الخفافيش | أنواعها والأمراض التي تنقلها

“الخفافيش” تلك الحيوانات سيئة السمعة التي طالما ارتبط اسمها بالرعب ومص الدماء وأخيرًا بالكورونا، إذ أشارت بعض الدراسات أن لها دورًا كبيرًا في نقل فيروس كورونا (Covid19) وغيره للبشر.

فهل حقًا هي كائنات شريرة؟ هل فعلًا تمص دماء الإنسان؟ أين تعيش وعلام تتغذى؟ ما الأمراض التي تُصيبها؟ وما الأمراض التي تنقلها للإنسان؟

هل تفيد الإنسانية بشيء؟ هل تعلم أن للخفاش فضل في وجود فواكه المانجو والموز اللذيذة؟!

تعال معي -عزيزي القارئ- إلى رحلة في عالم تلك الكائنات، نتعرف إليها عن قرب، ودعني أفاجئك بمعلومات لم تعرفها من قبل.

هُوِيَّة الخفاش بمملكة الحيوان

ينتمي الخفاش أو الوطواط إلى عائلة (Chiroptera) اسم لاتيني يعني “جناح اليد”، وهي ثدييات طائرة تعيش في مستعمرات، تلد صغارها وترضعهم الحليب.

تُعد الخفافيش ثاني أكثر الثدييات انتشارًا بعد القوارض، إذ يوجد 1300 نوع منها.

الأرجل الأمامية لها مزودة بخمس أصابع تشبه يد الإنسان، يربط كل إصبع بالآخر طبقة رقيقة من الجلد.

بذلك يتشكل لديها شكل الجناح الذي يمكّنها من الطيران، فهي الثدييات الطائرة الوحيدة في العالم.

 يتراوح حجم أجنحتها بين 5 إنشات ويصل لستة أقدام؛ مما يؤهلها لطيران مرن وسريع يصل لمائة متر بالساعة.

يدور متوسط أعمارها حول 30 عامًا، وحجم جسمها يتراوح بين 8 سم و28 سم، وأوزانها بين 200 جرام أو أقل وتصل إلى 1500 جرام.

أين تعيش؟

تستوطن هذه الكائنات جميع أنحاء العالم ماعدا القطبين الشماليين والصحاري الشديدة وبعض الجزر، وتعد كائنات ليلية إذ تمارس حياتها ليلًا.

تختبئ الخفافيش نهارًا بمنازلها التي تسمى “مجاثم”، إذ تهرع إلى الأماكن الرطبة، مثل الكهوف والشقوق والمباني المهجورة، وتعيش داخلها في مستعمرات كبيرة، إذ تبحث عن الدفء والطعام، في الشهور الباردة التي يقل بها الطعام، ويمكن أن تلجأ إلى البيات الشتوي.

 يقل التمثيل الغذائي في أثناء بياتها الشتوي وتفقد نصف وزنها تقريبًا، وتنخفض حرارة أجسامها من 100 درجة لتصل إلى حوالي 40 درجة مئوية؛ حتى توفر طاقتها للبقاء إلى أن تخرج من بياتها.

تلجأ أيضًا بعض الفصائل إلى الهجرة مثل الطيور، إذ تنتقل بين موطن شتوي وآخر صيفي حسب درجة الحرارة. 

تتخذ وضعية “رأسًا على عقب” داخل منازلها إذ تستخدم أرجلها للتعلق والالتصاق بالأسقف بينما رأسها وأجنحتها تتجه إلى الأسفل.

يعتقد العلماء أن هذه الوضعية بمثابة استعداد للطيران هربًا في أي لحظة.

أنواع الخفافيش

  1. صغيرة (Microbats): 

تنتمي إليها أغلب الخفافيش، وتعتمد غالبًا على الحشرات كغذاء، وبعضها تمص دماء الخيول والأبقار.

  1. كبيرة (Megabats):

 تسمى أيضًا خفافيش الفاكهة وتتغذى على الفواكه والرحيق وحبوب اللقاح.

خفاش الفاكهة

ينتمي لعائلة (Pteropodidae) ويسمى أيضًا الثعلب الطائر (Flying fox)، أو الخفاش الأمريكي ذا الأنف الورقي وينتمي لعائلة (Phyllostomidae).

يستوطن المناطق الاستوائية وتستطيع النشاط نهارًا، إذ تتجول بين الأشجار وتتغذى على الفواكه والرحيق وحبوب اللقاح، يلعب دورًا كبيرًا في عملية تلقيح الأزهار في المناطق التي يتواجد بها.

يعتمد خفاش الفاكهة في حركته على نظره الحاد وحاسة الشم القوية، وذلك يخالف طبيعة الخفاش الصغير الذي يعتمد على “صدى الصوت” لتحديد المواقع في أثناء الطيران.

الخفافيش وصدى الصوت 

يعتقد البعض أن الخفافيش عمياء وهذا ما نفته الدراسات الحديثة، إذ إن النشاط الليلي يُحتّم عليها أن تجد طريقة غير الرؤية العينية لتحديد موقع فريستها.

لذلك فعيون الخفافيش مبصرة، لكنها تستخدم صدى الصوت لقياس المسافات كمراوغة لتساير نظام حياتها.

تتلخص هذه التقنية في أن الخفافيش تصدر موجات فوق صوتية أعلى من نطاق السمع البشري، وتصطدم هذه الموجات بالأجسام المحيطة، ثم تقوم بتحليل صدى هذه الموجات لتحدد مكان ونوع وحجم فريستها.

تستخدم الخفافيش الصغيرة هذه الآلية أكثر من خفافيش الفاكهة الأكبر حجمًا.

الخفاش الأبيض (white bat)

يشترك مع الخفافيش الصغيرة في صغر الحجم، ويشترك مع خفاش الفاكهة في أكل الفاكهة، فهي كائنات نباتية.

يعيش الخفاش الأبيض في هندوراس فقط في الغابات المطيرة المنخفضة في شرق هندوراس وشمال نيكاراغوا وشرق كوستاريكا وغرب بنما، لذلك يسمى بالخفافش الهندوراسي (Honduran white bat).

تستمد اسمها من شكلها إذ يغطيها شعر أبيض رقيق، ولا ينمو الشعر على أجنحتها السوداء، ويتميز أنفها وأذنها ووجهها بلونٍ برتقاليٍ زاهيٍ.

تتلون رأسها بلون أسود كوسيلة طبيعية للحماية من أشعة الشمس الضارة.

تعيش الأنواع البيضاء في مجموعات تتعلق بأوراق النباتات، مثل نبات الهيليكونيا (Heliconia).

وتتميز هذه النبتة بارتفاعها عن سطح الأرض لتجعلها في مأمن عن الحيوانات المفترسة.

سيقان الهيليكونيا ضعيفة فتهتز النبتة بسهولة عند مرور حيوان بجوارها؛ مما ينذرها بالخطر فتستطيع الطيران والهرب.

تسمى أيضًا بصانعي الخيام؛ ذلك لقدرتها على تصنيع الخيام من أوراق نبات الهيليكونيا.

يهدد تدمير الغابات المطيرة التي ينمو بها ذلك النبات مستقبل الخفافيش البيضاء وينذر بانقراضها.

تعد الثعابين وآكلات اللحوم أخرى الأعداء الطبيعيين للخفافيش البيضاء.

بذلك نكتشف أنها ليست كائنات مؤذية على الإطلاق، إذ يوجد منها أنواع مختلفة بصفات متباينة، بل هناك منافع تقدمها للبشرية.

أهمية الخفافيش للإنسان

تلعب الخفافيش الصغيرة آكلة اللحوم دورًا كبيرًا في مهاجمة الحشرات، خاصةً المفصليات (Arthropods)، كما تخلص البيئة منها بطريقة طبيعية فلا يضطر الإنسان إلى استخدام مبيدات صناعية.

تلعب فصيلة آكلة الفاكهة دورًا هائلًا في تلقيح النباتات.

 فهل تعلم أن الخفافيش تشارك في تلقيح أزهار المانجو والموز والأفوكادو مثلًا؟

 فهي تساهم بشكل رئيسي في ازدهار الغابات الاستوائية.

ألهمت الخفافيش الإنسان ليخترع نظم الملاحة المعتمدة على صدى الصوت والموجات فوق الصوتية، إذ تستخدم الخفافيش هذه التقنية في أثناء الطيران كما ذكرنا سابقًا.

 روث الخفافيش (Guano) غني بالملح الصخري “نترات البوتاسيوم”.

يستخدم هذا الملح كسماد ويصنع منه المتفجرات والبارود، كذلك لعب دورًا أيضًا في حفظ الحفريات.

لا يوجد مخلوق ليس له أهمية، لكن كيف تضر الخفافيش الإنسان؟

أشهر الأمراض التي تسببها

الخفاش مضيف رائع للفيروسات نتيجة طبيعة معيشتها حيث البيات الشتوي أو الهجرة وأكل الحشرات، وطالما اقترن ذكرهم بداء الكلب أو السعار (Rabies)، إذ ينقل هذا الفيروس للإنسان عن طريقها.

مؤخرًا ارتبط ذكر فيروسات الكورونا (Covid19) بالخفافيش، إذ اعتقد العلماء أنها منشأ العدوى، وأجريت دراسات عديدة بهذا الصدد، منها ما أيد تورط الخفافيش ومنها ما برأها.

هيا -عزيزي القارئ- نسرد بعض الأمراض التي تنقلها الخفافيش للإنسان:

فيروس الخفافيش الاسترالي (Australian bat lyssavirus)

تنقل الخفافيش ذلك الفيروس بملامسة لعاب الخفاش الحامل للمرض لجرح أو غشاء مخاطي بجسد الإنسان المتلقي للعدوى، أو عند مهاجمة الخفاش للإنسان بالعض أو الخدش.

يسبب هذا الفيروس أعراض السعار، ويؤدي إلى الوفاة.

فيروس هندرا (Hendra virus)

ينتقل هذا الفيروس من الخفافيش إلى الخيول ومنها للإنسان، ويصاب الإنسان نتيجة ملامسة سوائل الجسم للخيول المصابة.

وهو أحد أنواع الفيروسات المخاطية (Paramyxoviridae) المسببة لعدوى فيروس نيباه (Nipah). 

تعد الخفافيش الكبيرة أو الثعالب الطائرة العائل الطبيعي لفيروس هندرا، وتنقله للخيول خلال تلوث طعام الخيول ببول الخفافيش المصابة، ولا يوجد دليل حتى الآن على إمكانية انتقاله مباشرة للإنسان.

داء النوسجات (Histoplasmosis)

عدوى رئوية نادرة تصيب الخفافيش والكلاب والقطط والأبقار والخيول والفئران وحيوانات أخرى، وتنتقل للإنسان خلال التعرض لفضلات الحيوانات المصابة.

لذلك يجب الحذر عند التعامل مع فضلات الحيوانات وارتداء ملابس الوقاية وقناع الوجه.

داء البريميات (Leptospirosis)

مرض بكتيري ينتقل من بول الحيوانات المصابة للإنسان، وفي حالات نادرة يسبب الوفاة.

الأشخاص الذين يتعرضون للبكتريا هم الأكثر عرضة لداء البريميات، مثل: الأطباء البيطريين وعمال اللحوم والمزارعين، ومن يسبحون في مياه ملوثة.

السالمونيلا (Salmonella)

عدوى بكتيرية تنتقل للإنسان من براز الحيوانات المصابة، أو الطعام غير المطهي جيدًا.تسبب التهابات بالمعدة والأمعاء للإنسان المصاب، ومصدر العدوى هو الخفافيش الكبيرة.

فيروسات إيبولا وماربورغ (Ebola & Marburg virus)

تنشر الخفافيش هذه العدوى للأشخاص الذين يتعاملون معها عن قرب، أو بتناول الفاكهة الملوثة بالفضلات الحاملة للفيروس.

لذلك يجب أخذ الحذر جيدًا عند التعامل معها أو فضلات الحيوانات عمومًا.

هل الخفاش يؤذي الإنسان؟

دائمًا ما ارتبط ذكر الخفاش بالرعب ومص الدماء، فهل يهاجم الإنسان ويمتص دمه حقًَا؟

في الحقيقة لا يفضل الخفاش مصاص الدماء دماء الإنسان، لكنها غالبًا يمتص دماء الخيول والأبقار، لا يمتص الخفاش كمية كبيرة من دماء الفريسة، فالوجبة الواحدة لا تتعدى مقدار ملعقة شاي من الدماء. وتفرز مادة مخدرة في موضع مص دماء ضحيتها، وتفرز مادة لمنع تجلط الدم الممتص.

يكمن خطر مهاجمة الخفاش للإنسان في نقل الأمراض خاصةً السعار، وليس في قتله بمص دمه كما تشيع السينما.

أمراض تهدد الخفافيش

تصاب الخفافيش ببعض الأمراض التي تنقلها إلى البشر، وتتأثر بها هي الأخرى، مثل: السعار وداء النوسجات المذكورين سابقًا.

توجد متلازمة تدعى بمتلازمة الأنف الأبيض (White-nose syndrome) تسببها فطريات (Pseudogymnoascus)، وظهرت في نيويورك عام 2006 وانتشرت انتشارًا واسعًا بين مقاطعات الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.

تاركًة في طريقها ملايين الخفافيش الميتة، ويهدد هذا المرض بعض الفصائل بالانقراض. ينتقل مرض الأنف الأبيض بالتلامس المباشر بين الحيوانات السليمة والمصابة، أو بواسطة لمس الأسطح الملوثة، وتغطي أنف الخفافيش المصابة طبقة بيضاء من الفطريات.

حتى الآن لم يثبت انتقال هذا المرض إلى الإنسان إذ تحتاج الفطريات إلى درجة حرارة منخفضة حتى تنشط، لذلك لا تصيب الإنسان.

هنا -عزيزي القارئ- تنتهي رحلتنا مع “الخفافيش” أبطال الظلام، أرجو أن تكون قد استمتعت بالرحلة، وتسعدني تعليقاتك وتساؤلاتك حول هذه الكائنات العجيبة.

أقرأ أيضًا

فيروس جديد يشبه كورونا بنسبة 94% وتنقله الخفافيش

فيروس نيباه | لماذا يصيب البشر بالذعر؟

أنواع الكلاب | طرق العناية بها وأمراضها المختلفة

المصدر
dnr.maryland.govwww.nps.gov/articles/www.ncbi.nlm.nih.gov/https://www.nbcnews.comhttps://www.terminix.com/www.nationalgeographic.comwww.rainforest-alliance.orghttps://theconversation.comwww.dkfindout.comwww.nps.gov
Exit mobile version