هل صادفت يومًا من يعاني متلازمة مونخهاوزن؟
بين الحين والآخر نلتقي بأُناس ذوي أنماط عدة، فمنهم من يجيد تزيين الحقائق واختلاق قصص أسطورية، ومنهم من يجيد التمثيل والتمارض ليجعل من نفسه ضحية؛ لينال تعاطف من حوله.
كثيرًا ما نسأل لماذا يلجأ هؤلاء إلى هذه التصرفات؟
هل بسبب الخوف من حقد الناس عليهم؟
أم لتجميل الحقائق القاسية، تحت شعار أنا لا أكذب ولكني أتجمل؟
تكمن الإجابة عن هذا السؤال في أن هؤلاء الأشخاص يعانون متلازمة مونخهاوزن.
دعونا نبدأ رحلة ممتعة لمعرفة كلّ ما يخص هذه المتلازمة.
تعريف متلازمة مونخهاوزن؟
تُعرف بأنها اضطرابات مفتعلة من قِبل المريض، فهو اضطراب عقلي، إذ يَدّعي المريض -باستمرار- إصابته بمرض عقلي أو عضوي، وهو ليس كذلك، أي أنه يتمارض.
عادًة يبالغ – وكثيرًا يُزيف- المريض في الأعراض العضوية عن الأعراض العقلية.
من أمثلة الأعراض العضوية :
- آلام في الصدر.
- اضطرابات في المعدة.
- ارتفاع في درجة حرارة الجسم.
الفئات الأكثر عرضة للمرض
هناك مجموعتان من الأفراد :
- النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20- 40 عامًا.
- الرجال ذوي البشرة البيضاء، وغير متزوجين تتراوح أعمارهم بين 30- 50 عامًا.
هنا يلاحقنا سؤال هام
هل يدرك المريض ما يفعله؟
نعم، هو يدرك ويحاول إخفاء خداعه عن الناس، ولكن لا يدرك أنه مصاب بمرض عقلي يلزمه العلاج.
ينبغي لنا التفرقة بين مصاب متلازمة مونخهاوزن، وبين شخص يدعي المرض لينال إجازة مرضية، أو لتقديمها في المحكمة، فهذا ليس مريض، لكنه يكذب لجلب منفعة ملموسة لنفسه.
ما سبب تسميتها بهذا الاسم؟
سُميت متلازمة مونخهاوزن بهذا الاسم نسبة إلى الضابط الألماني (البارون فون مونخهاوزن)، إذ اشتهر بسرد قصة حياته بطريقة أسطورية، ويعد هذا أخطر أنواع الاضطراب المفتعل.
لكننا سنسرد في هذا المقال متلازمة مونخهاوزن الناتجة عن ادعاء المريض إصابته بمرض عضوي أو عقلي.
أسباب متلازمة مونخهاوزن
لا يوجد سبب محدد للإصابة بهذه المتلازمة، لكن تُرجح بعض النظريات الأسباب إلى:
- إهمال أو سوء معاملة الشخص في مرحلة الطفولة.
- تاريخ مرضي أدى إلى دخوله المستشفى عدة مرات.
- وفاة أحد الأقارب في سن مبكرة، أو هجرته.
- اضطرابات في الشخصية، كذلك ضعف الهوية وعدم الثقة بالنفس.
هل متلازمة مونخهاوزن وراثية؟
أثبتت البحوث أن هذه المتلازمة لا تورث.
أعراض متلازمة مونخهاوزن
يتسم مرضى تلك المتلازمة:
- المبالغة في أعراض المرض.
- يدعي وجود آلام وهمية.
- يزيف نتائج الفحوص المعملية كتلوين عينة البول.
- يؤذي نفسه؛ كي تبدو عليه أعراض المرض.
أعراض تحذيرية يجب الانتباه لها لتشخيص المرض:
- لديه تاريخ مرضي مثير وغير مقنع.
- أعراض مبهمة لا يمكن السيطرة عليها، ومع العلاج تتحول إلى أعراض شديدة أو تتغير.
- الانتكاسات المتوقعة بعد تحسن الحالة.
- وجود عدة ندبات جراحية.
- المريض على دراية واسعة بالمستشفيات والمصطلحات الطبية.
- افتعال أعراض جديدة بعد النتائج السلبية للفحوص.
- لا تبدو الأعراض إلا أمام الآخرين.
- الرغبة في عمل فحوص طبية أو عمليات جراحية.
- التنقل بين العديد من المستشفيات والمراكز الطبية للبحث عن علاج.
- رفض المريض لقاء الأطباء بأسرته والتحدث معهم.
تشخيص متلازمة مونخهاوزن
يعد تشخيص المتلازمة أمرًا صعبًا، نظرًا لادعاءات المريض المضللة.
لذلك يُبنى التشخيص على استبعاد الأمراض العضوية أو العقلية أولًا.
عندما لا يجد الطبيب سببًا واضحًا للأعراض، أو عند الشك بأن المريض هو الجاني على نفسه، غالبا يُحيله إلى الطبيب النفسي.
علاج متلازمة مونخهاوزن
يُعد علاج تلك المتلازمة أمرًا صعبًا.
بالرغم من أن المريض يدّعي المرض لينال الاهتمام والرعاية الصحية، لكنه لا يدرك مشكلته الصحية الأساسية وهي متلازمة مونخهاوزن، ولا يسعى لعلاجها، بل يُنكرها تمامًا.
لذلك يعتمد التعافي على:
- أولا: الطبيب المختص.
- ثانيًا: أحد الأقارب ممن يُلاحظ تلك المتلازمة على المصاب، إذ يُشجعه على استشارة الطبيب الاختصاصي.
لذلك فإن معدلات التعافي من المتلازمة ضعيفة.
الخِطَّة العلاجية للمريض
هناك خِطَّة علاجية، تُبنى كل خطوة فيها على تحقيق الهدف المرجو من الخطوة السابقة.
الهدف الأول: محاولة تعديل سلوك الشخص، وتقليل الاستخدام المفرط أو الخاطئ للموارد الطبية.
الهدف الثاني: إقناع المريض بتجنب إجراء العمليات الجراحية الخطرة غير الضرورية، إذ إنه يبحث عنها فى أماكن طبية مختلفة بناء على أعراض عضوية مزيفة.
إذا تحقق هذان الهدفان، يبدأ العلاج لمعرفة نوع المشكلات النفسية التي تعرض لها المصاب، والمؤدية إلى هذا السلوك.
وبعد ذلك يبدأ الطبيب بتوجيه المريض للعلاج النفسي الذي يتكون من:
- العلاج السلوكي المعرفي إذ يعمل على تغيير تفكير وسلوك الشخص المصاب بـمتلازمة مونخهاوزن.
- العلاج الأسري، إذ ينبه على الأسرة عدم مكافأة المصاب على السلوك الخاطئ.
هل هناك أدوية لعلاج هذه المتلازمة؟
لا توجد أدوية لعلاج تلك المتلازمة، لكن يمكنك تناول أدوية لعلاج أي عرض موجود مثل الاكتئاب أو القلق.
نظرا لأن صاحب هذه المتلازمة يجيد التناول المفرط للأدوية، لذا فعليك الانتباه؛ لتجنب مخاطرها.
حيث إن المصاب يُجيد الخداع؛ لذلك فهو معرض لعدة مضاعفات:
- مشكلات صحية خطرة، نتيجة للتشخيص الخاطئ للأعراض المزيفة.
- إيذاء نفسه، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى الموت.
- آثار جانبية خطرة؛ لتناوله المفرط للأدوية.
- أكثر عرضة لخطر تعاطي المخدرات.
- محاولة الانتحار.
هل هناك أنواع أخرى من متلازمة مونخهاوزن؟
نعم، هناك عدة أنواع منها:
متلازمة مونخهاوزن بالوكالة
لا يقتصر هذا الاضطراب على المبالغة في أعراض المريض نفسه فحسب، ولكن يمتد إلى أحد أفراد الأسرة مثل الأبناء، أو الآباء.
في هذا النوع يقدم المريض ابنه، أو والده على أنه مريض أو مَعُوق؛ لينال تعاطف الآخرين.
مما لا شك فيه، يعد هذا من أشكال إساءة معاملة الأطفال، وكبار السن.
متلازمة مونخهاوزن عن طريق الإنترنت؟
يعد مجتمع الإنترنت مجتمعًا واسعًا يحوي كل الفئات، منها مجموعات لأفراد يعانون مشكلات صحية معينة.
يلتقي هؤلاء الأفراد معًا؛ لكي يطرحون الصعوبات التي تواجههم، ويقترحون نصائح وحلول لها.
تهدف هذه المجموعات، إلى تقديم الدعم النفسي للمرضى؛ وذلك لمحاولة التعايش مع المرض.
من أمثلة تلك المجموعات:
- مجموعات خاصة بمرضى السرطان بأنواعه.
- مرضى التعافي من الإدمان، وغيرها.
من المفترض أن هذه المجموعات مكانًا آمنًا للمرضى، لا يجوز اختراقه من أي شخص.
لكن في حالة مرضى متلازمة مونخهاوزن عن طريق الإنترنت، ينضم المريض إلى تلك المجموعات ويدعي بالتالي:
- بأنه يعاني أعراض خطرة.
- أنه على وشك الموت.
- كونه ضحية لجريمة، أو وفاة أحد الأقارب.
- يُدلي بمعلومات كاذبة بشأن المشفى التي يتلقى بها العلاج.
- يتظاهر أن هناك شخص آخر هو الذي يتحدث عنه وعن مرضه.
- يحاول لفت الانتباه إليه.
يعد اختراق خصوصية تلك المجموعات جريمة يعاقب عليها القانون، كما يؤثر تأثيرًا سلبيًا على المجتمع، إذ يترك كثير من المرضى المجموعة لعدم إحساسهم بالأمان.
ما هي متلازمة هيبوكوندريا؟ وما الفرق بينها وبين متلازمة مونخهاوزن؟
اضطراب القلق المرضي (IAD)، إذ يلاحق المريض قلقًا مفرطًا أنه يعاني مرضًا خطيرًا، وهو ليس كذلك.
كما يتنقل المريض من طبيب إلى آخر؛ باحثا عن العلاج لتلك الأعراض.
ويعد مريض هذه المتلازمة شديد التأثر، إذ إنه إذا سمع شخصًا يتحدث عن مرض ما، تبدو عليه أعراض ذلك المرض.
فمريض هذه المتلازمة لا يكذب، ولا يفتعل مرض، بل هذا شعوره الحقيقي.
أما مريض متلازمة مونخهاوزن فهو يفتعل الأعراض، أو يبالغ فيها؛ لكي ينال منفعة ما مثل التعاطف.
وفي نهاية رحلتنا، عليك الانتباه لأي تغيير يطرأ عليك أو على أحد الأقارب، إذ إن العلاج في المراحل المبكرة للمرض، يساعد على التعافي.