د.آية أمين
“أريد أن أعرف أكثر عن تجاربكم مع داء منيير” كان هذا أول طلب لي في إحدى المجموعات المعنية بهذا المرض على منصة من منصات التواصل الاجتماعي.
أعاني مرض منيير منذ فترة، ولا أعلم عنه الكثير، ولا أعرف كيف أتعامل معه، نصحتني صديقتي بالانضمام إلى هذه المجموعة التي أفادتني كثيرًا.
في السطور القليلة القادمة سنعرف أكثر عن داء منيير، ما هو؟ وما أسبابه؟ وما أهم أعراضه وكيفية علاجه؟
ما داء منيير؟
هو اضطراب في الأذن الداخلية؛ يؤدي إلى نوبات من الشعور بالدوار وعدم الاتزان، وكذلك قد يسبب طنينًا في الأذن ومشكلات في السمع مع الشعور بارتفاع الضغط داخل الأذن، وعادةً ما يصيب أذن واحدة فقط.
سمي بداء منيير نسبةً إلى الطبيب الفرنسي بروسبير منيير (Prosper Meniere)، وكان أول من أشار -عام 1860- إلى أن هذه الأعراض ناتجة عن اضطراب بالأذن، وليس نتيجة اعتلالًا بالمخ كما كان يُعتقد.
لكن ما أسباب داء منيير؟
لا يعرف السبب الحقيقي في حدوث داء منيير، لكن يعتقد الأطباء أن أعراضه تحدث نتيجة تجمع السوائل في جزء من الأذن الداخلية يُسمى التيه.
تتداخل السوائل مع الإشارات التي ترسلها الأذن للمخ مسببةً الدوار ومشكلات السمع.
يعتقد العلماء أن داء منيير قد يحدث نتيجة الأسباب الآتية:
- وجود انسداد بالأذن أو تركيب غير طبيعي بها يؤدي إلى خلل في تصريف السوائل.
- مرض مناعي ذاتي (يهاجم جهاز المناعة الخلايا السليمة).
- عدوى فيروسية.
- ميل وراثي للإصابة بالمرض.
- ضربة على الرأس.
- الصداع النصفي.
ما أهم أعراض داء منيير؟
تحدث الأعراض على هيئة نوبات، ولا يعاني المصابون بداء منيير أي أعراض بين هذه النوبات، وتتضمن الأعراض ما يلي:
- إحساس بالدوخة أو الدوار يظهر ويختفي فجأةً، قد يمتد مدة 20 دقيقة ويمكن أن يصل لعدة ساعات، لكنه لا يدوم أكثر من 24 ساعة.
- فقدان السمع في الأذن المصابة.
- طنين بالأذن المصابة.
- الامتلاء الأذني؛ الشعور بضغط في الأذن المصابة أو انسدادها.
- فقد الاتزان.
- الصداع.
- غثيان وقيء وتعرق نتيجة الدوار.
- رؤية ضبابية.
داء منيير مرض تقدمي ويزداد سوءًا مع الوقت، ومع تفاقم المرض قد يصبح الطنين وفقد السمع مشكلتين دائمتين، وكذلك قد يحدث مشكلات في الرؤية والاتزان.
كيفية تشخيص داء منيير
يجري الطبيب عدة اختبارات للتحقق من الإصابة بالمرض، وكذلك لاستبعاد أي أمراض أخرى قد تتشابه أعراضها مع داء منيير، ومن هذه الاختبارات:
اختبار قياس السمع
يجرى هذا الاختبار لتحديد ما إذا كان المريض يعاني فقد السمع أو ضعفه.
يضع المريض سماعات على أذنيه ومن خلالها يسمع أصوات بمستويات وترددات مختلفة، وبذلك يستطيع الطبيب تحديد مقدار ضعف السمع.
يطلب الطبيب من المريض ترديد بعض الكلمات بعد سماعها من خلال السماعة، وذلك ليحدد إذا كانت مشكلة السمع في أذن واحدة أو الاثنتين.
اختبارات تقييم التوازن
تعود حالة الاتزان إلى طبيعتها بين النوبات، لكن قد يعاني المريض بعض مشكلات التوازن المستمرة.
تستخدم هذه الاختبارات لتقييم وظيفة الأذن الداخلية، ومنها:
- تخطيط كهربية الرأرأة (Electronystagmography ENG)
ترتبط مستشعرات الاتزان الموجودة في الأذن الداخلية بالعضلات المتحكمة في حركة العين، ولذا يمكن تقييم حالة الاتزان بتسجيل حركة العين.
في هذا الاختبار تثبت أقطاب كهربائية حول العين، ويُدفع ماء ساخن وبارد في قنوات الأذن وتسجل حركة العين، أي اضطراب بها يشير إلى مشكلة في الأذن الداخلية.
- اختبار الكرسي الدوار
يستخدم أيضًا في تقييم الاتزان لدى المريض، ويوضح للطبيب إذا كانت المشكلة ناتجة عن خلل بالأذن أم المخ.
تسجل حركة العين والمريض جالسًا على كرسي دوار يتحكم به الكمبيوتر.
- تخطيط كهربية القوقعة
يقيّم رد فعل الأذن الداخلية للصوت، وكذلك يساعد على اكتشاف زيادة ضغط السوائل بها.
- فحص الجهد عضلي المنشأ بالتحريض الدهليزي
يظهر هذا الاختبار التغيرات الناتجة في الأذن المصابة بداء منيير، وقد أظهر بوادر نجاح في اكتشاف المرض وكذلك متابعته.
- تصوير حركة الجسم
يحدد تصوير حركة الجسم المحوسب أي أجزاء الاتزان -الرؤية، أو الأذن الداخلية، أو الإحساس من الجلد، أو الأوتار والعضلات والمفاصل- يعتمد المريض عليه أو يسبب مشكلة.
يقف المريض حافي القدمين -مرتديًا حزام أمان- على منصة، ويحاول الحفاظ على توازنه في ظروف مختلفة.
- فحص الفيديو لقياس نبض الرأس
اختبار جديد لقياس رد فعل العين نتيجة حركة الجسم المفاجئة.
اختبارات لاستبعاد أي أمراض أخرى
تستخدم عدة اختبارات مثل: فحوصات الدم، وصور الأشعة، والرنين المغناطيسي لاستبعاد أي أمراض قد تتشابه أعراضها مع داء منيير مثل التصلب اللويحي المتعدد وأورام المخ.
علاج داء منيير
يعد داء منيير مرضًا مزمنًا، ولا يوجد علاج له، لكن هناك عدة علاجات تقلل عدد النوبات وشدتها ومنها:
العلاج الدوائي
- تقلل أدوية دوار الحركة -مثل الميكليزين وديازيبام – الشعور بالدوار ويساعد على التحكم بالغثيان والقيء في أثناء النوبة.
- مضادات الغثيان -مثل البروميثازين- لتقليل الشعور بالغثيان والقيء في أثناء النوبة.
- مدرَّات البول لتقليل السوائل في الجسم.
العلاج الطبيعي
تساعد تمارين إعادة التأهيل الدهليزي على تحسين أعراض الدوار، وتدريب المخ على حساب الفرق في التوازن بين الأذنين.
الأجهزة المساعدة على السمع
يساعد تركيب هذه الأجهزة في الأذن المصابة بداء منيير على تحسين قدرة المريض على السمع.
حقن الأذن الوسطى
تحقن أدوية في الأذن الوسطى، ثم تمتصها الأذن الداخلية، وتساعد على تقليل الدوار.
تتضمن هذه الأدوية ما يأتي:
- الجنتاميسين: مضاد حيوي سام للأذن الداخلية، يقلل وظيفة التوازن في الأذن المصابة تاركًا مهمة التوازن للأذن السليمة، لكنه قد يؤدي إلى فقد السمع.
- الستيرويدات: مثل الديكساميثازون، يساعد على التحكم في نوبات الدوار.
يجب عدم تناول أي أدوية دون استشارة الطبيب
العلاج الجراحي
قد يختار الطبيب المختص التدخل الجراحي؛ إذا كانت نوبات الدوار المرتبطة بداء منيير شديدةً ومنهكة للجسم، والعلاجات الأخرى غير مجدية.
تتضمن الإجراءات الجراحية ما يلي:
- إجراء الكيس اللمفي
يلعب الكيس اللمفي دورًا في تنظيم ضغط السوائل في الأذن الداخلية.
يفك ضغط الكيس اللمفي في أثناء العملية، وبذلك يخف مستوى السوائل الزائدة، في بعض الحالات يصاحب هذا الإجراء وضع تحويلة وهي أنبوبة لتصريف السوائل الزائدة في الأذن الداخلية.
- استئصال المتاهة
تستأصل المتاهة -الجزء المسؤول عن الاتزان في الأذن الداخلية- وبذلك تفقد الأذن المصابة كلا من وظيفة الاتزان والسمع، لذا تجرى فقط في حالة فقد السمع الكلي أو شبه الكلي.
- قطع العصب الدهليزي
يقطع في هذا الإجراء العصب الدهليزي، هو الذي يربط بين مستشعرات التوازن والحركة في الأذن الداخلية بالمخ.
يصحح هذا الإجراء مشكلات الدوار مع محاولة الحفاظ على السمع في الأذن المصابة.
البيتاهستين (Betahistine)
يشبه البيتاهستين -في جزء من صفاته- الهيستامين (Histamine)، ويأتي في صورة أقراص تؤخذ بالفم.
يُستخدم البيتاهستين في علاج مرض منيير في ألمانيا، قبل اللجوء إلى العلاج الجراحي أو الحقن، لكن لا توافق هيئة الغذاء والدواء الأمريكية على استخدامه.
مرض منيير والحمل
يوجد قليل من الدراسات تشير إلى تأثير الحمل على مسار المرض.
أثبتت إحدى الدراسات إلى زيادة عدد نوبات الدوار -تصل إلى 10 مرات في الشهر- في الشهور الأولى للحمل، لكن مع تقدم الحمل يقل عدد النوبات.
هل يمكن الوقاية من داء منيير؟
لا يمكن الوقاية من داء منيير، لكن هناك عدة وسائل تساعد على التحكم في أعراضه، ومنها:
- في أثناء نوبة الدوار
إذا واجه المريض إحدى نوبات الدوار، يجب عليه:
- الجلوس والبقاء ساكنًا.
- تجنب الحركات المفاجئة، والضوء الساطع، والأصوات العالية.
- تركيز النظر على شيء ثابت.
- النظام الغذائي
يجب أن يتبع المريض نظامًا غذائيًا قليل أو خالي من الملح، الكافيين، الشيكولاتة، وذلك لتقليل آثار المرض.
يجب الحفاظ على شرب من 6 إلى 8 أكواب من الماء يوميًا؛ حتى لا يحتفظ الجسم بالماء.
- تغيير نمط الحياة
يجب على المريض تغيير نمط حياته على النحو الذي يساعده على تحسين الأعراض، ويتضمن ذلك التغيير ما يلي:
- الانتظام في تناول الطعام؛ للمساعدة على تنظيم السوائل في الجسم.
- تجنب التوتر والقلق.
- الإقلاع عن التدخين.
- تجنب مسببات الحساسية.
ختامًا عزيزي القارئ يبقى سؤال هل مرض منيير خطير؟ الإجابة لا. على الرغم من أنه مرض مزمن وقد يسبب مشكلات في الأذن والسمع، إلا إنه ليس معديًا ولا قاتلًا.