متلازمة الصفحات البيضاء وكيفية السيطرة عليها

بقلم ا.غادة الأهواني
متلازمة الصفحات البيضاء (Blank Page Syndrome) مصطلح متعارف عليه في عالم الكتابة الإبداعية خاصة، إذ تستلزم الكتابة الإبداعية القدرة على إنتاج شيء جديد وملهم.

لكن أحيانًا ما تجد نفسك جالسًا أمام ورقة فارغة تحدق فيها مدة طويلة عاجزًا عن إيجاد الكلمات الصحيحة وصياغة الأفكار الجيدة.

رهاب الصفحة البيضاء

يعد انقطاع الإبداع أو ما يعرف بـ”متلازمة الصفحة البيضاء” مصدر رهاب وقلق لكل من يعمل في مجال الكتابة بأنواعها أو التأليف أو التدوين.

أحيانًا يعتقد بعض الكتاب عند إصابتهم بهذا الركود الإبداعي أنهم كُتاب سيئون أو فقدوا مواهبهم، لكنها حالة عامة تواجه كل كاتب في مرحلة ما، ربما بسبب القلق أو التوتر الذي يعتريه في أثناء بحثه للحصول على ما هو أفضل. 

وقد يعتقد بعض الناس أن هذه الحالة لا تصيب سوى المبتدئين، في حين أن الكثير من الكُتاب الكبار حول العالم أصيبوا بهذه الحالة، مثل: الأديب العالمي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب “إرنست همنجواي”، الذي أجاب في إحدى مقابلاته بأن أكبر المخاوف التي قابلها في حياته هي “الصفحة البيضاء”.

قد تدوم هذه الحالة ساعات أو أيامًا أو حتى شهورًا، وربما أعوامًا، مثل ما حدث مع الكاتب الشهير “نجيب محفوظ” الذي توقف عن الكتابة خمس سنوات متتالية، مع أنه كان يتخذ الكتابة عادة يومية ولو لم تكن لديه أفكار يريد صياغتها.

قد يحدث أن تجد عقلك مزدحمًا بالأفكار، ومع ذلك تجلس ساعات طويلة أمام ورقة فارغة راجيًا أن تتمكن من صياغة شيء من ما يجول في عقلك وأن يحضر الإلهام، ولكن النتيجة “صفحة بيضاء”. 

وغالبًا تأتي هذه الحالة بعد نجاح كبير، فتسيطر عليك حالة من القلق في ما ستفعل بعد ذلك وردود الفعل تجاهه.

متلازمة الصفحة الفارغة

قد تتسبب متلازمة الصفحة الفارغة في دخول الكاتب مرحلة متقدمة من الاكتئاب، إذ يَعتقد أنه قد وصل إلى مرحلة من اليأس لا فرار منها وطريق ذي اتجاه واحد مسدود، فيحاول بشتى الطرق الخروج من هذه المعضلة لكن دون جدوى، وكل ما يحلم به أن يجد هذه “الصفحة الفارغة” محملة بأفكاره المبدعة كما اعتاد.

إذا واجهتَ تلك الحالة فيجب عليك التوقف برهة لمعرفة الأسباب الكامنة للوصول إلى هذه المرحلة من الركود الإبداعي التي تعرف بـ”قفلة الكاتب”، والتي تختلف من شخص لآخر، ومن أشهر من تغلبوا على تلك المتلازمة الكاتب أحمد خالد توفيق.

لذا، ينبغي لك أن تسأل نفسك هذه الأسئلة لتحصل على إجابات تخرج بك من تلك الحالة:

  1. هل تشعر بالضغط للحصول على فكرة مثالية تنافس بها في مجال معين؟
  1. هل اهتممت بمسار القصة التي تكتبها وإلى أين تتجه دون مراعاة الأفكار الأساسية لها؟
  1. أم تفتقر منذ مدة طويلة إلى الثقة بقدراتك على الرغم من نجاحاتك وقدرتك على الإبداع؟
  1. هل يصيبك القلق من رد الفعل تجاه كتاباتك؟
  1. هل يوجد ما يشغل تفكيرك ويسبب لك القلق والتوتر؟
  1. أتسعى وراء المثالية والكمال في كتاباتك؟

يختلف الحل باختلاف المشكلة، لكن إن كنت تسعى دائمًا إلى الكمال وكان هذا أحد الأسباب التي تعوق إبداعك الفكري؛ فيجب عليك أن تستند إلى حقيقة أنه لا يوجد شيء مثالي. 

إن بحثك المبالغ فيه عن الكمال يتسبب في إرهاق ذهنك وبلوغه أعلى درجات التوتر، ونضوب الإبداع، وضعف حصيلتك من الأفكار الجديدة.

عزيزي المبدع…

هوِّن على نفسك، وتقبل فكرة إمكانية توقف الحالة الإبداعية مؤقتًا، وامنح عقلك المهلة التي يحتاجها للاسترخاء وتوليد أفكار جديدة دون ضغط أو توتر، سيعينك ذلك على النجاة من حالة قفلة الكاتب المسيطرة عليك.

أسباب قفلة الكاتب (Writer’s block) 

“قفلة الكاتب” مشكلة معروفة، تتسم بنضوب الكلمات والأفكار والقدرة الإبداعية عامة، إذ يفقد المؤلف حماسته وقدرته على الإنتاج الذهني والإلهام والإبداع

لا يوجد علاقة بين نسبة حدوث هذه المتلازمة وعدد سنوات خبرة الكاتب، كما أنها تحدث فجأة، وقد تحدث في منتصف العمل، فتجد نفسك عالقًا دون قدرتك على المضي قدمًا في الكتابة.

ويُعتقد أن قفلة الكاتب تنبع من نقص الأفكار أو الموهبة، ولكن بالتأكيد هذه ليست الأسباب الوحيدة لهذه الحالة، إذ تتعدد أسباب قفلة الكاتب وتتباين بين أسباب عصبية وسلوكية ونفسية وأخرى جسدية.

أسباب قفلة الكاتب 

الخوف:

يعاني معظم الكتاب من مشكلة الخوف؛ الخوف من نشر أفكارهم وكتاباتهم، الخوف من الانتقاد والحكم عليهم أو على أعمالهم، الخوف من الرفض بكل أشكاله. 

صحيح أن الخوف مفيد في بعض الأحيان، لكن وصوله إلى حد السيطرة على أفكارك وحياتك قد يصل بك إلى حالة من الركود وقفلة الكاتب.

المثالية:

المثالية أو السعي إلى الكمال عقدة كل مبدع أو مفكر، وهي من أهم أسباب الإصابة بقفلة الكاتب.

من الطبيعي أن تبذل قصارى جهدك لترتيب أفكارك قبل البدء في كتابة أول جملة لإنتاج عمل جيد ومتكامل، لكن بعض الكُتاب يستخدمون المثالية أداة لحمايتهم من النقد القاسي أو الاتهام بالفشل، ولكن للأسف! 

إن الانشغال بالمثالية قد يؤدي بك في نهاية المطاف إلى العجز عن خط ولو كلمة واحدة.

النقد الذاتي:

أحيانًا نكون أكبر منتقدين لأنفسنا، وغالبًا ما يكون النقد الذاتي المبالغ فيه السبب الرئيس للإصابة بقفلة الكاتب. 

حين يقارن الكاتب أعماله بأعمال الكُتاب الآخرين الأكثر نجاحًا أو خبرة أو إنتاجًا، أو حين يقارن أعماله الحالية بأعماله الناجحة السابقة؛ قد يعميه ذلك عن رؤية إنتاجه بعين المنطق أو بطريقة واقعية.

نضوب الأفكار:

قد تصل أحيانًا إلى مرحلة من اللامعرفة؛ فلا تعرف ما مشروعك القادم أو خطوتك التالية أو حتى الفصل التالي، وتمكث في هذه الدائرة بعض الوقت، تحاول بشتى الوسائل الخروج منها بلا جدوى، وتشعر أنك لن تحصل على فكرة واحدة جيدة مدى الحياة.

وعادة ما ينتهي بك الحال إلى حالة عامة من التردد، تريد أن تبدأ ولكنك تريد أيضًا كتابة شيء عميق ومفيد، فما الحل؟!

الحل هو الكتابة، أجل -يا عزيزي- لا تندهش! 

ابدأ بالكتابة، اكتب أي شيء، وإن لم يتسم بالعمق أو المتانة، فقط تعامل بإحساسك.

تداخل الأفكار أو كثرتها: 

أحيانًا يحدث العكس، يمتلئ عقلك بالكثير من الأفكار بدرجة تجعلك تائهًا، فلا تدري كيف تطرح أفكارك وبأيها تبدأ وأيها تترك؛ فتتبعثر كل أفكارك وتصل إلى اللامكان.

التوتر والإحساس بالمسؤولية:

من أهم أسباب قفلة الكاتب أيضًا التوتر والقلق والإحساس بتراكم المهام والمسؤوليات. 

إن الانخراط في المشكلات الحياتية قد يؤدي إلى فقدانك التركيز وتشتت انتباهك، ومن ثم تنشغل عن الإبداع والتفكير بذهن صافٍ.

إذًا، تتعدد أسباب الوصول إلى حالة “قفلة الكاتب” أو “متلازمة الصفحة الفارغة”، وتختلف أسبابها ومظاهرها من كاتب -أو مبدع- وآخر، ولكن الأمل لا يزال موجودًا، فلا تيأس!

محفزات التفكير الإبداعي 

يوجد أساليب وطرائق تساعد على زيادة الإبداع وتحفيز العقل لعودة الإلهام، بالتأكيد لا يوجد عصا سحرية للمشكلة، لكن التشخيص الجيد يؤهلك لاختيار العلاج المناسب.

بعض محفزات التفكير الإبداعي: 

1.فترة راحة:

بدلًا من التركيز طوال الوقت على محاولة الكتابة وضبط الحبكة، حاول الحصول على قسط من الراحة، واحرص على ممارسة نشاط مختلف بعيد عن الكتابة، مثل الرسم أو التمشية أو الطهي، المهم أن تشتت ذهنك عن الكتابة.

2.تغيير المكان:

في بعض الأحيان تحتاج إلى تغيير المكان المخصص للكتابة فحسب، جرب الكتابة في مكان مفتوح أو مقهى أو مساحة عمل مشتركة؛ فتجربة بيئة عمل مختلفة قد تلهمك أفكارًا رائعة.

3.الكتابة الحرة: 

من أهم الحلول المقترحة لتجاوز أزمة الصفحة البيضاء خلق روتين للكتابة الحرة، قد يساعدك ذلك على عودة التدفق الفكري مرة أخرى.

حاول الكتابة دون التقيد بقواعد صارمة وأفكار محددة، وابدأ في تدوين أي فكرة تطرق باب عقلك دون تحرير أو تعديل. 

اضبط المؤقِّت على 5 دقائق وابدأ في الكتابة، ولا ترفع يدك إلا بانتهاء الدقائق الخمسة، اكتب بطريقة حرة ودون رقابة، اجعلها عادة يومية. 

قد ترهقك الفكرة في بدء الأمر، لكن بالتدريب اليومي ستحصد ثمار ذلك حتمًا.

4.قراءة عملك:

افترِض أنك لم تقرأ عملك الذي شرعت في كتابته، وجرب قراءته بعين القارئ، قد يساعدك ذلك على الخروج بأفكار جديدة أو اكتشاف السبب الحقيقي للتوقف المفاجئ عن الكتابة.

5.احذر المثالية! 

اكتب من أجل الكتابة والنفع

 وتطوير الذات، وليس لتحقيق المثالية؛ فالسعي إلى الكمال أحد أهم أسباب قفلة الكاتب -كما سبق. 

تذكر دائمًا أنك تعمل على مسودة أولى، لا بأس أن تكتب فكرتك الأولى غير الناضجة بشكل سيئ، ثم تحاول تعديلها وتحسينها فيما بعد عدة مرات حتى تصل إلى نهاية مرضية.

6.اكتب قائمة: 

اكتب قائمة بأفضل المؤلفين الملهِمين لك أو الكتب التي تحبها، واستعن بها عندما تجد نفسك عالقًا في مرحلة شلل التدفق الإبداعي، فربما تعثر على شرارة الانطلاق من جديد.

7.التحدث مع الآخرين: 

التحاور مع الناس والاستماع إلى تجاربهم ومشكلاتهم قد يلهمك أفكارًا جديدة، أو يساعدك على تشتيت ذهنك عن قفلة الكاتب التي تأسرك.

ختامًا، عزيزي القارئ… 

تذكر أن “متلازمة الصفحات البيضاء” أو “قفلة الكاتب” يتعرض لها كل من يعمل في مجال إبداعي، ولا تقتصر مطلقًا على مقدار الموهبة أو الخبرة، فلا تقلق، ولا تستسلم لأنياب هذه المرحلة، وتعامل معها على أنها مجرد فترة راحة ستنقشع لتشرق شرارة إبداعك من جديد.

اقرأ أيضًا: 

الشغف المهني

ذوو الهمم والإرادة | قصة وصول إلى العالمية

نظام الدمج في التعليم | أهدافه وشروطه ومميزاته

مراجعة: د. شيماء مصباح

المصدر
writers-blockwritermagmasterclassopencolleges.edu
Exit mobile version