منذ بضعة أيام لاحظت ظهور بعض الأعراض الغريبة، فقد ارتفعت درجة حرارتي، وشعرت بآلام في كل جسدي، وظهرت أعراض تحسس في وجهي؛ فتوجهت مسرعة لاستشارة الطبيب، فقال: هذه أعراض تشبه مرض الذئبة الحمامية الجهازية.
فطلب مني إجراء بعض الفحوص للتأكد.
فسألت نفسي: ما هذا المرض؟
فتوجهت مسرعًة إلى مكتبتي وقررت البدء برحلة علمية جديدة، والبحث عن مرض الذئبة الحمامية الجهازية.
فهيا نبدأ رحلتنا، ونتجول بين سطور هذا المقال لنعرف كل ما يخص هذا المرض.
ماهو مرض الذئبة الحمامية الجهازية
يُعد مرض الذئبة الحمامية الجهازية من الأمراض المناعية المزمنة، فيه يمر المريض بمراحل متنوعة، تتناوب فيها ظهور الأعراض الشديدة (التوهج) مع الأعراض الخفيفة (الهدوء). ولكي نفهم آلية هذا المرض، فهيا نعرف أولًا دور الجهاز المناعي.
الجهاز المناعي هو الحصن المنيع، المسئول عن الدفاع عن الجسم ضد أي هجوم؛ ليحافظ على سلامته
لكن في مرض الذئبة الحمامية الجهازية، يختل عمل الجهاز المناعي؛ فبدلًا من أن يدافع عن الجسم ضد الأجسام الغريبة، يهاجم أنسجة الجسم نفسه، ولا يستطيع التمييز بينهما.
فيُنتج أجسامًا مضادًة لأنسجة الجسم المختلفة؛ مما يؤدي إلى تلفها، ومن أمثلة هذه الأعضاء:
- الجلد.
- المفاصل.
- الكُلى.
- الرئة.
- الجهاز الهضمي.
- المخ.
أسباب الذئبة الحمامية الجهازية
لا يُعرف سبب محدد لهذا المرض، لكن تسبب بعض العوامل في ظهور المرض.
من أمثلة تلك العوامل:
عوامل وراثية
لا يرتبط مرض الذئبة الحمامية الجهازية بوجود جين بعينه، ولكن أثبتت الأبحاث، أن هناك علاقة وطيدة بين ظهور المرض، والتاريخ العائلي للمريض.
إذ وجد أن ظهور المرض عند أحد أفراد العائلة؛ يزيد من احتمالية ظهوره عند باقي الأفراد.
عوامل بيئية
تساهم تلك العوامل في ارتفاع معدل ظهور المرض مثل:
- التعرض المستمر لأشعة الشمس.
- الالتهابات.
- عدوى فيروسية.
- سموم مثل التدخين.
- التعرض للإجهاد البدني والنفسي.
- الصدمات.
الأدوية
يساهم تناول بعض الأدوية في ظهور بعض أعراض المرض، كأثر جانبي.
النوع والهرمونات
تُعد النساء أكثر إصابة من الرجال بمرض الذئبة الحمامية الجهازية.
هناك بعض النظريات تربط بين ظهور المرض، والتعرض لهرمون الإستروجين؛ إذ تبين ظهور أعراض شديدة عند بعض السيدات الحوامل، كذلك أثناء الدورة الشهرية.
عوامل الخطورة للإصابة بالمرض
تشمل عوامل الخطورة:
- الجنس: معدل الإصابة في النساء أكثر من الرجال.
- الفئة العمرية: مرض الذئبة الحمامية الجهازية يصيب جميع الأعمار؛ ولكن غالبا يشخص ما بين ١٥- ٤٥ سنة.
- العرق: يعد المرض أكثر شيوعًا عند الأمريكيين ذوي الأصل الأفريقي، والأسيوي، والأسباني.
كما ينتشر في الأفراد ذوي البشرة الداكنة أكثر من البشرة البيضاء.
أعراض المرض
تتباين أعراض المرض من مريض إلى آخر، وذلك حسب حدة المرض، وإليك عزيزي القارئ الأعراض الشائعة للمرض:
- الإجهاد المفرط.
- ارتفاع درجة الحرارة.
- آلام المفاصل (خاصة المفاصل الصغيرة مثل مفاصل الأصابع).
- الصداع.
- طفح جلدي على الوجنتين والأنف، يُدعى طفح الفراشة.
- تساقط الشعر.
- الأنيميا.
- اضطراب في تخثر الدم.
- ضيق في التنفس.
- آلام في الصدر.
- الشعور بالتنميل، وبرودة الأطراف، وتحولها إلى اللون الأزرق أو الأبيض، وهو ما يعرف بظاهرة رينود.
جديرًا بالذكر، أن هناك العديد من الأعراض الأخرى، إذ تختلف باختلاف الجزء الذي يهاجمه المرض.
متى تستشير الطبيب؟
- عند ظهور طفح جلدي مجهول السبب.
- ارتفاع مستمر في درجة الحرارة.
- الإجهاد مستمر.
نظرًا لتشابه تلك الأعراض مع أعراض العديد من الأمراض الأخرى؛ لذلك يعد تشخيص مرض الذئبة الحمامية الجهازية صعبًا.
تشخيص الذئبة الحمامية الجهازية
أولا: الفحص السريري
هناك أحدَ عشر عرضًا شائعًا، إذا توافر أربعة منهم لدى المريض، يساعد الطبيب المختص في تشخيص مرض الذئبة الحمامية الجهازية ومن هذه الأعراض:
- طفح جلدي في الوجه على شكل فراشة.
- ظهور بقع جلدية حمراء.
- الحساسية المفرطة للضوء.
- التهاب مفصلين أو أكثر مع التورم والألم.
- التهاب في القلب أو الرئتين.
- اضطرابات في الأعصاب.
كذلك لابد من إجراء بعض الاختبارات؛ للوصول إلى التشخيص السليم.
ثانيا الفحص المعملي
- اختبار الأجسام المضادة في الدم ( ANA).
- تعداد الدم الكامل (CBC)، ستنخفض عدد الكريات الحمراء في حالة وجود المرض.
- تحليل البول، نلاحظ ظهور البروتين في تحليل البول.
ثالثا: الفحص بالأشعة
- الأشعة السينية علي الصدر.
- فحص القلب بالموجات الصوتية.
والآن حان الوقت لمعرفة علاج المرض.
علاج الذئبة الحمامية الجهازية
نظرًا لأنه مرض مزمن؛ فلا يوجد له علاج، لذلك يقتصر العلاج على تخفيف حدة الأعراض، وعدم تدهور الحالة.
أهداف العلاج :
- تخفيف الألم ومنع التورم.
- تثبيط الجهاز المناعي؛ لتجنب مهاجمته لأعضاء وأنسجة الجسم.
- تقليل أو منع تلف المفاصل.
- تجنب تلف أعضاء الجسم.
الأدوية المستخدمة في العلاج
- مضادات الالتهابات غير الستيرويدية (المسكنات)
تساعد على تخفيف الألم ومنع تورم المفاصل، مثل الأيبوبروفين، والنابروكسين.
- مضادات الالتهابات الستيرويدية (الكورتيكوستيرويد)
تُستخدم بجرعات عالية؛ لتهدئة الجهاز المناعي، وكذلك لتسكين الألم ومنع الالتهاب.
كما تُؤخذ هذه المستحضرات بأشكال مختلفة مثل: الحقن، أو الكريمات أو الأقراص.
غالبًا ما يستجيب مريض الذئبة الحمامية الجهازية سريعا لتلك الأدوية، وعند حدوث ذلك يبدأ الطبيب في تقليل الجرعة بشكل تدريجي؛ , وذلك لتجنب الآثار الجانبية للكورتيزون.
- الأدوية المضادة للملاريا:
مثل الهيدروكسي كلوروكين، وفوسفات كلوروكين، إذ أثبتت الدراسات أن هذه الأدوية لها فاعلية في:
- منع نوبات المرض.
- تخفيف آلام المفاصل.
- تُعالج الطفح الجلدي، والتهاب الرئة.
- تزيد من عمر المريض.
- الأدوية المثبطة للخلايا البائية الغير طبيعية BLyS:
تعد تلك الخلايا المسئولة عن إنتاج الأجسام المضادة في مرض الذئبة الحمامية الجهازية
أمثلة هذه الأدوية belimumab.
- الأدوية المثبطة للمناعة / العلاج الكيميائي:
تستخدم هذه الأدوية في حالات الذئبة.
الشديدة، تحت إشراف الطبيب المختص، إذ يهاجم المرض أعضاء حيوية هامة، ولا تستجيب للعلاج بالأدوية الأخرى.
ومن عيوب هذه الأدوية، أن لها آثار جانبية خطرة، لذلك يصبح المريض أكثر عرضة للأمراض المختلفة.
بعض الاحتياطات قبل استخدام الأدوية المثبطة للمناعة
ينبغي معرفة، ومعالجة أي مرض يعانيه المريض مثل الدرن، والتهاب الكبد الوبائي B، ومرض نقص المناعة المكتسبة؛ لمنع الانتكاسة، وإعادة نشاط الميكروب.
- أدوية أخرى:
قد يصف لك الطبيب أدوية أخرى، لبعض الأمراض المرتبطة بمرض الذئبة الحمامية الجهازية مثل :
- أدوية لارتفاع ضغط الدم.
- فيتامينات لهشاشة العظام: نتيجة استخدام الكورتيكوستيرويد.
- أدوية مضادة لتخثر الدم مثل الورفارين، وذلك لإن كثيرًا من المرضى معرضون لخطر الإصابة بجلطات الدم.
عليك باستشارة الطبيب في الحالات الآتية:
- ظهور أعراض جانبية جديدة بعد استخدام العلاج.
- عدم استجابة الأعراض للعلاج.
- إذا ظهرت عليك أعراض مرضية جديدة.
- لو كنت تتناول أي مكملات غذائية.
- إذا كنت ترغبين في الحمل.
جديرًا بالذكر، لا ينبغي تناول أي أدوية بدون استشارة الطبيب المعالج.
والآن إليكم سؤال يطرح نفسه.
هل يمكن الوقاية من الذئبة الحمامية الجهازية؟
للأسف لا يوجد طريقة للوقاية من هذا المرض، وذلك لأنه مرض مناعي يحدث دون سبب محدد، لكن الاكتشاف المبكر للمرض وتناول العلاج المناسب، يُجنب المريض مضاعفات المرض، ليحيا حياة طبيعية.
لذا تُستخدم بعض الأدوية كوقاية؛ لمنع تدهور حالة المريض، وتجنب نوبات التوهج.
اللقاحات
يُعد مريض الذئبة الحمامية الجهازية أكثر عرضة للعدوى بالأمراض البكتيرية والفيروسية، إذ تُعد سببًا رئيسيًا للوفاة، لذا يستخدم:
- لقاح الإنفلونزا، لتجنب نزلات البرد الموسمية.
- لقاح المكورات الرئوي للحماية من الالتهاب الرئوي.
المضادات الحيوية
أوصت المنظمة الأمريكية للقلب استخدام مضاد حيوي؛ كعلاج وقائي قبل إجراء أي عملية جراحية، ولذلك لأن المريض أكثر عرضة للإصابة بالحمى الروماتيزمية، والتهاب القلب.
مضاعفات مرض الذئبة الحمامية الجهازية
بمرور الوقت، يُتلف المرض أجزاء متعددة من الجسم، ينتج عنها مضاعفات عديدة:
- تخثر دموي، والتهاب الأوعية الدموية.
- التهاب القلب، والتامور (التهاب الجدار المحيط بالقلب).
- نوبات قلبية.
- السكتة الدماغية.
- اضطرابات في السلوك والذاكرة.
- التهابات أنسجة الرئة.
- التهابات الكلى.
- الفشل الكلوي.
وفي نهاية الرحلة عزيزي القارئ، إذا كنت تُعاني أي عرض مما سبق، فعليك باستشارة طبيبك المختص؛ لوضع خطة علاجية مناسبة؛ لتجنب أي مضاعفات، وتنعم بحياة هادئة.