يصف أحد الأطفال المصابين بمتلازمة توريت شعوره بالحرج بسبب نظرات زملائه، عندما يقفز فجأة في مكانه أو يقطب جبينه بشكلٍ غريب، أو أحيانًا يتلفظ بكلمات غير لائقة.
يقول “يحدقون بي دائمًا ويطلبون مني التوقف، أحاول ولكني لا أستطيع، لم أعد أحب الجلوس إليهم وأفضل اللعب وحدي”.
ما المقصود بمتلازمة توريت (Tourette syndrome)؟
تخيل أنك تجلس وسط أصدقائك، وفجأة يصدر عنك فواق مستمر لا تستطيع منعه، أنت لم تقصد هذا وتحاول أن تتنفس بعمق أو تشرب الماء لتعالج الأمر ولكن دون فائدة.
يعاني مريض متلازمة توريت شيئًا شبيهًا، فيصدر عنه حركات وأصوات لا إرادية (تشنجات) بشكلٍ مفاجئ واندفاعي تسبب له الحرج، كأن يقفز مثلًا في مكانه أو يهز رأسه بعنف.
لم يكن مرضى متلازمة توريت في الأزمنة القديمة محظوظين، فقد كان من حولهم يظنون أنهم مسكونون بالأرواح الشريرة التي تجعلهم يتحركون تلك الحركات غير المفهومة ويتلفظون بتلك الشتائم.
حتى جاء الباحث الفرنسي “جورج جيل دو لا توريت”، الذي يعود إليه الفضل في اكتشاف المرض بعد كتابته بحثًا يصف فيه 9 حالات تعاني هذه التشنجات، فسميت المتلازمة توريت نسبةً إليه.
أعراض متلازمة توريت
العرض الأساسي للمتلازمة هو التشنجات اللاإرادية (Tics) سواء كانت حركية أو صوتية، وقد يشعر بها المريض قبل حدوثها، ويستطيع بعض المرضى السيطرة عليها بعض الوقت، ولكنهم ينفجرون في لحظة غير قادرين على منعها لوقت أطول.
وتنقسم التشنجات اللاإرادية إلى تشنجات بسيطة تتسبب فيها مجموعة واحدة من العضلات، وتشنجات معقدة تنتج عن انقباض وانبساط عدد أكبر من العضلات.
والتشنجات إما حركية أو صوتية، ومن أشهر التشنجات الحركية الآتي:
التشنجات البسيطة (Simple tics)
- حركات الفم.
- انتفاض الرأس.
- طرف العين.
- حركة العين السريعة.
- نفضان الأنف.
- هز الأكتاف.
التشنجات المعقدة (Complex tics)
- القفز.
- لمس الأشياء وشمها.
- المشي بطريقة معينة.
- الانحناء والالتفاف.
- بسط الذراعين وقبضهما.
- الإشارات البذيئة أو لمس الأشخاص المحيطين بطريقة غير لائقة.
ومن أشهر التشنجات الصوتية الآتي:
التشنجات البسيطة (Simple tics)
- النباح.
- النحنحة.
- السعال.
- الشخير.
التشنجات المعقدة (Complex tics)
- تكرار كلمة أو جملة معينة تعود للمريض نفسه.
- التلفظ بكلمات مهينة وشتائم خارجة.
- تكرار كلمات الأشخاص الآخرين.
وقد تزداد التشنجات سوءًا في الحالات الآتية:
- في بداية مرحلة المراهقة، وتهدأ مع بدايات البلوغ.
- إذا كان المريض يعاني قلقًا أو توترًا.
وننوه إلى أن متلازمة توريت مرض عصبي بالأساس، ولكن قد يصاحبه اضطرابات أخرى، مثل القلق والتوتر واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه والوسواس القهري والاكتئاب.
أسباب متلازمة توريت
متلازمة توريت ناتجة عن خلل جيني الذي قد يكون وراثيًا أو ناتجًا عن طفرة جينية في أثناء تخلق الجنين في رحم أمه.
ولا يعلم الأطباء يقينًا أسباب ذلك الخلل، ولكنهم يشيروا بأصابع الاتهام إلى مجموعة من العوامل التي (حسب تصوراتهم) قد تكون وراءه وهي:
- العوامل الوراثية.
- النواقل العصبية، وعلى رأسها هرمون الدوبامين والسيروتونين.
من يقع ضحيةً للمرض؟
هناك بعض العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة وهي:
- العمر
إذ يكون الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السنتين والخمسة عشر عامًا ضحيةً مناسبةً للمتلازمة.
- الجنس
الذكور أكثر إصابةً من الإناث بمعدل ثلاثة إلى واحد.
- العوامل الوراثية
تزيد فرص الإصابة لدى من يمتلكون تاريخًا عائليًا من المرض.
متلازمة توريت عند الأطفال
كما أشرنا سابقًا، تبدأ أعراض متلازمة توريت في الإعلان عن نفسها مبكرًا جدًا؛ لذا إذا لاحظ الأهل صدور أي حركات غريبة من طفلهم، وجب عليهم استشارة طبيب الأعصاب فورًا.
هذا بالإضافة إلى ضرورة التواصل مع معلمي المدرسة لإحاطتهم بالأمر، حتى يتعاملوا مع الطفل وفق تعليمات الطبيب.
التشخيص
لا تدل الأعراض السابقة على متلازمة توريت يقينًا، فقد تكون حركات أنف الطفل والأصوات الصادرة عن استنشاقه الهواء بطريقة غريبة بسبب تحسسه من شيء ما، وقد تكون حركة عينيه المتكررة بسبب مشاكل يعانيها بالرؤية.
لا يوجد اختبار معملي محدد لتشخيص المتلازمة، لذا قد يطلب الطبيب من المريض إجراء فحوصات بالتصوير بالأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي بالإضافة إلى فحوصات الدم، لاستبعاد الحالات الطبية الأخرى التي قد تسبب الأعراض السابقة.
وهناك معايير محددة تساعد الطبيب على التشخيص وهي:
- أن يعاني الطفل التشنجات الحركية والصوتية معا.
- إذا كان عمر المريض أقل من 18 عامًا عند ظهور الأعراض أول مرة.
- أن تكون متكررة باليوم، كل يوم تقريبا لمدة عام على الأقل.
- إذا استبعد الطبيب أي مسببات أخرى لتلك التشنجات.
- أن تتنوع التشنجات في الحدة وعدد مرات الإصابة وأماكنها.
علاج متلازمة توريت
إذا كانت التشنجات خفيفة ولا تعيق المريض عن ممارسة حياته بشكلٍ طبيعي، لا يحتاج المريض إلى علاج.
أما في الحالات المتقدمة فقد يصف الطبيب الأدوية الآتية:
مضادات الذهان
هي مجموعة دوائية تستخدم بالأساس لعلاج اضطرابات نفسية أخرى مثل الهلاوس البصرية والسمعية واضطرابات التفكير وتشمل الآتي:
- فلوفينازين (Fluphenazine).
- هالوبيريدول (Haloperidol).
- ريسبيريدون (Risperidone).
- بيموزيد (Pimozide).
- تيترابينازين (Tetrabenazine).
أثبتت الدراسات الطبية أن هذه الأدوية تساعد على السيطرة على التشنجات بشكلٍ كبير، ولكنها قد تتسبب في بعض الأضرار الجانبية مثل زيادة الوزن والاكتئاب الشديد وحركات لا إرادية في اليدين أو القدمين أو الوجه.
يُنصح بتناول الدواء بالجرعة التي حددها الطبيب بدقة، وعدم التوقف المفاجئ عن تناول هذه الأدوية، حتى لا تتسبب في أي أضرار.
البوتوكس
يمكن حقن البوتوكس في العضلات المصابة لعلاج التشنجات.
مضادات الاكتئاب
نظرًا للارتباط الذي وجده العلماء بين متلازمة توريت والاكتئاب (بسبب مشاعر العزلة والوحدة التي يعانيها المريض جراء ردود أفعال المحيطين به عند حدوث التشنجات) فقد يصف الطبيب مضادات الاكتئاب للمريض مثل الفلوكستين.
أدوية الصرع
أثبتت بعض الدراسات فاعلية بعض الأدوية المستخدمة خصيصًا لعلاج الصرع في التخفيف من حدة التشنجات مثل دواء توبيراميت.
المثبطات الأدرينالية
هي أدوية تعمل على حصر تأثير هرمون الأدرينالين فُتبطئ من ضربات القلب وتُخفض ضغط الدم.
من هذه الأدوية كلونيدين وجوانفاسين، قد يصف الطبيب هذه الأدوية لمريض متلازمة توريت لما ثبت من فاعليتها في تحسين أعراض بعض المرضى.
أدوية علاج اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)
هو اضطراب يُصيب الأطفال، ويعاني المريض تشتت الانتباه وفرط الحركة بالإضافة إلى السلوك الاندفاعي.
تُستخدم بعض الأدوية المنشطة لعلاج هذا الاضطراب مثل ديكسترو أمفيتامين والميثيلفينيديت، وقد ثبت أن هذه الأدوية قد تُحسن من أعراض متلازمة توريت.
العلاج الجراحي
وفي الحالات المتقدمة التي لا تستجيب للعلاج الدوائي، قد ينصح الطبيب بجراحة التحفيز العميق للمخ.
وهي جراحة أثبتت فاعليتها في علاج أمراض كثيرة مثل باركنسون والصرع، وحاليًا تُدرس كفاءتها في علاج متلازمة توريت.
وفي هذه الجراحة يزرع الطبيب أقطاب كهربائية في مناطق معينة بالمخ، التي يصدر عنها نبضات كهربائية، فتنظم النبضات غير الطبيعية، ومن ثم تقل عدد وحدة التشنجات اللاإرادية.
العلاج السلوكي المعرفي
يهدف العلاج السلوكي المعرفي إلى إعلام المريض بكل تفاصيل مرضه، مع تعليمه تقنيات سلوكية تهدف إلى التقليل من حدة الأعراض، حتى لا تعيقه عن ممارسة حياته.
فمثلًا، إذا كان المريض يعاني تشنجًا يجعله يضرب رأسه بيديه، فقد يُوجه إلى الالتزام بوضع يديه على ركبتيه عند شعوره بقرب التشنجات، وهذه التقنيات صعبة بالتأكيد وتحتاج إلى الممارسة والصبر كي تؤتي ثمارها.
هذا بالإضافة إلى دور الأهل والمعلمين بالمدرسة الذين تقع عليهم مسئولية كبرى نحو هذا الطفل، فيجب تعليمهم كل ما يتعلق بالمرض، مع إرشادهم إلى الطريقة الصحيحة للتصرف إذا ما لاحظوا تلك التشنجات على الطفل، فلا يوبخوه أو يعرضوه للسخرية، لأن هذا من شأنه زيادة التوتر عند الطفل وبالتالي زيادة حدة التشنجات.
وقد يحتاج المريض للخضوع للعلاج النفسي للتعافي من الاضطرابات الأخرى المصاحبة لمتلازمة توريت مثل القلق والوسواس القهري والاكتئاب.
وختامًا، هناك كثير من المشاهير الذين أصيبوا بمتلازمة توريت (مثل لاعب الكرة الشهير ديفيد بيكهام) فلم يمنعهم هذا من الاستمتاع بالحياة وتحقيق أحلامهم، ويستطيع طفلك أيضًا أن يعيش سعيدًا مثلهم إذا ما التزم بتعليمات الطبيب بدقة.
اقرأ أيضًا
اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه | الأسباب والعلاج