من منا لم يرَ صورة لكوكب الشرق أم كلثوم، الفنانة التي أمتعتنا بصوتها القوي وفنها الراقي، وهي ترتدي نظارتها السوداء في حفلاتها الأخيرة، كانت أم كلثوم تعاني جحوظ العينين بسبب فرط نشاط الغدة الدرقية.
الذي اضطرها إلى إخفاء عينيها بتلك النظارة، فما هو سبب جحوظ العينين، دعونا نعرف في السطور القادمة.
أسباب جحوظ العينين
جحوظ العينين في حد ذاته لا يعد مرض، بل هو عرض يشير إلى مرض آخر مثل:
- إصابة أو وجود جرح بالعينين.
- وجود ورم خلف كرة العين.
- وجود التهاب بالعينين.
- الإصابة بمرض جريفز.
مرض جريفز (الدراق الجحوظي)
لم يكشف العلماء إلى يومنا هذا النقاب عن السبب القابع وراء إصابة الإنسان بهذا المرض، فهو مرض من أمراض المناعة الذاتية؛ إذ تصنع الغدة الدرقية كمية من الهرمونات الدرقية التي تفوق احتياج الإنسان، وهي تفعل هذا بإيعاز من جهازنا المناعي.
الغدة الدرقية
هي غدة على شكل فراشة صغيرة، توجد في الجهة الأمامية من الرقبة، ومهمتها تصنيع هرمونات الثيروكسين وثلاثي يودوثيرونين.
قد تتصور عزيزي القارئ أن هذه الغدة الصغيرة ليست على هذه الدرجة من الأهمية، فدعني أشرح لك أن هذه الغدة تؤدي دور المايسترو، الذي ينظم معدل عمليات التمثيل الغذائي بجسدك، وبناءً عليه يتحدد كل شيء آخر.
لا تعمل الغدة الدرقية وحدها أبدًا، بل هي جزء من فريق عمل رائع يعمل في تناغم مدهش، نحن هنا نتحدث عن جنديين آخرين لا يقلان أهميةً عنها، وهما الغدة النخامية والغدة تحت المهاد.
فتفرز الغدة تحت المهاد الهرمون المطلق لمنشط الدرقية (TRH) الذي يوقظ بدوره الغدة النخامية من سباتها العميق فتفرز الهرمون المنشط للدرقية (TSH).
يذهب الهرمون المنشط للدرقية (TSH) في رحلة عبر الدم إلى الغدة الدرقية، فتبدأ فورًا في تصنيع هرموناتها.
هرمونات الدرقية
الثيروكسين (T4) وهو الهرمون الأساسي الذي تفرزه الغدة، ويكون غير نشط، ثم يتحول إلى شكله النشط، وهو هرمون ثلاثي يودوثيرونين (T3).
تؤدي هرمونات الدرقية دورًا مهمًا؛ إذ تتحكم بمعدلات التمثيل الغذائي.
من ثم تتحكم بمعدلات وظائف جسدك المختلفة مثل ضربات القلب، ونمو العضلات، وتطور المخ، وصيانة العظام وعمليات الجهاز الهضمي.
تكون الغدة الدرقية بمثابة الأب الذي يضبط سير الأمور بالمنزل فإن اختل أداؤه انهار كل شيء.
اضطرابات الغدة الدرقية
نتحدث هنا عن نوعين أساسيين من الاضطرابات، فإذا ازداد نشاط الغدة عن المعدل الطبيعي، فنحن نتحدث عن فرط نشاط الغدة الدرقية، وإن قل فهنا يُشخص المريض بكسل الغدة.
فرط نشاط الغدة الدرقية
هنا يزداد نشاط الغدة فتفرز هرموناتها بمعدل يفوق المعدل الطبيعي، ويعاني المريض في هذه الحالة من الآتي:
- الحساسية للحرارة.
- زيادة معدل ضربات القلب.
- سهولة الاستثارة.
- فقدان الوزن.
- ترقق في الجلد.
- رعشة في اليدين.
- اضطراب بالدورة الشهرية.
- جحوظ العينين.
كسل الغدة الدرقية
هنا يحدث العكس تمامًا، وتكون الأعراض المصاحبة لهذا المرض كالآتي:
- الحساسية للبرد.
- ضعف معدل ضربات القلب.
- الشعور بالتعب.
- زيادة معدل حدوث الدورة الشهرية.
- جفاف الجلد والشعر.
- ضعف العضلات.
- بحة بالصوت.
- تضخم الغدة الدرقية، وتسمى هذه الحالة بالدُراق.
تشخيص مرض جريفز
يبدأ الطبيب بالفحص السريري ويوجه أسئلة للمريض عن الأعراض التي يشعر بها وتاريخه المرضي، ثم يُتبع هذا الكشف بطلب بعض الفحوصات والتحاليل الطبية مثل:
- فحوصات الدَّم
التي تهدف إلى تحديد مستوى الهرمون المنشط للغدة الدرقية وهرمونات الدرقية، فيكون مستوى الأول في حالة الإنسان المصاب بالمرض أقل من الطبيعي، ومستوى الثاني أعلى من الطبيعي.
قد يطلب الطبيب فحص عينة دم أخرى ليحدد ما إذا كانت هناك أجسام مضادة معينة، وهي أجسام معروف أنها تسبب مرض جريفز، إذ وجودها يؤكد التشخيص بهذا المرض.
- اختبار امتصاص اليود المشع
هنا يعطى المريض كمية صغيرة من اليود المشع، ثم يقاس لاحقا كمية اليود الموجودة في الغدة الدرقية، التي امتصتها الغدة لتصنع هرموناتها.
فإذا كانت الكمية أعلى من المعدل الطبيعي، كان هذا دليلًا على الإصابة بالمرض.
- الموجات الصوتية
يصعب على بعض المرضى الخضوع لاختبار امتصاص اليود المشع، مثل النساء الحوامل.
هنا قد يُخضع الطبيب المريض لفحص الغدة الدرقية باستخدام الموجات الصوتية ذات التردد العالي، فيظهر إذا كان هناك تضخمًا بالغدة أم لا.
- اختبارات التصوير
قد لا تكون الفحوصات السابقة كافية للطبيب للتشخيص بدقة؛ لذا يطلب من المريض إجراء فحوصات التصوير مستخدمًا الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي.
علاج مرض جريفز
لدى مريض جريفز العديد من الخيارات العلاجية، نذكر منها الآتي:
- العلاج بنظير اليود المشع
وهنا يُعالج المريض بتناول اليود المشع، الذي يمد الغدة الدرقية باليود اللازم لصناعة هرموناتها، ويسبب الإشعاع على المدى البعيد ضمور الغدة وضعفها.
من مشكلات هذا النوع من العلاج أن المريض قد يعاني كسل بالغدة مستقبلًا، فيحتاج إلى تناول أدوية أخرى ليمد الجسم بما يحتاج إليه من هرمونات الدرقية.
مخاطر جانبية للعلاج بنظير اليود المشع
- يحظر استخدام هذا العلاج في حالة المرأة الحامل أو التي ترضع أطفالها.
- قد يسبب العلاج في بدايته زيادة مستوى هرمونات الدرقية.
- العلاج الدوائي
يهدف العلاج الدوائي إلى تقليل مستوى هرمونات الدرقية بالدم أو من تخفيف حدة أعراض مرض جريفز.
- الأدوية التي تهدف إلى تقليل مستوى هرمونات الدرقية بالدم:
- بروبيل ثيوراسيل: ينصح الأطباء بهذا الدواء في الثلاث الأشهر الأولى من الحمل؛ لأنه لا يسبب تشوهات خلقية للجنين.
- ميثيمازول: يعد الخيار الأول للأطباء نظرًا لأن أثره السيئ على الكبد أقل كثيرًا من دواء بروبيل ثيوراسيل.
قد تتسبب الأدوية السابقة ببعض الأضرار مثل: فشل الكبد والطفح الجلدي وألم بالمفاصل.
وقد ينصح الطبيب باستخدام أحد الأدوية السابقة بعد العلاج باليود المشع كعلاج تكميلي.
- أدوية تقلل من حدة الأعراض
أوضحنا سابقًا الأثر السلبي لزيادة مستوى هرمونات الدرقية بالدم مثل: زيادة معدل ضربات القلب والرعشة باليدين وسهولة الاستثارة.
لهذا يلجأ الأطباء إلى وصف حاصرات مستقبلات بيتا لمريض جريفز، ولا يكون الهدف من هذه المجموعة الدوائية التقليل من مستوى هرمونات الغدة، بل التقليل من حدة الأعراض السابق ذكرها.
قد يعاني مرضى السكر والربو (Asthma) تفاقم أعراض أمراضهم بسبب حاصرات مستقبلات بيتا؛ لذا يتجنب الطبيب وصف هذه المجموعة الدوائية لهم.
- العلاج الجراحي
هنا يلجأ الطبيب إلى الحل الجذري لمشكلة فرط نشاط الغدة الدرقية بإزالتها جراحيًا، وقد يلجأ إلى إزالة جزء صغير منها.
علاج جحوظ العينين
هنا يركز الطبيب على علاج عرض واحد فقط، وهو جحوظ العينين وما يسببه من مشكلات.
- إذا كان جحوظ العينين بسبب ورم خلف كرة العين، فإزالة الورم جراحيًا يكون ضرورة هنا.
أوضحنا سابقًا أن من أسباب جحوظ العينين التهابهما، لذا يحتاج المريض إلى تجنب ما قد يثير حساسية عينيه، وارتداء النظارات الشمسية عند الخروج نهارًا، وإذا تسبب جحوظ العينين في جفافهما، يصف الطبيب للمريض القطرات المرطبة للعين.
- بالإضافة إلى تناول المضادات الحيوية لعلاج التهابات العينين.
- استخدام الكورتيزون لعلاج الالتهابات: يُعد الكورتيزون مضاد قوي للالتهابات، لذا قد يصفه الطبيب إلى جانب المضادات الحيوية للمريض.
لكن يتسبب الكورتيزون في الكثير من الأضرار الجانبية مثل ارتفاع ضغط الدم ومستوى السكر بالدم واحتباس السوائل وزيادة الوزن والتقلبات المزاجية، لذا يصفه الطبيب بحذر شديد وينصح باستعماله لمدة قصيرة.
وختامًا، ننوه إلى أهمية استشارة الطبيب إذا كنت تعاني جحوظ العينين، فالعلاج ممكن في بداية المرض، وتجاهل الأمر لن يزيده إلا سوءً.
اقرأ أيضًا
مرض السكر | مرضي المزمن هل توقفت حياتي؟