دق جرس انتهاء اليوم الدراسي، فحمل سالم حقيبته بعدم اكتراث ومضى.
لاقته والدته على بوابة المدرسة، وسألته: “كيف كان يومك يا حبيبي؟”
أشاح بوجهه عنها، وأجاب: “ككل يوم.. سيء”.
تنهدت الأم بأسى، وأمسكت وجه صغيرها بين يديها، وابتسمت: “إذًا علينا أن نفعل شيئًا جيدًا”.
لمعت عينا الصغير وهو يسألها: “حقًا؟”
فأومأت برأسها وقبلته، وانصرفا.
نظرة المجتمع لمن يعاني فرط الحركة وتشتت الانتباه
رن جوال الأم، فنظرت باستغراب للرقم، ثم أجابت.
“والدة سالم؟”
“نعم، من معي؟”
“أنا معلمة الصف، يجب عليك الحضور غدًا للضرورة، سأكون بانتظارك” وانتهت المكالمة.
في المنزل، قرر سالم تسلق الجدار، ثم التأرجح على الأرجوحة، وبناء خيمة من الوسادات والفرش،
وأن يلعب دور الكشافة في الأدغال.. وطبعا ستكون والدته مساعدة الكشافة!
وعدته الأم باللعب بعد إعداد الطعام، على أن يجلس معهم على الطاولة ليتناول وجبته معهم.
تأفف سالم في ضجر، لكنه وافق أخيرًا.
صباح اليوم التالي توجهت الأم مع طفلها إلى المدرسة، وهناك التقت بالمعلمة.
“يصعب عليّ شرح الأمر يا سيدتي، لكنّ سالم غير مطيع وفوضوي
وكثير الحركة ولا يركز في الشرح، ويؤثر ذلك سلبًا على سير الحصة وباقي زملائه.
وقد آثرت قبل رفع الشكوى لمدير المدرسة أن أعرضه عليكِ، صحيح أنه لم يمر سوى أسبوع واحد في الدراسة، لكن باقي زملائه انتظموا والتزموا بالتعليمات”.
تنغصت ملامح الأم، وأجابت: “أشكرك على إعلامي بالأمر قبل تصعيده.
أما سالم فليس كما ذكرتي، بل هو طفل ذكي ومليء بالحيوية والنشاط، لكنه يعاني اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه”.
ارتفع حاجبا المعلمة في دهشة: “لقد سمعت عن هذا الاضطراب لكني لا أعرف كثيرًا عنه، فهلَّا تفضلتي بشرحه أكثر؟”
علامات الإصابة بالاضطراب
“أما فرط الحركة:
- فلا يستطيع الجلوس لفترات طويلة، خاصة في مكان هادئ.
- كثير الحركة والكلام بغير تركيز أو ترتيب.
وأما تشتت الانتباه:
- مدة تركيزه قصيرة جدًا، وسهل تشتيته.
- يبدو لمن أمامه أنه لايسمع أو يهتم بما يقول.
- يصعب عليه الالتزام بمهمة.”
تأثرت المعلمة بما سمعته، وسألت الأم: “هل عرضتيه على طبيب؟ وماذا قال عن التعامل معه؟”
نصائح للتعامل مع طفل فرط الحركة وتشتت الانتباه
أجابت الأم: “بالطبع أتابع مع طبيب، وقد أوصى بالآتي:
- يكون الكلام واضحًا وبسيطًا وحبذا لو نظرت في عينيه.
- التعليم باللعب والحركة.
- التحدث معه، ومعرفة انطباعه عما يتعلمه.
- مكافأته إن أحسن.
إلى جانب الدواء الذي وصفه، والالتزام بالأكل الصحي، وتقليل وقت التعرض للشاشات”.
“أعانكِ الله، إنه يحتاج إلى رعاية مضاعفة،
ولولا تنبيهك لي إلى حالته لظننت أنه طفل سيء الطباع..
هل تسمحي لي بأن أستضيفه في بيتي، وأساعدك على مذاكرة دروسه؟”
تهلل وجه الأم، وقالت: “إنه لكرم منك، ويسعدني بالطبع”.
قالت المعلمة: “حسنًا، سأنتظره اليوم في الخامسة وإليك العنوان”.
درس ممتع
طرقت الأم باب المعلمة في الموعد، وانصرفت بعد دخول سالم.
نزلت المعلمة على ركبتيها، ونظرت مباشرة في عيني الطفل “مساء الخير سالم”.
ابتسم الصغير، وأجاب “مساء الخير معلمتي”.
أدخلته الغرفة، وطلبت منه إخراج أدواته على الطاولة.
“اليوم سنراجع الأعداد من 1 إلى 3، هل حفظتها؟”
كان الصغير يلعب بأدواته، يجمعها وينثرها، ولم يلتفت إليها.
اقتربت المعلمة، وطلبت منه أن ينظر إليها،
أمسكت القلم، وقالت: “قلم.. واحد”.
أعطته ليلعب به وهو يردد: ” قلم.. واحد”.
وضعت كراستان أمامه، وقالت: “كراستان.. اثنان”.
ابتهج الصغير بألوانهما، وردد خلفها.
فتحت كراسة الرسم ووضعت بداخلها بضعة ألوان، وقالت: “ألوان.. ثلاثة”.
أمسك بالألوان وكرر ما قالته.
أعادت المعلمة ما فعلته بضع مرات والصغير يردد خلفها، حتى أتقن الأعداد وربطها بأدواته.
رن جرس الباب ففتحت المعلمة، واستقبلت والدة سالم بترحاب.
“لقد طبقت اليوم نصيحتك واستجاب فعلًا.. سالم ماما هنا”.
جرى الصغير، وعانق أمه وهو يردد “واحد.. اثنان.. ثلاثة”.
فرحت والدته وشكرت المعلمة، وطلبت من صغيرها أن يجهز حقيبته.
“صحيح أنه يعاني اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه،
لكن إن استغلينا ذلك بطريقة صحيحة، سنساعده على تجاوز الأمر”
خرج سالم بحقيبته، فقبلته المعلمة، وقالت: “هل كان الدرس سهلًا؟”
فابتسم الطفل وأجاب: “كان ممتعًا”..
وودعها وغادر مع والدته.