بقلم د.بسمة عبد المنعم
ها أنذا أشعر بآلام الانزلاق الغضروفي مجددًا كلما حملت الأشياء أو لعبت الكرة في الحديقة مع أولادي.
الآن تذكرت أني لم أتناول علاجي منذ مدة، كذلك لم أستمع إلى نصيحة طبيبي باتباع إجراءات السلامة عند الجلوس والوقوف.
لذا؛ سأكشف لكم في هذا المقال عن الانزلاق الغضروفي وأسبابه، وأعراضه، مع بعض النصائح للمرضى -كما أخبرني الطبيب- فتابعوا معي.
بداية، لنتعرف إلى لمحة تشريحية عن تركيب العمود الفقري.
تركيب العمود الفقري
يتكون العمود الفقري (Columna vetebralis) من عدة عظام تسمى “الفقرات” (Vertebrae)، تمسك ببعضها البعض؛ لحماية الحبل الشوكي (Spinal cord) الموجود بداخلها.
تُبطن كل فقرة بأقراص مستديرة تعمل كالوسائد، التي تمتص بدورها صدمات العمود الفقري في أثناء الحركة.
يتكون كل قرص من جزأين:
- داخلي: شبيه بالهلام يسمى “النواة اللبية” ( Nucleus pulposus).
- خارجي صلب: الحلقة الليفية التي تحيط بالنواة (Anulus fibrosis).
الانزلاق الغضروفي (Spinal disc herniation)
هو بروز جزء من القرص نتيجة تسرب بعض من الجزء الداخلي عبر الحلقة الليفية، مسببًا الشعور بالألم وعدم الراحة.
يطلق عليه أيضًا “القرص المنفتق أو المنتفخ أو المنزلق” (Herniated/ bulged/ slipped disc)، أو ما يعرف بالديسك.
إذا ضغط القرص المنزلق على الأعصاب الشوكية، يسبب خدرًا وألمًا على طول العصب المصاب؛ لذا يسمى أحيانًا “العصب المقروص” (Pinched nerve).
أنواع الانزلاق الغضروفي
تتعدد أنواع القرص المنفتق وفق الجزء المصاب من العمود الفقري، هي:
الانزلاق الغضروفي في الرقبة (العنقي) (Cervical Disc Herniation)
تدعم فقرات العنق (7 فقرات) حركة الرأس، وسُمكها أقل من الفقرات العنقية لكنها أكثر سمكًا من نظيرتها الصدرية.
تظهر أعراض الإصابة في الرقبة والكتف والذراع واليد، لكنها ربما تمتد لكلا الجانبين إذا تأثر الحبل الشوكي.
يمكن أن يستمر الألم لمدة أيام قلائل أو لعدة أشهر ويصبح مزمنًا، ويعرف كذلك بديسك الرقبة.
الانزلاق الغضروفي الصدري (Thoracic Disc Herniation)
نادر الحدوث نسبيًّا بمعدل حالة واحدة فقط من كل 200 إلى 400 حالة.
ربما ينشأ نتيجة الإصابات الرياضية؛ إذ يشعر المصاب أن موضع الألم هو الصدر أو البطن؛ ويؤدي هذا بدوره إلى التشخيص الخاطئ أحيانًا.
إذ ربما يتداخل تشخيصه مع اضطرابات القلب والرئة والكلى والجهاز الهضمي، أو غيرها من مشكلات العمود الفقري.
الانزلاق الغضروفي القطني (Lumbar Disc Herniation)
يحدث في أسفل الظهر عند الفقرات القطنية (5 فقرات)، ويعَد أكثر الأنواع شيوعًا؛ إذ تحمل معظم وزن الجسم.
تشمل مناطق الألم الورك والفخذ والساق، تؤثر الإصابة في هذه الأجزاء بدرجة كبيرة على أداء الأنشطة اليومية.
ربما يؤثر على العصب الوركي مسببًا الانزلاق الغضروفي في الورك.
ما الانزلاق الغضروفي في الورك؟
ينشأ حينما ينضغط العصب الوركي، الذي يسهم بدوره في المشي والتحكم في الساق.
يؤدي الضغط على العصب الوركي إلى التهابه مسببًا عرق النَّسا.
عرق النَّسا (Sciatica)
هو إحساس بألم متوسط إلى شديد في الظهر والأرداف والساقين، وربما يصحبه التنميل أو الضعف في هذه المناطق.
تتمثل أسبابه في الآتي:
- الأقراص المنفتقة.
- تضيق العمود الفقري.
- انزلاق الفقار.
- متلازمة الكمثرية.
درجات الانزلاق الغضروفي
ينقسم إلى أربع درجات أو مراحل منذ بدء ظهور الأعراض البسيطة إلى المفاجئة، وتتمثل في:
- انتفاخ القرص (Bulgind disc)
في هذه المرحلة يصبح القرص مسطحًا، وتتشقق الحلقة لكن دون قطعها.
- نتوء/ بروز القرص (Disc protrusin)
في هذا النوع يظل القرص الفقري والأربطة المرتبطة سليمة، لكنها ربما تمثل ضغطًا خارجيًا على الأعصاب.
- قطع القرص (Disc extrusion)
المادة الهلامية ما تزال متصلة بالقرص لكنها تنضغط مندفعةً إلى خارج؛ بسبب قطع الحلقة أو تمزقها.
يصحب ذلك مزيدًا من الألم والتورم؛ نتيجة الالتهاب.
- انفصال القرص (Sequestered disc)
يحدث عندما لا تنضغط النواة فحسب، بل تنفصل عن الجزء الرئيسي من القرص المعروف باسم الجزء الحر.
ربما تتطلب هذه المرحلة التدخل الجراحي لعلاجها.
أسباب الديسك
تتمثل الأسباب فيما يلي:
- مرض القرص التنكسي (Degenerative disc disease)
أحد أكثر الأسباب شيوعًا لآلام أسفل الظهر والرقبة؛ نتيجة تآكل الأقراص.
ذلك الألم الحاد الذي ربما يمتد من أسفل الظهر إلى أسفل الساق، أو من الرقبة إلى أسفل الذراع.
تتراوح حدته ما بين المنخفضة إلى الشديدة.
- اعتلال الجذور
في معظم الحالات لا يكون القرص المنفتق ذاته مؤلمًا.
لكن تسرب المادة الهلامية ضاغطةً على العصب القريب؛ تؤدي إلى تهيج والتهاب جذره مسببةً “ألم جذر العصب” أو “اعتلال الجذور” (Rediculopathy).
- الشيخوخة
كلما تقدم العمر، جفت الأقراص وأصبحت أكثر صلابة وهشاشة؛ مما يجعلها عرضة للتمزق.
- أسباب وراثية
توصلت الدراسات إلى أن العوامل الوراثية تلعب دورًا كبير في الإصابة بالقرص المنزلق.
- الإجهاد المفرط
إذ ربما ينجم عنه ضغطًا زائدًا على الفقرات.
- السقوط والإصابات
تعد السبب الأقل شيوعًا لحدوث القرص المنزلق، كذلك الإصابات السابقة في العمود الفقري.
الأعراض
ربما تبدأ الأعراض دون سبب واضح، أو عند حمل شيء ثقيل بطريقة خاطئة.
يمكن أن تزول سريعًا في غضون 4 إلى 6 أسابيع في نحو 90% من المصابين حتى دون علاج، لكنها أحيانًا تصير ألمًا مزمنًا.
تختلف حدتها من شخص لآخر، نذكر منها:
- ألم أسفل الظهر والرقبة.
- خدر أو وخز أو تنميل في الكتف أو الظهر أو الذراع أو اليد أو الساق أو القدم.
- تشنج العضلات وضعفها.
- صعوبات في ممارسة الأنشطة اليومية.
- ربما يتفاقم الألم عند السعال أو العطس.
- فقدان التوازن وتعثر المشي.
- فقدان الانحناء الطبيعي للعمود الفقري.
المضاعفات
يؤدي تلف الأقراص الشديد غير المعالج إلى عدة مضاعفات، نذكر منها:
- تلف دائم في الأعصاب.
- الإصابة بمتلازمة “كودا إكوينا” أو “متلازمة ذيل الفرس” (Cuada Aquina).
- الإصابة بعرق النَّسا، وما ينجم عنه من سلس بولي، وفقد الحس حول منطقة الشرج.
التشخيص
يتضمن التاريخ الطبي معلومات عن المشكلات الصحية المتكررة، والتشخيصات والعلاجات السابقة.
يفيد أيضًا في استبعاد أو تحديد الحالات الأخرى المحتملة المسببة للألم، ويشمل:
الفحص البدني
يتضمن الاختبارات الآتية:
- الجس
يسهم في تحديد مصدر الألم.
- اختبارات الحركة
لتقييم مدى حركة العمود الفقري، مثل: اختبار رفع الساق المستقيمة.
- قوة العضلات
يمكن إجراء فحص عصبي؛ لتقييم قوة العضلات وتحديد ما إذا أثّر القرص المنزلق على جذر العصب.
- اختبار الانعكاس
يُجرى لتقييم ردود الأفعال المنعكسة؛ بقصد الكشف عن موضع الفتق.
- الاختبارات التشخيصية
تُجرى لرؤية مكونات الهياكل الشوكية بدقة أكبر، ومن ثمّ معرفة موضع الألم، مثل:
- الأشعة المقطعية (CT).
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI).
- الديسكوجرام (Discogram).
علاج الانزلاق الغضروفي
يتراوح ما بين العلاج التحفظي إلى الجراحي وفق حالة كل شخص.
العلاجات التحفظية لآلام القرص الغضروفي
تُعد الخيار الأول في خطة العلاج، وتتضمن مزيجًا مما يلي:
- العلاج الطبيعي المتخصص في العمود الفقري (Spine-Specialized physical therapy)
تشمل تمارين الإطالة والتقوية والتمارين الهوائية؛ لتوفير استقرار ودعم أفضل للعمود الفقري.
- العلاج بالثلج أو الحرارة
باستخدام كمادات باردة أو دافئة لمدة 15 إلى 20 دقيقة على المنطقة المصابة بفاصل زمني يبلغ نحو الساعتين بين كل نوع منهما؛ تجنبًا لتلف الجلد.
- العلاج بالتدليك (Massage therapy)
يمكن أن يسهم في تقليل توتر العضلات وتشنجاتها عبر زيادة تدفق الدم.
- الأدوية
تتراوح ما بين:
- أدوية غير موصوفة
تتضمن مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDS)، وتُعد العلاج الفعال، مثل البروفين (Ibuprofen)، والباراسيتامول (Paracetamol).
- موصوفة
لا تُصرف إلا تحت إشراف الطبيب، مثل:
- العقاقير المخدرة لتسكين الألم.
- مرخيات العضلات.
- مسكنات ألم الأعصاب.
العلاجات الجراحية لآلام القرص
لا يمكن إجراء الجراحة إلا بعد تحديد موضع القرص المنفتق بدقة.
كذلك ربما لا يخفف الإجراء الجراحي الألم على نحوٍ كاف؛ مما يجعله خيارًا مستبعدًا بدرجة كبيرة طالما لا تستدعيه الحالة.
من الإجراءات الجراحية:
- استئصال القرص الغضروفي للقرص المنفتق.
- استبدال القرص الاصطناعي.
- جراحة دمج الفقرات.
من الجدير بالذكر أنه عادةً ما تقترن العلاجات الجراحية ببرنامج إعادة تأهيل والعلاج الطبيعي لاستعادة الحركة الطبيعية وتحسين الأداء الحركي بعد الجراحة.
علاجات أخرى
مثل: الوخز بالإبر، وتمارين اليوغا، أو العلاج بالتحفيز الكهربائي العصبي.
عوامل الخطر
هناك عدة عوامل ربما تسهم في زيادة فرصة الإصابة بالديسك، ومنها:
- العمر: يعَد العامل الأكثر شيوعًا؛ إذ تزداد الإصابات في عمر يتراوح ما بين 35 إلى 55.
- الجنس: تُعد مشكلة الإصابة بالقرص المنفتق أكثر شيوعًا في الرجال عنه في الإناث.
- الأعمال التي تتطلب جهدا بدنيًّا: مثل رفع الأحمال الثقيلة.
- الوزن الزائد: يسهم في ضعف العضلات.
- الإصابة بداء السكري: يسبب تلف الأعصاب.
- التدخين: ينجم عنه تكسير الحلقة الخارجية لأقراص العمود الفقري.
نصائح لمرضى الانزلاق الغضروفي
تتعدد النصائح للمرضى المصابين بالديسك، من أبرزها:
- تعد الراحة البدنية هي بداية رحلة العلاج لاسيّما كان الألم شديدًا.
- ممارسة تمارين التمدد والتمارين الرياضية البسيطة بمجرد تحسن الحالة.
- تجنب الحركات التي تؤدي إلى تفاقم الألم.
- تجنب التمارين الشديدة مثل: تمارين أوتار الركبة عند الإصابة بعرق النَّسا، وكذلك الأنشطة العنيفة مثل: الركض.
- التحدث إلى الطبيب لاختيار أفضل نظام تمارين، وفق احتياجات وحالة كل شخص.
- الحفاظ على الوزن الصحي، وتجنب السمنة.
- ممارسة تقنيات الرفع الآمن (اثن ركبتيك وليس خصرك عند حمل الأشياء).
- لا تبق جالسًا لفترات طويلة، وتمدد بصورة دورية.
- تعديل أوضاع النوم، مثل: تغيير الوسادة، أو النوم على الظهر بدلًا من الجانب.
- إجراء الحركات الصحيحة عند الجلوس، والوقوف، والنوم.
- تناول الأدوية مُتبعًا إرشادات المختص.
- توقف عن التدخين.
الانزلاق الغضروفي والدورة الشهرية
يزداد الألم خلال مدة ما قبل الحيض لمن يعانين القرص المنفتق.
كذلك ربما تسبب بعض المشكلات الصحية الأخرى آلامًا شديدةً أسفل الظهر في أثناء الدورة الشهرية، مثل: الانتباذ البطاني الرحمي أو الأورام الليفية الرحمية.
ختامًا، بعد أن تعرفنا إلى الانزلاق الغضروفي وأسبابه وكيفية التعامل معه، لا تتردد -عزيزي القارئ- في زيارة الطبيب إذا شعرت بأي من الأعراض السابق ذكرها.
أهمس في أذنك أن تحافظ على صحتك قدر استطاعتك، فهي ثروتك في أيام الشيخوخة.
دمتم أصحاء!
اقرأ أيضا
عرق النَّسا | كل ما تريد معرفته عنه
متلازمة رايتر | التهاب المفاصل التفاعلي
الأمراض المزمنة | الصديق الإجباري!
مراجعة طبية د. سمر البدري