كان صوت ضحكاتها يغمر أرجاء بيتنا سعادة، نستيقظ من نومنا على نبرات صوتها الحالمة، وفجأة دون أي مقدمات تحولت هذه الضحكات إلى تأوهات مستمرة، وبدأت تظهر بقع حمراء -ملتهبة كالنيران- على بعض أجزاء من جسدها، توجهنا مسرعين إلى طبيب الجلدية، هدّأ من روعنا وأخبرنا أن أمي تعاني “الحزام الناري”.
فما هو الحزام الناري؟ وما هي أسبابه؟ هذا ما سنعرفه -عزيزي القارئ- في سطوري القليلة القادمة، فهيا بنا.
الحزام الناري (Shingles)
يعرف كذلك باسم القوباء المنطقية أو (الهربس النطاقي)، وهو أحد أنواع الالتهابات الفيروسية، التي يسببها فيروس الحماق النطاقي (Varicella Zoster) وهو نفس الفيروس المسبب لجدري الماء.
فبالرغم من شفاء المصاب، يبقى الفيروس المسبب للجدري المائي كامنًا في النسيج العصبي بالقرب من الحبل الشوكي والدماغ، وقد ينشط فجأة مسببًا ذلك الألم المبرح المعروف “بحزام النار”.
قد يصيب هذا المرض أي منطقة من الجسم، إلا إنه في معظم الحالات يظهر على شكل حزام من الطفح الجلدي على أحد جانبي الخصر.
أعراض الحزام الناري
تظهر الأعراض في صورة ألم وحرقان شديد مع شعور بالوخز، على جانب واحد من جانبي الجسم في معظم الأوقات.
وبعد أسبوعين تظهر بقع حمراء صغيرة مصحوبة بحكة شديدة، ثم تتحول هذه البقع إلى بثور ممتلئة بسائل شفاف يسهل ثقبها، وقد تندمج هذه البقع لتكون حزامًا مؤلمًا يشبه الحرق، كما قد يصيب الحزام الناري أجزاءً أخرى من الجسم كالوجه، والأذنين.
وقد تظهر أعراض أخرى مصاحبة للطفح الجلدي منها:
- الصداع شديد.
- الحمى.
- تعب وآلام في الجسم.
- الحساسية تجاه الضوء.
عند ظهور أي من أعراض الحزام الناري استشر طبيبك للحصول على التشخيص الصحيح، ولكن عليك طلب العناية الفورية في الحالات التالية:
- ظهور الطفح الجلدي قرب منطقة العين.
- إذا كان عمرك أكبر من سبعين عامًا.
- في حالة ضعف المناعة.
- انتشار الطفح الجلدي في جميع أنحاء جسمك.
فتطور الإصابة بهذا الفيروس والإهمال في علاجه، سيلقي بتبعات جسام على عاتق المريض نفسه ومَن حوله كذلك.
كيفية نقل العدوى
من المعروف أن الفيروس المسبب للحزام الناري هو نفسه الفيروس المسبب لداء الجدري، لذا فمخالطتك لشخص مصاب بالحزام الناري قد تعرضك للإصابة بالجدري المائي إن لم تصب به في صغرك.
ويمكن للعدوى أن تنتقل بالملامسة المباشرة للطفح الجلدي، ويجدر الإشارة إلى أن تغطية الطفح الجلدي تقيك ومن حولك من خطر انتقال عدوى الجدري.
طرق الحد من انتقال العدوى
يمكنك الحد من انتقال العدوى إذا اتبعت الخطوات التالية:
- تجنب ملامسة الطفح الجلدي.
- غسل اليدين باستمرار.
- تغطية الطفح الجلدي والمحافظة عليه نظيفًا.
- الابتعاد عن الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، ككبار السن، والحوامل، وذوي المناعة الضعيفة.
مضاعفات الإصابة بالحزام الناري
قد يصيب الفيروس العين، في هذه الحالة يسمى “الهربس النطاقي العيني”، ويحدث ذلك في حوالي 10 – 25% من الحالات المصابة، ويحدث التهاب شديد في ملتحمة العين، والقرنية، قد يتحول إلى التهاب مزمن يؤدي إلى شلل في العصب البصري، ثمّ فقدانًا كاملًا للبصر.
كما قد تصل الإصابة إلى الأذنين “الهربس النطاقي الأذني” ويسمى أيضًا “متلازمة رامسي هانت“، وفيه ينتقل الفيروس من العصب الوجهي إلى العصب الدهليزي القوقعي مسببًا فقدانًا للسمع.
وقد ينتقل كذلك إلى الفم، إذ يظهر طفح جلدي على الغشاء المخاطي للفك العلوي أو السفلي مما يؤثر على الفم ويسبب آلاماً جسيمة للمريض.
وفي الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة، يكون الوضع كارثيًا بانتشار الطفح الجلدي على جميع أجزاء الجسم، وقد تتأثر بعض الأعضاء الحيوية أيضًا مثل الكبد والكلى، مما يجعل الوضع مميتًا.
وعلى الرغم من أن الحزام الناري أكثر شيوعًا بين كبار السن، إلا إنه قد يصيب الأطفال.
طرق علاج الحزام الناري
طرق علاج منزلية
يمكن تخفيف الأعراض المصاحبة للحزام الناري باتباع بعض العلاجات المنزلية من أشهرها ما يلي:
- استخدام الكمادات الباردة على الطفح الجلدي أو الاستحمام به، قد يساعد بدوره على تخفيف الحكة.
- التقليل من حدة التوتر، لأن العامل النفسي يؤدّي دورًا فعالًا في العلاج.
طرق علاج دوائية
لا يوجد دواء بعينه يمكن أن يصفه طبيبك لعلاج الحزام الناري، لكن هناك أدوية مساعدة تخفف من حدة الأعراض والمضاعفات.
تساهم سرعة تناول المريض للعلاج خاصة خلال 72 ساعة من ظهور الأعراض، في التخفيف من حدتها ومعدل استمرارها.
ومن أشهر هذه الأدوية ما يلي:
- مضادات الفيروسات
سيصف لك طبيبك أحد أنواع مضادات الفيروسات مثل (الأسيكلوفير، والفالاسيكوفير، والفامسيكلوفير)، كمحاولة لتخفيف المرض والحد من آلامه ومضاعفاته، وتعطى بمعدل من 2 إلى 5 مرات بالفم يوميًا أو كما يصفها لك طبيبك وفقًا لحالتك.
- المسكنات ومضادات الالتهاب
قد يصف لك طبيبك نوعًا من المسكنات ومضادات الالتهاب مثل الإيبوبروفين، للتغلب على الألم متوسط الشدة المصاحب للإصابة.
- مضادات الحساسية
تُستخدم لتهدئة الطفح الجلدي وعلاج الحكة مثل مضادات الهيستامين.
- مراهم علاج الحزام الناري
كما قد يوصى باستخدام بعض المراهم والكريمات الموضعية، ومن أشهرها الليدوكايين والكابساسين والزوفراكس، التي ستساعد بدورها على تهدئة الألم وتطهير الطفح الجلدي.
- أدوية أخرى
إذا كان الألم حادًا لا يقوى المريض على تحمله، قد يلجأ الطبيب إلى:
- حقن الستيرويدات أو الكورتيزونات أو المخدرات الموضعية لتخفيف الألم.
- مضادات للاكتئاب بجرعة صغيرة ومن أشهر مضادات الاكتئاب المستخدمة في ذلك (الأميتريبتالين، والإيميبرامين).
- الأدوية المضادة للتشنجات مثل (الجابابنتين، والبريجابالين) لتخفيف الألم الشديد المصاحب لالتهاب العصب.
هل يسبب الحزام الناري الوفاة؟
إذا تُرك المريض دون علاج خاصة كبار السن، وذوي المناعة الضعيفة، فقد يصل الوضع بهم إلى الوفاة.
لِقاح الحزام الناري:
هناك نوعان من لِقاح الحزام الناري نوع يسمي (زوستافاكس)، وهو نفس لِقاح الجدري المائي، وذلك لما علمناه من قبل بأن الفيروس المسبب لكلا المرضين واحد.
وفي عام 2017 وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على إصدار نوع معدل منه يعرف باسم (شنغريكس).
يمكن للقاح أن يقلل من خطر الإصابة بالمرض بنسبة 50%، وبإمكانه أيضًا أن يقلل من حدة الأعراض للأشخاص الحاصلين عليه و ما زالوا عرضة للإصابة بالمرض مرة أخرى.
يُوصَى بإعطاء جرعة واحدة لكبار السن ممن عمرهم أكبر من ستين عامًا، كما لا يتعارض مع اللقاحات الأخرى مثل لقاح الإنفلونزا.
لا يفضل إعطاء لقاح الحزام الناري في الحالات الآتية:
- الأشخاص الذين يعانون حساسية مهددة للحياة تجاه الجيلاتين، والنيومايسين أو أي مكون آخر من مكونات اللقاح.
- الأشخاص المصابين بضعف المناعة خاصة في الحالات المرضية الآتية:
- حالات الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).
- المصابين بالسرطان، ويتلقون علاجًا كيماويًا.
- الأشخاص الذين يتناولون الأدوية الستيرويدية.
وفيما يخص الإناث فلا يفضل تناولكِ للقاح الحزام الناري إذا كنتِ حاملًا أو تخططين لحمل، إذ أنه من الضروري التخطيط للحمل بعد أربعة أسابيع من أخذكِ له وليس قبل ذلك؛ للحفاظ على صحتِكِ وصحة جنينِك.
اللقاح شأنه شأن الدواء فمن الممكن أن تظهر على الشخص بعض الأعراض الجانبية مثل الاحمرار أو الحكة أو الصداع وغيرها، فقط عليكَ بإخبار طبيبك فورًا للتمكن من حل المشكلة على وجه السرعة.
وأخيرًا عزيزي القارئ، الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، فعليك بالحفاظ على صحتك والذهاب إلى طبيبك إذا شعرت بأي عرض من أعراض الحزام الناري لتحمي نفسك من خطر مضاعفاته وآلامه المبرحة.
