عُرف الصرع بأنّه مرض عصبي غامض، تحيّر الكثير من الأطباء في معرفة أسبابه وكيفية حدوثه.
سُمّيَ قديماً “بالمرض المقدس” وذلك عندما أُصيب به الإسكندر الأكبر، واعتقدوا أنه يحدث بسبب أرواح شريرة أو مَسّ شيطاني يسكن جسده، أو أنه بسبب غضب من الآلهة!
وسُمّي أيضا “بمرض العظماء” فقد أُصيب به الكثير من المشاهير حول العالم على مر العصور، ومنهم الكاتب تشارلز ديكنز والرسام العالمي فان جوخ، ونابليون بونابارت والرئيس الأمريكي السابق ثيودور روزفلت وغيرهم الكثير.
فما هو الصرع وكيف يمكن تشخيصه؟ وما هي أسبابه وكيفية العلاج؟ هذا ما سنعرفه معًا في السطور القادمة.
ما هو الصرع؟
هو مرض مزمن يُصيب الجهاز العصبي المركزي، نتيجة اعتلال مفاجئ يحدث في النشاط الكهربائي بالمخ، هذا الخلل في الإشارات الكهربائية ينتج تغيرات في الإدراك، وحركة العضلات (تشنجات).
وقد يفقد المريض الوعي لفترة من الوقت في بعض الحالات (نوبات الصرع)، وتحدث النوبات بشكل متكرر للمريض وعلى فترات متفاوتة.
ما هي أنواع الصرع وأعراضه؟
إن معرفة أنواع الصرع يُساعد الطبيب المختص على اختيار العلاج الملائم لكل حالة، وتقسّم النوبات الصرعية على حسب المكان الذي يحدث فيه خلل بالشحنات الكهربائية بالمخ.
وتختلف الأعراض التي تظهر على المريض باختلاف كل نوع من هذه النوبات.
وتنقسم النوبات إلى:
1– نوبات صرع عامة (Generalized seizure)
تنتج من اختلال نشاط الشحنات الكهرباء في جميع أنحاء المخ (كِلا فصّي المخ)، وفي هذه الحالة تتأثر جميع الوظائف الحيوية التي يؤديها المخ، ويُصاحبها بعض الأعراض مثل:
- فقدان الوعي.
- تشنجات عضلية شديدة.
- إغلاق وتشنج شديد لعضلات الفكين.
- فقدان التحكم في حركة المثانة.
- يميل الوجه إلى اللون الأزرق، ويمكن أن تؤدى إلى مشكلات صحية أخرى مثل انخفاض السكر في الدم أو ارتفاع في درجة حرارة الجسم أو سكتة دماغية.
وقد تَحدُث بعض التغيرات في حاسة الشم والتذوق والرؤية قبل بداية نوبة التشنجات، وفي بعض الأحيان تَحدُث بعض الهلاوس للمريض ويشعر بالدوار والصداع وعدم الاتزان.
2-نوبات صرع جزئية أو بؤرية (Partial seizure)
تَنتُج من اختلال في الشحنات الكهربائية في بؤرة معينة لأحد جانبي المخ، وتختلف الأعراض التي تظهر على المريض حسب مكان هذه البؤرة.
وليس من الضروري أن تحدث النوبات في كل الحالات على هيئة تشنجات عضلية (حركات لا إرادية وانقباض شديد في العضلات)، أو أن يفقد المريض الوعي.
ففي بعض الأنواع تظهر النوبات على هيئة تكرار المريض لفعل أو حركة بعينها (مثل تكرار حركة المضغ، أو رفة العين بشكل متكرر نتيجة تشنجات بجفن العين).
أو أن يتوقف المريض عمّا يفعله فجأة ويحدق في الفضاء لبعض الوقت، دون شعور أو استجابة منه للمؤثرات الخارجية من حوله.
المدة الزمنية التي تَستغرقها نوبة الصرع:
في أغلب الأحيان تنتهي النوبات من تلقاء نفسها دون الحاجة لتدخل طبي، ولكن في بعض الحالات قد تسبب هذه النوبات أضرار بالغة للمريض وقد تُعرض حياته للخطر، وعادة ما تستمر النوبة الواحدة من 20 ثانية إلى دقيقتين، ثم تنتهي.
ولكن إذا استمرت النوبة لأكثر من 5 دقائق فيجب التوجه فورًا للمستشفى لتلقي العناية الطبية المناسبة، وغالبا ما تتكرر النوبات بنفس الأعراض ونفس المُدة الزمنية لدى المريض نفسه.
كيفية تشخيص المرض؟
يتطلب تشخيص مرض الصرع عدة فحوص، يحتاجها الطبيب من المريض لمعرفة الأعراض والتاريخ الطبي والوراثي للمريض.
ومن هذه الفحوص:
- فحص الدم:
للتأكد من عدم وجود عدوى بكتيرية أو فيروسية أو أمراض وراثية أخرى قد تكون هي السبب في التشنجات.
قد يتسبب التسمم ببعض المواد، أو التوقف عن تناول الكحوليات (أعراض الانسحاب الكحولية)، بحدوث تشنجات مشابهة لتلك التي تحدث لمرضى الصرع، ولذلك يجب فحص دم المريض أولًا للتأكد من عدم وجود مسببات أخرى لهذه التشنجات.
- الفحص العصبي:
يفحص الطبيب سلوك المريض ومستوى إدراكه، وقدرته على الحركة. ليُساعِده في تشخيص حالة المريض ومعرفة نوع الصرع المصاب به والأعراض التي تظهر عليه.
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)
تساعد الأطباء في تحديد البؤر المصابة بالمخ، وبذلك يمكن معرفة نوع النوبات والبدء في العلاج المناسب.
- تخطيط كهرباء الدماغ (EEG)
من اشهر الفحوص التي تُستخدم لتشخيص المرض، وفيه يُسجَل النشاط الكهربائي للمخ، ويُقَارن بينه وبين النشاط الطبيعي، وبذلك يمكن تشخيص المرض و معرفة البؤر المصابة في الدماغ.
أسباب مرض الصرع
كما ذكرنا سابقا، فإن هذا المرض هو مرض غامض، فحتى الآن لا يوجد سبب معروف له، وتشير الدراسات أن 6 من كل 10 أشخاص مُصابين بهذا المرض يجهلون سبب حدوثه، ولكنه قد يحدث نتيجة الأسباب التالية:
- التهاب الأغشية المحيطة بالمخ مثل التهاب السحايا.
- تلف في الدماغ نتيجة حادث.
- تشوهات أو طفرات وراثية.
- الإصابة بالسكتة الدماغية، أو أورام بالمخ.
معدّلات الإصابة
حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن 50 مليون شخص حول العالم مصابون بهذا المرض، وتصل نسب الاستجابة للعلاج إلى 70% من الحالات المصابة، وبالرغم من أنه مرض غير معدي، إلا أن المصابين به يعانون التنمر الشديد ويصبحون منبوذين من المجتمع حولهم،
حتى إنهم في بعض البلدان يسجنون المرضى، ظنا منهم أنهم غير أسوياء أو أنهم مصابون بمس شيطاني.
الصرع عند الأطفال
يُصيب هذا المرض البالغين والأطفال على حد سواء، وإن كان معظم البالغين المصابين به قد نشأ معهم منذ طفولتهم.
وأشارت الدراسات أن أغلب الأطفال المصابين بالصرع يُشفَون منه في مرحلة البلوغ، وذلك إذا تلقوا العلاج المناسب لهم.
تزداد فرصة الإصابة بهذا المرض عند الأطفال:
- ذوي التاريخ العائلي للمرض.
- الذين تعرضوا لإصابات في الرأس نتيجة حادث.
- نتيجة التهاب في الدماغ مثل الالتهاب السحائي.
- الذين أُصيبوا بارتفاع كبير في درجة الحرارة (حمى) أدت لحدوث تشنجات، بالإضافة إلى المصابين بمرض التوحد أو لديهم أورام بالمخ.
قد يصعب اكتشاف مرض الصرع عند الأطفال ولا سيما الرضع منهم، وذلك إذا كان المرض غير مصحوب بنوبات تشنجية واضحة.
علامات تنذر بالإصابة بالصرع عند الأطفال
يجب على الوالدين ملاحظة الطفل جيدا ومراجعة الطبيب إذا لاحظوا بعض العلامات مثل:
- ضعف في العضلات الإرادية لديه قد يؤدي إلى سقوطه أثناء الحركة.
- تغير في إدراك الطفل وشعوره بمن حوله.
- تكرار بعض الحركات غير المعتادة بفمه أو عينيه.
- الغياب عن الوعي للحظات قليلة ثم يعود.
المرأة الحامل والصرع
أثبتت الدراسات أن الصرع لا يمنع من حدوث الحمل لدى النساء، وأن 90% من النساء المصابات بالمرض يُنجبن أطفالا أصحاء، ولكن يجب استشارة الطبيب المختص أولًا لتعديل الجرعات الدوائية للمريضة قبل وفي أثناء مدّة الحمل، كما يجب المتابعة الدقيقة خلال الحمل لعدم حدوث أي مضاعفات، إذ قد تكون هناك بعض الأخطار التي تهدد حياة الجنين مثل:
- نقص الأكسجين لدى الأجنة.
- حدوث إجهاض نتيجة الصدمات (عند حدوث نوبة تشنجية).
- انفصال المشيمة.
كيفية العلاج وهل يُشفى مريض الصرع نهائيا؟
أكثر من نصف الأطفال المصابين بالمرض قد تخلصوا من النوبات، وأصبحوا يعيشون حياة طبيعية بعد تلقي العلاج المناسب.
ويمكن للبالغين أيضا التحكم في النوبات وتقليلها بمتابعة العلاج، كما يمكن الشفاء من الصرع والعيش حياة طبيعية إذا مرت سنتين دون حدوث نوبات خلالها.
طرق التحكم في نوبات الصرع
الأدوية المضادة للتشنجات:
وهي أدوية تستخدم للتحكم ولتقليل التشنج الذي يحدث في أثناء النوبات، وهي الخيار الأول للعلاج من هذا المرض، وتختلف الأدوية المستخدمة والجرعة العلاجية لكل مريض حسب :
- نوع نوبات الصرع.
- جنس المريض.
- عمر المريض.
- الحالة الصحية.
- إذا كان هناك تخطيط لحدوث حمل لدى النساء.
بعض الأدوية المستخدمة في العلاج:
- كاربامازيبين (كارباترول وتجريتول).
- فينيتوين (ديلانتين).
- حمض الفالبرويك (ديباكين).
- جابابنتين (نيورنتين).
- فينوباربيتال.
- لاموتريجين (لاميكتال).
الأعراض الجانبية لهذه الأدوية:
تُد هذه الأدوية أمنة وفعالة إذا استخدمت بالجرعة الصحيحة، ولكن كغيرها من الأدوية فإن لها بعض الآثار الجانبية مثل:
- الضعف العام، والإرهاق وضعف في التركيز.
- حكة وحساسية بالجلد (إذا زادت حكة الجلد فيجب استشارة الطبيب).
- ضعف الذاكرة المؤقت.
نظام غذائي مناسب:
وُجد أن اتباع نظام غذائي صحي قد يقلل من النوبات التشنجية عند المرضى، فاتباع حمية قليلة الكربوهيدرات ومتوازنة في البروتينات والدهون (الحمية الكيتونية) من شأنها تقليل النوبات وتحسين حالة المريض كثيرًا.
العمليات الجراحية:
جراحات الصرع هي أحد الحلول التي يلجأ إليها الأطباء عند فشل العلاج بالعقاقير الطبية، ولا سيما في حالات الصرع الجزئي، وتُستأصل فيها الأنسجة المصابة من الدماغ بالجراحة أو باستخدام أشعة الليزر.
كيفية التعامل مع مرضى الصرع
هناك بعض الإرشادات التي يجب أن يعرفها المحيطين بمريض الصرع، لمساعدته في تخطي النوبات التشنجية بأمان، وبالرغم من أن معظم النوبات لا تستمر طويلا وتنتهي تلقائيًا، إلا أن معرفة كيفية التعامل مع المريض في أثناء النوبة يُقلل من خطر الإصابات التي من الممكن أن تحدث له.
وفيما يلي بعض الإرشادات التي يمكن إتباعها مع مريض الصرع:
- محاولة تهدئة المريض وطمأنته.
- إبعاد المريض عن الأشياء التي من الممكن أن تُسبب له الأذى مثل الأسطح المرتفعة أو الآلات الحادة أو الطرق المزدحمة بالسيارات وغيرها.
- وضع وسادة تحت رأسه لتجنب ارتطامها بالأرض.
- نزع أي ملابس ضيقة حول رقبته، حتى لا يتعرض لخطر الاختناق.
- يجب ملاحظة الوقت الذي تستغرقه نوبة الصرع (إذا زادت عن 5 دقائق يجب التوجه للمستشفى فورًا)
- لا تضع أي شيء في فم المريض.
- محاولة تهدئته بعد أن يستعيد وعيه والبقاء فترة بجانبه حتى يشعر بالارتياح.
- إذا توقفت التشنجات ولم يستعيد المريض وعيه فيجب نقله للمستشفى بأسرع وقت.
أشياء يجب على المريض تجنبها:
هناك بعض السلوكيات و المأكولات التي يجب على المريض تجنبها للتقليل من حدة وتكرار النوبات لديه مثل:
- شرب الكحوليات والمواد المخدرة.
- قلة النوم.
- التوتر العصبي.
- الإفراط في تناول الكافيين.
- التدخين.
- الاستخدام المفرط لأجهزة الهاتف والألعاب الإلكترونية.
- تناول أطعمة كثيرة الكربوهيدرات والسكريات.
الآن وقد عرفت عزيزي القارئ الكثير حول هذا المرض، فهل ستُصدق بعد ذلك تلك الخرافات المرتبطة به!