“ابنتكم مصابة بمرض فقد الشهية العصبي.” قالها الطبيب يومها.
بدأ كل شيء عندما استمر الجميع في نعتي بالبدينة، اتخذت قرار الالتزام بالحمية الغذائية، تحمس والداي لهذه الخطوة كثيرًا، حتى جاء ذلك اليوم وقالا لي: “لقد فقدتي الكثير من الوزن في الفترة الأخيرة، عليكِ التوقُف عن الحمية الغذائية وزيادة تناوُل الطعام، كي يزيد وزنك قليلًا”.
لا أعرف كيف يقولان ذلك، بالرغم من أني كلما نظرت إلى المرآة أرى نفسي بدينةً جدًا، مازلت بحاجة لفقد بعض الكيلو جرامات.
أصَرَّا أن يصطحباني للطبيب، الذي أخبرهم أني مُصابة بمرض فقد الشهية العصبي، كيف؟!، أنا لستُ مريضة، أنا فقط أريد أن أبدو أنحف وأجمل، هذا كلُ ما في الأمر…
ماذا يعني مرض فقد الشهية العصبي؟
يجب أولًا التفريق بين فقدان الشهية، وفقد الشهية العصبي.
فقدان الشهية: فقدان عام للشهية، أو فقدان الاهتمام بالطعام عن غير قصد. غالبًا ما يحدث نتيجة حالة مرضية مثل: الاكتئاب أو السرطان أو الفشل الكلوي.
فقد الشهية العصبي: اضطراب في الأكل يمكن أن يُهدد حياة المريض، يتميز بالشعور بالخوف المَرَضِي من زيادة الوزن، وفيه يلجأ المريض إلى التجويع الذاتي وفُقدان الوزن المُفرط.
هنا غالبًا ما يكون الشخص جائعًا، لكنه يرفض تَنَاوُل الطعام على أيَّةِ حال خوفًا من زيادة الوزن. كذلك قد يستبعد البعض أطعمة معينة، أو مجموعات غذائية كاملة من نظامهم الغذائي، مثل: الكربوهيدرات أو الدهون.
أنواع مرض فقد الشهية العصبي
ينقسم مرض فقد الشهية العصبي إلى نوعين:
- النوع المُقَيِّد: يتحكم الشخص في وزنه عن طريق تقييد تناوله للطعام، أو الصيام، أو الإفراط في ممارسة الرياضة.
- الإفراط في الأكل مع التطهير: يدخل المريض في نوبة من النَهَم الشديد، يليها حالة تطهير أو طرد للطعام الذي تناوله، إما عن طريق التقيؤ، أو استخدام بعض الأدوية مثل: الملينات، ومدرات البول لفقد الماء مما يساعد على تقليل الوزن، وقد يصل الأمر إلى استخدام الحقن الشرجية.
مَن أكثر عُرضة للإصابة بمرض فقد الشهية العصبي؟
يَتَّضح أن فقدان الشهية العصبي عند المراهقين أكثر شيوعًا منه عند الرجال والنساء الأكبر سنًا.
كذلك الإناث أكثر عُرضة للإصابة بمرض فقد الشهية العصبي من الذكور، فنرى أن ۹ من كل ١٠ أشخاص يعانون فقدان الشهية العصبي هم من الإناث، لكن حديثًا أصبحت معدلات الإصابة في الذكور في ازدياد.
يزداد خطر الإصابة في الجنسين لدى الممثلين، وعارضي الأزياء، والراقصين، والرياضيين في الألعاب التي تهتم بالمظهر والوزن، مثل: المصارعة، والملاكمة، والجُمباز، والتزلُّج على الجليد.
عادةً ما يكون الأشخاص المصابون بفقد الشهية العصبي متفوقين للغاية، ويُظهرون أداءً جيدًا في المدرسة، والرياضة، والعمل، والأنشطة الأخرى.
فهم يميلون إلى الكمال، وقد تظهر عليهم أعراض الوسواس القهري أو القلق أو الاكتئاب.
غالبًا ما يبدأ ظهور أعراض المرض في وقتٍ قريبٍ من البلوغ، لكن يظل من الممكن الإصابة به في أيِّ عمر.
مرض فقد الشهية العصبي عند الأطفال
بالرغم من كون فقد الشهية العصبي أكثر شيوعًا عند المراهقين منه عند الأطفال، إلا إنه كذلك وارد الحدوث للأطفال.
غالبًا ما ينشأ الطفل المُصاب بفقدان الشهية العصبي في أسرةٍ حازمةٍ ومتسلطةٍ، أو عندما يُفرط الوالدان في حماية أطفالهم.
عادةً ما يكون الأطفال المصابون به أكثر اعتمادية، وغير ناضجين عاطفيًا. كذلك قد يعزل الطفل نفسه عن الآخرين، أو قد يُعاني بعض المشكلات النفسية، مثل: اضطراب القلق.
أهم أسباب فقدان الشهية العصبي
السبب الأساسي لظهور مرض فقد الشهية العصبي غير واضح إلى الآن.
لكن يعتقد الاختصاصيون أن هناك بعض العوامل التي تؤدي إلى تطور المرض لدى بعض الأفراد منها:
عوامل بيولوجية
قد يكون للوراثة دورًا هامًا في تطور ظهور المرض، فالأشخاص الذين يعاني أحد والديهم أو أشقائهم اضطرابًا في الأكل، يكونون أكثر عُرضَة للإصابة به.
كذلك قد يكون للهرمونات دورًا هامًا في ذلك، إذ تُشير بعض الدراسات على وجود عَلاقَة بين فقدان الشهية واختلال توازُن بعض الهرمونات، مثل: السيروتونين (Serotonin)، والدوبامين (Dopamine)، والأوكسيتوسين (Oxytocin)، والكورتيزول (Cortisol)، واللبتين (Leptin).
عوامل بيئية
غالبًا ما يمتلك الأشخاص المصابون بفقدان الشهية العصبي صورةً سلبيةً عن جسدهم لأسبابٍ مختلفةٍ، منها:
- وجود تاريخ من مضايقات الأصدقاء والعائلة بشأن حجمهم أو وزنهم.
- المجتمع الذي يربط بين النحافة والمظهر الجسدي والجمال.
- صور المشاهير والأجسام غير الواقعية التي تنشُرها وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي.
كل هذه الأسباب تؤثِّر كثيرًا على الشباب، وتُثير الرغبة في النحافة، مما يساعد على تَطَوُّر مرض فقد الشهية العصبي عند البعض.
عوامل نفسية
يعتقد الأشخاص المُعَرضون للإصابة بمرض فقد الشهية العصبي أن حياتهم ستكون أفضل عندما يصبحون أنحف.
كذلك هناك بعض الأمراض النفسية التي تُسهِم في تَطَوُّر المرض عند أصحابها، مثل: اضطراب الوسواس القهري.
أعراض مرض فقد الشهية العصبي
تشمل أعراض مرض فقد الشهية العصبي ما يلي:
- فقدان الوزن السريع خلال عدة أسابيع أو أشهُر.
- الاستمرار في اتباع الحمية الغذائية حتى بعد أن يُصبح الشخص نحيفًا جدًا.
- القلق المستمر بشأن الطعام، والمراقبة الدقيقة للسعرات الحرارية.
- المبالغة في تقدير حجم الجسم، فعادةً ما يرى الشخص نفسه أكبر حجمًا مما هو عليه في الواقع.
- الإفراط في ممارسة الرياضة، والشعور بالذنب الشديد عند إلغاء التمرين.
- إنكار الجوع، ورفض الأكل.
- تغيرات في الحالة المزاجية والعاطفية، إذ قد يعاني المريض الاكتئاب أو القلق أو التَّهَيُّج.
- ارتداء ملابس فضفاضة لإخفاء فقدان الوزن.
- تأثير وزن الجسم أو شكله على احترام الذات.
- الشعور باليأس وانعدام القيمة.
- الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية.
بعض الأعراض الجسدية التي تتطور بمرور الوقت
- انخفاض القدرة على تحمُّل الطقس البارد.
- جفاف الجلد واصفراره.
- الإمساك.
- تَقَصُّف الشعر وتساقطه.
- ضعف الأظفار.
- عدم انتظام الطمث أو انقطاعه كليًا لأكثر من 3 شهور.
- ظهور شعر وبري يُغطي الجسم.
- وَهَن العضلات.
- تسوُّس الأسنان.
بعض الطقوس التي يتبعها مرضى فقد الشهية العصبي
غالبًا ما يؤدي السلوك المهووس بشأن الطعام والوزن إلى عادات غذائية غريبة، يساعد انخراط الشخص المصاب فيها على توليد شعور يُخَفِّف من القلق، ويجلب الراحة، ويُولِد إحساسًا بالسيطرة.
كذلك قد يرى المريض أن الانحراف عن هذه الطقوس فشلًا وفقدانًا لضبط النفس.
بعض هذه الطقوس يشمل
- تناوُل الأطعمة بترتيبٍ معينٍ.
- حساب السُعرات الحرارية قبل البَدْء في تناوُل الطعام.
- الأكل ببطء، والمضغ المُفرِط للطعام.
- ترتيب الطعام على الطبق ترتيبًا معينًا.
- تقطيع الطعام إلى قطعٍ صغيرةٍ.
- تناوُل الوجبات في نفس الأوقات يوميًا.
- تناوُل الطعام في أماكنٍ محَدَّدَةٍ.
- الأكل في الخفاء.
- دفع الطعام حول الطبق بدلًا من تناوُله.
طريقة تشخيص مرض فقد الشهية العصبي
غالبًا لا يُشخَص فقدان الشهية العصبي بسرعة لأن الشخص الذي يعاني هذا الاضطراب لا يعرف عادةً أنه مريض، لذلك قد لا يطلب المساعدة.
كذلك من الشائع عند مرضى فقد الشهية العصبي التَحَفُّظ، وعدم مناقشة أفكارهم حول الطعام أو صورة الجسم، مما يجعل من الصعب على الآخرين ملاحظة الأعراض.
إذا اشتبه الطبيب في إصابة الشخص بفقد الشهية العصبي، عندها يجري الطبيب العديد من الاختبارات والتحاليل المعملية للمساعدة في تحديد التشخيص، واستبعاد الحالات الطبية المؤدية لفقدان الوزن، مثل: الاضطرابات الهضمية، ومرض التهاب الأمعاء.
تشمل هذه الاختبارات والتحاليل ما يلي:
- اختبارات بدنية
- قياس الطول والوزن:
يعد الوزن وسيلةً هامةً للتشخيص، فنرى أن المريض غالبًا ما يكون وزنه أقل بنسبة ١٥% من الوزن المُتَوقَع لشخصٍ في نفس عمره وطوله، أو إذا كان مؤشر كتلة الجسم ١٧.٥ أو أقل.
- فحص العلامات الحيوية، مثل: معدل ضربات القلب، وضغط الدَّم، ودرجة الحرارة.
- فحص البَشَرَة والأظفار.
- التَحَقُّق من كثافة العظام باستخدام الأشعة السينية.
- التَحَقُّق من وجود التهاب رئوي، أو اضطراب بالقلب.
- تحاليل معملية
- صورة دَم كاملة (CBC).
- تحليل شوارد وبروتين الدَّم (serum electrolytes and protein test).
- وظائف الكبد، والكلى، والغدة الدرقية.
- تحليل بول.
- تقييم نفسي
يساعد التقييم النفسي على تشخيص فقد الشهية العصبي، إذ يسأل الطبيب عن أفكار ومشاعر الشخص تجاه الطعام، كذلك يسأل عن عاداته الغذائية، وقد يطلب إكمال استبيانات التقييم الذاتي النفسي.
علاج فقدان الشهية العصبي
يعَد عدم إدراك المريض حاجته إلى المساعدة إحدَى أكبر العقبات التي تواجه العلاج، فإنكار الكثير من المصابين بهذا المرض وجود مشكلة لديهم من الأساس هو ما يجعل العلاج صعبًا.
الهدف الأساسي من العلاج هو إعادة الجسم إلى الوزن الطبيعي، وتأسيس عادات غذائية طبيعية، كذلك يهدف إلى معالجة المشكلات العاطفية، مثل: تدني احترام الذات، وتصحيح أنماط التفكير المشوهَة، وتطوير تغييرات سلوكية طويلة المدى.
عادةً ما يتضمن العلاج أشكالًا مختلفةً، منها
- العلاج النفسي
يعتمد الطبيب غالبًا على العلاج المعرفي السلوكي، الذي يركِّز على تغيير تفكير وسلوك المريض باضطراب الأكل، يشمل العلاج تقنيات عملية لتصحيح معتقدات المريض تجاه الطعام والوزن.
- استشارات التغذية
صُمِّمَت هذه الاستراتيجية للمساعدة في استعادة أنماط الأكل الطبيعية، وتَعَلُّم أهمية التغذية، واتباع نظام غذائي متوازن.
- العلاج الأسري
دعم الأسرة مهم جدًا لنجاح العلاج، من المهم أن يفهم أفراد الأسرة اضطراب الأكل، وأن يتعرفوا إلى علاماته وأعراضه.
يعمل العلاج الأسري على إشراك أفراد الأسرة في إبقاء المريض على المسار الصحيح، عن طريق نظام غذائي متوازن، وأسلوب حياة صحي.
- العلاج الجماعي
قد يستفيد المصابون باضطرابات الأكل من العلاج الجماعي، إذ يمكنهم الحصول على الدعم، ومناقشة مشاعرهم واهتماماتهم بصراحة مع أشخاص لديهم نفس المشكلة.
لكن قد يؤدي العلاج الجماعي في بعض الأحيان إلى المنافسة بين المرضى ومن سيكون أنحف، ولتَجنُّب ذلك من المهم أن يكون بقيادة اختصاصي طبي مؤهَل.
- العلاج بالأدوية
لا يوجد علاج دوائي يُعالِج فقد الشهية العصبي، لكن يمكن وصف بعض مضادات الاكتئاب للسيطرة على القلق والاكتئاب لدى المريض، قد تساعد هذه الأدوية في تحسين الحالة المزاجية، لكنها لا تُقَلِّل من الرغبة في إنقاص الوزن.
- العلاج في المستشفيات
قد يحتاج المريض في بعض الأوقات إلى دخول المستشفى لتَلَقِّي الرعاية الصحية اللازمة لعلاج فقدان الوزن الشديد، الذي قد يؤدي إلى سوء التغذية والجفاف وبعض المضاعفات الصحية الخطيرة، مثل: اضطرابات القلب، والاكتئاب الشديد، والانتحار.
في بعض الحالات قد يحتاج المريض إلى الحصول على التغذية اللازمة عن طريق أنبوب تغذية، والسوائل الوريدية.
في النهاية إذا كنت تعتقد أنك أو أحد معارفك مصاب بمرض فقد الشهية العصبي، فاعلم أن المساعدة متاحة، وأنه من الممكن التعافي من هذا المرض، فقط عليك طلب المساعدة من الأهل والمختصين…