليها.
ولقد أثارت ذاكرة الإنسان اهتمام الأطباء والفلاسفة منذ آلاف السنين، وأجروا العديد من الدراسات عليها، وأصبحت واحدة من المواضيع الرئيسية في علم النفس الإدراكي.
أنواع الذاكرة
مع الرغم من أن الكثير من العلماء توصلوا إلى العديد من أنواع الذاكرة، إلا أن نموذج الذاكرة المرحلية الذي اقترحه العالمان ريتشارد اتكينسون وريتشارد شيفران، هو الأكثر تداولًا.
وفيه قسموا ذاكرة الإنسان إلى ثلاث مراحل كالتالي:
1- الذاكرة الحسية
توصف الذاكرة الحسية بأنها تدوم لوقت قصير جدًا، ولكن تسع الكثير من المعلومات،
وفيها يخزن العقل المعلومات الحسية التي تدور حولك في اللحظة الحالية، التي لا تتعدى نصف ثانية للمعلومات البصرية، وثلاث أو أربع ثوانٍ للمعلومات السمعية، قبل نقل بعض تلك المعلومات إلى ذاكرتك القصيرة الأمد.
2- الذاكرة قصيرة الأمد
تعرف الذاكرة قصيرة الأمد بأنها ذاكرة نشطة وأساسية، وهي المسؤولة عن تخزين المعلومات الحسية أو الأفكار التي تدور بأذهاننا في الوقت الحالي.
تدوم حوالي من عشرين إلى ثلاثين ثانية.
فعلى سبيل المثال، تخيل معي أن شخصًا ما يملي عليك رقم هاتف فتتذكره لبضعة ثوانٍ ولكن بعد ذلك تكتشف أنك نسيته إن لم تكرره مرارًا.
ذلك لأن رقم الهاتف حفظ في ذاكرتك قصيرة الأمد التي تدوم ثوانٍ قليلة.
وتوصف أيضًا بأنها محدودة، أي تستطيع تخزين ما يقرب من خمس إلى تسع معلومات فقط.
3- الذاكرة طويلة الأمد
في هذه المرحلة تخزن المعلومات لفترات طويلة تصل إلى سنوات، تلك المعلومات تكون خارج إدراكنا ولكن عند الحاجة إليها يمكن استدعائها للاستخدام.
هنالك بعض المعلومات تكون سهلة التذكر وأخرى يصعُب تذكرها.
أنواع الذاكرة الحسية
النظر، السمع، الشم، التذوق، اللمس، تلك هي الحواس الخمس التي هي مهمة جدًا في تعرفنا على العالم من حولنا.
لكن ما علاقة الحواس الخمس بموضوعنا اليوم “الذاكرة”؟
استنتج العلماء أن الحواس الخمس تلعب دورًا هامُا في تذكُرنا الأشياء، وأنها خرجت بنوع جديد من أنواع الذاكرة، وأطلقوا على هذا النوع من اسم ” الذاكرة الحسية”.
فهيا بنا نتعرف على أنواع الذاكرة الحسية.
1- الذاكرة البصرية
تدخل الذاكرة البصرية ضمن أنواع ذاكرتنا الحسية، التي لا تدوم أكثر من ثانية ونصف، وأيضًا لا تستطيع أعيننا تذكُر أو أخذ صورة واضحة لأشياء متحركة.
لا بد أن يكون الشيء ثابتًا حتى يستطيع المخ أن يكوًن صورة واضحة عن هذا الشيء ويتذكرها.
ولقد أجرى أحد الباحثين تجربة على بعض الأشخاص ليختبر مدى قوة ذاكرتهم البصرية، بالعرض عليهم أحد الصور للحظات قليلة ثم بعدها مباشرة عرَضهم لمصدر ضوء قوي.
اتضح أن معظم الأشخاص لم يتذكروا الصورة التي كانت قبل الضوء القوي.
واستنتج الباحث في تلك الدراسة أن المخ لم يكن لديه الوقت الكافي لنقل الإشارة من العين وتفسيرها، وأن ذاكرتنا البصرية لا تتمكن من تذكُر صور متحركة.
2- الذاكرة السمعية
الذاكرة السمعية من أقوى أنواع الذاكرة الحسية، وهي مجموعة تلك الذكريات التي تخلق من خلال تذكُر الأصوات المختلفة سواء أصوات لأشخاص أو لأشياء.
ألم يسبق أن قلت “ياإلهي، إني أتذكر هذا الصوت جيدًا”، هذا بالضبط ما تحدثه ذاكرتنا السمعية. تذكرنا بأصوات قد سمعناها من فترة ولكن ما زالت عالقة في أذهاننا.
تختلف ذاكرتنا السمعية عن البصرية في جوانب عدَة، على سبيل المثال عندما نجري اختبارًا على مجموعة من الأشخاص بأننا نذكر أمامهم قائمة من الكلمات، ونعرض عليهم مجموعة من الصور.
نجد أن معظمهم يتذكرون أول كلمة وآخر كلمة من قائمة الكلمات. وعلى الصعيد الآخر يتذكرون أول صورة فقط من قائمة الصور ولا يستطيعوا تذكُر آخر صورة.
من التجربة السابقة نستنتج أن الذاكرة السمعية أقوى من ذاكرتنا البصرية في كثير من الأوقات.
3- ذاكرة اللمس
تُعد ذاكرة اللمس من أنواع الذاكرة الحسية المُكتشفة حديثًا، وما زالت الأبحاث جارية عليها، ولكن الأبحاث والدراسات واعدة في هذا المجال.
أثبتت الدراسات حتى الآن، أن عند لمسنا للأشياء، تنشط حاسة اللمس وتتولد لدينا ذكريات دائمة ومُفصلة عن ملمس تلك الأشياء حتى وإن لم نقصد ذلك.
وعندما نتعرض لتلك الأشياء مرة أخرى نتذكر ملمسها حتى وإن لم يتسنى لنا رؤيتها.
ما العلاقة بين الذاكرة والعمر؟
يساور القلق كبار السن خوفًا من الإصابة بالنسيان أو ما يُعرف بألزهايمر.
لكن ما الفرق بين النسيان الطبيعي المرتبط بالعمر الكبير وبين مرض ألزهايمر؟ يتعرض كبار السن لمواقف عدَة من النسيان. فهل هذا معناه أنهم مصابون بألزهايمر؟
بالطبع لا، كلما تقدم الإنسان بالعمر، قلت كفاءة ذاكرته، وهذا شيء طبيعي في تقدم العمر. ولكن الأمر غير الطبيعي والمرضي بالفعل هو مرض ألزهايمر.
للتوضيح أكثر سنعرض لك بعض الفروق بين أعراض النسيان المتوقعة في العمر الكبير وبين ألزهايمر.
وإليك -عزيزي القارئ- أربع اختلافات بين فقدان الذاكرة الطبيعي في العمر الكبير، وألزهايمر.
1- استعادة بعض الذكريات
كبار السن قد تواجههم مشكلة في استعادة بعض المعلومات أو الذكريات القديمة. المُخزنة في ذاكرتهم طويلة الأمد مثل: تذكُر أسماء بعض الأشخاص لم يقابلوهم منذ فترة طويلة أو حدث ما مر عليه مدَة كبيرة من الزمن.
يُعد هذا عرض طبيعي من أعراض التقدم في العمر، ولا يوجد منه خطورة في الإصابة بمرض ألزهايمر.
2- تذكُر المعلومات الحديثة
يعاني مرضى ألزهايمر تذكُر المعلومات الحديثة التي يُخزنها العقل في اللحظة الحالية. مثالًا على ذلك إذا قلت لشخص كبير في العمر ثلاث كلمات مختلفة بينهم كلمة “تفاحة”. وبعد ثلاث دقائق سألته ما هي الثلاث كلمات التي قلتها. فمن الطبيعي أن ينسى أحد الكلمات. فتُلمح له بأنها نوع من أنواع الفاكهة فيتذكرها مباشرة.
على عكس الحال في مريض ألزهايمر. فإنه لا يتذكر حتى بالتلميح أو التشبيه وينسى المعلومات مباشرة بعد حدوثها.
3- التسلسل الزمني للأحداث
يُعد تذكر التسلسل الزمني للأحداث أمرًا صعبًا لمريض ألزهايمر، قد يختلط عليه ترتيب الأحداث الزمنية في حياته ولا يعرف أي حدث كان أولًا. ومن الممكن أيضًا أن ينسى أن تلك الأحداث قد حدثت بالفعل.
4- تغيرات في التركيز والانتباه
مع تقدم العمر من المنطقي أن الشخص يقل انتباهه وتركيزه أو قدرة استيعابه للمعلومات، ولكن يظل يتذكر أسماء الأشياء والأحداث وأسماء الأشخاص.
على النقيض لمريض ألزهايمر ينسى أسماء الأشياء الشائعة والمعروفة مثل: القلم أو الساعة. وينسى أيضًا الأحداث التي مرت عليه في حياته كما أوضحنا سابقًا.
ما هي طرق تحسين الذاكرة؟
هل سبق لك أن احتفظت بشيء ما في أحد الأماكن ونسيت أين احتفظت به؟ أو دخلت غرفتك لتجلب غرضًا من أغراضك وفجأة نسيت ما الذي تريده؟
جميعنا قد نعاني النسيان وليس فقط كبار السن، ولحسن حظنا فقد تمكن علماء النفس الإدراكي من وضع بعض وسائل وطرق تحسين الذاكرة، وسنوضح بعضًا منها كالآتي :
- التدوين
التدوين من أفضل الطرق للاحتفاظ بالمعلومات دومًا وضمان عدم نسيانها، عليك أن تكتب المعلومات التي تهمك في أجندتك الخاصة كي لا تنساها، ويُعد أيضًا من الوسائل الهامة في الدراسة والمذاكرة، فقديمًا قالوا “العلم طير والكتابة قيده” ولذا ينبغي لك أن تستخدم الورقة والقلم في دراستك. كي تضمن حفظ معلوماتك جيدًا.
كذلك يساعد التدوين المخ على نسخ المعلومات وتخزينها جيدًا والاحتفاظ بها. وسهولة استرجاعها عند الحاجة إليها.
- التكرار
تكرار المعلومات يضمن لك تذكرها بسهولة، مثل تكرار رقم هاتف تريد تذكره فيما بعد. ويساعد العقل أيضًا للاحتفاظ بالمعلومات لما بعد الذاكرة قصيرة الأمد.
- ربط الأحداث أو الأشخاص بعضهم ببعض
من الطرق التي تساعدك على تحسين ذاكرتك هي ربط الأحداث والأشخاص ببعضهم، مثل ربطك لاسم شخص ما بحدث معين كان موجودًا فيه مثل اجتماع عمل أو حفل زفاف. يمكنك كذلك ربط الأشخاص ببعضهم لتتذكرهم من خلال صلة قرابة أو حتى زمالة في العمل.
- الرياضة
الرياضة من أفضل طرق تحسين ذاكرتنا وتقويتها، وقد أثبت العلماء أنه يوجد علاقة وطيدة بين ممارسة الرياضة وتقوية ذاكرتنا وخاصة التمارين التي ترفع من كفاءة القلب والأوعية الدموية مثل الجري.
- الأطعمة الغنية بالأوميجا-3 (omega-3)
تساعد الأطعمة الغنية بالأوميجا-3 على تقوية ذاكرتنا، وأيضًا تؤخر ظهور أعراض النسيان في كبار السن، وتتوفر الأوميجا-3 في الأسماك والمكسرات وبذور الكتان.
نصيحة من تمكين
نؤكد أننا بشر ولسنا آلات نتذكر تارة وننسى أخرى، وذاكرتنا تحمل هويتنا وذكرياتنا وآلامنا وأفراحنا، ومن أجل الحفاظ على تلك الذكريات عليك الاهتمام بتحسين ذاكرتك وحمايتها من النسيان وألزهايمر.
في تمكين نتمنى لك البركة في العمر وأجمل الذكريات.
اقرأ أيضًا
اليقظة الذهنية| فوائدها وأمثلة على تمارينها