يعد الشغف المحركَ الداخلي الذي يقودك حيثما أردت، ويعرف “الشغف المهني” في علم النفس بأنه الرغبة القوية تجاه نشاط محقق للذات أو محدد للهوية يَبذل لأجلها الناس طاقاتهم وأوقاتهم.
يساعدك العمل على تحقيق الذات وكسب مكانة اجتماعية وإطلاق طاقتك وإبداعك، بالإضافة إلى كسب المال.
فهل تحب عملك حقًّا؟
إذا كانت الإجابة “لا”، فلا تقلق؛ فلستَ وحدك!
طبقًا لإحصائيات شركة جالوب الأمريكية التحليلية (Gallup) يتمتع ثلث سكان الولايات المتحدة بالشغف المهني وارتفاع إنتاجيتهم في وظائفهم… الثلث فقط!
ما أهمية الشغف المهني؟
العمل هو المقابل الذي تقدمه للحصول على المال، لكن ماذا لو كان هذا المقابل هو ما تحب بذله؟
لا شك إذًا أن الشغف المهني له جوانب مشرقة ومكاسب أكثر من كونك تفعل ما تحب، فهو:
- يساعدك على إبراز الجانب الإبداعي في تفكيرك وشخصيتك.
- يهيئ بيئة عمل أفضل.
- يزيد إنتاجيتك، ويحسن أداءك في العمل.
- يجعلك أكثر ولاءً لزملائك ولمكان العمل، ويجعل زملاءك أكثر ولاءً ومحبة لك كذلك.
- يحفزك تلقائيًا، فيجعلك لست بحاجة مُلحة إلى التحفيز الخارجي.
- يشجعك على دعم زملائك أو موظفيك.
- يمدك بطاقة داخلية وإنتاجية رائعة.
- يهون عليك مشقة العمل وعقباته.
- يقلل رغبتك في الغياب أو تقديم الاستقالة.
- يجعل للنجاح مذاقًا آخر.
أنواع الشغف
تختلف أسباب اهتمام الناس بالأعمال المختلفة؛ فمنهم من يبحث عن تحقيق الذات، ومنهم من يبحث عن المال، وهناك من يستمتع بحل المشكلات ومساعدة الغير.
كذلك يحب بعض الناس الإنتاجية ويجدون فيها الشغف المهني، ويعمل بعضهم لصالح الحرفة أو المنتج نفسه، بينما هناك من يسعى إلى التطوير أو توفير بيئة أفضل، ومنهم من يحب التعاون أو الإمساك بزمام الأمور.
كيف أحدد شغفي؟
عليك أن توقن أن بلوغك شغفك ليس شيئًا مستحيلًا أو بعيد المنال، فابحث وحاول، ثم حاول مجددًا، وأعطِ نفسك فرصة تلو الأخرى، وانتبه للإشارات والعلامات الإرشادية.
كن مؤمنًا بشغفك، وإلا فكيف يمكنك أن تصل إلى شيء لا تؤمن بوجوده؟!
- ابدأ السير من الاتجاه الصحيح
أحِط نفسك بأناس داعمين، وتعرف إلى المزيد من الأشخاص الذين نجحوا في إيجاد شغفهم في الحياة واتبعوه.
سَل نفسك:
ماذا أحب؟
ماذا يثير انتباهي؟
راقب نفسك في لحظاتك السعيدة:
فيمَ تفكر؟
ما الذي يشعرك بالرضا عن نفسك؟
يمكنك أن تجرب مهنًا جديدة، وتستمع إلى آراء ذوي الخبرة فيها.
تُقدم بعض المواقع ومراكز الصحة النفسية “اختبار الشغف”، فإذا لم تتمكن من إيجاد ما يقربك إلى الشغف المهني فيمكنك إجراء ذلك الاختبار؛ ليساعدك على فهم ذاتك بدرجة أكبر وتحديد جوانب اهتماماتك.
- ابقَ مستعدًا دائمًا
حين تأتي الفرص الحقيقية لا يتوافر وقت كافٍ للاستعداد لها غالبًا، لذا حاول دائمًا اقتناص أي فرصة قريبة أو حتى خلق فرص جديدة لنفسك.
أنت متميز في اللغة؟
ربما تجد شغفك المهني في الترجمة أو تدريس اللغة.
أنتِ تحبين الأطفال؟
هل جربتِ العمل في حضانة أو مكان مخصص للأطفال؟
- اربط الأشياء المثيرة ببعضها
ربما كنت بارعًا في صنع القهوة، وفي الوقت ذاته تحب الرسم، وأيضًا تتعلم اللغة الفرنسية، وتحظى بشخصية قيادية… أشياء لا علاقة بينها ولا علاقة لها بالشغف المهني، أليس كذلك؟
لكن ماذا لو أعددت القهوة بطريقة مميزة في مقهى جدرانه ملونة، وقدمتها على أطباق تقديم محلاة برسوماتٍ لطيفة؟
ماذا لو كان ذاك المقهى يحمل اسمًا فرنسيًا وعبارات ترحيب جذابة، وتمتعت أنت بإدارة ذلك المكان الجميل؟
أنت تدرس الطب، لكنك موهوب في الكتابة وتحب مساعدة الغير؟
فما رأيك لو حاولت كتابة مقالات علمية مثلي؟
- حوِّل وسائل المتعة الخاصة بك إلى أرباح
اعرض خدماتك للبيع، مثلًا:
إذا كنت تجيد حرفة أو هواية فيمكنك عمل مدونة ترويجية لها أو ممارستها في أحد الأماكن العامة أو عرض ما يمكنك تقديمه ومميزاته على وسائل التواصل الاجتماعي؛ ستساعدك جدًّا في ذلك دراستُك لعلم التسويق.
- واجه مخاوفك وانتصر على نفسك
كن أكثر جرأة حينما يتعلق الأمر بتحقيق ذاتك، لا تدع الخوف أو الإحباط يرسم لك طريقك أو يدفن شغفك المهني، فالشجاعة والإقدام من سمات الشخص الناجح، كذلك لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد.
- ابحث عن الجانب الإيجابي في الأشياء
ربما يزعجك عملك في مستشفى أو إحدى المصالح الحكومية، أتفق معك!
لكن ماذا لو فكرت أن الله وضعك في هذا المكان لينفع بك الناس ويهوِّن عليهم؟!
تقضي ساعات طويلة في العمل؟
لعل ذلك يحميك من أوقات الفراغ التي يشغلنا العقل فيها بما لا ينفع، أو يتعلق القلب فيها بشيءٍ لا يفيد.
تشكو دائمًا من زملاء العمل؟
ربما كانت تلك فرصة لتطوير شخصيتك وتعلم مهارات جديدة في التواصل والتأثير في الآخرين، وربما هي فرصة لتتعلم عدم الانشغال بتصرفات غيرك، والتعود على كظم الغيظ أيضًا.
- لا تتبع قانون “الكل أو لا شيء”
يحب بعض الناس الحصول على كل شيء، ولا يشعرون بالسعادة إذا أدركوا سبعين بالمائة مما يريدون، بل يرفضونه حتى يجدوا ما أرادوا بنسبة مائة بالمائة.
لا شك أن الطموح واتباع الشغف المهني والسعي إلى الأفضل أشياء عظيمة جدًّا، لكن ماذا لو لم يتوافر سوى جزء فقط من ما تريد؟
هل ستستمتع بالموجود حتى تجد الأفضل؟ أم أنك سترفضه لأنه غير مكتمل، بينما لا يمكنك الحصول عليه كاملًا؟!
- لا تستسلم
يأتي النجاح عن طريق السعي المستمر في الاتجاه الصحيح، ولا يعني طول الطريق أو صعوبة العقبات أنك لن تصل.
فالصياد الماهر لا يسير بجانب الشاطئ، بل يصارع الأمواج، ويواجه ما بها من مخاوف وأهوال ليبلغ مراده مهما كلفه ذلك.
كيفية تحويل الشغف إلى مهنة؟
يجب أن تدرك أولًا أن شغفك ليس فقط شيئًا تحبه، إنه حياتك، لكن هل يكفي اتباع الشغف وحده أم يوجد عوامل أخرى؟
- سل نفسك ماذا يجعلك سعيدًا
من المهم أن تعرف جيدًا ماذا تريد، قبل أن تسأل كيف أصل، وإلا فأنت تسعى إلى تحقيق أهداف الآخرين وليس شغفك الخاص!
راقب نفسك وفكر جيدًا في أوقات الصفاء الذهني، صادق الورقة والقلم ودوِّن أي أفكار تأتيك في أي لحظة، ثم اقرأها جميعًا واستنتج منها ماذا تريد أو ماذا يمكنك فعله.
- تأكد أنه قابل للتحقيق
ليس من الذكاء أن نقيد أنفسنا بشيء غير واقعي أو لا يمكن تحقيقه؛ لذا حاول أن تنظر للأمور بعقلانية وحكمة أكبر، وكن واقعيًا في أهدافك.
- طور مهاراتك واكتسب المزيد من الخبرات
تساعدك المعلومات والخبرات الواسعة في الوقوف على أرض صلبة، وتزيد ثقتك بنفسك وقدرتك على الإنجاز، إلى جانب أنها تدعم مصداقيتك مع العملاء والزبائن.
- قسم الخطوات الكبيرة إلى أهداف صغيرة
يقول المثل الإنجليزي القديم «Divide and conquer»؛ أي: «فرق تسد».
من التقنيات المفيدة في تحقيق الأهداف وتجاوز العقبات تقسيمها إلى أجزاء أو مراحل صغيرة، ومن ثم التعامل مع كل منها على حدة، وبهذا يسهل التركيز والتخطيط والفهم الواضح لكل خطوة.
يُحكى أن رجلًا حكيمًا أتى بحزمة من أعواد الحطب، وطلب من ابنه كسرها، فحاول الولد مرارًا لكنه لم يستطع، فلما بلغ به اليأس مداه طلب منه أبوه أن يفرق بين أعواد الحطب ويكسر كلًّا منها على حدة، فانكسرت جميعها.
- استثمر نقاط قوتك واعمل على تقوية جوانب ضعفك
لكل منا نقاط تميُّز تَظهر فيها براعته، فمن الحكمة العمل على استغلال تلك المميزات في أثناء سعيك نحو أهدافك.
من الضروري أيضًا فهم نقاط الضعف الشخصية من الجوانب المختلفة، والعمل على تقويتها.
- لا تبحث عن أعذار
من السهل جدًا أن تجد مبررًا لتكاسلك أو استسلامك أو عدم اغتنامك الفرص من حولك، لكن صدقني -يا عزيزي- إنه أسهل طريق يؤدي إلى لا شيء.
لدى كلٍ منا جوانب نقص وجوانب ضعف ومعوقات، ووحدهما الإرادة والاستمرارية يمكنهما إيصالنا إلى ما نريد.
- اركض خلف الفرص
لن تأتيك الفرص مقدمة على طبقٍ من فضة، بل أنت من يجب أن يبحث عنها ويطاردها صغيرة كانت أو كبيرة.
- فكر في المستقبل بعيد المدى
لا يكن أفقك ضيقًا، فدرجة السلم الصغيرة تقربك خطوة أخرى من سطح البرج الكبير الذي لو استمررت في الصعود لوصلت إليه يومًا.
كذلك المحاولات البسيطة، والتدريبات، وسؤال أصحاب الخبرة، والسعي الدؤوب؛ كلها مهارات تقربك إلى هدفك في تحقيق الشغف المهني كل يوم أكثر من ذي قبل.
إذا شعرت بصعوبة الموقف وكثرة الخطوات، يكفيك أن تنظر إلى غايتك من سير هذا الطريق، ذكر نفسك بمذاق النجاح الذي تريد تحقيقه بعد شهر أو سنة أو حتى عدة أعوام.
أسباب فقدان الشغف في العمل
لماذا يتوانى بعض الناس عن أداء واجباتهم المهنية؟
ما الذي قد يدفعك إلى الشعور بالملل في عملك أو فقدانك الشغف المهني؟
إليك أهم الأسباب:
تفقد شغفك في العمل إذا:
- كان العمل لا يضيف لك أي جديد.
- كنت لا تتمكن من التقدم.
- شعرت بأنك تفتقر إلى الدعم المعنوي.
- كنت تبذل مجهودًا كبيرًا دون مقابل مادي مناسب، أو تشعر بضغط العمل.
- كان العمل روتينيًّا للغاية.
- أصبح العمل يقضي على علاقاتك بالآخرين وحياتك الاجتماعية.
- كان صاحب العمل يفتقر إلى صفتي العدل والإنصاف.
- كان العمل لا يتوافق مع أهدافك في الحياة.
فقدان الشغف والاكتئاب
يعد الاكتئاب العدو الأول للشغف، فهو يُفقد صاحبه معنى الحياة وتقديره لذاته ولما يفعله، وأيضًا يسلبه الرغبة في معظم الأشياء بما في ذلك الشغف المهني.
انتبه عزيزي القارئ!
قد يكون انعدام رغبتك في فعل الأشياء التي كنت تحبها من قبل مؤشرًا على إصابتك بمرض الاكتئاب، فلا تتردد في استشارة الطبيب النفسي وطلب المساعدة والدعم من أصدقائك ومحبيك.
اهزم شيطانك الداخلي، لا تتركه يدوي بصوته في عقلك ويهيمن على أفكارك وتصرفاتك، اصرخ في وجهه، ولا تدعه يهزمك أو يقودك بوساوسه السلبية!
جرب نشاطات ترفيهية واجتماعية جديدة، مارس هواية قديمة، شاهد فيلمًا سينمائيًا تحبه، اخرج في نزهة مع أصدقائك، مارس العمل التطوعي…
المهم أن تفعل شيئًا إيجابيًا، صدقني أنت تستطيع!
كيف يمكنني استعادة الشغف المهني؟
عليك أن توقن أنه لا شيء مستحيل، ما دمت على قيد الحياة فما زالت الفرصة سانحة أمامك فاغتنمها.
- شجع عقلك وخاطبه بأفكار إيجابية.
- تعلم شيئًا جديدًا وطور مهاراتك.
- فكر ما الذي يمكنك إضافته إلى المكان ليكون أفضل.
- سل نفسك: من يمكنه مساعدتي؟
- ابحث عن قيمة في عملك، وانظر ما تقدمه للمجتمع.
- ساعد من هم أصغر منك عمرًا وأقل خبرة.
- كن قدوةً لغيرك.
- اهتم بنظافة مكتبك أو مكان عملك، وأضف إليه بعض الزينة واللوحات الجميلة ذات الألوان والمعاني المبهجة.
- اعتنِ بصحتك النفسية والجسدية.
- كن مستعدًا للتغيير، فربما أنت الآن بحاجة إلى تغيير مكان العمل، أو حتى البدء في مجال جديد أكثر ملاءمة لك.
أما إذا كنت صاحب عمل فاحرص على خلق جو من الود والتعاون والاحترام والتقدير والدعم بينك وبين الموظفين وبين بعضهم بعضًا، وتجنب الأشياء التي تشعرهم بعدم الانتماء إلى المكان ومن ثم فقدان الشغف المهني.
وأخيرًا -عزيزي القارئ-، لا تنسَ أن الدنيا لا تحوي شيئًا كاملًا، وأنها لا تمنحنا ما نريد دائمًا، وهي ليست قاسية أبدًا، فالحياة منحنيات مترابطة تتأرجح بين سهلٍ وصعب، وبين لِينٍ وشدة،
وما نحن فيها إلا عابرو سبيل، فاستمتع بما أنت فيه وما تفعله، واحرص على ألا يمضي يومك دون أن تفعل شيئًا مفيدًا أو تتعلم شيئًا جديدًا، ولا تدعِ المنغصات تُفقدك الإقبال على الحياة أو تحُول بينك وبين الشغف المهني.
اقرأ أيضًا
9 طرق عملية لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية