ظهري يؤلمني، أصبحت هذه الشكوى تتردد في بيوتنا جميعًا، فالجميع كبارًا وصغارًا يعانون آلام الظهر، ومع إمعان النظر سنجد أن عادتنا اليومية سبب أساسي في هذه الشكوى. فهذا منكب على جهازه المحمول ليلًا ونهارًا بوضعية جلوس خاطئة، وآخر أجبره عمله على الجلوس أمام المكتب لساعات طويلة، وبنظرة سريعة على قائمة التشخيص المقارن لآلام الظهر، سنجد أن عرق النَّسا يتصدر هذه القائمة.
في هذا المقال سنتعرض عزيزي القارئ إلى ماهية هذا المرض وأهم أعراضه وطرق علاجه، فتابع معنا.
ما المقصود بعرق النَّسا (sciatica)؟
عرق النَّسا -أو ما يطلق عليه في اللغة الدارجة بعصب النساء- هو التهاب العصب الوركي، الذي يمتد من أسفل الظهر حتى الأرداف والفَخِذَين، مما ينتج عنه الشعور بالألم على طول مسار هذا العصب.
ما هي الأعراض المصاحبة لهذا الالتهاب؟
- آلام في أسفل الظهر والأرداف والفخذين، يتجلى الشعور بالألم عند الجلوس.
- الشعور بخدر القدم وصعوبة تحريكها.
- عهدنا ملاحظة آلام عرق النَّسا في جانب واحد من الجسم، وأحيانًا تظهر الآلام في كلا القدمين والكعبين.
قد تظهر الأعراض بشكل ملحوظ وتؤثر في حركة المريض، وقد تكون الأعراض طفيفة، وتظهر على فترات ولكن هذا لا يمنع أن الوضع قد يسوء.
متى يحتاج الأمر إلى استشارة طبيب؟
ينبغي للمريض استشارة الطبيب في الحالات الآتية:
- الشعور بآلام الظهر بصورة مستمرة ومؤثرة على الحركة الطبيعية.
- ارتفاع درجة الحرارة.
- تورم أو احمرار الظهر.
- الشعور بآلام عند الإخراج، أو ظهور دَم في البراز.
- إذا وجد المريض نفسه غير قادر على التحكم في حركة عضلات المثانة أو الأمعاء، لحين الوصول إلى المرحاض.
أسباب عرق النَّسا
أي حالة مرضية أو فسيولوجية ينتج عنها وقوع ضغط على العصب الوركي؛ قد تؤدي إلى عرق النَّسا، ونذكر من هذه الحالات ما يلي:
- الانزلاق الغضروفي: حدوث تمزق في الغشاء الخارجي للغضاريف الفاصلة بين الفقرات العظمية؛ مما ينتج عنه خروج المادة الجيلاتينية المضادة للصدمات من هذه الفقرات، فتضغط على العصب الوركي، وبالتبعية يلتهب ويشعر المريض بالألم.
- الضيق الشوكي: ضيق القناة الحبل الشوكي، مما يمثل ضغطًا على الحبل الشوكي والعصب الوركي.
- وجود زوائد عظمية: من شأنها إحداث ضغط على الأعصاب.
- التشنجات العضلية: في منطقة الظهر أو الفخذين قد تؤدي إلى حدوث عرق النَّسا.
بعد ذكر الأسباب المباشرة لعرق النَّسا، نتطرق إلى مجموعة من العوامل المساعدة على حدوث هذا المرض مثل:
- الشيخوخة؛ إذ تساعد على حدوث مشكلات العظام السابق ذكرها.
- السمنة.
- عدم ممارسة الرياضة بانتظام.
- ارتداء الكعب العالي.
- داء السكري وما ينتج عنه من التهاب الأعصاب.
- التدخين.
- طبيعة وظيفتك، بمعنى أن تضطر إلى قيادة السيارة لفترات طويلة أو حمل أشياء ثقيلة بشكل خاطئ.
- قد تظهر أعراض عرق النَّسا عند النساء خلال مدّة الحمل؛ إذ يعد وزن الجنين ضغط إضافي على مَفصِل الفخذ والحوض.
تشخيص عرق النَّسا
يتبع الطبيب مجموعة من الإجراءات من أجل الوصول إلى تشخيص سليم، كالتالي:
- الفحص السريري
يلجأ الطبيب في البداية إلى إجراء كشف مبدأي لاختبار قوة العضلات ومدى استجابتها لأوامر العقل المختلفة، مثل:
المشي على الكعبين أو إجراء تمارين رياضية بسيطة، إذا كنت مصابًا بعرق النَّسا ستجد أن آلامك تزداد خلال هذا الكشف.
- الأشعة السينية
التي قد تُظهر وجود زوائد عظمية ضاغطة على الأعصاب.
- التصوير بالرنين المغناطيسي
يُمكِّننا التصوير بالرنين المغناطيسي من رؤية صورة مفصلة للأنسجة والعظام، مما يساعدنا على تشخيص الأمراض المتعلقة بعرق الَّنسا مثل الانزلاق الغضروفي.
- الأشعة المقطعية
يُحقن المريض بصبغة مضادة في القناة الشوكية قبل إجراء الأشعة، تحيط هذه الصبغة بالحبل الشوكي والأعصاب الشوكية وتعطيهم لونًا أبيض.
تعطينا الأشعة المقطعية صورة عن القناة الشوكية، وما إذا كان هناك تضيق في القناة من شأنه إحداث التهاب في العصب الوركي.
علاج عرق النَّسا
حاول خلال مدّة العلاج أن تمارس حياتك بشكل طبيعي قدر الإمكان؛ إذ إن الركود في الفراش وعدم الحركة قد يزيد الأمر سوءًا.
بعد الانتهاء من التشخيص سيصف لك الطبيب العلاج المناسب لحالتك، وفيما يلي سنتعرض إلى الطرق العلاجية المختلفة لعرق النَّسا.
- العلاج بالأدوية
تستخدم الأدوية مثل مضادات الالتهاب كالأسبرين ومرخيات العضلات، وإذا كان الألم شديدًا قد يلجأ الطبيب مضطرًا إلى العقاقير المُخدرة بشكل مؤقت.
كذلك قد يلجأ الطبيب إلى استخدام مسكنات الستيرويد (Steroid injections) في المنطقة المحيطة بالعصب، مما يساعد من تخفيف حدة الألم عن طريق تقليل الالتهاب حول العصب.
تأثير مسكنات الستيرويد قد يستمر لبضعة شهور؛ لذا لابد من تقنين استخدامها لتجنب آثارها السلبية.
- العلاج الطبيعي
بعد السيطرة على الألم سيرشح لك الطبيب مجموعة من التمارين التي تساعدك على تقوية عضلات الظهر وتحسين مرونتها.
يُعد شد عضلات الظهر من أشهر تمارين عرق النَّسا، ويُفضل الاستعانة بمدرب خاص أو متخصص في العلاج الطبيعي عند تنفيذ هذه التمارين للمرة الأولى.
- الوصفات المنزلية
يمكنك الاستعانة بكمادات الثلج بوضعها على المنطقة المتألمة لمدة عشرون دقيقة عدة مرات في اليوم، وتُستخدم في بداية الإحساس بالألم؛ فهي تساعد على تقليل التورم ومن ثم تقلل من الشعور بالألم.
بعد ذلك يمكنك وضع الكمادات الدافئة؛ إذ تشعرك بالراحة بعد السيطرة على الألم في الأيام السابقة.
- التدخل الجراحي
يلجأ الطبيب إلى الجراحة إذا فشلت الأدوية في السيطرة على الألم، أو فقدَ المريض قدرته في السيطرة على عضلات المثانة أو الأمعاء.
وكون الانزلاق الغضروفي هو السبب وراء عرق النَّسا، فإن عملية استئصال القرص (Discectomy) من أشهر العمليات الجراحية التي تُجرى في هذه الحالة، وتهدف إلى استئصال الجزء الضاغط على العصب.
ما العِلاقة بين عرق النَّسا ومرض التصلب المتعدد (Multiple sclerosis)؟
يُعد مرض التصلب المتعدد من أحد أمراض المناعة الذاتية؛ إذ نجد الخلايا المناعية تهاجم الميلين-الطبقة الخارجية من العصب التي تحمي ألياف الخلايا العصبية- مما يؤثر على سلامة الجهاز العصبي المركزي.
بالرغم من احتمالية الإصابة بعرق النَّسا والتصلب المتعدد في نفس الوقت، ويتفق المرضان في التعبير عن وجودهما بآلام الأعصاب؛ إلا إنه لا توجد عِلاقة بين المرضين.
من أشهر الأعراض التي تظهر على مرضى التصلب المتعدد هي آلام الأعصاب، نتيجة تلف أعصاب الجهاز العصبي المركزي.
عندما يُصاب المرضى التصلب المتعدد بعرق النَّسا، يظنون خطأً أن التصلب المتعدد هو سبب آلامهم. ولكن آلام الأعصاب الناتجة عن التصلب المتعدد تقتصر على أعصاب الجهاز العصبي المركزي.
والعصب الوركي المرتبط بعرق النَّسا لا يمثل جزءًا من الجهاز العصبي المركزي.
وبالإضافة إلى الإحساس بالألم وتشنج العضلات، نجد الصداع النصفي من ضمن أعراض التصلب المتعدد.
وبإعادة النظر إلى عرق النَّسا سنجد أن الأمر ليس له عَلاقة بالمناعة، وأن الأمر كله عائد إلى العصب الوركي.
وختامًا، احرص على ممارسة الرياضة بانتظام وراقب وضعية جلوسك، أرجوك انتبه إلى رقبتك خلال تصفح جهازك المحمول.
ولا تنس أن تعتني بصحتك وتحافظ على سلامة جهازك العصبي وهيكلك العظمي؛ لتجنب الإصابة بعرق النَّسا.