كنت أتجول مع صديقتي الأمريكية في منطقة الحسين، وكانت هذه زيارتها الأولى لمصر وكنتُ ألعب هنا دور المرشد السياحي. فجأة تقلص وجهها وصدرت عنها سيمفونية حادة معبرة عن ألم حقيقي، وهي تشير إلى معدتها، فهرعت بها إلى المستشفى، وهناك أخبرنا الطبيب أن صديقتي تعاني مرض الزحار الأميبي، معقبًا بأن هذا المرض أصابها لتناولها طعامًا ملوثًا.
كانت هذه المرة الأولى التي أسمع فيها عن هذا المرض؛ لذا دعونا نتعرف إليه سويًا.
أسباب الزحار الأميبي
الزحار الأميبي (Amoebic dysentery) هو مرض شائع يصيب الجهاز المعوي عن طريق كائن طفيلي لا يُرى بالعين المجردة يدعى إنتاميبا هستوليتيكا (Entamoeba Histolytica)، يوجد هذا الطفيلي في صورتين:
- أتروفة (Trophozoite)
وفي هذه المرحلة يكون قادرًا على الحركة والتكاثر، ولكنه يعجز عن نقل المرض.
- الكيسة (Cyst)
وهنا يصبح غير قادر على الحركة ويكتسب قدرة على تحمل الظروف الحياتية الصعبة مثل حموضة المعدة.
وتنتقل هذه الأميبا عن طريق ما يسمى بالفموي الشرجي، وهو مصطلح يصف كيفية انتقال أمراض معينة (مثل الزحار الأميبي).
إذ توجد الأميبا في البراز، ثم يصاب بها الإنسان عن طريق تناول الأطعمة والمياه الملوثة بالبراز الذي يحتوي على الكيسات.
وتعيش الأميبا في الأمعاء الغليظة (القولون)، وقد تخترق جدار الأمعاء الغليظة مكونة تجاويف تعيش فيها، مسببة التهاب القولون ونزيف.
ثم في الحالات المتقدمة تصل إلى مجرى الدم، ومنه إلى بقية أعضاء الجسم مثل الكبد والرئتين والدماغ مسببة العديد من المضاعفات الخطيرة.
ثم تخرج من جسم الإنسان مع البراز وتنتقل العدوى إلى إنسان آخر بنفس الطريقة السابقة.
الأماكن التي ينتشر بها مرض الزحار الأميبي
جدير بالذكر أنه مرض موجود في كل أنحاء العالم، ولكن للبلدان النامية النصيب الأكبر من نسبة انتشار المرض؛ إذ لا يوجد لديها نظام صرف صحي سليم يفصل بين مياه الشرب ومياه الصرف؛ مما يؤدي إلى تلوث مياه الشرب والمزروعات بالفضلات التي تحتوي على الأميبا المسببة للمرض.
وهي موجودة بشكل كبير في إفريقيا وجنوب شرق آسيا مثل الهند والصين وأمريكا اللاتينية، بالأخص في المكسيك.
أعراض الزحار الأميبي
إذا تناولت طعامًا ملوثًا، وأصبت بالأميبا، فلا يؤدي هذا بالضرورة إلى ظهور أعراض.
ولاحظ الأطباء أن 10% فقط تظهر عليهم أعراض بعد الإصابة بالأميبا بفترة تتراوح بين الأسبوع والأربعة أسابيع وتتدرج هذه الأعراض في شدتها.
وتشمل الأعراض القائمة التالية:
- ألم بالبطن.
- حمى وقشعريرة.
- الشعور بالغثيان والقيء.
- الإسهال المائي الذي قد يحتوي على دم أو مخاط أو صديد.
- ألم في أثناء التبرز.
- الإمساك بشكل متقطع.
- الإحساس بالتعب.
قد تستمر الأعراض لعدة أسابيع.
إذا اختفت الأعراض لا يعني هذا بالضرورة الشفاء الكامل، فقد يكون الطفيلي مازال موجودًا في الجهاز الهضمي مسببًا ظهور الأعراض مرة أخرى عند أول بادرة لضعف الجهاز المناعي.
مضاعفات الزحار الأميبي
قد تؤدي الإصابة بمرض الزحار الأميبي إلى المضاعفات الآتية:
- خراج الكبد الأميبي
وهو ما يحدث نتيجة اختراق الطفيلي لجدار الأمعاء الغليظة وسريانه في الدم ثم وصوله إلى الكبد مسببًا الأعراض الآتية:
- ألم في الجهة اليمنى من البطن.
- الإسهال.
- القيء والشعور بالغثيان.
- الحمى.
- فقدان الشهية وانخفاض الوزن.
- تجرثم الدم
إذ ينتقل الطفيلي من الأمعاء الغليظة إلى الدم، وهذا يؤثر بشدة على المرضى الذين لديهم جهاز مناعي ضعيف.
- التهاب المفاصل التفاعلي
وهو ما يحدث لـ2% فقط من المرضى، ويشعر المريض بالأعراض الآتية:
- ألم بمفاصل الركبتين والقدمين واليدين.
- التهاب العينين.
- قد يشعر المريض بألم عند التبول.
- الجفاف
وهو ما يحدث بسبب الإسهال المستمر والقيء مع عدم تعويض الجسم السوائل المفقودة فيقل حجم الدم ويختل توازن الكهارل (Electrolytes).
والكهارل هي أملاح ومعادن مثل الصوديوم والماغنسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم، وتوجد في سوائل الجسم المختلفة مثل الدم، ولها العديد من الوظائف وعلى رأسها توازن الماء في الجسم.
ويؤدي الجفاف إلى:
- انخفاض ضغط الدم.
- تراكم الفضلات في الجسم، الذي يؤدي إلى انسداد الكليتين والإصابة بالفشل الكلوي.
- الإصابة بالتشنجات.
- أثره على الرئتين
قد يصل الطفيلي إلى الرئتين ويسبب حدوث خراج بهما.
تشخيص الزحار الأميبي
ليشخص الطبيب الإصابة بمرض الزحار الأميبي يتبع الخطوات الآتية:
- يطلب منك الطبيب أن تخبره عن تاريخك المرضي، ويسألك إذا كنت سافرت إلى أي مكان معروف بانتشار هذا المرض فيه.
- قد تحتاج إلى إجراء بعض الفحوص والتحاليل مثل تحليل الدم لفحص سرعة الترسيب وعدد كريات الدم البيضاء لتحديد إذا ما كان هناك التهاب أم لا.
- هذا بالإضافة إلى تحليل عينات من البراز؛ للتعرف على الطفيلي المسبب للعدوى، وقد يطلب الطبيب إجراء الاختبارات على أكثر من عينة؛ إذ قد لا يظهر الطفيلي في كل العينات.
- قد يحتاج الطبيب منك إجراء فحوص اختبارات الكبد، ليعرف إذا ما وصلت الأميبا إليه أم لا.
- في الحالات المتقدمة التي تخرج الأميبا فيها من الأمعاء الغليظة يطلب الطبيب إجراء الأشعة المقطعية على الكبد ليحدد مدى انتشار الطفيلي في جسمك.
علاج الزحار الأميبي
أغلب الحالات لا تتطلب علاجًا، وقد يكتفي الطبيب بتعويضك السوائل المفقودة عن طريق شرب الماء أو وصف محاليل معالجة الجفاف الفموية.
وفي الحالات الشديدة قد يحتاج المريض إلى الحصول على السوائل عن طريق الوريد في غرفة الطوارئ.
ولكن بعض الحالات تتفاقم، ويعاني المريض التهاب القولون أو التهاب الصفاق الناتج عن خراج الكبد، بل أحيانًا يحتاج المريض إلى التدخل الجراحي في الحالات الشديدة.
ويكون العلاج أحد الخيارات التالية:
- العلاج الدوائي
- نيتروإيميدازول (Nitroimidazole )
وهي مجموعة دوائية أثبتت فاعليتها في القضاء على الجراثيم اللاهوائية مثل:
ميترونيدازول (فلاجيل) وينصح الأطباء بتناوله لمدة 10 أيام للتأكد من القضاء التام على الطفيليات.
ومن الممكن أن يصف الأطباء مادة التينيدازول (تينداماكس) كبديل عن المترونيدازول لمدة 3-5 أيام.
2.الأدوية اللمعية (Luminal drugs)
وهي أدوية مهمتها قتل الكيسات الموجودة في جدار الأمعاء الغليظة.
وهذه الأدوية تشمل: اليودوكينول (Iodoquinol) والباروموميسين (Paromomycin) وفيوروات ديلوكسانيد (Diloxanide furoate).
- العلاج الجراحي
في معظم الأوقات يكون العلاج الدوائي كافيًا، ولكن أحيانًا يرى الطبيب أنه لابد من التدخل الجراحي مثل:
- عند عدم الاستجابة للأدوية.
- عند حدوث نزيف شديد في الأمعاء الغليظة.
- إذا تكون خراج بالكبد حجمه يزيد عن 10 سم.
- في حالات التهاب القولون الحاد.
طرق الوقاية
الوقاية خير من العلاج، لذا إذا أردت عزيزي القارئ تجنب الإصابة بهذا المرض فعليك اتباع التعليمات الآتية:
- الحفاظ على النظافة الشخصية وغسل الأيدي جيدًا بالماء والصابون قبل وبعد تناول الطعام وبعد استخدام الحمام.
- استخدام الكحول والمواد المطهرة عند لمس الأسطح غير النظيفة خارج البيت.
- عدم تناول الطعام خارج البيت، قدر الإمكان، لتجنب تناول الطعام الفاسد.
- طهي الطعام بشكل كاف؛ إذ تساعد الحرارة على القضاء على الطفيليات.
- غسل الخضروات والفاكهة بالماء والصابون جيدًا وتقشيرهم قبل تناولهم.
- في حالة السفر إلى البلدان النامية التي ينتشر بها المرض، فاشرب المياه المعدنية أو المغلية والمعالجة بأقراص اليود.
- تجنب تناول الألبان والأجبان غير المبسترة.
وأخيًرا، ننصح بضرورة استشارة الطبيب إذا كنت تعاني أي من الأعراض المذكورة في المقال، واحرص على عدم تناول أي أدوية دون استشارة الطبيب أو الصيدلي.