هل يحمر وجهي مجددًا؟ نعم، أنا أشعر بتلك الحرارة في وجهي؛ فالجميع ينظر إلي الآن، لن أستطيع الحديث أمام كل هؤلاء الناس… نفس عميق … تذكري تدريبات العلاج المعرفي السلوكي …
ألن أستطيع حقًا الكلام أمام هؤلاء الناس؟ بالعكس؛ فأنا لبقة للغاية، والجميع يحب أسلوبي البسيط المرح في توصيل المعلومة.
هيا الكل ينتظرك، انطلقي…
ما هو العلاج السلوكي المعرفي؟
هو أحد أهم طرق العلاج النفسي عن طريق الحوار بين المريض والطبيب أو الاختصاصي النفسي، من خلال جلسات محددة، يتعلم فيها المريض كيف يواجه المواقف المسببة للتوتر، عن طريق تغيير أفكاره السلبية، ومعتقداته الخاطئة. وهو علاج قصير الأمد، يتمحور حول مشكلة محددة، مثل القلق أو صعوبات النوم.
تاريخ العلاج السلوكي المعرفي
نشأ هذا العلاج في ستينات القرن الماضي، على يد الطبيب النفسي آرون بك، فقد لاحظ خلال جلسات التحليل النفسي أن المريض يجري حوارًا داخليًا مع نفسه، وأن الأفكار التي يتناولها هذا الحوار قد تغير مشاعر المريض، والأهم أن المريض نفسه لا يدرك هذا الحوار الداخلي، ويتصرف بناءً على مشاعره التي ولدتها هذه الأفكار.
واستنتج آرون بك علاقة الأفكار والمشاعر بسلوكيات المريض، وطور أسلوبًا جديدًا في العلاج النفسي، عن طريق التعرف على الأفكار الخاطئة، والمشاعر المرتبطة بها أسماه العلاج المعرفي، وفيما بعد تطور هذا الأسلوب ليشمل تعلم طرق جديدة لتغيير السلوك السلبي، وأطلق عليه العلاج السلوكي المعرفي.
أسس و مبادئ العلاج السلوكي المعرفي
يُبنى العلاج السلوكي المعرفي على أساس أن أفكار المرء، ومشاعره، وتصرفاته جميعها مرتبطة ببعضها البعض، وتتأثر كل منها بالأخرى. وأن الأفكار والمشاعر السلبية تجعل الإنسان يسيء التصرف، مما يؤدي لمزيد من المشاعر والأفكار السلبية، وهكذا يصبح الإنسان سجين هذه الدائرة المفرغة.
وبناء على هذا، يقوم العلاج السلوكي المعرفي بتحليل المشاعر والأفكار والتصرفات، والتعرف على الأنماط المسببة للمشكلة، ثم يتعلم المريض أن يواجهها، ويتحداها، ويكتسب الطرق الصحية للتعامل معها.
متى نلجأ إلى العلاج السلوكي المعرفي؟
يصلح هذا النوع من العلاج النفسي مع معظم الأمراض النفسية، كما يمكن استخدامه للأشخاص الأصحاء أيضًا؛ فهو يساعد على:
- السيطرة على أعراض الأمراض العقلية.
- منع انتكاسة الأمراض العقلية.
- علاج الأمراض العقلية بدلا من الأدوية.
- تعلم أدوات وطرق للتعامل مع مواقف الحياة المختلفة.
- التعامل مع مختلف المشاعر.
- تعلم مهارات التواصل مع شريك الحياة، وحل الخلافات.
- التعامل مع الحزن الشديد، ومواقف فقدان شخص عزيز.
- التعامل مع الصدمات النفسية الناتجة عن التعرض للعنف.
- التعايش مع بعض الأمراض المزمنة، مثل القولون العصبي، ومتلازمة التعب المزمن.
ومن الأمراض التي يعالجها :
- القلق المزمن.
- الفوبيا.
- الاكتئاب.
- الوسواس القهري.
- الإدمان.
- الاختلال ثنائي القطب.
- الفصام.
- نوبات الهلع.
- اضطراب الشخصية الحدية.
- اضطراب ما بعد الصدمة.
- اضطرابات الأكل مثل الشره الغذائي، وفقدان الشهية.
- مشكلات النوم والأرق.
ويصلح هذا العلاج أيضا للأشخاص الأصحاء، إذا كان لديهم مشكلة محددة مثل:
- التعامل مع الغضب.
- القلق من التحدث أمام الجمهور.
ماذا يحدث في جلسة العلاج السلوكي المعرفي؟
يمكن أن تكون الجلسات فردية أو جماعية مع مرضى يعانون نفس المرض، أو قد تجمع أفراد الأسرة معًا كما في حالة المشاكل الزوجية مثلًا، وتكون الجلسات كل أسبوع أو أسبوعين وتتراوح مدة الجلسة الواحدة بين ٣٠ و٦٠ دقيقة.
في الجلسة الأولى يحاول المختص تحديد المشكلة، وفهمها بعمق من خلال سؤالك عن شكواك، ومشاعرك، وتاريخك المرضي، والأحداث الهامة في حياتك، وبعد تحديد المشكلة سوف يستعرض معك طرق العلاج المتاحة. من المهم أن تتأكد في هذه الجلسة من أن الاختصاصي النفسي مؤهل للتعامل مع حالتك، تعرف على أهداف العلاج والنتيجة المتوقعة منه وطول مدته.
قد يتطلب مرضك استخدام بعض طرق العلاج الأخرى كالعلاج الدوائي، بالإضافة للعلاج المعرفي السلوكي.
سوف يشجعك المختص على التحدث عن مشاعرك وأفكارك وكل ما يزعجك، وقد تجد صعوبة في الحديث عن هذا، فهو ما يحاول عقلك أن يتجنبه طوال الوقت، ولا بأس في ذلك؛ فسوف يساعدك المختص على استكشاف هذه الجوانب.
يتضمن العلاج ما يلي:
- شرحًا وافيًا عن طبيعة المرض
- تعلم وممارسة بعض التقنيات مثل الاسترخاء، المرونة النفسية، التأقلم، التعامل مع الضغوط، الثقة بالنفس.
- قد يطلب منك الطبيب تطبيق ما تعلمته في حياتك اليومية، وعمل بعض الأنشطة التي تفيدك في رحلة العلاج.
يُعد العلاج السلوكي المعرفي علاجًا قصير الأمد؛ إذ يتراوح عدد الجلسات عادة بين ٥ و٢٠ جلسة، ويعتمد طول مدة العلاج علي:
- طبيعة المرض.
- مدى شدة الأعراض.
- مدة المعاناة من المرض.
- معدل التحسن والاستجابة للعلاج.
- الدعم المعنوي من العائلة والأصدقاء.
- الضغوط التي يتعرض لها المريض.
من واجب المختص الحفاظ على سرية معلوماتك، إلا في حالة احتمال التسبب بالضرر لنفسك أو لغيرك، كالتفكير بالانتحار مثلًا.
خطوات العلاج السلوكي المعرفي
يتميز هذا النوع من العلاج بأنه ممنهج ومحدد الخطوات وهي:
- تحديد المشكلة وأهداف العلاج.
- خلق الوعي بالمشاعر والأفكار المسببة للمشكلة، والمصاحِبة لها، والتعرف على معتقدات المريض حول نفسه والآخرين، وقد يطلب المختص من المريض كتابة يومياته.
- تحديد الأفكار السلبية، والمعتقدات الخاطئة، والتعرف على أنماط التفكير والسلوك المسببة للمشكلة.
- إعادة تشكيل أفكار المريض ومعتقداته وهي الخطوة الأكثر صعوبة عادةً؛ فهذه الأفكار غالبًا ما تكون ذات عمر طويل وجذور عميقة.
النتائج المتوقعة
قد لا يشفي العلاج السلوكي المعرفي مرضك، أو يجعل المواقف المسببة للتوتر لديك تختفي، لكنه يعلمك الأدوات اللازمة للتعامل الصحيح مع أزماتك، لتجنب تأثيراتها السلبية عليك، ويساعدك على أن تكون راضٍ عن حياتك.
أدوات العلاج السلوكي المعرفي
- التقييم المستمر، وملاحظة النجاحات الصغيرة، وكذلك تحليل أسباب الإخفاق دون تهويل أو تهوين.
- أنشطة لعب الأدوار المختلفة.
- طرق لتهدئة العقل والجسم.
- التعرض تدريجيًا لمصادر الخوف التي يتجنبها المريض.
- أنشطة يطلب المختص من المريض عملها بين الجلسات، وفي حياته بصفة عامة.
- التدوين في دفتر يوميات.
- ممارسة المهارات التي تعلمها المريض في حياته اليومية.
كيف تحقق أقصى استفادة
لكي يكون العلاج فعالًا يجب عليك أن :
- كن شريكا فعالا في اتخاذ القرار، لا تنتظر أن يقدم لك المختص حلولا جاهزة على طبق من ذهب، بل يجب أن تفكر في ما تستطيع أنت تنفيذه، فلا يوجد علاج يناسب الجميع.
- حاول أن تكون منفتحا وصادقا في مشاعرك وأفكارك، وحاول أن تنظر إلى الأمور من زاوية أخرى، بدلا من التمسك بأفكارك السابقة.
- قاوم شعورك بالإحباط والكسل، وحاول أن تلتزم بحضور الجلسات، وتحدث مع المختص عن أفكارك ومشاعرك السلبية.
- لا تتوقع نتائج فورية، فمواجهة المشاعر السيئة، والمواقف التي تسعى دائما لتجنبها لا يكون سهلا، عليك بالمثابرة والصبر.
- اعمل ما عليك، قد يطلب منك المختص كتابة يومياتك، أو قراءة بعض المصادر، اتبع تعليماته فهذا يساعدك على تطبيق ما تعلمته.
- إذا شعرت أن العلاج غير فعال على مدار عدة جلسات، تحدث مع المختص، فربما يقرر تغيير خطة العلاج.
فاعلية العلاج السلوكي المعرفي
أظهرت البحوث أن العلاج السلوكي المعرفي يحسن جودة الحياة، ويتفوق في تأثيره على أغلب طرق العلاج النفسي، بما فيها الأدوية، كما أن أثره يمتد لمدة زمنية أطول من الأدوية، ويعد المعيار الذهبي للعلاج النفسي.
مميزات وعيوب العلاج السلوكي المعرفي
مميزات هذه الطريقة العلاجية:
- فعالة.
- قصيرة الأمد.
- مرنة، إذ يمكن الاستفادة بها أون لاين، أو من خلال كتب المساعدة الذاتية.
- تساعدك على تعلم مهارات للتعامل مع مشكلات الحياة اليومية، حتى بعد انتهاء مدة العلاج.
وأما العيوب فهي:
- الشعور بعدم الارتياح أحيانًا؛ لأن العلاج يجعلك تواجه مشاعرك المؤلمة، والمواقف المتعلقة بها، التي تحاول دائما تجنبها، لكن المختص سوف يساعدك على تعلم أساليب التغلب عليها.
- العلاج يتطلب منك الالتزام بتعليمات المختص، وتنفيذ ما يطلب منك؛ كي يحقق النتيجة المرجوة.
- لا يناسب مرضى صعوبات التعلم.
- لا يمحو المشكلة نفسها، وإنما يعتمد على تعلم الفرد طرقًا للتعامل معها.
- يركز فقط علي المشكلة الحالية، ولا يتعرض بتوسع لجذورها، مثل مشاكل الطفولة.
هل يمكن لغير المتخصص أن يستعمل العلاج السلوكي المعرفي؟
ظهرت في الآونة الأخيرة كثير من كتب المساعدة الذاتية، التي تعتمد على هذا العلاج، وتساءل الكثيرون عن مدى فاعليتها، ولا يوجد الكثير من البحوث حول هذا الموضوع، لكن من أهم مميزات العلاج السلوكي المعرفي، أن التقنيات المستخدمة به يمكن تعلمها. في الواقع يهدف هذا العلاج إلي تعليم المريض هذه التقنيات؛ حتى يستمر في التحسن حتى بعد انتهاء جلسات العلاج. لذلك أعتقد أن هذه الكتب قد تكون وسيلة ناجحة لمساعدة الأشخاص الأصحاء، بشرط أن يتأكدوا من الاختيار الصحيح للكتب، والتطبيق العملي بدلًا من الاكتفاء بالقراءة.
العلاج السلوكي المعرفي للأطفال
يصلح هذا العلاج أيضًا للأطفال؛ فهو يفيد في:
- تعديل السلوك السيئ، مثل نوبات الغضب.
- الخوف من الماء.
- طيف التوحد.
- ما بعد الصدمات.
- اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط.
- يجتمع المختص مع الطفل ووالديه؛ لتحديد خطة العلاج، ويتضمن العلاج أنشطة، وألعابًا مثل الرسم والتلوين، كما تصلح بعض التقنيات التي تستعمل مع البالغين، مثل التعرض التدريجي.
برامج تدريب الوالدين السلوكي
تعتمد الكثير من برامج تدريب الوالدين لتعديل سلوك الأطفال، والعديد من كتب التربية، على العلاج السلوكي المعرفي، وتشترك جميعها في بعض المبادئ وهي:
- التعرف على التطور الطبيعي للطفل، حسب المرحلة العمرية التي يمر بها، لأن بعض التصرفات التي قد يعدّها البعض سوء سلوك تكون في الحقيقة سلوكا طبيعيا في هذا السن.
- الانتباه إلى الإيجابيات وتشجيعها.
- قواعد استخدام المكافآت، لتعزيز السلوك الإيجابي.
- كيفية إرساء قواعد التعامل بالمنزل.
- استخدام العواقب للتعامل مع سوء السلوك المتعمد.
- كيفية التعامل مع المشاعر السلبية كالغضب.
- تعلم مهارات التواصل مع الطفل، وحل المشكلات.
هل يمكن أن تمارس عن بعد؟
تمثل الجلسات عن طريق الإنترنت حلًا رائعًا، في حال التواجد في مكان بعيد عن مقدمي هذا النوع من العلاج، وقد أثبتت البحوث أن نتائج هذه الجلسات تقترب كثيرًا من نتائج الجلسات العادية، وقد تتجاوزها.
مثال: العلاج السلوكي المعرفي للخوف من زيارة طبيب الأسنان
يخاف بعض الناس من زيارة طبيب الأسنان؛ بسبب اعتقادهم أن عمليات الأسنان سوف تسبب لهم ألمًا شديدًا لا يحتمل، ربما يرجع السبب إلى تجربة سيئة للمريض حينما كان طفلًا.
يحدد المختص بالتعاون مع المريض الفكرة الخاطئة، وهي “لقد شعرت بالألم الشديد حين خلع الطبيب ضرسي سابقًا؛ إذن كل زيارات طبيب الأسنان مؤلمة.”
بعد تحديد الفكرة الخاطئة، يساعد المختص المريض في تغيير هذه الفكرة، ورؤية زيارة طبيب الأسنان من منظور جديد، وبالتالي التغلب على هذا الخوف.
وأنت أيضًا عزيزي القارئ، تستطيع التغلب على مخاوفك ونقاط ضعفك، وتستطيع الوصول لكل المعلومات اللازمة، وحتى العلاج المتخصص إذا دعت الحاجة، لكن كلمة السر هي: التطبيق العملي.
اقرأ أيضًا
مرض فقد الشهية العصبي | اضطراب الأكل الشهير