قد يهتم المرء بالذكاء العام ويهمل الذكاء العاطفي بافتراض عدم أهميته. لكن تخيل معي عالمًا لا يمكنك فيه فَهْم مشاعر الحزن عند صديقك المقرب، أو كونك لا تستطيع إدراك سبب غضب زميلك في العمل، أو عدم قدرتك على التعرف على الأشياء التي تُشعرك بالفرح أو الحزن.
فَهْم مشاعر الفرد وإدراكها أمرٌ مهمٌ للغاية يُسهِّل علينا الحياة، ويُضفي على علاقاتنا جوًا من الدِفء والحميمية.
هنا تكمُن أهمية الذكاء العاطفي، فتابع معي عزيزي القارئ…
ماذا يعني الذكاء العاطفي؟
يشيع استخدام مصطلح الذكاء بين الكثير من الناس، وقد عرَّفه العلماء على أنه قدرة الشخص على التَّعلُّم وتطبيق المعرفة وحل المشكلات، لكن هذا ليس النوع الوحيد من الذكاء.
يمتلك بعض الناس نوعًا آخرًا من الذكاء يُعرف باسم الذكاء العاطفي، شاع استخدام هذا المصطلح بين الباحثين في تسعينيات القرن الماضي.
وقد عَرَّف الباحثون الذكاء العاطفي على إنه امتلاك الفرد لأربع سمات، هم:
- الوعي الذاتي
تستطيع التَّعرُّف على مشاعرك ووصفها، وكيفية تأثيرها في أفكارك وسلوكك، ولا تسمح لعواطفك بالسيطرة عليك.
كذلك تكون قادرًا على تحديد نِقَاط قوتك وضعفك، ولديك ثقة عالية بالنفس.
- إدارة الذات
تصبح قادرًا على التحكم في مشاعرك وسلوكياتك الاندفاعية، وكذلك تستطيع إدارة عواطفك والتَّكيُّف مع الظروف.
عادةً ما تتوقف قليلًا وتفكر في عواقب الأمور قبل اتخاذ قراراتك، وتتجنب اتخاذ قراراتٍ متهورة.
- الوعي الاجتماعي
تكون قادرًا على التعاطُف مع الآخرين، وفَهْم مشاعرهم واحتياجاتهم ومخاوفهم.
تميل لأن تكون مستمعًا جيدًا، ودقيقًا في الحكم على الآخرين، لذلك غالبًا ما يكون الشخص الذكي عاطفيًا صديقًا جيدًا.
- إدارة العلاقات
تَعرف كيفية تطوير العلاقات الجيدة والحفاظ عليها، وتكون قادرًا على التواصُل مع الآخرين وإلهامهم والتأثير فيهم.
يَسْهُل عليك التعاوُن والعمل الجماعي، وعادةً ما تكون قائدًا مميزًا، نتيجة قدرتك على إدارة العلاقات والصراعات في الفريق.
علامات الذكاء العاطفي
قد لا يُدرك الأشخاص الأذكياء عاطفيًا هذه الصفة في أنفسهم، لذا يبقى السؤال يطرح نفسه، ما هي علامات الذكاء العاطفي؟
فيما يلي بعض العلامات التي قد تشير إلى امتلاك الفرد ذكاءً عاطفيًا:
- امتلاك مفردات عاطفية قوية تساعد على وصف المشاعر وصفًا دقيقًا.
- الفضول بشأن الآخرين، وإظهار التعاطُف معهم.
- الاستماع الجيد للآخرين.
- الاعتراف بالأخطاء والاعتذار عنها.
- إجادة حل المُشكلات.
- تقبُّل النقد البنَّاء دون وجوب تقديم الأعذار أو إلقاء اللوم على الآخرين.
- الإشادة بالآخرين.
- إدراك قوة وأهمية المشاعر وتأثيرها في النفس وفي الآخرين.
- مساعدة الآخرين ليصبحوا أفضل من ذي قبل.
- المسامحة ونسيان الإساءة والمُضيُّ قُدمًا.
إضافةً إلى ذلك، يمكن أن تشير بعض العلامات إلى نقص الذكاء العاطفي عند الفرد، منها:
- الانزعاج من النقد وتعليقات الآخرين.
- عدم القدرة على تولي المسئولية.
- الوقوف الدائم عند الأخطاء الخاصة وعدم القدرة على تجاوزها.
- الشعور الدائم بسوء فهم الآخرين.
- إيجاد صعوبة في الحفاظ على العلاقات.
- عدم القدرة على فهم مشاعره ومشاعر الآخرين.
أهمية امتلاك الفرد للذكاء العاطفي
ليس شرطًا أن يكون الأذكى بين الناس هو الأكثر نجاحًا أو الأكثر استمتاعًا بالحياة.
قد تعرف أشخاصًا أذكياءً جدًا وبارعين أكاديميًا، لكنهم غير مؤهلين اجتماعيًا، أو غير ناجحين في عملهم أو في علاقاتهم الشخصية.
فمعدل ذكاء الفرد وحده لا يكفي لتحقيق النجاح في الحياة، نعم قد يساعدك على الالتحاق بالجامعة التي ترغب في الالتحاق بها، لكنه وحده الذكاء العاطفي هو ما يساعدك على إدارة عواطفك وتوترك خلال اختباراتك النهائية، فيعملان جنبًا إلى جنب لضمان نجاحك في الحياة.
فنرى أهمية الذكاء العاطفي وتأثيره في نواحٍ عدة، منها:
- علاقاتك الاجتماعية
يساعدك الذكاء العاطفي على التعبير الدقيق عن مشاعرك، كذلك يجعلك قادرًا على فهم ما شعر به الآخرون جيدًا، مما يساعدك على التواصل مع الآخرين، وإقامة علاقات أقوى معهم سواءً في العمل أو في الحياة الشخصية.
- أدائك المدرسي أو عملك
يساعدك الذكاء العاطفي على تجاوز الخلافات في المدرسة أو العمل، كذلك يجعلك قادرًا على تولي القيادة، مما يساعدك على التفوق في الحياة المهنية.
ونلاحظ مؤخرًا إدراك العديد من الشركات أهمية الذكاء العاطفي، وإضافتهم لبعض الاختبارات التي تقيس نسبته لدى المتقدمين للعمل قبل توظيفهم.
اختبارات الذكاء العاطفي
يوجد عدد من الاختبارات المختلفة لقياس مستوى الذكاء العاطفي، تنقسم هذه الاختبارات عمومًا إلى نوعين:
- اختبارات التقرير الذاتي
تُعد الأكثر شيوعًا لأنها أسهل في الإدارة والنتيجة، فيها يُجيب الشخص المتقدم للاختبار على الأسئلة أو العبارات بتصنيف سلوكياته.
على سبيل المثال: جملة مثل “غالبًا أفهم كيف يشعر الآخرون” قد يصف الشخص المتقدم للاختبار شعوره تجاهها بأنه غير موافق، أو غير موافق إلى حدٍ ما، أو موافق، أو موافق بشدة.
- اختبارات القدرة
فيها يستجيب الشخص المتقدم للاختبار لبعض المواقف التي تُقيِّم قدرته على إدراك العواطف وفهمها وإدارتها؛ ومن ثَم يُقيِّم شخصٌ آخر مهاراته.
من أهم هذه الاختبارات اختبار Mayer-Salovey-Caruso للذكاء العاطفي (MSCEIT).
الذكاء العاطفي عند الأطفال
تخيَّل معي، يتلقى صديق طفلك المُقرَّب بعض الأخبار المزعجة ويلغي خطط التسكُّع مع طفلك، يتفهَّم طفلك سبب عدم رغبة صديقه في التواصل الاجتماعي، ويضع خططًا أخرى بدلًا من التذمُّر.
أو يعاني طفلك صعوبةً في أداء الواجب المدرسي، يأتي ويخبرك بمدى إحباطه ويطلب المساعدة بدلًا من الصراخ والاستسلام.
تعد ردود الأفعال تلك تعبيرًا عن امتلاك طفلك مهارات الذكاء العاطفي.
أهمية الذكاء العاطفي عند الأطفال
يُعد الذكاء العاطفي مهمًا للأطفال، خاصةً من يعانون اختلافات في القدرة على التَّعلُّم والتفكير.
فكر معي في التحديات التي يواجهها طفلك كل يوم، قد تكون المهام التي يَسهُل على أقرانه القيام بها صعبةً عليه، قد يدرس بجدٍ لكنه يحصل على درجاتٍ ضعيفةٍ، قد يشعر بالحرج من اختلافات قدرته على التَّعلُّم ويخشى طلب المساعدة.
تشكيل كيفية استجابة الطفل للتحديات هو أحد أهم الأدوار الأساسية للذكاء العاطفي، فيساعده الذكاء العاطفي على تحديد حجم المواقف، ووضعها في منظورها الصحيح، والتوصُّل إلى طرقٍ سليمةٍ للتعامل معها.
مثلًا انظر معي، كيف يمكن أن يُحدِث ذلك فرقًا في مواجهته صعوبة في واجب الرياضيات.
إذا كان لا يمتلك ذكاءً عاطفيًا، قد يكون رد فعله كالتالي:
- يرمي قلمه محبطًا في اللحظة التي يقع فيها بمشكلة.
- يصرُخ عليك عندما تأتي لمساعدته معتقدًا أنك هنا لكي تزعجه.
- يخرج من الغرفة ولا يعود للمحاولة مرةً أخرى، فهو لا يرى أي جدوى من ذلك.
- في اليوم التالي في صف الرياضيات يخبر صديقه أن الواجب كان غبيًا.
- لا يخبر المعلم بعد الصف أنه كان يعاني مشكلةً ما في الواجب، ولا يطلب المساعدة.
لكن إذا كان يمتلك ذكاءً عاطفيًا، قد يكون رد فعله كالتالي:
- يُدرِك أنه مُحبَط.
- سرعان ما يفكر في نتيجة الصراخ أو رَمْي كتابه على الأرض.
- يبتكر طريقةً أفضل للرد وشرح ما يشعر به.
- يريد المحاولة مرة أخرى -على الرغم من شعوره بالإحباط- لأنه يفهم ما سيكسبه على المدى البعيد.
- قد تضغط عليه قليلًا، لكنه يتفهَّم أنك تهتم لأجله، وتريد مساعدته على تحقيق النجاح.
- يقول أنه يحتاج إلى السَيْر بوتيرةٍ أبطأ، ويرغب في المحاولة مرةً أخرى بنفسه.
- في اليوم التالي ينتظر انتهاء الصف ويخبر معلمه أنه يواجه مشكلةً في الفهم.
لماذا يعاني بعض الأطفال مشكلة نقص الذكاء العاطفي؟
ليس ضروريًا أن يعاني الأطفال ممن لديهم اختلافات في القدرة على التعلم والتفكير نقصًا في الذكاء العاطفي، فنرى العديد منهم يتمتع بذكاءٍ عاطفي مرتفع، لكن أحيانًا قد يكون نقص الذكاء العاطفي علامةً مبكرةً على معاناة الطفل اختلافًا في القدرة على التعلم والتفكير.
فقد يفقد الطفل المصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) بعض الإشارات الاجتماعية لأنه لا يُولي اهتمامًا كافيًا لالتقاطها، أو قد يسيء الطفل المصاب باضطراب المعالجة السمعية (APD) تفسير ما يقوله الآخرون له، والطفل الذي يعاني اضطراب التعلم غير اللفظي قد لا يلتقط الإشارات الاجتماعية على الإطلاق.
لكن على الجانب الآخر ليس غريبًا أن نرى بعض الأطفال ممن يعانون عسر القراءة يتمتعون بقدرٍ عالٍ من الذكاء العاطفي.
كيف يمكنك مساعدة طفلك في هذا؟
يمكن لطفلك تطوير ذكائه العاطفي بمرور الوقت، حتى لو كان ضعيفًا في ذلك نتيجة بعض اختلافات القدرة على التعلم والتفكير.
تُقدم العديد من المناطق التعليمية برامج التعلم الاجتماعي والعاطفي (SEL) التي تُعلم الأطفال كيف يصبحون أكثر درايةً بالعواطف، وأن يتصرفوا وفقًا لها بفعالية.
كذلك هناك بعض الخطوات التي تساعد الكبار والصغار في تعلمه نعرفها معًا في السطور القادمة…
هل يمكن تعلُّم الذكاء العاطفي؟
يمتلك البعض الذكاء العاطفي بالفطرة، لكن بالنسبة إلى من تنقُص لديه هذه الصفة، هل يمكنه اكتسابها؟
نعم يمكن اكتسابها، فكما يتعلم الفرد اللغة والكلمات، ينطبق الشيء ذاته على تنظيم العاطفة، فيمكنه تعلُّم استراتيجيات فعالة لفهم المشاعر وإدارتها.
بعض النصائح لتحسين ذكائك العاطفي ومهاراتك الاجتماعية:
- استَمِع جيدًا
إذا أردت فهم مشاعر الآخرين، فإن الخطوة الأولى هي الانتباه، انتبه لِمَا يحاول الناس إخبارك به لفظيًا وغير لفظيًا، تَحْمِل لغة الجسد قدرًا كبيرًا من المعاني.
- تَعلَّم كيف تتعاطف مع الآخرين
تدرب على التعاطُف مع الآخرين، تستطيع بذل جهودٍ متضافرة لتضع نفسك في مكانهم، عندها سيكون من السهل عليك فهم وجهة نظرهم.
- فَكِّر جيدًا
تعد القدرة على التفكير بالعواطف جزءًا مهمًا من الذكاء العاطفي، ضع في اعتبارك كيف تؤثر عواطفك في قراراتك وسلوكياتك، كذلك فكر جيدًا في تأثير عواطف الآخرين في تصرفاتهم وردود أفعالهم.
- تَقبَّل النَّقْد البنَّاء
تحمل مسؤولية أفعالك وسلوكك، واستمع إلى التعليقات واعترف بصحة وجهة نظر الطرف الآخر بدلًا من إلقاء اللوم أو تقديم الأعذار، ثم أَدخِل التحسينات والتعديلات اللازمة.
في النهاية قد يولَد بعض الناس مع موهبة الذكاء العاطفي لكن مازال يستطيع الآخرون تعلُّمها، في كلتا الحالتين، يمكن أن يكون لقدرة الشخص على معرفة نفسه وفهم مشاعر الآخرين تأثيرًا إيجابيًا في علاقاته، ومساعدته على النجاح في كل مجالات الحياة.
اقرأ أيضًا
ذكاء الأطفال | كيف تربي طفلًا استثنائي الذكاء؟