فُتِح باب الغرفة داخل أحد مراكز التعافي من الإدمان، ودخل شاب في أواخر العشرينيات. نظر إلى الحضور الجالسين في شكل نصف دائرة بابتسامة واثقة، ثم قال:
“اسمي مصطفى، متخصص علاج الإدمان ومدمن سابق. تعافيت منذُ ثلاث سنوات وخمسة أشهر وتسعة أيام، كما يخبرني تطبيق هاتفي. أحب أن أمّد يدِ العُون لكل من يُريد أن يتعافى من هذه اللعنة المسماة الإدمان”.
ثم ابتسم بحنين قائلًا: “كما سبق وأن مّد أحدهُم يده لي بالمساعدة كي أتعافى. اليوم سأحكي لكم قصتي”.
بداية اللعنة
كنتُ أدرس في الجامعة وأعيش مع أمي، وكان أبي يعمل بالخارج لتوفير حياة كريمة لي، إذ إنهم لم يُرزقَا سواي.
حينما توفيت والدتي بشكل مفاجئ شعرت بالصدمة والغضب، وتوقفت حياتي.
عرض علي أحد أصدقاء السوء أن أُجرب تدخين المخدرات في محاولة للنسيان، والهروب من الألم.
لم أتردد كثيرًا وجربت وكانت البداية، ظننتُ حينئذ أن أبواب السعادة تتفتح لي.
أقنعت نفسي أني أُجرب لبعض الوقت وأستطيع أن أتوقف متى أريد، لكن الحقيقة كانت غير ذلك.
بدأ الأمر من تجربة كل عدة أيام، إلى عادة يومية لا أستغني عنها، ثم انتظار للوقت كي أتناول المخدر.
في الحقيقة جربت أنواعًا كثيرةً من المخدرات بدءًا من الحشيش، والكوكايين، حتى الكوديين، والهيروين.
حرصت على إخفاء كل شيء عن والدي بالطبع، وساعد على ذلك سفره إلى الخارج مرة أخرى.
ظهور الأعراض
كنت أظنُ أني أخفي أمر إدماني جيدًا، لكن من حولي لاحظوا التغيرات النفسية التي طرأت علي. كنت أعاني التأرجح بين انفعالات قوية مثل العصبية الشديدة والعنف أحيانًا، وأميل إلى الهدوء، واللا مبالاة أحيانًا أخرى، أيضًا أزداد غيابى عن الجامعة.
بالطبع لاحظ والدي زيادة طلبي للأموال، لكنه ظن أنه يعوضني فقدان أمي، وغيابه شبه الدائم.
تغيرت اهتماماتي بالإضافة إلى دائرة أصدقائي، ولاحظ أقرب صديق لي ما يحدث معي، وشك في تصرفاتي.
أقنعته وقتها أنه واهم، وأني -فقط- أعاني بعد وفاة والدتي. لم يصدقني صديقي لحسن الحظ، واستشار شقيقه الأكبر.
لم يتأخر شقيقه وزارني مع صديقي في المنزل، ولاحظ اختلاف هيئتي وقتها، وفقداني بعض الوزن.
وتأكد من مشكلتي حينما لاحظ علامات زرقاء على ذراعي.
حدثني شقيق صديقي وأخبرني برغبته في مساعدتي، وأنه يمكنني الوثوق به. لكني رفضت وصممت أني أدرى الناس بمصلحتي. حينها غادر صديقي وشقيقه، وتركني أفكر.
قرار التعافي من الإدمان
جلست أفكر في كلمات شقيق صديقي، وهممت أن آخذ الخطوة، لكني تراجعت مرة أخرى خشية أن أفقد مصدر سعادتي.
في اليوم التالي علمت أن أحد رفقائي توفى بجرعة زائدة من المخدر. انهرت ولم أعرف ماذا أفعل.
انهار كل تماسكي وبكيت بشدة، وظللت أتجول في الشوارع طوال ساعات، حتى استقر بي الحال عند منزل صديقي ورأيت شقيقه الأكبر.
“لا أريد أن أموت بجرعة زائدة من هذا المخدر اللعين، ولا أريد أن يلقى القبض علي، أريد أن أقلِع ولا أعرف كيف السبيل”. كانت تلك كلماتي لشقيق صديقي الأكبر.
ابتسم لي وأخبرني أنه سيساعدني، وأنه سعيد أن قرار التعافي جاء من داخلي. أخبرني أيضًا بأنه تحدث مع والدي منذُ أن زارني المرة السابقة، وهو في طريقه إلى العودة ليكون بجواري.
بداية جديدة
ساعدني شقيق صديقي على التسجيل داخل أحد مراكز التعافي من الإدمان. عانيت في البداية من علامات انسحاب المخدر، لكن تحسنت حالتي بعدها.
واظبت وقتها على جلسات التأهيل النفسي لمرحلة ما بعد التعافي. وساندني والدي بعد عودته من الخارج، وكذلك صديقي وعائلته بالكامل.
أنا مدين لصديقي وشقيقه بالكثير، فلولا مساعدتهم ما كنتُ تخرجت ولا حظيت بأي عمل. لذا قررت أن أمد يد العون لمن يريد من خلال العمل في المركز.
يجب أن يعلم الجميع أن التعافي من الإدمان ممكن، وليس مستحيلًا. وأنا أمامكم خير دليل.
و “يا صديقي” أيًا كان ما مررت به، ودفعك إلى طريق الإدمان، فهو ليس طريق السعادة.
لمزيد من المعلومات اقرأ
الإدمان | عندما تخسر حياتك في سبيل نشوة مؤقتة