جلست أمارس تمرين التنفس -أحد تمارين اليقظة الذهنية- وأحاول تصفية عقلي من آثار المشادة الكلامية التي حدثت بيني وبين خالد. تعودت منذ مدّة -ليست بالطويلة- أن أتحكم في غضبي، وأهدئ نفسي بنفسي.
دخل عليّ خالد -ابني الوحيد- وجلس إلى جانبي، وبدأ يمارس التمرين ذاته. لقد أصبحت هذه التمارين من الأمور التي تُقربنا من بعضنا البعض، وتُفرد مساحة من التفاهم والاحتواء أيضًا.
بداية الأمر
التفتُّ إليه قليلًا أتأمل ملامح وجهه، وتفاصيله الدقيقة، كم تُسعدني رؤيته هادئًا ومرتاحًا. لم يكن الأمر بسيطًا أبدًا، وتطلب منا الصبر والمثابرة والالتزام، وتقديم المساعدة لبعضنا البعض، والتفهم كذلك. كانت وفاة والده فاجعة ألمَّت بكل الأسرة، وليس أنا وهو فقط.
دَخلْنا فيما يشبه اضطراب ما بعد الصدمة، ابتعدنا مسافات نفسية، وأصبح الكلام فاترًا، وإن اختلفنا في شيء يصرخ مهتاجًا ويترك البيت. لم يختلف الأمر كثيرًا لديّ، فقد كنت أثور عليه أيضًا، وأحمِّلْه مسؤولية فوق طاقته، وإن أخفق ألومه وأوبخه. تحولت حياتنا جحيمًا، باردًا أغلب الوقت ومتأججًا أحيانًا.
حضرت صديقتي المقربة أحد مواقفنا هذه، فنصحتني بزيارة اختصاصي علاقات أسرية، وأخبرتني عن اليقظة الذهنية وتمارينها، وكيف اختلفت حياتها بعد أن أصبحت روتينًا يوميًا.
تمارين اليقظة الذهنية
ذهبت أنا وخالد، وتحدثنا قليلًا عما مررنا به خلال الفترة الماضية، وعن تخوفات كل منا، وكيف يرى المستقبل. شرح لنا المتخصص كل ما نمُّر به، وأنه أمر طبيعي في مثل هذه الظروف، لكن بدلًا من إلقاء اللوم بعضنا على بعض، علينا التكاتف كي نتخطاه.
انتظمنا في زيارته، وبعد عدة جلسات، حدثنا عن اليقظة الذهنية، وكيف ننتبه إلى اللحظة الحالية التي نعيشها. تَعلَّمْنا أهمية التركيز على الحاضر، وألا نترك الماضي أو المستقبل يسيطر على كل حياتنا.
بدأنا نتعلم كيف نمارس تمارين اليقظة، وكيف تقربنا من أنفسنا، ومن المقربين منا. حدثنا الاختصاصي عن فوائدها للصحة أيضًا، وكيف تهدئ من التوتر، والقلق.
كانت البداية بالتمارين البسيطة مثل: التنفس بعمق، حيث أجلس فأغمض عيني، وأركز على شهيقي وزفيري. قلل ذلك التمرين من حدة انفعالي وأعطاني الوقت لأهدأ.
بدأت أنتبه للأمور البسيطة التي أفعلها، مثل المشروبات التي أحبها، والوجبات التي أطهوها. أتأمل تفاصيل يوم ابني، وكيف يقضي أوقاته، أدركت كم ابتعدنا عن بعضنا.
أثر التمارين في حياتي
بعد مدّة من المواظبة على التمارين البسيطة، أصبحت أنفاسي منتظمة، ونومي أفضل. أصبحت وخالد نتناول طعامنا معًا، ونتحدث عن مواقف اليوم ومشاعرنا تجاهها.
تطورت تمارين اليقظة إلى المستوى التالي، فأصبحنا نخصص وقتًا للتنزه في الحديقة، نستشعر الأجواء من حولنا. تقبلنا مشاعر الحزن داخلنا، وأن وفاة زوجي كانت أكبر من قوة احتمالنا، لكن علينا الصبر وأن نتحسن لأجله. بالتأكيد لن تسعده حالنا هذه بأي حالٍ من الأحوال.
لا تعني ممارسة التمارين أن تكون حياتنا هادئة وسعيدة على الدوام. أصبحت نوبات غضبنا أقل حدة فقط، نتفهم مشاعرنا المتأججة حينها ونحترمها، فنتوقف حتى نهدأ. أجمل ما في الأمر أنه عندما يغضب خالد، أمارس معه التمارين، والعكس. أصبحت وقتنا الخاص أكثر منها روتين يوميّ، فقوّت العلاقة بيننا.
نصيحتي لغيري
الآن، بعد أن لمست أثر ممارسة اليقظة الذهنية في حياتي وحياة ابني، أصبحت أنصح بها غيري. إنها أسلوب حياة وتفكير ورؤية لنفسك وللعالم من حولك.
تأثُرُنا بالمواقف الحياتية والأشخاص أمر طبيعي، لكن رد فعلنا نحن تجاه هذه المواقف أو الأشخاص هو قرار شخصي. عندما نتعلم كيف نستقبل الفعل، ستكون ردة فعلنا مناسبة حتمًا دون أن نؤذي نفسنا أو من حولنا.
اليوم، نتمتع أنا وخالد بنظرة معتدلة تجاه الناس والمواقف المختلفة. كذلك نقدر رد فعل الأشخاص تجاه تصرفات غيرهم ونحترم مشاعرهم. أتمنى أن لو أستطيع إخبار العالم كم أثرت ممارسة تمارين اليقظة الذهنية في حياتي.
لمزيد من المعلومات اقرأ
اليقظة الذهنية | فوائدها وأمثلة على تمارينها