تُعد حمى البحر المتوسط مرض وراثي نادر، اكتُشفت بداية في بعض السكان العرقيين لدول البحر المتوسط. وتسمى أيضًا التهاب العضلات المتكرر، تتميز بنوبات متكررة من الحمى، والتهاب الزائدة الدودية، وألم المعدة، والتهاب الرئة، وتورم المفاصل وألمها.
تصنف حمى البحر المتوسط من الأمراض المزمنة، وتسبب نوبات متكررة؛ لذلك قد تسبب إعاقة قصيرة المدى، وتؤثر بشكل كبير على طبيعة حياة المريض.
من الجيد، أن الأدوية الحديثة المضادة للالتهابات تمنع ظهور معظم الأعراض.
ماهي حمى البحر المتوسط العائلية؟
هي خلل وراثي ذا صفة متنحية، وهذا يعني أنها تورث من أحد الآباء.
يرتبط هذا المرض بطفرات تحدث في المادة الوراثية الخاصة بحمى البحر المتوسط (MEFV).
بالرغم من وجود أكثر من 30 نوعًا، فإنه لا تظهر الأعراض، إلا إذا توافر نسختين وراثيتين من الطفرة من كلا الأبوين، ووجود نسختين لا يعني بالضرورة الإصابة بالمرض.
يكثر وجود المرض في سكان البحر المتوسط وهم: العرب، والأتراك، والإيطاليون، واليهود، والأرمن، والأذربيجانيون، واليونانيون.
على عكس الأمراض المناعية الذاتية التي يهاجم فيها الجهاز المناعي خلاياه، فإن حمى البحر المتوسط هي مرض التهابي ذاتي، إذ لا تعمل المناعة الفطرية -الخط الدفاعي الأول للجسم- كما ينبغي.
تعرف الأمراض الالتهابية الذاتية بالالتهابات المفاجأة دون سبب؛ غالبًا ما تكون نتيجة خلل وراثي.
تؤثر الطفرة الجينية لحمى البحر المتوسط على الكروموسوم 16 (واحد من 23 زوج من الكروموسومات التي تكون DNA للإنسان)، هذا الكروموسوم مسئول عن تصنيع بروتين البيرين الذي يوجد في خلايا الدَّم البيضاء الدفاعية. بالرغم من أن وظيفة بروتين البيرين غير واضحة بشكل كامل، إذ يعتقد كثير من العلماء، أنه مسؤول عن تخفيف الاستجابة المناعية بالسيطرة على الالتهاب.
أسباب حمى البحر المتوسط
تحدث الإصابة بالحمى، عندما يكون الشخص لديه جينين متنحيين. وهذا يحدث عندما يساهم كلًا من الأبوين -غير المصابَين- بجين متنحي لطفلهم، إذ يعد الأبوين حاملين للمرض. إذ يمتلك كل واحد منهم جين سائد (عادي) وآخر متنحي (متحور).
إذا كان الأبوين حاملين للمرض، فنسبة توزيع الجينات للطفل واكتسابها كالآتي:
- جينان متنحيان، ومن ثَم الإصابة بالمرض بنسبة 25%.
- جين سائد وآخر متنحي، ويصبح حامل للمرض -غير مصاب لكن يورَّثه- بنسبة 50%.
- اكتساب جينين سائدين، ويظل معافى -غير مصاب وغير حامل للمرض-بنسبة 25%.
عوامل الخطورة
العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بحمى البحر المتوسط وهي:
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بالمرض.
- أن تكون من سكان البحر المتوسط الأصليين.
نوبات حمى البحر المتوسط
نظرًا لوجود 30 نوعًا من طفرات المادة الوراثية الخاصة بحمى البحر المتوسط؛ يؤدي اندماج الصفات المتنحية المختلفة إلى نتائج مختلفة تمامًا. لذلك تتراوح النوبات في شدتها من خفيفة إلى منهكة، وكذلك يختلف تكرار النوبات، قد تكون كل بضعة أيام، أو كل بضع سنين.
قد تتطور علامات حمى البحر المتوسط مبكرًا في الطفولة، لكن تبدأ بشكل شائع في العشرينيات.
تكون النوبات على هيئة صداع وحمى من يوم لثلاثة أيام، بالإضافة إلى حالات التهابية أخرى مثل:
- الجنبة: هو التهاب بطانة الرئتين، مسببة ألم في التنفس.
- الصفاق: هو التهاب جدار البطن، مصحوبًا بألم، ومضض -شعور بالألم عند الضغط على المنطقة المصابة-، وحمى، وغثيان، وقيء.
- التامور: هو التهاب بطانة القلب، ويتميز بآلام حادة في الصدر.
- السحايا: هو التهاب الأغشية التي تغطي الدماغ والنخاع الشوكي.
- طفح جلدي منتشر وملتهب، خاصة تحت الركبتين.
- ألم العضلات.
- التهاب الخصيتين عند الرجال؛ يسبب ألم وتورم (مما قد يزيد من خطر الإصابة بالعقم).
- تضخم الطحال.
مضاعفات حمى البحر المتوسط
اعتمادًا على شدة وتكرار النوبات، تسبب حمى البحر المتوسط مضاعفات صحية على المدى الطويل، حتى لو كانت الأعراض خفيفة.
تحفز الحمى إنتاج بروتين الأميلويد (Amyloid)، هذا البروتين يتراكم ويسبب تلف الأعضاء الرئيسية، وغالبا ما تكون الكلْيَة.
إذ تتلف أنظمة الترشيح للكلية، وتفقد كمية كبيرة من البروتين في البول، ثم حصول تجلط للدم في الكلية، فيحدث الفشل الكلوي.
يعد الفشل الكلوي من أخطر مضاعفات الحمى، قبل ظهور الأدوية المضادة للالتهابات.
يزداد حدوث أمراض التهابية أخرى للأفراد المصابة بالحمى مثل: أشكال مختلفة من التهاب الأوعية الدموية، والتهاب الأمعاء.
التشخيص
- يعتمد على تاريخ ونمط النوبات، وتعد مدة النوبات مفتاح التعرف على المرض، التي نادرًا ما تستمر أكثر من ثلاثة أيام.
- تطلب اختبارات الدم لتقييم نوع ومستوى الالتهاب الذي يتعرض له الشخص، وتشمل:
- فحص دم شامل (CBC): للكشف عن زيادة خلايا الدم البيضاء الدفاعية.
- معدل الترسيب (ESR): لمعرفة الالتهاب الحاد أو المزمن.
- بروتين C التفاعلي (CRP): للكشف عن الالتهاب الحاد.
- تحليل بروتين الهابتوغلوبين (haptoglobin): إذ ينخفض عند حدوث نوبة حادة، يستخدم لمعرفة إذا ما دُمرت خلايا الدم الحمراء، كما يحدث مع الأمراض الالتهابية الذاتية.
- اختبار البول:للكشف عن زيادة من بروتين الألبومين في البول، فهذا دليل على ضعف الكلى المزمن.
- بناءً على هذه النتائج، قد يطلب الطبيب اختبار جيني لتأكيد الطفرة الجينية الخاصة بحمى البحر المتوسط.
- كذلك قد يوصي الطبيب باختبار الاستثارة، وهو أخذ دواء يسمى ميتارامينول (Metaraminol) يحث على ظهور الأعراض الخفيفة للحمى، في غضون 48 ساعة من الحقن. تعطى النتيجة الإيجابية الطبيب مستوى عالي من الثقة في تشخيص المرض.
علاج حمى البحر المتوسط
لا يوجد علاج للمرض إلى الآن، لكن يوجد بعض الأدوية المستخدمة في تقليل حدة الأعراض، منها: المسكنات (NSAIDS) مثل: الفولتارين.
كذلك دواء مضاد النقرس الكولشيسين (Colchicine) يقلل حدة وتكرار النوبات، لذلك يُوصف بشكل دائم.
يُوصف للبالغين جرعة من 1 إلى 1.5 ملي جرامًا يوميًا وقد تصل إلى 3 ملي جرام عندما يكون المرض أكثر حدة. وقد تقل الجرعة لمرضى الكبد والكلى. مهما كانت حالتك، سيصف لك الطبيب أقل جرعة فعالة.
الكولشيسين دواء فعال جدًا في علاج الأعراض؛ إذ إن 75% من المصابين لم يعانوا عودة الأعراض، بينما 90% من المصابين لاحظوا تحسن، بالإضافة إلى استخدام الكولشيسين يقلل بشكل كبير خطر الحمى، والمضاعفات بما فيها الفشل الكلوي.
بالرغم من فاعليته، فإن له أعراض جانبية مثل:
- غثيان.
- إسهال.
- ألم البطن.
بالإضافة لأعراض جانبية نادرة الحدوث مثل:
- إيقاف نخاع العظام، مسببًا قلة عدد خلايا الدم البيضاء، وقلة الصفائح الدموية.
- تسمم الكبد.
- طفح جلدي.
- إصابة في العضلات.
- إحساس بالوخز في اليدين والقدمين.
كذلك يجب توخي الحذر من استخدامه، في وجود أمراض الكبد والكلى.
كيفية التأقلم؟
عندما تعلم أنك أو طفلك مصاب بمرض مزمن، قد تشعر بالإحباط والضجر لذلك ينبغي اتباع بعض النصائح تساعدك على التأقلم:
- اقرأ عن حمى البحر المتوسط بشكل كافٍ، لتعرف حقيقة المرض، وكيفية التعامل معه، وتقليل نوباته؛ فتشعر بارتياح عند اتخاذ أي قرارات.
- ابحث عن شخص تتكلم معه، سواء كان فرد من العائلة، أو صديق تثق به، أو المعالج؛ إذ تجد راحة في التعبير عن خوفك وقلقك من المرض، فتطمئن لوجود أحد بجانبك يدعمك ويخفف عنك.
وختامًا، اعلم عزيزي القارئ أن الدنيا دار ابتلاء، ومقدر لكل شخص ما يُبتلى به، والصبر على البلاء أول خطوات الشفاء، ثم اتخاذ الأسباب من نصائح، وعلاج، وكيفية التكيف معه.
اقرأ أيضًا
الأمراض الوراثية | الجينات المرضية