(التفكير التباعدي) مصطلح جديد طرق عقلي وأنا أتصفح الشبكة العنكبوتية، فقررت البحث عنه، ومعرفة المزيد عما يعنيه.
خلال بحثي، وجدت الموضوع أكبر من مجرد مصطلح، فأحببت مشاركتكم ما توصلت إليه.
في هذا المقال، سنتعرف عزيزي القارئ إلى التفكير ومهاراته، وأشهر التشوهات التي تعوقه وكيف نتغلب عليها، كذلك سنتعرف إلى أنماط التفكير المختلفة، فتابع معي.
تعريف التفكير
يُعرَّف الفكر أو التفكير اصطلاحًا بأنه عملية “استخدام العقل في إنتاج الأفكار”.
اختلف الفلاسفة ومتخصصو علم النفس حول تعريفه العلمي. يعتقد بعضهم أنه يشمل العمليات العقلية الواعية وغير الواعية.
بينما يميل البعض الآخر إلى اقتصار التعريف على العمليات الواعية للعقل، مثل: الإدراك، أو التذكر، أو الحساب الذهني، وغيرها.
عناصر التفكير
اختلف علماء النفس حول العناصر التي يعتمد عليها التفكير في آلياته، وتعددت النظريات في هذا الشأن، فمنها:
الكلام الصامت
تتبنى هذه النظرية اعتمادية التفكير على العناصر اللغوية وتجميعها في حوار صامت داخل العقل.
عززت التجارب الأولية هذه النظرية إذ توصلت إلى أن التفكير يصاحبه نشاط كهربائي في عضلات الأعضاء الخاصة بالكلام، مثل: الحلق.
عارض كل من عالم النفس الروسيّ ليف فيجوتسكي (Lev Vygotsky)، وعالم النفس التنمويّ السويسريّ جان بياجيه (Jean Piaget) هذه النظرية. وأصرّا على أن التفكير والكلام ينشآن مستقلان، لكنهما يعتمدان على بعضهما في وظيفتيهما.
التفكير السلوكي
توصل بعض العلماء -باتباع مناهج مختلفة ومستقلة- إلى استنتاج أن عناصر التفكير نسخ داخلية أو جزئية من الاستجابة الحركية. يعني ذلك أنها جزء من النشاط العصبي-عضلي، الذي قد يؤدي إلى حركة جسدية ملموسة.
كذلك اكتشفت الوسائل الحديثة وجود نشاط ضعيف في مختلف أعضاء الجسم، وليس أعضاء الكلام فقط. مثلًا: عندما يفكر شخص في المشي -دون ممارسته- تنشط عضلات الرجل.
أدت هذه النتائج إلى نظريات قائلة بأن الناس يفكرون بكل الجسد، وليس الدماغ فقط.
التفكير الحاسوبي
بعد منتصف القرن العشرين ومع اختراع الحاسب الآلي، أصبح مقبولًا على نطاق واسع وصف التفكير بأنه القدرة على تخزين المعلومات واسترجاعها ونقلها.
كانت معضلة هذه النظرية في كيفية دمج الأحداث، واستخدامها في المواقف المختلفة.
أنواع التفكير
لم يُتَّفق على تصنيف واحد لأنواع التفكير، لكن واحدًا من أشهر تقسيماته هي:
- حل المشكلات
بحث منهجي في مجموعة من الإجراءات المحتملة للوصول إلى هدف محدد مسبقًا. ويصنف إلى نوعين رئيسيين:
التفكير التباعدي (Divergent Thinking)
يطرح العديد من الحلول الممكنة والبديلة لمشكلة ما، وتُعد الأسئلة المقالية مثالًا لاختبارات التفكير التباعدي.
التفكير التقاربي (Convergent Thinking)
يُضَيق الاحتمالات الممكنة لمشكلة ما، للوصول إلى إجابة واحدة فُضلى، وتُعد أسئلة الاختيار من متعدد مثالًا لاختبارات التفكير التقاربي.
- الاستدلال
يشتق التفكير الاستدلالي استدلالاته أو استنتاجاته من مجموعة مقدمات، بتطبيق القواعد والقوانين المنطقية. ويصنف إلى نوعين رئيسيين:
الاستنتاج
يتضمن تحليل البراهين الصحيحة واستخلاص الاستنتاجات من المقدمات الصائبة. ويتميز بصدق نتائجه إن صحت مقدماته.
الاستقراء
وسيلة للوصول إلى الكل من الجزء، وإلى التعميم من التفاصيل، وإلى المستقبل من الماضي. وعلى عكس الاستنتاج، فإن نتائج الاستقراء محتملة الصدق إن صحت مقدماتها.
سنسلط الضوء في باقي المقال على التفكير التباعدي والتقاربي، لكن قبلها سنشير إلى مهارات التفكير بإيجاز.
مهارات التفكير
تتعدد تصنيفات مهارات التفكير، لكن واحدًا من أشهرها هو تصنيف بلوم (Bloom’s taxonomy). يعتمد ترتيبه على درجة تعقيد المهارة كالآتي:
- التذكر: القدرة على استحضار المعلومات والأفكار من الذاكرة.
- الإدراك: تفسير معنى أو بناء استنتاج أو شرح مادة من المصادر المكتوبة أو المسموعة أو المرسومة.
- التطبيق: استعمال ما تعلمته في مواقف جديدة.
- التحليل: تقسيم المواد أو المفاهيم إلى عناصر أساسية وتحديد كيفية ارتباطها ببعضها. وتتضمن الفحص والمقارنة والتصنيف وغيرها.
- التقييم: تقدير وإصدار الأحكام واستخلاص النتائج من الأفكار والمعلومات. وتُعد أهم مهارات التفكير التقاربي.
- الإبداع: إعادة تنظيم الأمور في إطار أو منتج جديد، وهي أصعب المهارات العقلية. وتعد أهم مهارات التفكير التباعدي.
تتطور تلك المهارات -جميعًا أو بعضًا منها- خلال المراحل العمرية المختلفة.
ما المقصود بالتفكير التباعدي؟
كما أسلفنا، فإنه أحد أنواع تفكير حل المشكلات، ويتميز باقتراح العديد من الحلول الممكنة والبديلة لمشكلة ما بسلاسة وتلقائية وتدفُق.
يُعرف بالتفكير الإبداعي، أو العصف الذهني كذلك. وتتجلى علاقة التفكير التباعدي بالإبداع في:
- قدرته على إنتاج عدة أفكار معقدة من فكرة بسيطة.
- خلق توليفات وتركيبات غير متوقعة.
- تحويل المعلومات إلى نتائج استثنائية.
- إيجاد صلات بين الأمور غير المرتبطة.
وتختلف النتائج من شخص لآخر اعتمادًا على قدرته الإبداعية.
عناصر التفكير الإبداعي
تتعدد العناصر التي يعتمدها التفكير التباعدي في آليته، فهناك:
- التعقيد: القدرة على إدراك وفهم الأفكار أو المنتجات الصعبة ومتعددة الأوجه.
- الفضول: متمثل في الاستقصاء والبحث وطرح الأسئلة، وكيفية الحصول على مزيد من المعلومات حول شيء ما.
- التوسع: الإضافة إلى منتج أو فكرة، أو البناء عليها أو تزيينها.
- المرونة: خلق تصورات متنوعة تؤدي إلى أفكار مختلفة تتعلق بالأمر نفسه.
- التدفق: توالي اندفاع الأفكار فتزداد الحلول المحتملة، أو المنتجات المرتبطة بها.
- الخيال: القدرة على التخيل والابتكار والتفكير، ووضع تصور لمنتجات أو أفكار جديدة وأصلية.
- الأصالة: ابتكار منتجات أو أفكار استثنائية وفريدة وجديدة تمامًا.
- المخاطرة: التحلي بالشجاعة وروح المغامرة لتجربة أمور جديدة تميزك.
إن الأشخاص المتسمين بهذه الخصائص ذوو قدرة عالية على الإبداع.
كيف ننمي التفكير التباعدي؟
إليك عزيزي القارئ بعض الأمور التي تساعدك على تطوير قدرتك الإبداعية:
- رسم الخرائط الذهنية.
- تصميم الأشكال الفنية.
- وضع الخطط.
- تخصيص وقت للتأمل واليقظة الذهنية.
إلى جانب كتابة اليوميات وطرح الأسئلة في قوائم، وغيرها.
ما المقصود بالتفكير التقاربي؟
ذكرنا من قبل أنه النوع الثاني من تفكير حل المشكلات، وفيه ينصب التركيز على تجميع كل الحلول الممكنة لاختيار الإجابة الأفضل أو الأصح.
يعرف بالتفكير النقدي أو المنطقي كذلك، ويتميز بالآتي:
- السرعة، والدقة.
- التحليل.
- حسن التقدير.
- اتخاذ القرار.
قد تتساءل الآن أيهما أفضل؟ ولماذا؟
التفكير التباعدي أم التقاربي؟ ولماذا؟
يعتقد البعض أن نوعيّ تفكير حل المشكلات متعارضان أو متضادان، الحقيقة أن لكل منهما المواقف المناسبة لاستخدامه.
يؤدي اعتماد التفكير الإبداعي فقط إلى أفكار غير منتهية، وعدم الوصول لحلول فعلية. كذلك يؤدي اعتماد التفكير النقدي فقط إلى نفاد الأفكار وجمود التحليل.
تتطلب بعض المواقف استخدام كلا النوعين، فنبدأ بالعصف الذهني ثم التفكير التحليلي، للوصول إلى أفضل الحلول وأكثرها قابلية للتطبيق. تُعرف هذه الاستراتيجية بالتفكير المتقن أو التفكير خارج الصندوق.
تواجه قابلية تطبيق هذه الاستراتيجية أو أنواع التفكير عامة عدة تشوهات نعرضها فيما يلي.
أشهر 5 تشوهات فكرية والتغلب عليها
لا تكفي رغبتك في اكتساب نمط تفكير معين والتدرب عليه لتغيير نظرتك للأمور، بل تحتاج إلى مراجعة طريقة تفكيرك الحالية واكتشاف تشوهاتها إن وجدت.
إليك عزيزي القارئ خمسة من أشهر التشوهات الفكرية التي قد تعوق طريقك إلى التفكير التباعدي أو التقاربي أو غيرهما، هي:
- الاستقطاب
يعني تصنيف الناس (إما… أو…)، يُعرف بالتفكير الأبيض أو الأسود كذلك. قد تفكر مثلًا (عليّ الحصول على الدرجة النهائية في الاختبار أو أكون فاشلًا)، وهكذا.
للتغلب عليه: توقف عندما تأتيك مثل هذه الأفكار، وحاول إيجاد احتمال واحد على الأقل بين الخيارين. (لقد ذاكرت جيدًا، وأيًا تكن النتيجة سأفرح بها)، (قد أنقص بضع درجات، يحدث هذا للجميع).
العثور على بدائل يطور مهارتك على رؤية الفروق الدقيقة في المواقف المختلفة.
- التعميم
تبني قواعد عامة على مواقف خاصة، فمثلًا (صديقي خانني إذًا كل الأصدقاء خائنون)، وغيرها من القواعد الخاطئة غالبًا.
للتغلب عليه: حاول اقتصار الموقف على أحداثه، (صديقي خانني لأنه شخص خائن، سأحسن الاختيار مستقبلًا).
- الفلترة
تركز على التفاصيل السلبية وتكبرها، وتتجاهل الجوانب الإيجابية للموقف. عندما يكرر طفلك تحريك الأشياء من أماكنها مثلًا، تعتقد أنه طفل مشاغب.
للتغلب عليه: حاول رؤية الموقف من كل جوانبه. قد يحاول طفلك الاعتماد على نفسه مثلًا، أو اكتشاف تلك الأشياء الجديدة.
- الشخصنة
ترى نفسك مخطئًا على الدوام أو السبب في حدوث الأمور السيئة. إذا أخفق طفلك في الاختبار، فأنت والد فاشل.
للتغلب عليه: لا تُحمل نفسك مسؤولية أمر خارج عن إرادتك، أو حدد كم ساهمت في تلك المشكلة فقط. فربما لم يستذكر طفلك جيدًا.
- القفز إلى النتائج
استنتاج أمر ما دون مقدمات أو أدلة، أو بوجود دليل ضعيف. قد تعتقد أنك لن تجد الوظيفة المناسبة أبدًا لأنك جربت مرة ولم تُوَفق، أو لأن المحيطين بك لا يجدون عملًا مناسبًا.
للتغلب عليه: حدد الاحتمالات المتاحة، وكيف يمكنك التعامل مع كل منها. فقد توجد فرص عمل مناسبة لكنك لم تبحث جيدًا.
توجد العديد من تشوهات التفكير التي نكتسبها من المجتمع أو الثقافة، فحاول معرفتها للتغلب عليها، واكتساب طريقة تفكير أكثر انفتاحًا.
ختاماً عزيزي القارئ، نقف أمام الكثير من المواقف حائرين، فنُسيء فهم بعضها، ونبحث عن حلول بديلة لأخرى. واليوم بعد اطلاعنا على أنواع التفكير المختلفة -لا سيّما التفكير التباعدي والتقاربي- ومهاراته وتشوهاته، سنجد حلولًا أفضل حتمًا، وستتغير نظرتنا لكثير من الأمور.
اقرأ أيضًا
النمو العقلي للطفل | من فضلك اهتمي بطفلك!