“الجنة تحت أقدام الأمهات”… نعم، ومن يستطيع أن ينكر ذلك، فما تمر به الأم من تعب ومشقة يجعلها تستحق الجنة وبجدارة، تمر الأم في فترة الحمل، وفترة التغيرات النفسية بعد الولادة بأكثر الفترات صعوبة على الجانب الفسيولوجي أو النفسي.
فالمشاركة في خلق حياة جديدة في هذا العالم ليست بالأمر الهين، فما بين السعادة والترقب والقلق والخوف كل هذه المشاعر يمر بها الوالدين وخاصة الأم.
سوف نتعرف فيما يلي على أهم التغيرات النفسية بعد الولادة وأعراضها وكيفية التعامل معها.
أسباب التغيرات النفسية بعد الولادة:
- تغيرات فسيولوجية:
بعد الولادة تنخفض نسبة الهرمونات في الجسم بصورة كبيرة ومن ضمنها: هرمون الإستروجين والبروجسترون وبعض هرمونات الغدة الدرقية، مما يسبب الشعور بالتعب والإرهاق وقد يصل للإكتئاب.
- تغيرات نفسية:
وذلك بسبب اضطرابات النوم إذ تشعر المرأة بالقلق الدائم وتفقد القدرة على التحكم بالأمور، ويسيطر عليها الإحساس بفقدان السيطرة على حياتها، وقد يصل إلى الشعور بالدونية وعدم القدرة على الإهتمام بحياة مولودها الجديد.
الفرق بين الاضطرابات النفسية والاكتئاب:
تعاني أغلب الأمهات من الاضطرابات النفسية بعد الولادة والتي تسمى “Baby blues”.
تتمثل هذه الاضطرابات في الشعور بالقلق والحزن والرغبة في البكاء، مع عدم القدرة على التأقلم مع طبيعة الحياة الجديدة التي تمر بها الأم.
كل ذلك أمر طبيعي، ويمكن أن تستمر هذه الاضطرابات والتغيرات المزاجية لمدة أسبوعين بعد الولادة.
تختلف القدرة النفسية من شخص لآخر حسب طبيعة الحياة والنشأة، وتؤثر أيضاً العوامل الوراثية على كيفية استجابة الشخص للأمور المحيطة به.
قد تتحول هذه الاضطرابات النفسية إلى اكتئاب وذلك إذا استمرت لفترة أطول من أسبوعين.
أعراض اكتئاب ما بعد الولادة:
يختلف اكتئاب ما بعد الولادة عن الاضطرابات النفسية إذ تكون أعراضه أكثر حدة وتستمر لفترة أطول قد تمتد لشهور، وقد تحدث هذه الأعراض أثناء فترة الحمل أو بعد الولادة ومن ضمنها:
- الشعور بالتقلبات المزاجية
- البكاء المستمر
- عدم القدرة على التواصل أو الارتباط بالطفل
- الابتعاد عن الأهل والأصدقاء
- فقدان الشهية أو الأكل الزائد عن الحد
- الشعور بالأرق أو النوم أكثر من اللازم
- فقدان الطاقة والشغف مع الشعور المستمر بالإجهاد
- الشعور الدائم بالذنب والدونية
- يسيطر على الأم الإحساس بأنها غير قادرة على تحمل المسؤولية
- عدم القدرة على التركيز أو اتخاذ القرارات
- قد تفكر الأم في إيذاء نفسها أو طفلها وقد يصل إلى التفكير بالانتحار
كيف يمكن مساعدة الأم التي تمر باكتئاب ما بعد الولادة؟
الكثير من الأمهات تعودن على الاحتمال والصبر، فيمكن أن تمر الأم بالكثير بداخلها ولكنها تفضل الصمود وعدم الحديث عما تشعر به.
يعد دور الزوج وكذلك الأهل والأصدقاء دوراً رئيسياً، إذ تحتاج الأم أولاً لمن يتفهم ما تمر به من تغيرات سواء نفسية أو فسيولوجية، فيجب مساندة الأم بكافة الطرق وتشجيعها على التحدث عما تشعر به، وتوفير الدعم لها سواء كان مادياً أو معنوياً.
الخطوة الأولى هي أن تتحدث الأم عما تشعر به بدون خجل، فبدون التعبير لن تستطيع الحصول على الدعم الكافي، ولن يستطيع أحد أن يفسر ما تمر به.
يجب أن يتفهم المحيطين بالأم أن أعراض اكتئاب ما بعد الولادة يمكن أن تطول مدتها لعدة أشهر، وقد تتحول لاكتئاب مزمن إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح.
إذا كانت أعراض النفاس تزداد حدة إلى الدرجة التي تفقد فيها الأم السيطرة، ولا تستطيع الاهتمام بطفلها أو القيام بالمهام اليومية، عندئذ يجب استشارة طبيب ومتابعة ذلك.
كيفية معالجة اكتئاب بعد الولادة واضطراب النفسية بعد الولادة:
يتم معالجة اكتئاب بعد الولادة بطريقتين رئيسيتين وهما:
- العلاج السلوكي المعرفي:
يتم بمساعدة الشخص للتفكير والتصرف بطريقة مختلفة مع التحديات اليومية التي تواجهه.
- العلاج الشخصي التفاعلي:
وذلك من خلال تنمية مهارات التواصل لدى الشخص، فيستطيع التعبير عن مشاعره والحصول على الدعم المناسب.
وقد يلجأ البعض إلى تناول الأدوية المضادة للاكتئاب ولكن يجب أن يتم ذلك بمتابعة الطبيب المختص.
وختاماً، نود القول بأنه رغم المشقة النفسية والجسدية للأمومة سوف تظل أعظم هبة خص الله بها النساء، فهي النبع الصافي للدفء والحب والحنان، وكل ذرة تعب ومشقة سوف تجني ثمارها بتربية أجيالاً صالحة للمجتمع، فقلب الأم مثل عود المسك كلما احترق فاح شذاه.