“لا، إنه البهاق” هكذا ردت صديقتي باكيةً عندما سألتها متعجبة “هل احترق وجهك حبيبتي؟” وذلك عندما رأيت بقعًا بيضاء على وجهها في أثناء زيارتي لها في بيتها.
فتذكرت أني سمعت عن هذا المرض في التلفاز، إذ كان أحد المطربين يريد أن يعتزل الغناء بسببه وبحثت عنه حتى أعرف المزيد، وهذا ما توصلت إليه بعد بحث طويل -أيها القارئ- في هذا المقال.
ما المقصود بالبهاق vitiligo؟
البهاق هو مرض جلدي مزمن تظهر فيه بقع بيضاء على البشرة بسبب نقص مادة الميلانين (الميلانين هي الصبغة التي تُكسب الجلد لونه)، ويؤثر على أي منطقة من جلد الإنسان لكنه شائع الحدوث في منطقة الوجه والرقبة والأيدي.
يُعد حوالي %2 من سكان العالم ونحو 2-5 مليون أمريكي مصابًا بهذا المرض، وينتشر ظهوره في معظم الحالات في مرحلة مبكرة من العمر بين 10-30 سنة.
أنواع البهاق
يوجد 5 أنواع منه ويختلف النوع حسب نوع ومساحة المنطقة المصابة:
1.العام:
وهو النوع الأكثر شيوعًا وفيه تنتشر البقع البيضاء في مختلف مناطق الجسم.
2.الجزئي:
ويكون هذا النوع من المرض موجود في منطقة محددة من الجسم مثل الوجه أو اليدين.
3.البؤري:
هو بقعة واحدة فقط ولا تنتشر في أي منطقة أخرى.
4. ثلاثي الألوان (trichrome):
إذ توجد منطقة عالية التصبغ تتبعها منطقة قليلة التصبغ ثم منطقة معتدلة التصبغ.
5. العالمي:
هو نوع نادر الحدوث وفيه ينتشر المرض بنسبة %80 في جلد المصاب.
أسباب البهاق
يحدث البهاق نتيجة موت الخلايا المنتجة للصبغة المسماة بالخلايا الميلانينية (Melanocytes) أو توقفها عن إنتاج الميلانين وهي المادة التي تكسب للشعر والعين والجلد لونه، وهذا يكون ناتج عن أحد هذه الأسباب:
- مرض مناعي ذاتي ينتج عنه أجسام مضادة للخلايا المنتجة للميلانين.
- التدمير الذاتي للخلايا وفيه تدمر الخلايا بعضها بعضًا.
- الضغط العصبي مثال في حالة الولادة.
- حدوث ضرر على الجلد مثل حرق الشمس الشديد فهناك علاقة بين البهاق والتعرض للشمس، و كذلك الندبات وهو ما يعرف باستجابة كوبنر(koebner response).
- التعرض لمواد كيماوية خطرة في أثناء العمل.
عوامل الخطورة التي تزيد من احتمالية الإصابة
يوجد العديد من العوامل التي تزيد من الإصابة بالمرض منها:
- العامل الوراثي إذا كان أحد أفراد عائلتك مصابًا بالمرض.
- إذا كان فرد من عائلتك لديه أحد أمراض المناعة الذاتية على سبيل المثال فقر الدم الخبيث Pernicious anaemia الذي يصيب المعدة.
- لديك مرض مناعي ذاتي.
- إذا كنت مصاب بسرطان الجلد المعروف باسم الورم الميلانينيMelanoma أو سرطان الجهاز الليمفاوي Non Hodgkin lymphoma.
- حدوث بعض التحورات في الجينات الوراثية.
- تنتج مواد كيميائية عصبية من نهاية الأعصاب للجلد وهي مواد سامة للخلايا المنتجة للميلانين.
الأعراض
أكثر المناطق تأثرًا بالبهاق هي:
- الفم والعينين.
- الأصابع والمعصم.
- الإبطين.
- الأعضاء التناسلية.
- الأغشية المخاطية التي تبطن الفم والأنف.
يظهر أحيانًا في فروة الرأس مما يجعل الشعر يفقد صبغته ويجعل لونه رمادي أو أبيض وكذلك رموش العين والحواجب.
يبدأ المرض ببقعة باهتة ثم تتحول إلى الأبيض وإذا كانت منطقة الجلد تحتها أوعية دموية يصبح لونها وردي أكثر من الأبيض.
تكون حواف البقع متساوية أو غير متساوية، وتكون في بعض الأحيان البقع بنية (وهذا ما يسمى فرط التصبغ)، وهو مرض غير مؤلم ولا يسبب أي جفاف للجلد ولكن غالبًا يسبب الحكة.
تختلف الحالة من شخص إلى آخر فتكون البقع البيضاء صغيرة وعند شخص آخر تكون البقع كبيرة، ولكن للأسف نادرًا تعود هذه البقع إلى لونها الطبيعي مرةً أخرى.
مضاعفات البهاق
الخبر السار أن البهاق يوجد له آثار جسدية قليلة على المصاب، ويكمن التأثير الجانبي الأساسي في زيادة الإصابة بخطر حروق الشمس، ونستطيع تجنب ذلك باستخدام واقٍ للشمس بدرجة حماية 30.
وتضم مضاعفات المرض الشديدة في عضوي العين والأذن فهو يسبب ضعف السمع hypoacusis ويسبب التهاب القزحية (iritis)، ولكن هذه المضاعفات غير شائعة الحدوث.
أظهرت الأبحاث أن %50 من المصابين أبلغوا أنه يسبب آثارًا نفسيةً سلبية منها:
- تجنب الأنشطة البدنية.
- الانسحاب من الأحداث الاجتماعية.
- الشعور بأن لديهم تشوه جلدي.
- الاكتئاب.
- القلق.
- عبء عاطفي.
- انعدام الثقة في النفس.
- عدم احترام الذات.
هل البهاق معدي؟
البهاق ليس معديًا، ولا ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق العدوى أو اللمس.
كيفية التشخيص
يخضع المريض من قبل الطبيب إلى النظر إلى جلد المصاب في الفحص البدني وهناك أيضًا خزعة الجلد وهي أخذ جزء من الجلد المصاب للكشف عليه، ويوجد تحاليل طبية لكشف الإصابة مثل اختبارات الدم.
ويحتاج الطبيب أحيانًا إلى اختبار مصباح وود Wood’s lamp وفيه يكون المريض في غرفة مظلمة ويُسلط عليه مصباح بضوء فوق بنفسجي يبعد عن بشرته بمقدار 10-12 سم؛ وذلك للتمييز بين بقع البهاق وبقع الأمراض الأخرى مثل السعفة المبرقشة.
طرق العلاج
الخبر غير السار أنه لا يوجد علاج للبهاق ولكن الهدف من العلاج توحيد لون البشرة ويجعل للجلد مظهر أفضل.
ويوجد عدة أنواع من العلاج ويُختار نوع العلاج بناءً على سن المصاب ودرجة الإصابة ومساحة الجلد المراد تحسينه، ولا يختلف علاج البهاق عند الأطفال عنه عند الكبار.
وتشمل أحدث علاجات البهاق ما يلي:
1.العلاج بالأدوية
يصف الطبيب مرهم الكورتيكوستيرويد Corticosteroid لوضعه على الجلد المصاب لإعادة لونه، ويستغرق العلاج شهورًا لرؤية النتيجة المرجوة وفي أثناء ذلك تظهر خطوطًا على الجلد أو يصبح الجلد أكثر رقةً، وإذا كانت حالة المصاب تتدهور بسرعة فـتُستخدم نفس المادة ولكن على شكل أقراص أو حقن.
وهناك حالات نادرة يُقترح فيها مرهم اسمه مثبط الكالسينيورين Calcineurin inhibitor، ويؤثر هذا الدواء على الجهاز المناعي لتخفيف الالتهاب ويوضع على منطقة صغيرة من الجلد حول الرقبة أو الوجه، ولكن يستخدم نادرًا لأن له آثار جانبية مرتبطة بسرطان الجلد أو الغدد الليمفاوية.
2.العلاج بالضوء
يتطلب العلاج بالضوء جلستين أو ثلاثة أسبوعيًا من الأشعة فوق البنفسجية UVA لتوقف تطور الإصابة، ويستخدم هذا النوع من العلاج بمفرده أو جنبًا إلى جنب مع الأدوية مثل السورالين psoralen، ويستخدم فمويًا أو موضعيًا ليصبح العلاج أكثر كفاءةً.
وإذا فشل العلاج السابق ذكره وأصبحت مناطق واسعة من الجلد مصابةً، فتستخدم تقنية جديدة وهي إزالة التصبغ (Depigmentation) على المناطق غير المصابة مرتين أو ثلاثة يوميًا لمدة 9 شهور ويبدأ الجلد في التفتيح ويصبح أكثر ملاءمة مع لون الجلد المصاب.
ولكن هذه التقنية لها آثار جانبية مثل الاحمرار، والحكة، والتورم، وجفاف الجلد.
3.العلاجات البديلة
أوضحت بعض الدراسات أن الجينكو بيلوبا ginkgo biloba له دور في إعادة تصبغ الجلد الفاتح.
يوجد بعض الفيتامينات يُمكن استخدامها مع العلاج بالضوء وهي فيتامين ج (vitamin c)، وفيتامين ب 12 (vitamin b12)، وحمض الفوليك folic acid، وحمض ألفا ليبويك alpha lipoic acid.
4.العلاج بالمنزل
يوجد بعض الأشياء التي يُمكن فعلها في المنزل لجعل مظهر الجلد أفضل منها:
- تغطية الجلد المصاب بالمكياج أو منتجات التسمير.
- صبغ الشعر إذا أصيب بالمرض.
- استخدام كريم واقٍ من الشمس بدرجة حماية على الأقل 30.
- عدم أخذ حمامات التسمير.
- عدم رسم الوشم على الجلد لأنها تجعل المشكلة تتفاقم.
5.العلاج بالجراحة
يلجأ الطبيب أحيانًا إلى الجراحة إذا لم تنجح العلاجات السابقة لتوحيد لون بشرتك ومنها:
- ترقيع الجلد: وهو نقل الأجزاء الصحيحة من الجلد إلى المناطق المصابة وهذا في حالة وجود بقع صغيرة مصابة من الجلد.
- الترقيع بالبثور: يقوم الطبيب الجراح بتكوين بثور على الجلد السليم ثم ينقل قمة هذه البثور إلى الجلد المصاب.
- عملية زرع المعلق الخلوي: يُنقل فيها أنسجة من الجلد السليم إلى محلول ثم تُنقل هذه الأنسجة إلى الجلد المصاب ويتطلب هذا العلاج شهورًا لرؤية النتيجة.
العلاقة بين البهاق و حالات مرضية أخرى
يوجد حالات مرضية أخرى مختلفة عن البهاق، ولكنها تتشابه في أنها تجعل الجلد يتغير أو يفقد صبغته، ومن هذه الحالات:
- السعفة المبرقشة (Tinea versicolor): تسببها عدوى فطرية تصيب الجلد إذ تتداخل الفطريات مع التصبغ الطبيعي للجلد، مما يسبب رقعًا صغيرةً دون لون تكون أفتح أو أغمق من الجلد المحيط وتصيب غالبًا الجذع والكتفين.
- الوَضَحُ (بياض الجلد) الكيميائي (Chemical leukoderma): يؤدي التعرض لبعض المواد الكيماوية الصناعية إلى تلف خلايا الجلد مما ينتج عنه بقع بيضاء ملطخة في الجلد.
- المهق (Albinism): وهي حالة وراثية يكون لديها مستوى أقل من الميلانين في الجلد والشعر والعينين.
- النخالية البيضاء (Pityriasis alba): وهي مرض جلدي يشبه الإكزيما يبدأ بمناطق حمراء في الجلد تتحول إلى بقع متقشرة لونها أخف من الجلد.
كيفية التعايش
ونستطيع القول أن البهاق مرضًا غير مهددًا للحياة ولكنه مُغيِر للحياة لسببين، وهما أنه مرض لا يتوقف عند نقطة معينة ويتطور بسرعة تدريجيًا ولأن المظهر العام أمر هام عند معظم الأشخاص وخاصةً النساء.
فلابد من استشارة الطبيب المعالج للفحص ووصف العلاج المناسب ويجب كذلك إيجاد الدعم من الأشخاص الذين يعانون نفس المرض وإذا تطلب الأمر الذهاب للطبيب النفسي لتجنب الاكتئاب.
وختامًا إذا كنت تعاني البهاق وشعرت بأي من الآثار النفسية السلبية، فتحدث إلى طبيبك أو أي شخص يهتم بك فهذا يساعد على تخفيف التوتر الذي يكون لديك بسبب حالتك.