متلازمة رايتر، هل تعلم أن عدوى بكتيرية بلا أعراض قد تقلب موازين الجسم بِرُمَّته؟
أحيانًا يتخبط جهازنا المناعي، وتكون ردود أفعاله غير موفقة فينهال بالأذى على مختلف أعضاء الجسم.
هذا هو ما يحدث تحديدًا في متلازمة رايتر، من هو رايتر؟ ولماذا سُميت هذه المتلازمة باسمه؟ أعراضها وأسبابها، كل هذا وأكثر سنتطرق إليه في هذا المقال، فقط تابع معنا.
ما المقصود بمتلازمة رايتر؟
متلازمة رايتر هي متلازمة التهاب ثلاثية تشمل المفاصل والجهاز البولي والعينين.
تُعد هذه المتلازمة واحدة من الأمراض الروماتيزمية العامة، بمعنى أنها لا تؤثر على المفاصل وفقط بل يمتد تأثيرها ليشمل التهابًا في أعضاء أخرى مثل، الكلى والقلب والرئتين والأعضاء التناسلية والفم والجلد والجهاز الهضمي.
في البداية سُميت متلازمة رايتر بهذا الاسم نسبةً إلى الطبيب الألماني هانز رايتر (Hans Reiter) المُكتشف الأول لهذه المتلازمة.
كان رايتر عضوًا في حزب العمال الوطني الاشتراكي الألماني ومدير معهد (Kaiser Wilhelm) للعلاج التجريبي، وبناءً على توجيهاته تعرض العديد من سجناء الحرب لتجارب غير إنسانية حتى وصفه البعض بأنه مجرم حرب.
مما أدى إلى تغيير اسم هذه المتلازمة ليصبح الاسم المتعارف لها هو التهاب المفاصل التفاعلي.
ما هي أسباب متلازمة رايتر؟
ما زال السبب المباشر لهذه المتلازمة غير معروف، ويقترح بعض العلماء أنها تنتج عن ردة فعل طائشة من الجهاز المناعي لوجود عدوى بكتيرية في أحد أعضاء الجسم مثل، الأمعاء أو الأعضاء التناسلية أو الجهاز البولي.
وعلى هذا الأساس فإن هذه المتلازمة تُعد واحدة من أمراض المناعة الذاتية.
في البداية قد لا ينتبه الجسم لوجود العدوى؛ إذ إن الأعراض قد تكون بسيطة، وأحيانًا لا تظهر على المريض أي أعراض في بداية إصابته بالعدوى.
من الجدير بالذكر أن التهاب المفاصل التفاعلي لا يُعد من الأمراض المعدية، ولكن البكتريا المُحفزة لهذا المرض قد تنتقل بالاتصال الجنسي أو عن طريق الغذاء.
هناك العديد من البكتريا التي قد تؤدي إلى متلازمة رايتر أو التهاب المفاصل التفاعلي، مثل الكلاميديا والسالمونيلا والشيجيلا.
العوامل المساعدة
هناك مجموعة من العوامل التي قد تؤثر على احتمالية الإصابة بهذا المرض مثل:
السن: غالبًا ما يظهر التهاب المفصل التفاعلي في الأشخاص ما بين عشرين إلى أربعين عامًا.
النوع: يتساوى الرجال والنساء في احتمالية الإصابة بمتلازمة رايتر الناتجة عن عدوى بكتيرية انتقلت عن طريق الغذاء.
في حين نجد أن الرجال هم أكثر عرضةً للإصابة بهذه المتلازمة عندما يكون سببها الأساسي بكتيريا انتقلت بالاتصال الجنسي.
العوامل الوراثية: أثبتت الدراسات أن هناك عَلاقة بين وجود العامل الوراثي
(HLA-B27) ومتلازمة رايتر؛ إذ كشفت نتائج تحاليل الدَّم لما يقرب من 75% من المصابين بهذه المتلازمة عن وجود هذا العامل.
ما هي أعراض متلازمة رايتر؟
يبدأ ظهور الأعراض بعد حوالي أسبوع إلى أربعة أسابيع من التعرض للعدوى.
تشمل الأعراض ما يلي:
- آلام في المفاصل وصعوبة تحريكها، وغالبًا ما تظهر هذه الآلام في مَفصِل الركبة والكاحل والقدم، كذلك قد يشعر المريض بآلام في الكعبين أو الفخذين أو أسفل الظهر.
تتجلى آلام أسفل الظهر مساءً أو في الصباح الباكر.
- التهاب العينين وخصوصًا باطن الجَفْن (المُلتحمة).
- الشعور بألم خلال التبول وزيادة معدله؛ نتيجة وجود التهابات في عنق الرحم أو غدة البروستاتا.
- تورُم الأصابع وظهور طفح جلدي في باطن القدم أو راحة اليد.
- تقرحات في الفم.
ينبغي للمريض استشارة الطبيب إذا تزامنت آلام المفاصل مع استمرار الإسهال لمدة شهر، أو وجود عدوى في الجهاز التناسلي مع آلام المفاصل.
تشخيص متلازمة رايتر
يمر التشخيص بمجموعة من الخطوات كما يلي:
الفحص السريري
يجري الطبيب فحصًا شاملًا للمفاصل لتحديد ما إذا كانت ملتهبةً أم لا، وذلك بتتبع أعراض الالتهاب من التورم أو الاحمرار أو الألم، كذلك يختبر الطبيب مدى تحريك المريض للمفصل المُصاب.
يفحص الطبيب العينين باحثًا عن أي أعراض للالتهاب.
تحاليل الدَّم
يطلب الطبيب من المريض إجراء تحاليل دَم شاملة للتحقق مما يلي:
إذا كانت الخلايا المناعية في حالة حرب مع عدوى بكتيرية أم لا.
هل يوجد أجسام مضادة خاصة بنوع آخر من التهاب المفاصل؟ بمعنى أن تكون متلازمة رايتر بريئة من هذه الآلام.
هل هذه التحاليل تكشف عن وجود العامل الوراثي الخاص بالتهاب المفاصل التفاعلي؟
الأشعة السينية
ينصح الطبيب بإجراء أشعة على منطقة أسفل الظهر والحوض ومختلف مفاصل الجسم، للتأكد من وجود العلامات المميزة لمتلازمة رايتر.
تتجلى العلامات المميزة لهذه المتلازمة في المفاصل الصغيرة بالقدم، والكعبين ومفصل الركبة والكاحل والمفصل العجزي الحرقفي.
تحاليل سائل المفاصل (السائل الزليلي)
قد يضطر الطبيب إلى سحب عينة من السائل المحيط بالمفصل المُصاب؛ لاستبعاد بقية الأسباب المؤدية إلى آلام المفاصل فمثلًا:
زيادة عدد كرات الدَّم البيضاء ترَجح وجود التهاب في الغشاء المبطن للمفصل أو وجود عدوى.
إذا بيَّنت التحاليل وجود عدوى بكتيرية في السائل الزليلي فهذا يدل على إصابة المريض بالتهاب المفصل المُتَعَفن، مما قد يؤدي إلى تلف شديد في المفصل.
إذا احتوى السائل الزليلي على بلورات حمض اليوريك فهذا يعد دليلًا على إصابة المريض بالنقرس.
علاج متلازمة رايتر
يهدف العلاج إلى السيطرة على آلام المريض وعلاج ما تبقى من العدوى البكتيرية، وذلك عن طريق العلاج الدوائي والعلاج الطبيعي.
العلاج بالأدوية
المضادات الحيوية: إذا أثبتت التحاليل أن الجسم لا زال يعاني عدوى بكتيرية، سيرشح الطبيب المضاد الحيوي المناسب لهذه البكتريا.
مضادات الالتهاب غير الستيرويدية مثل: الإندوميثاسين إذ تساعد هذه الأدوية على تقليل الإحساس بالألم.
مضادات الالتهاب الستيرويدية (الكورتيزون): يلجأ الطبيب إلى حَقن الكورتيزون موضعيًا بداخل المفصل، مما يساعد على تقليل الإحساس بالألم واستعادة قدرة المفصل على الحركة بشكل طبيعي.
المراهم الموضعية: تُستخدم في حالة وجود طفح جلدي.
ومن الجدير بالذكر أن جميع هذه الأدوية لا تستخدم إلا تحت إشراف الطبيب.
العلاج الطبيعي
تهدف تمارين العلاج الطبيعي إلى إعادة حركة المفصل إلى طبيعتها، بمعنى أن يتمكن المريض من تحريك مفاصله بمرونة دون الشعور بألم.
يرشح اختصاصي العلاج الطبيعي مجموعة من التمارين الرياضية، التي من شأنها تقوية العضلات المُحيطة بالمفصل المصاب مما يشكل دعمًا للمفصل.
هل تستجيب الحالة للعلاج؟
تختلف حالة الجسم بعد العلاج من مريض لآخر، إذ يتماثل معظم المرضى للشفاء في خلال ثلاثة إلى أربعة أشهر من العلاج، ولكن قد يتعرض الكثير منهم لنوبات أخرى من التهاب المفاصل بعد عدة سنوات.
قد يعاني البعض مضاعفات لهذه المتلازمة، نذكر منها ما يلي:
- أثبتت الدراسات أن حوالي 30 إلى 50% من حاملي العامل الوراثي
(HLA-B27) يعانون التهابًا في الفقرات بعد إصابتهم بالتهاب المفصل التفاعلي.
- ضيق الحالب (القناة التي تحمل البول إلى قناة مجرى البول ومن ثم إلى خارج الجسم).
- التهاب عضلة القلب.
- ارتفاع ضغط العين (جلوكوما)، وقد يتطور الأمر ويؤدي إلى العمى.
- تراكم السوائل في الرئة.
ختامًا عزيزي القارئ لعله تبيّن لك ماذا يمكن لبكتيريا وحيدة أن تفعله في جسمك، فلا تتهاون في اتباع كافة تعليمات السلامة في عاداتك اليومية والغذائية حتى تحمي نفسك من الإصابة بمتلازمة رايتر.