توفى ما يقرب من ٧٠٠٠٠ شخص في عام ٢٠١٨، في الولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب تناول الجرعات الزائدة من الأدوية، عمداً أو دون قصد.
يموت اثنان، من بين كل ثلاث وَفَيَات من الجرعات الزائدة للأدوية؛ بسبب المواد الأفيونية. لكن تتفاوت خطورة سُمية الجرعة الزائدة، من دواء لآخر، بين أعراض يمكن السيطرة عليها، وأخرى تصل إلى حد الموت!
سنتمكن في هذا المقال من فهم مصطلح الجرعة المفرطة (الزائدة)، وأيضا مخاطر الجرعات الزائدة للأدوية.
سنعرف كيفية تجنب الجرعات الزائدة، وطرق علاجها، وكيفية إنقاذ الأطفال من الجرعة الزائدة…
ما المقصود بالجرعة المفرطة (الجرعات الزائدة)؟
يشير مصطلح الجرعة المفرطة إلى تناول كميات كبيرة من الأدوية عمدًا، أو دون قصد، سواءً كانت أدوية لا تُصرف إلا بوصفة طبية، أو لا تستلزم ذلك، أو حتى الكحوليات، والمواد الأفيونية.
اتضح أن الجرعة الزائدة، هي الجرعة التي يعلو فيها صوت التأثيرات السلبية للدواء، عن التأثيرات العلاجية. لكن تختلف طبيعة استجابة الجسم من شخص لآخر؛ فقد يكون بعض الأشخاص، أكثر تأثرًا بالدواء من غيرهم، فيأخذ المريض الدواء بالجرعات المسموح بها، لكن الجرعة زائدة بالنسبة لجسمه. تؤدي تلك الجرعات الزائدة إلى مضاعفات طبية خطرة، تصل إلى الوفاة.
ما أعراض سمية الجرعات الزائدة للأدوية؟
تعتمد خطورة الجرعة الزائدة على الدواء نفسه، والكمية المأخوذة من الدواء، والتاريخ الصحي للشخص، وغيرها. لكن تظهر بعض الأعراض العامة على الشخص، كمؤشر لجرعة دواء زائدة، ومن الأعراض:
- اضطراب العلامات الحيوية عند الشخص، سواء بالزيادة أو بالنقصان، مثل (درجة حرارة الجسم، ومعدل النبض، ومعدل التنفس، وضغط الدم).
- قد يظهر ألم في البطن، وغثيان، وقيء، وإسهال. ينبغي معرفة أن القيء الدموي من الأعراض التي تُمثل تهديداً على حياة المصاب.
- تزداد آلام الصدر، وقد تكون علامة لتدهور حالة القلب، أو الرئة.
- دوار، وفقدان الوعي، أو صعوبة الحركة.
- شحوب لون الجلد، والتعرق الزائد، أو الجفاف.
- رعشة، وتشنجات.
- حالة من الهياج.
- الميل للعنف والعدوان.
- يتسع بؤبؤ العين، أو يضيق؛ وفقا للعقار صاحب التأثير السلبي.
- الهلاوس، والتهيؤات.
مخاطر سمّية الجرعة الزائدة
تظهر بعض المخاطر مع الجرعات الزائدة للأدوية، لكن الغالب هو تعافي الشخص المصاب، دون عجز بدني يُذكر، ومن المخاطر:
- يحدث مشكلات صحية في أعضاء الجسم؛ بسبب الجرعة الزائدة للأدوية، خاصة الكبد والكلى والبنكرياس، مثل: الجرعات الزائدة من فيتامين أ، وفيتامين د.
- يضيق التنفس وتضعف حركة عضلة القلب؛ مما يؤثر على الأعصاب، الذي يؤثر بدوره على خلايا المخ. يحدث ذلك في الجرعات الزائدة من أدوية مثبطات مستقبلات البيتا؛ التي تستخدم في علاج أمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم.
- يؤدي الإفراط في تناول المضادات الحيوية إلى إضعاف الجهاز المناعي، فتزداد فرص حدوث العدوى بمختلف أجزاء الجسم.
- تكرار تناول الجرعات الزائدة من الأدوية، له تأثير تراكمي على أعضاء الجسم، قد لا يمكن معرفتها إلا في وقت متأخر من حياة الإنسان.
مسببات تناول الجرعات الزائدة للأدوية
تتنوع العوامل المسببة لتناول الجرعات الزائدة من الأدوية، فتشمل:
عوامل غير مقصودة
- تفاوت الجينات بين الأجناس المختلفة: اختلاف الجينات بين الأفراد وبعضها، بسبب العوامل الوراثية والبيئية؛ يتسبب في اختلاف في بعض أنواع الإنزيمات، التي تساعد في عملية امتصاص الدواء، وخروجه من الجسم، ويختلف تحديد الجرعة المناسبة من شخص لآخر، ومن أهمها:
- إنزيمات السيتوكروم (CYP450s): تساهم هذه الإنزيمات في امتصاص وتكسير أغلب الأدوية؛ فزيادتها أو نقصها يؤثر في تحديد الجرعة المناسبة من الدواء، وسُميتها.
- في كبار السن: ظهر أمراض الشيخوخة مع تقدم العمر؛ مما يتسبب في زيادة عدد الأدوية المتناولة. تتسبب كثرة الأدوية في تشتت المريض، وتناول جرعات خاطئة،
فمثلًا: قد تُسبب زيادة جرعة الوارفارين (لعلاج أمراض السيولة) عن الحد المسموح، في حدوث نزيف، قد يؤدي للوفاة.
ترفع بعض الأمراض احتمالية تناول الجرعات الزائدة بالخطأ، مثل أمراض ألزهايمر، وضعف الذاكرة، والأمراض العقلية، وغيرها.
- في صغار السن: نلاحظ دائمًا على أغلب عبوات الأدوية، “يحفظ بعيداً عن متناول الأطفال”؛ لخطورة تعرُّض الأطفال الصغار، للتسمم بتناول الجرعات الزائدة، من الأدوية والكيماويات، وذلك بسبب:
– فضول الأطفال، وحبها لتجربة كل شيء وتذوقه؛ فتتناول الأدوية على سبيل اللعب والتجربة.
– تلفت الأقراص والكبسولات الملونة والزاهية، انتباه الأطفال الرضَّع والصغار.
أسباب متعمّدة
- ازدادت حالات الانتحار في الآونة الأخيرة، وأصبح التفكير في تناول جرعات مفرطة من الدواء كثيرًا؛ وذلك بسبب:
- سوء الأحوال الاقتصادية.
- الشعور بالإحباط والاكتئاب.
- عدم الإحساس بالأمان.
- العجز عن تحقيق الأحلام.
كيفية الوقاية من الجرعات الزائدة للأدوية
يمكن تجنب تناول الجرعات الزائدة للأدوية، باستشارة مسؤولي الرعاية الصحية. أيضا توجد طرق عدة للوقاية من خطر الأدوية، يمكن تقسيمها حسب طبيعة الشخص المصاب، كالتالي:
- كبار السن: يجب مساعدة ذوي أمراض الشيخوخة مثل الخرف، وألزهايمر، وغيرها في تناول الأدوية الخاصة بهم.
كذلك يحتاجون إلى تسهيلات، ورعاية خاصة؛ لتجنب التعرض للخطر. ويمكن الاستعانة بعلب الأدوية المقسمة لأيام الأسبوع، وفترات اليوم؛ فتساعدهم على عدم النسيان، والتنظيم، وتقليل الخطأ.
- صغار السن: لا تدرك الأطفال الجرعة المناسبة للدواء، والمخاطر المحتملة من تناول الجرعات الزائدة؛ لذا ينصح بحفظ الأدوية بعيدًا عن متناول الأطفال، وحفظها في أوعية عصية الفتح على الأطفال.
يجب فحص ألعاب الأطفال باستمرار؛ لتجنب وجود الأدوية بين يدي طفلك.
- المرضى النفسيون: يتناول المريض النفسي الأدوية بإفراط؛ لذا يجب أن يعتني شخصًا آخر، بإعطائه الجرعة المحددة، في الموعد المحدد، وإخفائها فيما بعد.
إذا لاحظت شخصًا لديه ميول انتحارية، فلا ينبغي تركه بمفرده، وكذلك يجب عرضه إلى طبيب مختص ومساعدته.
علاج الجرعات الزائدة للأدوية
ينصح بسرعة التوجه إلى المستشفى في حالة تناول جرعات زائدة من دواء، وحدوث مضاعفات للجسم، ويتمثل العلاج في:
- الاتصال بمركز السموم، ويعد ذلك من أهم خطوات الإسعافات الأولية، لمتناول الجرعات الزائدة من الأدوية؛ لتحديد خطورة الموقف.
- يُفضل جمع أي أدوية أو عبوات، في مكان الحادث، عند التوجه للمستشفى.
- غسيل المعدة؛ لإزالة الدواء غير الممتص من المعدة.
- تناول الفحم الناشط، تُطحن أقراص الفحم، وتُبلع؛ لامتصاص الدواء من الجهاز الهضمي، وتعطيل امتصاصه في الدم؛ لتقليل الأضرار المحتملة، ثم يخرج مع براز الشخص المصاب.
- الحث على التقيؤ؛ لإزالة المواد السامة من المعدة.
- فتح مجرى الهواء وتطهيره، بإدخال أنبوب التنفس، خاصة مع الأشخاص العنيفة التي تحتاج للعقاقير المهدئة، والضبط النفسي.
- إعطاء سوائل وريدية؛ لتعزيز إزالة المواد السامة، من جسم المصاب.
- تناول الترياق الخاص؛ لتغيير تأثيرات سمية الجرعة المفرطة، ومنع المزيد من الضرر، مثل:
- عقار نالوكسون؛ لعلاج التسمم بالمواد الأفيونية.
- الفحم الناشط؛ لامتصاص أغلب أنواع السموم.
- عقار فلومازينيل؛ لعلاج التسمم بالبنزوديازيبينات (أدوية للعلاج النفسي).
الفحوص اللازمة في حالة تناول الجرعة المفرطة
بعد تقديم العناية اللازمة لإنقاذ الشخص المصاب، يفضل المتابعة، وإجراء بعض الأشعة والفحوص، ومنها:
- تحليل دم المصاب، وبوله.
- أشعة سينية على الصدر.
- أشعة مقطعية.
- رسم قلب كهربائي (ECG).
الجرعة الزائدة من الباراسيتامول (Acetaminophen)
يعد الباراسيتامول من أشهر المسكنات وخوافض الحرارة، وأكثرها أمانًا. ذكرنا كثيرًا أن كل دواء سلاح ذو حدين، كذلك الباراسيتامول في جرعاته المسموحة آمن، لكن في الجرعات العالية، ومع دوام الاستعمال بكثرة، تزداد خطورته ويدمر الكبد.
تزداد احتمالية تناول جرعة زائدة من الباراسيتامول، ولا سيما في الأوضاع الحالية من انتشار الكورونا، والخوف المرضي من ارتفاع درجة حرارة الجسم.
لحسن الحظ، فإن الترياق المضاد لتأثير سمية الجرعة الزائدة من الباراسيتامول، هو الأسيتيل سيستين (NAC)، ويتوفر بشكل آمن وفعال.
ختاماً، لكلِ داءٍ دواء نَطيبُ به، فلا تتردد بالتواصل مع مركز السموم، والاستفسار في الطوارئ.
لكن لنعلم أن الدواء يحمل الخير والشر معا، فيجب استخدامه بجرعاته الصحيحة عند الضرورة، ولا تتناوله دون استشارة المختصين. فكما قيل “الصحة تاج على رؤوس الأًصحاء، لا يراه إلا المرضى”، فلنحافظ عليها.
اقرأ أيضًا
ارتفاع إنزيمات الكبد | الأسباب والعلاج