هل تركت الباب مفتوحًا أم أغلقته؟ هل أصابتني نجاسة أم مازلت طاهرًا؟ أم أصابني مرض خطير؟ يا إلهي! ما هذا الذي يدور في رأسي؟ ما كل هذه الأفكار التي تفتك بي! إذا كنت -عزيزي القارئ- تعاني هذه الأسئلة، فمن المرجح أن تكون مصابًا بالوسواس القهري أو ما يعرف بـ Obsessive compulsive disorder.
وها أنا ذا أضع بين يديك – عزيزي القارئ- كل ما تريد أن تعرفه عن هذا الوسواس الفتّاك.
ما هو الوسواس القهري؟
الوسواس
يعرف الوسواس بأنه أحد اضطرابات القلق التي تتكون من الوساوس إذ تعصف مجموعة من الأفكار والصور، أو المخاوف والشكوك بذهنك وتتكرر بشكل يدفعك للجنون، وتورثك شعورًا مستمرًا بالقلق.
الأفعال القهرية
هنا تجد نفسك مهما بدا الأمر غير منطقي، مضطرًا لتكرار بعض الأفعال في محاولة منك لتقليل القلق الناجم عن الوساوس.
ولسوء الحظ، لا يقف المرض عند هذا الحد؛ إذ يقع الشخص المصاب في دائرة مغلقة من الأفعال
القهرية، مثل غسل اليدين بصورة متكررة قد تصل إلى سبع مرات، وذلك بعد لمس شيئًا ربما يكون متسخًا.
فعلى الرغم من كون المريض لا يرغب في التفكير في هذا الأمر، فإنه يشعر بالعجز عن التوقف أمام هذا الأمر.
أسباب الوسواس القهري
لم يتوصل العلماء حتى الآن إلى السبب الرئيسي لحدوث الوسواس القهري، لكن تدور أغلب النظريات المفسرة لحدوثه حول العوامل الوراثية، والعصبية، والبيئية.
وتوصل الباحثون إلى أنه من المحتمل أن يحدث نتيجة لأحد الأسباب الآتية:
- عوامل وراثية: من المرجح أن تعاني الوسواس القهري إذا كان أحد أفراد عائلتك لديه هذا النوع من الوسواس أيضًا، ويكون ذلك غالبًا بسبب الجينات الوراثية.
- انخفاض مستوى السيروتونين: يؤدي انخفاض مستوى السيروتونين في المخ إلى تقليل الاتصال بين أجزاء المخ المختلفة، التي تعتمد بشكل كبير على السيروتونين كنواقل كيميائية بينها، مما يؤدي إلى حدوث ذلك النوع من الوسواس.
- الشعور القوي بالمسؤولية: يؤدي الشعور القوي بالمسؤولية تجاه النفس وتجاه الآخرين إلى الإصابة بالوسواس القهري؛ كون المريض يُحمّل نفسه النتائج السلبية له وللآخرين؛ اعتقادًا منه بالمسؤولية.
- اضطرابات المخ: وذلك بسبب الاختلاف في تدفق الدَّم بين الأشخاص الذين يعانون اضطراب الوسواس مقارنة بغيرهم من الأصحاء.
إضافة إلى ذلك وجد الباحثون أنه في كثير من الأحيان يكون لدى الشخص المصاب بالوسواس نشاطًا دماغيًا مختلفًا؛ لذا فإن بعض أجزاء المخ تكون أكثر نشاطًا.
- أحداث الحياة المختلفة: من المحتمل أن ينتج الوسواس القهري نتيجة التعرض للإساءة أو التنمر، أو ربما يحدث الوسواس بعد التعرض لفاجعة أو حادث أليم، وعادة ما تكون أكثر في الأطفال.
- نمط الشخصية: فالأشخاص المرتبون، أو الأشخاص الذين يوصفون بالدقة والنظام، أكثر عُرضة للوسواس القهري.
أعراض الوسواس القهري
يتضمن اضطراب الوسواس القهري أفكارًا وسواسية مزعجة، بالإضافة إلى أفعالٍ قهرية، ولكن من المحتمل أن تصاب بأيٍّ منهما على حدى.
أعراض الأفكار الوسواسية
- الخوف الشديد من التلوث.
- الشك وعدم اليقين.
- الرغبة الدائمة في التنظيم والترتيب.
- أفكار عدوانية.
- الخوف من الإضرار بالنفس وبالآخرين.
- الخوف من فقدان الأشياء.
- الاهتمام بأدق التفاصيل.
- الخوف من فقدان السيطرة على النفس.
- الرغبة في الصراخ أو التصرف بشكل غير لائق بالأماكن العامة.
- الخوف الشديد من الإصابة بالأمراض.
أعراض الأفعال القهرية
- الفحص المتكرر للأشياء، مثل فحص الأجهزة والأبواب.
- تكرار الاطمئنان على الأهل والأقارب؛ وذلك لضمان التأكد من سلامتهم.
- القيام بأفعال لا قيمة لها؛ وذلك لتقليل القلق والتوتر.
- قضاء الكثير من الوقت في غسل وتنظيف الأشياء.
- فعل الشيء ذاته عدة مرات.
- تجنب المواقف التي تسبب الأفكار المزعجة.
أنواع الوسواس القهري
طبقًا لطبيعة الأعراض التي من الممكن أن يسببها الوسواس، يمكن تقسيم الوسواس القهري إلى عدة أنواع، لذا ينبغي لنا التعرف على بعض أنواعه.
- وسواس التلوث
هو الخوف من القذارة بوجه عام، إذ يعاني المصاب الخوف في كثير من الأحيان من أن يؤدي التلوث إلى إلحاق الضرر بنفسه وبالآخرين؛ فيدفعه ذلك إلى تكرار التنظيف والغسل.
- وسواس الفحص والتحقق
وهنا يعاني المريض أفعالًا قهرية مثل التحقق من إغلاق الأبواب، وصنابير المياه، والأجهزة الكهربائية.
ولكن هذه الأفعال القهرية تكون نتيجة الخوف من إلحاق الضرر أو الحريق أو التسبب في الأذى عمومًا.
- وسواس الادخار
يعد الادخار أحد أبرز أعراض الوسواس القهري، كون المريض يعجز عن التخلص من الأشياء غير المفيدة له. وغالبًا ما تكون هذه الأشياء لا قيمة لها في الواقع، ولكنه يحرص كل الحرص على التمسك بها؛ وذلك لارتباطه بها ارتباطًا عاطفيًا وثيقًا.
- وسواس التنظيم والترتيب
يُعرف وسواس التنظيم والترتيب بأنه الحاجة المُلحّة والشديدة في أن يكون كل شيء مصطفًا ومرتبًا، إذ يقضي هؤلاء الذين يعانون الوسواس الكثير من الوقت في محاولة الوصول إلى ذلك الترتيب والتنظيم؛ ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تأخرهم عن العمل، وتجنب التواصل الاجتماعي مع الآخرين.
الوسواس القهري عند الأطفال
يُصيب هذا الوسواس الأطفال عادة في نطاق عمرين:
- عُمر الطفولة الوسطى، بين 8-12 عامًا.
- العمر بين سن المراهقة المتأخرة وسن الرشد، بين 18-25 عامًا.
يرتبط الوسواس القهري لدى الأطفال ارتباطًا وثيقًا بالخوف، مثل الخوف من ملامسة الأشياء المتسخة؛ فيلجأ الطفل إلى الأفعال القهرية مثل تكرار غسل اليدين؛ حتى يستطيع التغلب على الخوف.
لكن! في كثير من الأحيان لا يُدرك الطفل سبب القيام بهذه الأفعال القهرية، وربما يشعر بحرج شديد حيال قيامه بهذه الأفعال.
علاج الوسواس القهري
يُساعد علاج الوسواس القهري بشكل كبير على التخفيف من حدة الأعراض التي يُعانيها المريض، وربما يحتاج المريض إلى علاج طويل الأمد، وذلك حسب شدة الأعراض.
ويشمل العلاج:
- العلاج النفسي
وذلك باستخدام ما يعرف بالعلاج السلوكي الإدراكي، وهو نوع من أنواع العلاج النفسي الذي أثبت فاعلية بالغة في التخفيف من حدة أعراض الوسواس.
إذ يتضمن هذا النوع من العلاج منع التعرض والاستجابة (ERP)، وهو أن يقوم الطبيب المختص بتعريض المريض تدريجيًا للأشياء التي يخافها مثل الأوساخ، ومن ثم جعل المريض يقاوم الأفعال القهرية شيئًا فشيئًا.
يتطلب هذا النوع من العلاج جهدًا كبيرًا، ولكن في نهاية الأمر يؤدي إلى تحسين حياة المريض بشكل كامل؛ كونه يستطيع التغلب على الأفكار المزعجة والأفعال القهرية.
- العلاج الدوائي
من الممكن أن تساعد الأدوية النفسية في السيطرة على الأفكار الوسواسية والأفعال القهرية. ويعد استخدام مضادات الاكتئاب أو ما يُعرف بمثبطات استرداد السيروتونين (SSRI) الأكثر شيوعًا في علاج الوسواس القهري.
وتشمل الأدوية المضادة للاكتئاب:
- كلوميبرامين (Clomipramine). للبالغين والأطفال أقل من 10 أعوام.
- فلوكستين (Fluoxetine). للبالغين والأطفال أكبر من 7 أعوام.
- فلوفوكسامين (Fluvoxamine). للبالغين والأطفال أكبر من 8 أعوام.
- باروكستين (Paroxetine). للبالغين فقط ويحظر استخدامه للأطفال.
- سيرترالين (Sertraline). للبالغين والأطفال أكبر من 6 أعوام.
لا شك أن الوسواس القهري يمثل عائقًا كبيرًا في حياتنا، كونه يمنعنا الحياة بشكلها الطبيعي، إذ نقع في دائرة مغلقة من الأفكار والوساوس السوداء، فينبغي لنا أن نحرص على التداوي من هذا الوسواس الفتّاك.