كان يعاني التعب الدائم والعدوى المتكررة، انخفض وزنه بشكل كبير، كذلك لاحظ بعض الانتفاخات في الغدد الليمفاوية؛ مما دفعه لزيارة الطبيب. وهنا كانت المفاجأة، عندما أخبره الطبيب أنه يعاني نوع من أنواع سرطان الدم وهو ابيضاض الدم (leukemia)!
فما ابيضاض الدم؟ وما أنواعه؟ وهل هناك ما يجب فعله لتجنب حدوثه؟ وما طرق علاجه؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها وتحتاج إلى إجابات، وفي هذا المقال، سنتعرض كل ما تود معرفته عن ابيضاض الدم.
ما ابيضاض الدم (leukemia)؟
ابيضاض الدم (leukemia) أحد أنواع سرطان الدم التي تصيب أنسجة الجسم المسؤولة عن تصنيع خلايا الدم التي تتمثل في النخاع العظمي والجهاز الليمفاوي. تأتي تلك التسمية لما يسببه من زيادة كبيرة في عدد خلايا الدم البيضاء في الجسم.
قد يطرق ذهنك سؤال، ما الضرر العائد على الجسم إذا زادت كمية خلايا الدم البيضاء؟ أليست تلك الخلايا تدافع عن الجسم ضد أي ميكروبات؟
والإجابة أن تلك الخلايا الجديدة لا تستطيع تأدية الوظيفة المناعية ولا تكتفي بذلك؛ بل تمنع الخلايا الأخرى من أداء بوظيفتها. تنقسم الخلايا السرطانية بأعداد هائلة لا يمكن السيطرة عليها ولا يمكنها القيام بوظيفتها، كما أنها تعيش لفترة أطول بكثير من الفترة المحددة لها.
طرق تقسيم سرطان الدم
يمكن تقسيم ابيضاض الدم حسب:
- سرعة التفاقم إلى:
- سرطان حاد؛ أي بدأت الخلايا السرطانية الانقسام سريعًا وكانت الأعراض المصاحبة سريعة وملحوظة.
- سرطان مزمن؛ أي انقسمت الخلايا السرطانية بشكل أبطأ وتكاد تكون الأعراض المميزة معدومة في بداية المرض.
- الخلايا المتضررة التي بدأت الانقسام السرطاني إلى:
- سرطان نخاعي -يعرف أيضًا بالسرطان النقوي-: يشمل الخلايا النخاعية (myeloid cells) وهي خلايا غير كاملة النمو موجودة داخل النخاع الشوكي ومن المفترض في الحالات الطبيعية، غير السرطانية، أن تكمل نموها وتتحور إلى جميع خلايا الدم الحمراء والبيضاء و الصفائح.
- سرطان ليمفاوي: يشمل الخلايا الليمفاوية (Lymphocytes) وهي الخلايا المسئولة عن تكوين الأنسجة اللمفاوية، التي تشكل بدورها الجهاز المناعي، ولكن في تلك الحالة السرطانية؛ فإنها بالطبع لا تستطيع أداء تلك الوظيفة.
بالأخذ في الاعتبار لتلك التقسيمات الخاصة بأنواع سرطان الدم، يمكننا الوصول لأربع أنواع كبرى من أنواع سرطان الدم، بالإضافة لبعض الأنواع غير الشائعة، لنستعرضها معًا.
أنواع ابيضاض الدم (leukemia)
سرطان الدم الليمفاوي الحاد (Acute Lymphocytic Leukemia)
هو أكثر أنواع سرطان الدم شيوعًا في الأطفال، ولكن لحسن الحظ، فإن نسب التعافي منه مرتفعة مع استخدام العلاج المناسب.
وليس ذلك النوع من أنواع سرطان الدم مقتصرًا على الأطفال فقط، وإنما يصيب البالغين أيضًا، ولكن بنسب تعافي أقل بكثير من الأطفال.
سرطان الدم الليمفاوي المزمن(Chronic Lymphocytic Leukemia)
هو أكثر أنواع الابيضاض شيوعًا بين البالغين، و ينمو بشكل بطئ حتى أنه قد يصيب أحدهم ولا يشعر بأعراضه سنين طويلة.
سرطان الدم النخاعي الحاد (Acute Myeloid Leukemia)
هو نوع شائع من أنواع سرطان الدم بين الأطفال والبالغين ،ولكنه يصيب البالغين بشكل أكبر.
سرطان الدم النخاعي المزمن(Chronic Myeloid Leukemia)
يصيب البالغين بصفة رئيسة وغالبًا يُشخّص بالصدفة عند إجراء بعض الفحوصات الروتينية.
أسباب سرطان الدم
تنشأ الخلايا السرطانية بسبب تغير الحمض النووي للخلايا المصنعة، ذلك الحمض النووي الذي يدفع الخلية للقيام بوظائفها، ويحدد متى تنقسم. فبمجرد حدوث تغيير طفيف في ذلك الحمض النووي، تفقد الخلايا وظيفتها وتزداد أعدادها بشكل هائل لا يمكن السيطرة عليه.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا يحدث ذلك التغيير في الحمض النووي للخلية؟
الحقيقة أن العلماء لم يتوصلوا حتى الآن لسبب واضح لذلك التغيير، وإنما يعتقدون بأنه يحدث نتيجة اجتماع عدة عوامل وراثية وبيئية معًا. فما عوامل الخطورة التي تزيد احتمالية حدوث سرطان الدم؟
عوامل الخطورة
- الخضوع لعلاج أي نوع آخر من السرطان في وقت سابق؛ فالأشخاص الذين تعرضوا لعلاج إشعاعي أو كيميائي يكونون أكثر عرضة من غيرهم لحدوث سرطان الدم.
- عوامل وراثية؛ إذ أثبتت الدراسات أن حدوث تغيير طفيف في بعض الچينات من شأنه أن يزيد من احتمالية حدوث سرطان الدم، ومن أدلة ذلك أن المصابين بمتلازمة داون يكونون معرضون بدرجة كبيرة لحدوث سرطان الدم.
- التعرض للإشعاعات بشكل مفرط كما يحدث في كوارث الانفجارات الذرية، وحوادث المفاعلات النووية.
- التدخين.
ولكن، يجب أن نأخذ في عين الاعتبار أن عوامل الخطورة المذكورة ليست شرطًا لحدوث سرطان الدم؛ فهناك من هم معرضون لتلك العوامل بشكل كبير وليسوا مصابون بسرطان الدم، وهناك أيضًا من هم مصابون بدون توافر أي من تلك العوامل.
أعراض سرطان الدم
- انتفاخ الغدد الليمفاوية.
- تضخم الطحال والكبد.
- التعب الشديد الدائم.
- حدوث عدوى متكررة.
- ظهور بقع حمراء صغيرة على الجلد.
- ظهور كدمات بشكل غير معتاد.
- فقدان الشهية بشكل ملحوظ.
تشخيص سرطان الدم
في معظم الأحيان، يشخص سرطان الدم بالصدفة عند إجراء ببعض الإجراءات الروتينية. ولكن إذا كنت تعاني بعض الأعراض المميزة التي ذكرناها سابقًا، فقد يطلب منك طبيبك الخاص بعض الاختبارات الأخرى مثل:
- تعداد الدم الكامل وهو اختبار روتيني يفيد بشكل مبدئي في التشخيص. يحسب ذلك الاختبار عدد كل نوع من أنواع خلايا الدم و نسبها المختلفة في عينة الدم المأخوذة؛ فإذا وُجدت خلايا شاذة أو وُجدت بعدد أكبر بكثير من المعدلات الطبيعية؛ فإن ذلك يعد مؤشرًا لوجود خلل يتطلب بعض الفحوصات الأخرى.
- اختبار بروتينات الدم تعطي مؤشرًا لوجود بعض الاضطرابات في حالة زيادتها أو نقصانها بشكل كبير عن المعدلات الطبيعية.
- اختبار علامات الأورام وهي نواتج كيميائية للخلايا السرطانية ويمكن التعرف على وجودها في الدم.
- إجراء خزعة نخاع العظم؛ أي الحصول على عينة من الخلايا المشكوك في أنها بدأت تنمو نموًا سرطانيًا للوصول إلى تشخيص أدق من فحوصات الدم السابقة.
- إجراء بعض الفحوصات بالتصوير الإشعاعي كالأشعة السينية (X-ray) أو التصوير المقطعي (CT scan) أو الرنين المغناطيسي (MRI).
- قياس التدفق الخلوي الذي يمكن أن يعطي مؤشرًا إذا كانت الخلايا السرطانية تحتوي على كمية طبيعية أو غير طبيعية من الحمض النووي، كما يعطي مؤشرًا عن السرعة النسبية لنمو الورم.
نصائح للوقاية من سرطان الدم
- راقب وزنك؛ فالسمنة والنحافة كلاهما يؤديان إلى تدهور جسدك بشكل عام وجعلك أكثر عرضة للكثير من الأمراض.
- احرص على شرب الماء بالقدر الكافي يوميًا؛ فالماء يساعد خلاياك في أداء وظائفها بشكل فعَّال.
- تجنب التدخين والمشروبات الكحولية.
- احرص على نمط غذائي صحي يشمل ما يكفي من مضادات الأكسدة.
- التزم بالفحوصات الدورية.
علاج سرطان الدم
يعتمد علاج السرطان بشكل عام على عدة عوامل؛ منها السن والصحة العامة وأي نوع من أنواع سرطان الدم تعاني وإذا قد أرسل ثانويات سرطانية إلى أماكن أخرى في الجسم. ومن أهم طرق علاج سرطان الدم:
- العلاج الكيميائي: أكثر طرق علاج سرطان الدم شيوعًا عن طريق أخذ الأدوية المحددة إما في صورة أقراص أو حقن في الوريد. وقد يقرر الطبيب المعالج أخذ دواء واحد أو مجموعة من الأدوية معًا بناءً على نوع سرطان الدم ومدى انتشاره.
- العلاج الإشعاعي: يعتمد على استخدام أشعة عالية الطاقة وتوجيهها للخلايا السرطانية لتدميرها ووقف نموها.
- العلاج الاستهدافي: يعتمد على استهداف الشذوذ الموجود في الخلايا السرطانية والمتسبب في عدم موتها ونموها بشكل هائل. ولكن قبل اللجوء لتلك الطريقة للعلاج، يجب إجراء بعض الفحوصات للتأكد إذا كانت الخلايا السرطانية الموجودة تستجيب لذلك العلاج.
- زراعة الخلايا الجذعية أو زراعة نخاع العظم: تعتمد تلك الطريقة على استبدال النخاع العظمي الذي ينتج الخلايا السرطانية بخلايا جذعية سليمة خالية من السرطان.
- العلاج المناعي الذي يهدف إلى تعزيز مناعة الجسم ومقاومته للخلايا السرطانية رغم البروتينات التي تنتجها للاختباء من الجهاز المناعي.
- التعديل الوراثي للخلايا المناعية: إذ يتم أخذ الخلايا المناعية من الجسم وتعديلها حتى تصبح قادرة على مكافحة الخلايا السرطانية ثم إعادتها مرة أخرى للجسم لتقوم بوظيفتها.
أخيرًا، فبالرغم من أن سرطان الدم مرض خبيث يفقد الجسم قدرته المناعية، إلَّا أن اجتناب مسبباته والاهتمام بالصحة العامة واللجوء للطبيب فور الشعور بأي أعراض غريبة من شأنه أن يرفع من نسبة المقاومة لذلك المرض الخبيث ويزيد من احتمالية الشفاء بشكل ملحوظ.