كانا في مكانٍ بعيد وحديْهِما، بعيدًا عن أمِّه لئلا ينفطر قلبها، يحاول الأب ذبح ولده الوحيد كأضحية، ليقدمه قربانًا لله.
يمرر السكين، على رقبته مرة، فالثانية، ثم الثالثة، لكن السكين لم تذبح، ولم تُرَق منه قطرة دمٍ واحدة!
ثم يهبه الله كبشًا سمينًا، ليذبحه ويقدمه قربانًا لله بدلًا من ابنه. إنهما إبراهيم وولده إسماعيل -عليهما السلام-
أطاعَا أمر ربِّهِما في ذبح إسماعيل؛ ففداه الله بكبشٍ أنزله من السماء، ليكون الأضحية الأولى في التاريخ.
مع اقتراب عيد الأضحى هيا بنا تتعرف على الأضحية، وشروطها، والعيوب التي لا تجوز في الأضحية.
لماذا سُميت بالأضحية؟
سُمي عيد الأضحى بهذا الاسم؛ نسبة إلى الأضاحي التي تذبح فيه.
سبب تسمية الأضحية (Qurbani) بذلك يرجع إلى استحباب ذبحها في وقت الضحى (من بعد شروق الشمس إلى قُبيل آذان الظهر).
فضل الأضحية
من شعائر الإسلام العظيمة، تُقرِّب صاحبها إلى الله، فيغفر الله للمضحي عند أول قطرة دم تراق من الأضحية، ويكتب له بكل شعرة من الأضحية حسنة.
كما أنها تعد فرصة للتوسعة على الفقراء، وتنمية روح المحبة والألفة في المجتمع؛ حيث يُهدي المضحي منها إلى أقربائه وجيرانه.
حكم الأضحية
سنة مؤكدة، ولا إثم في تركها.
أنواع الأضاحي
يمكنك اختيار حيوان الأضحية من أحد الفصائل الآتية:
- أغنام (Sheep).
- ماعز (Goat).
- بقر (Cattle).
- جاموس (Buffalo).
- جمال (Camel).
شروط الأضحية
إجراءات ما قبل الذبح
- يجب أن يكون حيوان الأضحية
- من الحيوانات المذكورة سابقًا.
- بالغًا جنسيًا، وتجاوز السن المنصوص شرعًا.
- سليمًا معافى ليس به عيوب.
- الفحص الطبي
للتأكد من أن الحيوان بصحة جيدة، ولاستبعاد إصابة الحيوان بالأمراض المختلفة، مثل السل، والسعار، وحمى المجازر.
كذلك تحديد العمر والجنس وحالة العشار من قِبَل الطبيب البيطري المختص.
- صحة الحيوان
تجنب إجهاد الحيوان، وتهيئته للراحة قبل الذبح لمدة 12 ساعة على الأقل، لتحسين جودة اللحوم، وزيادة نسبة الأكسجين بها.
- صيام الحيوان
يفضل منع الحيوان عن الطعام لمدة 12 ساعة قبل الذبح، لتقليل نسبة البكتيريا في الأمعاء، وتسهيل عملية النزف الجيد، وكذلك سلخ الحيوان.
- المياه
توفير مياه شرب نظيفة وبكميات وفيرة للحيوان.
إجراءات ما بعد الذبح
يُفضل فحص الحيوان عقب الذبح مباشرةً بواسطة نفس الطبيب البيطري الذي فحصه قبل الذبح، ليتحقق من التالي:
- النزف جيدًا.
- لون الدم أحمر زاهٍ، ليس داكنًا ولا باهتًا.
- الأعضاء الداخلية متصلة بالجسم، لتجنب حدوث فقدان أو استبدال لأحد الأعضاء.
- سلامة الأعضاء الداخلية، والعُقد الليمفاوية المتصلة بها.
أهمية النزيف (Bleeding)
لأن الدم بيئة خصبة لنمو البكتيريا والميكروبات؛ يساعد النزف الجيد على التخلص السريع من أكبر كمية من الدم.
عوامل تؤثر على كفاءة النزف
هناك بعض الإجراءات التي يجب مراعاتها، أو تجنبها من أجل الحفاظ على كفاءة النزيف، وتتضمن:
- الصحة العامة للحيوان، بما في ذلك سلامة القلب والرئتين. خلو الحيوان من العدوى، فكلما كانت صحة الحيوان أفضل، كلما نزف أسرع وأفضل.
- تَعرُّض الحيوان للإجهاد قبل الذبح يُجهد العضلات، ويقلل كفاءة النزف.
- تَعرُّض الحيوان للتخدير، أو فقدان الوعي قبل الذبح يجعله لا ينزف بشكلٍ جيد.
- إصابة النخاع الشوكي للحيوان في أثناء الذبح يؤثر سلبًا على حركة الحيوان، وبالتالي لا ينزف جيدًا.
- قُرب موضع الطعن بالسكين من القلب؛ يساعد على ضخ الدم بشكل أسرع.
- شرب الحيوان كميات وفيرة من المياه قبل الذبح؛ يُحسِّن النزف أيضًا.
شروط يجب توفرها في المضحي
يجب أن يكون المضحي مسلمًا بالغًا عاقلًا، ويكون مقيمًا لا حاجًا، وكذلك أن ينوي تقديم أضحية.
كيفية تحديد عمر الأضحية
ينبغي ألا يقل عمر الضأن أو الماعز عن عام، وأن يتجاوز عمر البقر والجاموس العام الثاني، أما الإبل فتكون قد تجاوزت عامها الخامس.
ويتم تحديد العمر من قِبَل الطبيب البيطري بعدة طرق، أهمها التسنين:
في الأغنام
لدى الخروف السليم ثمان قواطع في الفك السفلي، واثني عشر ضرسًا في كل فك.
يولد الحَمَل وفمه فارغ من الأسنان تمامًا، ثم تبدأ الأسنان اللبنية في الظهور الواحدة تلو الأخرى.
عند بلوغه عمر الشهرين تكون القواطع الثمانية اللبنية قد نبتت بالكامل، بعد عامه الأول يبدأ الخروف تغيير أسنانه اللبنية زوجين تلو زوجين.
في عمر عام ونصف تقريبًا يصبح لديه سنتان دائمتان في المنتصف، وستة أسنان لبنية، ويصبح لديه أربعة أسنان دائمة حول عمر العامين، والثمانية دائمين عند بلوغه أربعة أعوام.
في البقر
يحتوي فم الثور البالغ على ثمانية قواطع في الفك السفلي، واثني عشر ضرسًا في كل فك، مثل الأغنام.
الأسنان اللبنية مثلثة الشكل تقريبًا، وبينها فراغات كبيرة نسبيًا، أما الأسنان الدائمة تكون كبيرة الحجم لونها مائل للأصفر، ومع التقدم في العمر يظهر عليها علامات التآكل.
يولد العجل وفي فمه اثنان من القواطع السفلية في المنتصف، وعند بلوغه خمسة عشر شهرًا تكون الأسنان اللبنية قد نمت بالكامل.
بعد بلوغه عامًا ونصف من العمر، تبدأ القواطع اللبنية في المنتصف بالسقوط، وتنبت القواطع الدائمة، ليكتمل نمو القواطع في المنتصف حول عمر العامين.
من عمر عامين ونصف إلى ثلاثة أعوام ونصف، يكون الحيوان لديه أربعة قواطع دائمة مكتملة النمو، واثنين آخرين من القواطع الدائمة قيد النمو.
بعد ثلاثة أعوام ونصف يبدأ ظهور آخر زوجين من القواطع الدائمة، وعند اكتمال نموهما يصعب تحديد عمر الحيوان بدقة.
بعد ذلك تبدأ الأسنان في التآكل، وقد تسقط بعض الأسنان الدائمة من فم الحيوان العجوز.
قد يلجأ بعض المربين إلى تشذيب زوجين أو أكثر من قواطع الحيوان كبير السن، لتعطي مظهر الأسنان اللبنية.
يخدع المشتري بذلك ويبيع له الحيوان على أنه أصغر من عمره الحقيقي.
العيوب التي لا تجوز في الأضحية
لا يجوز أن يكون الحيوان:
- مريضًا، أو أعرجًا، أو مكسورًا.
- أعمىً، أو مصابًا في عينه.
- به تشوهات خلقية.
- به أي إصابات أو عيوب في الشكل مثل القرن أو السن المكسور.
- نحيفًا هزيلًا، أو سمينًا جدًا.
- غير بالغ.
ذبح الأضحية
يجب مراعاة التالي عند الشروع في ذبح الأضحية:
- أن يكون الحيوان على قيد الحياة، ويتمتع بصحة جيدة، في كامل وعيه. لم يتعرض للتخدير، أو الصعق، أو أي وسيلة تؤدي إلى فقدان الوعي.
- يفضل أن تكون صالة الذبح منفصلة تمامًا عن صالة ذبح الحيوانات غير الحلال مثل الخنازير.
- الجزار مسلمًا بالغًا سويًا، وإلا تكون اللحوم غير حلال، وأيضًا يجب أن تتم عملية الذبح بطريقة إنسانية.
- ذبح الأضحية بمعرفة شخص لقواعد الذبح في الإسلام، ولا يجوز الذبح الآلي، لأنه يفتقر إلى عنصر النيَّة القلبية.
- إخفاء السكين تمامًا عن الأضاحي، وينبغي ألا يرى الحيوان غيره وهو يُذبح.
- لابد أن تكون سكينة الذبح حادة جدًا، لتُتم مهمتها بضربة واحدة عمودية على الرقبة من الأمام للخلف.
تكون خفيفة الوزن؛ فلا تؤذي الحيوان أو تتسبب في قتله لثقل وزنها.
- يجب أن يكون الذبح بضربة، بمعنى ألا تُرفَع السكين عن رقبة الحيوان ثم تُعاد إليها خلال الذبح، ولا تُسبب تهتكًا في أنسجة أو طبقات جسم الحيوان.
وقت ذبح الأضحية
من بعد صلاة عيد الأضحى حتى عصر رابع أيام العيد، والأفضلية لليوم الأول.
طريقة ذبح الأضحية
تُوجه الأضحية باتجاه القبلة، وتُوضع على جانبها الأيسر، ينوي الجزار الذبح لوجه الله، وإقتداءً بسنة نبيه، ثم يهتف ” باسم الله.. الله أكبر “.
تُذبح الأضحية خلال ضربة واحدة بسكين مسنون جيدًا قبل الذبح، بسرعة وإنسانية قدر المستطاع دون جعل الحيوان يتألم أو يعاني.
يضرب الرقبة أسفل الرأس مباشرةً في الغنم، وكذلك في البقر والجاموس، بينما في نهاية الرقبة (قبل بداية القفص الصدري) في الجِمال.
وتُنحر الجَمال وهي واقفة، يقطع الحنجرة، والقصبة الهوائية، والوريدين الوِداجِيُّين الأَمامِيُّين.
يجب ألا يُفصل الرأس عن الجسد، وألا يُقطع الحبل الشوكي إلا بعد تمام النزف، وبعد أن تفيض روح الأضحية إلى بارئها.
بعد ذلك يبدأ الجزار في سلخ (إزالة جلد) الحيوان، ثم تشفيته، بعد ذلك يُخرج الجزار أحشاء الحيوان ويُجرده من أعضائه الداخلية.
إذا حدث الذبح في غير بلاد المسلمين، فيجب أن يكون الجزار مسلمًا يستوفي الشروط السابقة، كما يجب فصل اللحوم التي ستورد إلى المسلمين عن اللحوم الأخرى في التخزين والنقل.
هل طريقة الذبح تعذب الأضحية؟
لا؛ فقد حرص الإسلام على الذبح الإنساني الرحيم، وعلى تقليل معاناة الحيوان إلى أقل قدرٍ ممكن، بشكلٍ يضمن حقوق الحيوان وأقصى درجات النفع للإنسان.
في النهاية – عزيزي المُضحي – لا تنس إخلاص النية لله تعالى قبل ذبح الأضحية، وتذكر أننا من نحتاج إلى تقديم المساعدة للفقراء، لأن الله سبحانه وتعالى كتب لهم رزقًا سيأخذوه منا أو من غيرنا، فاغتنم الفرصة والثواب قبل غيرك، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
اقرأ أيضًا
الأمراض حيوانية المنشأ | كيف تنقل الحيوانات الأمراض؟
تربية القطط | تغذيتها والعناية بنظافتها
مجازر اللحوم ودورها في الحفاظ على صحة المستهلك
المراجع العام د. مي فوده
المراجع الطبي د. أسماء شهاوي
تحرير د. نهال المغربي