من منَّا لم ينبهر بقصص الأبطال الخارقين، مثل: الخارقين الأربعة؛ وبالأخص الرجل ذو الجسم الحجري والبِنية الغريبة، بالطبع كان هذا مفاجأةً كبيرةً لنا أن يتمكن شخص من خلق هذه الشخصية الخيالية.
لكن دعني أفاجئك -عزيزي القارئ- أن هذا ليس بخيال، وأن مثل هذه الحالات توجد فعلًا في الحياة الواقعية، إذًا لما لا نتعرف إلى هذه الظواهر النادرة وما يشابهها في طيات هذا المقال.
ما المراد بمتلازمة الجسم الحجري (Stone man syndrome)؟
هو نتيجة طفرات جينية في الجين المسؤول عن تطور العظام والعضلات، والمُسمَى مستقبِل أكتيفين أ النوع الأول، فتُسبِب هذه الطفرات مضاعفة الجين خاصةً عند تعرضه للبروتين أكتيفين أ.
مع العلم أن هذا البروتين تعتمد وظيفته في الحالات الطبيعية على تثبيط عمل هذا الجين.
يؤدي هذا الخلل الجيني إلى تحول العضلات والأنسجة الضامة مثل: الغضاريف والأربطة إلى عظام، ويطلق على هذا المرض علميًا مصطلح خلل التنسج الليفي المعظم المترقي (FOP).
يبدأ ظهور هذا المرض النادر منذ الطفولة، فيلاحَظ أولًا في الرقبة والأكتاف، ثم يزداد الأمر تدريجيًا ليشمل الجسد كله وصولًا إلى الأطراف، مثل هؤلاء الأطفال تبدأ معاناتهم منذ الولادة.
يمكن تمييز هذا المرض عن غيره من أمراض العظام والعضلات منذ ولادة الطفل؛ وذلك لوجود تشوه في الإصبع الأكبر بكلا القدمين، وكذلك يلاحَظ قِصر أصابع الإبهام، وربما عيوب هيكلية أخرى.
أعراض متلازمة الجسم الحجري
يتفاوت معدل تطور المرض من شخص لآخر، ولكن كونه يعرَّف بمرض تحول المفاصل إلى عظام؛ فإن التأثير الأبرز ذات صلة بالحركة، مثل: عدم القدرة على الحركة بطريقة طبيعية، وتصل إلى العجز التام تدريجيًا.
توجد عدة أعراض أخرى تؤثر على باقي أجزاء الجسم، على سبيل المثال:
- تشوه العمود الفقري.
- العجز عن التنفس بسهولة؛ لنمو العظام في الصدر.
- زيادة خطر الإصابة بعدوى الجهاز التنفسي.
- صعوبة الأكل والتكلم؛ بسبب الحركة المحدودة للفك.
- ضعف حاسة السمع.
- نوبات من التورم والالتهابات بالذراعين والساقين؛ بسبب سوء التدفق الدموي.
الجدير بالذكر أنه هناك بعض العضلات التي لا تتأثر بهذا المرض، ألا وهي:
- عضلة القلب.
- اللسان.
- الحجاب الحاجز.
- عضلات العين الخارجية.
- العضلات الملساء.
بالرغم من البداية المبكرة لهذه المعاناة منذ الولادة، إلا إنها تنتهي كذلك سريعًا؛ لأن متوسط أعمار هؤلاء المرضى لا يتعدى 40 عامًا.
علاج الجسم الحجري
للأسف لم يتمكن العلماء من التوصل لعلاج يوقِف تطور هذا المرض، لكن يمكن علاج بعض الأعراض كما يلي:
- الكورتيكوستيرويدات (Corticosteroids): تساعد على تقليل الألم والتورم بسبب النوبات.
- مضادات الالتهاب غير الاستيرويدية (NSAIDs): تؤخذ بين النوبات.
- استخدام أجهزة مُساعِدة مثل: الدعامات، والأحذية المخصصة للمساعدة على المشي.
- العلاج الوظيفي: يعتمد على مساعدة المريض ومنحه الاستقلالية لأداء مهامه اليومية.
قد يعتقد البعض أن المُنقِذ الأخير التدخل الجراحي، كما هو الحال في معظم الأمراض، لكن للأسف تفشل الجراحة في علاج هذا الوضع؛ لأنها تُزيد الحالة سوءًا؛ إذ إنه يتزايد معدل نمو العظام.
المحاذير الأساسية لمرضى الجسم الحجري
هناك عدد من المحاذير التي يجب أخذها في عين الاعتبار؛ تجنبًا لتدهور الحالة الصحية للمريض، ومنها:
- تجنب إجراء فحص الخزعة؛ إذ إنه يسرِّع من معدل نمو العظام من منطقة العينة.
- تجنب الحَقن العضلي، مثل: التطعيمات.
- عمل فحص الأسنان بحرص شديد، مع تجنب الحقن وتمدد الفك.
- تجنب الأنشطة البدنية، التي قد تزداد معها فرص الإصابات، وبذلك تزداد النوبات.
- توخي الحذر الشديد خلال الحمل؛ لأنه يزيد من حدوث النوبات، وكذلك يعَرِّض الأم والجنين للمضاعفات.
ليست متلازمة الجسم الحجري الظاهرة النادرة الغريبة، فهناك الكثير المشابه لها وهذا ما سنوضحه تباعًا.
متلازمة الشجرة (Tree man syndrome)
هو خلل جيني آخر يسبب مرض جلدي يُعرف بخلل تنسُّج البشرة الثؤلولي (Epidermodysplasia verruciformis). يظهر هذا المرض نتيجة الوراثة المتنحية التلقائية؛ أي أنه يحتاج لجينيِّ المرض من كلا الأبوين لتحدث الإصابة به.
قد يبدو من اسم المتلازمة أنها تصيب الرجال فقط، ولكنها تصيب الرجال والنساء على حدٍ سواء، وتجعل الشخص المصاب أكثر عرضةً للإصابة بفيروس الورم الحُلَيمي البشري (HPV).
تتحول العدوى الناتجة عن هذا الفيروس بمرور الوقت إلى حالة مزمنة، إضافةً إلى وجود مرض تخلل تنسج البشرة، فيصبح الجهاز المناعي عاجزًا عن التصدي لهذه العدوى.
تتطور العدوى سريعًا بمرور الوقت، مسببةً ظهور زوائد جلدية مثل: الثآليل، بالإضافة إلى تكَوْن بقع تصبغية ملتهبة، التي تتطور في الحالات الشديدة إلى زوائد جلدية تشبه لحاء الأشجار.
يجدر الإشارة إلى أن هذا الفيروس معدي؛ فيمكن أن ينتقل من شخص لآخر عن طريق التلامس، دون أن يعاني الشخص المصاب أي أعراض.
أعراض متلازمة الشجرة
تظهر الأعراض في الغالبية العظمى من الحالات منذ الطفولة؛ من عمر خمس سنوات حتى أحد عشر عامًا، بينما تظهر للبقية في عمر البلوغ.
تشمل هذه الأعراض ما يلي:
- حبيبات جلدية صغيرة، وردية اللون أو بيضاء أو بُنية داكنة أو بنفسجية، قد تكون ذات سطح مستوٍ أو بارز.
- لُوَيحات جلدية مُتقشرَة؛ تكون بقع ملتهبة وبارزة وغير منتظمة الحواف غالبًا.
- ثآليل فيروسية (السنط)؛ وتكون زوائد جلدية بارزة بُنية اللون.
تظهر الثآليل الفيروسية بشكل ملحوظ في المناطق المُعرَضة لأشعة الشمس، مثل: الوجه، والأذن، واليدين، والقدمين، وتكون في صورة مجموعات تتكون من 100 وحدة.
بينما تميل اللويحات الجلدية للتواجد في أماكن أخرى، مثل:
- الرقبة.
- الأذرع.
- الآباط.
- راحات اليدين والقدمين.
- الجذع.
- الساقان.
- الأعضاء التناسلية الخارجية.
علاج متلازمة الشجرة
من المؤسف أنه لا يوجد علاج نهائي له كما هو الحال مع متلازمة الجسم الحجري، لكن يمكن تقليل حدة الأعراض بهذه الوسائل:
- الريتينويدات (Retinoids): تساعد على منع الإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري، وتقلل الالتهابات.
- الإنترفيرون ألفا (IFN- alpha): يساعد في علاج العدوى الفيروسية.
- تجنب التعرض للشمس قدر المستطاع.
- الإقلاع عن التدخين؛ إذ إنه يُؤثر سلبًا على الجهاز المناعي.
- معالجة الزوائد بالتبريد.
- الجراحة الكهربائية أو باستخدام الليزر؛ لإزالة الزوائد.
داء الفيل (Elephantiasis)
يُطلَق عليه أيضًا داء الفيلاريات الليمفاوي، هو مرض نادر يشيع في المناطق الاستوائية حيث توجد أنواع معينة من الديدان الأسطوانية، المُتسبِبة في هذا المرض.
يصاب الإنسان بداء الفيل عندما تلدغه البعوضة الحاملة ليَرَقات الديدان الأسطوانية أكثر من مرة. فتعيش هذه اليرقات في دم الإنسان وتنمو، ويكتمل نموها بالجهاز الليمفاوي، الذي يصبح فريسةً لها.
ينعكس هذا الضرر بالجهاز الليمفاوي على ظهور تورم بالأطراف أو الثدي أو الأعضاء التناسلية الخارجية. إضافةً إلى ضعف المناعة مما يجعل الجلد أكثر عُرضةً للإصابة بالعدوى البكتيرية.
تؤثر هذه العدوى على الجلد بجعله أكثر سُمكًا وجفافًا، فضلًا عن الألم الذي يوجد بالمنطقة المُتورِمة.
علاج داء الفيل
يساعد تناول الأدوية الآتية في حالة العدوى النشطة على القضاء على الديدان بالدم؛ وبذلك تمنع انتشار المرض وانتقاله للآخرين:
- ثنائي إيثيل الكاربامازين (Diethylcarbamazine).
- إيفرمكتين (Ivermectin).
- دوكسي سيكلين (Doxycycline).
أما عن الأعراض الأخرى، فمع الأدوية المناسبة لها، واتباع بعض التعليمات تقل من وطأتها، فعلى سبيل المثال:
- مضادات الهيستامين.
- المسكنات.
- المضادات الحيوية.
- غسل المنطقة المتورمة برفق يوميًا بالماء والصابون.
- الحرص على ترطيب الجلد المُتضرِر.
- تطهير الجروح؛ لتجنب حدوث عدوى بكتيرية ثانوية.
- ممارسة الرياضة بانتظام وفقًا لتعليمات الطبيب؛ وذلك لتقوية الجهاز اللمفاوي.
- رفع الأجزاء المتورمة لتحسين تدفق السائل اللمفاوي.
- الدعم النفسي.
متلازمة أليس في بلاد العجائب (AIWS)
هل تصدِّق -عزيزي القارئ- أن أحداث قصة خيالية قد تكون حقيقةً؟ هذا ما لاحظه فعلًا الطبيب النفسي جون تود عام 1950 من أعراض على هؤلاء المرضى، مما دفعه لتسمية هذا المرض بذلك الاسم.
يعد هذا المرض ظاهرة نادرة أخرى ولكنها نفسية، تسبب نوبات مؤقتة من الارتباك والتشويش الإدراكي، تحدث لعدم إدراك العقل للأشياء المحيطة؛ فتبدو له أكبر أو أصغر من حجمها الطبيعي.
قد تصاحب هذه النوبات أعراض أخرى مثل: أعراض الحُّمى، ونوبات من الصداع النصفي، أو نوبات من الصرع التي تؤثر على جزء من المخ، وربما يكون أحد هذه الأعراض السبب الرئيس لهذا التشويش.
يرجَح أن السبب وراء هذا التشويش الإدراكي وجود نشاط كهربي غير معتاد بالمخ؛ فيؤدي إلى تدفق غير طبيعي للدم إلى أجزاء المخ، المسؤولة عن الإدراك البصري، والسمعي، والحِسي، والزمني.
يعتمد العلاج على تحديد السبب الأساسي للمرض؛ سواءً كان دواء للصداع النصفي، أم أدوية مضادة للصرع، أو علاج أي عدوى موجودة.
بهذا نختتم هذا المقال الذي استعرضنا فيه عددًا من الأمراض النادرة، بدءًا بمتلازمة الجسم الحجري ووصولًا إلى متلازمة أليس في بلاد العجائب.
يجدر الإشارة إلى أن معظم هذه الأمراض لا يوجد طرق للوقاية منها؛ إذ إن العامل الوراثي لا يمكن التحكم به، لكن كان من البديهي التطرق لمثل هذه الحالات بدافع العلم والمعرفة.