د. أسماء شهاوي
ذهبت فاطمة بصحبة طفلها الرضيع ذي العدة أشهُر لزيارة طبيب الأطفال، لتتابع صحة طفلها وجدول تطعيماته، فأخبرها الطبيب بعدة محاذير، وأوصاها بالحرص على الرضاعة الطبيعية، والالتزام بالتطعيمات ومن أهمها التطعيم الذي يقي من الإصابة بفيروس الروتا الذي يسبب إسهال شديد يؤدي للجفاف والوفاة في بعض الأطفال.
فشعرت فاطمة بالذعر وطلبت من الطبيب أن يخبرها بالتفصيل عن هذا الفيروس، وهل هو معدي؟ ومن هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة؟ وهل يمكن أن يصيب الكبار أم الرضع فقط؟ وما طرق الوقاية والعلاج؟ وما الطريقة المُثلى للتعامل مع المريض المصاب بفيروس الروتا؟
فيروس الروتا أو الفيروس العَجَلي
هو فيروس ينتمي لعائلة “Reoviridae” يظهر تحت الميكروسكوب بشكل دائري يشبه العجلة، كلمة “عجلة” باللغة اللاتينية تعني “rota”، من هنا جاءت التسمية.
وفيروس الروتا من أشهر مسببات الإسهال والقيء، ويمكن أن تصل حدة الإصابة بهذا الفيروس العجلي إلى الجفاف الشديد نتيجة فقد الجسم لكميات كبيرة من المياه، كما تسبب في حوالي 215000 حالة وفاة سنويًا.
وترتفع نسب الإصابة في الأطفال دون الخمس سنوات، كما يمكن أن يصيب الكبار، وهو من الفيروسات شديدة العدوى.
أعراض الإصابة بفيروس الروتا
تبدأ الأعراض في الظهور بعد حوالي يومين من التعرض لمصدر العدوى، حيث يعاني المصاب:
- قيء.
- آلام بالبطن.
- ارتفاع بدرجة الحرارة.
تبدأ الأعراض بتلك الصورة، وعند انتهاءها يبدأ الإسهال الشديد ويمكن أن يستمر لـ 5 أو 7 أيام.
ونتيجة لفقد الجسم لكميات كبيرة من السوائل والأملاح مع القيء والإسهال، يعاني المصاب بفيروس الروتا:
- إعياء شديد.
- جفاف بالفم.
- بكاء بدون دموع.
- نقص معدل التبول وتراجع كميته.
- قلة النوم.
- فقد الرغبة في الطعام والشراب.
- جفاف يزيد مع مرور أيام المرض.
يُعد الجفاف من أخطر أعراض فيروس الروتا التي تصيب الأطفال وخاصةً الرُضّع، حيث أجسامهم ضعيفة وأوزانهم لا تحتمل فقد كميات كبيرة من الماء والأملاح.
لذلك يجب الرجوع للطبيب فورًا إذا استمر القيء والإسهال عند الطفل أكثر من 24 ساعة، أو تخطت الحرارة 40 درجة مئوية، أو تحول لون البراز للسواد أو احتوى بقع دماء، كما أن خمول الطفل ورفضه للطعام والشراب بجانب الأعراض المذكورة يُنبئ بحالة عاجلة تحتاج التدخل الفوري.
أما في البالغين تكون الأعراض أقل حدة وخطورة، ولكن لا يجب إهمالها حتى لا تتفاقم، حيث يسبب الجفاف ضعف عام وهزال.
عند استمرار الأعراض يجب مراجعة الطبيب لتشخيص المرض وعلاج الأعراض، ويكون التشخيص بأخذ عينة من براز المريض وتحليلها معمليًا.
فيروس الروتا عند الأطفال الرضع
كما ذكرنا سابقًا، تعلو معدلات الإصابة بالفيروس العجلي بين الأطفال مقارنةً بالبالغين، فمعدل العمر بين 3 و35 شهر يكون أكثر عُرضة للعدوى.
بحسب CDC فإنه قبل عام 2006 -حيث تم إدخال لقاح فيروس الروتا- كانت معدلات الإصابة السنوية في الأطفال الأقل من 5 سنوات في الولايات المتحدة كالآتي:
- زار حوالي 400000 طفل طبيبهم إثر الإصابة بفيروس الروتا.
- وحُجز حوالي 60000 طفل بالمستشفيات.
- واحتاج على الأقل 200000 طفل عناية طوارئ.
- وتراوحت الوفيات بين 20 و60.
لكن الخبر الجيد أن هذه الأرقام انخفضت بنسبة 90% عقب استخدام لقاح فيروس الروتا.
يصيب فيروس الروتا الرُضع بشكل أكبر حيث جهازهم المناعي لم يكتمل تكوينه.
كما أن رغبتهم في اكتشاف العالم عن طريق وضع الأشياء بالفم تجعلهم أكثر عُرضة للفيروس.
تُعد الرضاعة الطبيعية من أهم العوامل التي تساعد على بناء حصن مناعي قوي يحمي الطفل من الإصابة بالأمراض المعدية، كما أنها تساعد في التغلب على الجفاف الذي يسببه فيروس الروتا.
تزيد احتمالات الإصابة بين الأشخاص المسئولين عن رعاية الأطفال في الحضانات ومراكز الرعاية، وأقارب الطفل والمخالطين له.
هل فيروس الروتا مُعدي؟ وما هو مصدر العدوى؟
نعم فيروس الروتا شديد الانتشار والعدوى، ويشمل خطر العدوى كل المحيطين بالطفل أو الشخص المصاب خاصة الأطفال.
وتتركز الفيروسات المعدية في براز وقيء المريض، تحدث العدوى عند وصول هذه الأجسام إلى اليد ومنها للفم.
كما توجد الأجسام المُعدية في جسم المريض قبل ظهور الأعراض وتستمر حتى 10 أيام بعد زوالها، فيُمكن للطفل الحامل للعدوى أن ينشرها عند استخدام المرحاض.
كما يسبب الإهمال في غسل اليدين عقب التبول والتبرز في نشر العدوى.
وتنشر يد الطفل الملوثة بالروتا العدوى إلى الألعاب وأدوات التلوين والطعام والأشياء الأخرى التي يلمسها الطفل ويتعامل معها، فتنتشر العدوى للآخرين.
كما يسبب إهمال المربيات والأمهات غسل أيديهن جيدًا عقب تغيير الحفاضات للطفل في حدوث العدوى لهن أو للأطفال الآخرين عند التعامل معهم.
يستطيع فيروس الروتا العيش على الأسطح المختلفة لأسابيع، منتظرًا من يأخذ العدوى بلمس الأسطح بيده إلى فمه.
وزمنيًا يُعد الشتاء والربيع والأشهر الأكثر برودة من أكثر المواسم التي تنتشر فيها عدوى فيروس الروتا.
علاج فيروس الروتا
حتى الآن لا يوجد علاج للفيروس العجلى بحد ذاته، ولا نستخدم معه المضادات الحيوية ولا مضادات الفيروسات حيث لا تُجدي نفعًا، لكن تُعالج الأعراض.
أهم عرض يجب السيطرة عليه هو الجفاف، ونتغلب عليه بإمداد المريض بمحاليل وسوائل تُعوض جسده الأملاح المفقودة والماء.
يجب إمداد الطفل بكميات مناسبة حسب وزنه وسنه وحالته من:
- الماء.
- الرضاعة الطبيعية.
- الحساء الغني بالفيتامينات والمعادن.
- الطعام الصلب إن كان الطفل يستطيع الأكل حتى نقلل الإسهال.
- محلول جفاف يصفه الطبيب المعالج.
- نتجنب الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون.
- نبتعد عن عصير التفاح والحليب والجبن.
وفي حالة عدم السيطرة على القيء والإسهال بالطرق السابقة يجب الذهاب للمستشفى للحصول على الرعاية المناسبة مثل:
- المحاليل الوريدية (IV) حيث يدخل أنبوب رفيع ومرن في الوريد وتمر السوائل من خلال هذا الأنبوب إلى الدم.
- تحاليل الدم لقياس مستويات السكر والملح والمواد الكيميائية الأخرى (الشوارد) في الدم.
طرق الوقاية من عدوى الفيروس العجلي
كما تقول الحكمة “الوقاية خير من العلاج”، وفيروس الروتا ضعيف بحد ذاته ويمكن التخلص منه بسهولة بطرق النظافة العادية.
فالاهتمام بالنظافة الشخصية وغسل اليدين قبل الأكل، وغسلهما جيدًا بالماء والصابون عقب استخدام المرحاض، يجنبنا احتمالات الإصابة بالعدوى.
كما يجب أن تهتم الأمهات والمربيات بغسل أيديهن جيدًا عقب تغيير حفاضات الأطفال، والتخلص من الحفاضات فورًا بشكل صحيح.
نتجنب أيضًا لمس باقي أجزاء جسم الطفل -قبل غسل اليدين- خاصة يديه حتى لا يضعها بفمه وتنتقل له الميكروبات.
وعند ظهور أعراض إعياء أو حرارة أو إسهال وقيء عند أطفال الحضانة، لا داعي للذهاب والاختلاط بأطفال آخرين تجنبًا لنشر العدوى.
ولابد من التطهير الدوري للأسطح والأدوات المشتركة التي يستخدمها الأطفال مثل الألوان والألعاب وغيرها.
ومن أفضل طرق الوقاية تحصين الطفل باستخدام مصل الروتا في المواعيد المحددة للجرعات.
التحصين ضد فيروس الروتا
يوجد نوعان:
- روتاتك (RotaTeq®): يُعطى على 3 جرعات، الأولى عند عمر الشهرين، والثانية عند 4 شهور، والثالثة عند 6 شهور.
- روتاركس (Rotarix®): يُعطى على جرعتين، الأولى عند عمر الشهرين، والثانية عند عمر 4 شهور.
ويكون التطعيم نقط بالفم وليس باستخدام الحقن.
وأثبت التطعيم فعالية كبيرة في الأطفال منذ بدأ استخدامه في عام 2006، حيث تراجعت نسب الوفيات التي يسببها فيروس الروتا، وقلت نسب الإصابة به بين الأطفال خاصةً الرُضّع.
ولكن حتى الآن لا يوجد لقاح مناسب للأطفال الأكبر سنًا والبالغين، لذلك وجب الحرص على إعطاء الرضيع جرعاته من تطعيم الروتا في مواعيدها المحددة قبل أن يتخطى السن المناسب.
بالطبع لا يوجد لقاح فعّال بنسبة 100% ولكنها محاولات لتقليل فرص الإصابة.
يجب المتابعة مع الطبيب المختص قبل التطعيم وبعده حتى يتعامل مع الحالة إن ظهرت بعض الأعراض الجانبية الطبيعية للتطعيم.
قد تكون هذه الأعراض ارتفاع الحرارة أوإسهال أوحساسية، ولكنها نادرة ويمكن التعامل معها بسهولة.
علاقة فيروس الروتا والتوحد
فيروس الروتا ليس له علاقة مباشرة بالتوحد، لكن تحدثت بعض الدراسات مؤخرًا حول علاقة بعض التطعيمات بالتوحد، لكن إلى الآن لم تثبت صحة أيًا منها.
تحدثت الدراسات تحديدًا عن لقاح الحصبة-النكاف-الروبيلا (MMR)، وأن بعض الأطفال ظهرت عليهم أعراض معوية ونفسية تُشبه التوحد.
كان الطبيب البريطاني “أندروز ويكفيلد” من الأسماء التي لمعت مع هذه الفرضية، حيث نشر أوراقًا بحثية بمجلة “The Lancet” تدّعي علاقي تطعيم MMR بالتوحد.
لكن سرعان ما فندت السلطات هذه الادعاءات، وقام المجلس الطبي البريطاني بمنع ويكفيلد من ممارسة الطب في بريطانيا.
ولم نتوصل لأي معلومة ثابتة حول هذه الفرضية.
في النهاية وجب التأكيد على أنه رغم خطورة الإصابة بفيروس الروتا، ومآلاته السيئة على صحة الطفل، إلا أن تجنبه غير صعب بالمرة، فلنأخذ تدابيرنا ولنتابع صحة الطفل مع طبيبه المختص، ليكبر أطفالنا بصحة وأمان.
أقرأ أيضًا
النزلات المعوية عند الأطفال | أسبابها وطرق علاجها