تُعد متلازمة تولوز لوتريك من الأمراض الوراثية النادرة، إذ تصيب واحد من كل 1.7 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.
سُميت بهذا الاسم نسبة إلى الفنان الفرنسي الشهير “هنري دي تولوز لوتريك” في القرن التاسع عشر، الذي كان مصابًا بهذا الاضطراب.
تُعرف المتلازمة سريريًا باسم التعظم التغلظي (Pyknodysostosis).
تسبب هذه الحالة هشاشة العظام، وتشوهات الوجه واليدين وأجزاء أخرى من الجسم.
دعونا نتعرف إلى هذه المتلازمة، وأسبابها، وطرق التشخيص، والعلاج.
أسباب متلازمة تولوز لوتريك
تحدث الأمراض الوراثية عامةً بسبب وجود الطفرات، إذ يختلف ترتيب القواعد النيتروجينية التي تمثل جين معين.
وفي هذه الحالة تحدث طفرة في الجين المسؤول عن تكوين إنزيم كاثيبسين “ك” (Cathepsin K)، فتؤدي إلى حدوث المتلازمة.
الجينات
هي رموز على الكروموسومات مسؤولة عن إنشاء البروتينات اللازمة للجسم بشكل صحيح، عندما تحدث طفرة في جين من الجينات، يؤدي ذلك إلى إنتاج بروتين غير فعال أو مشوه.
تؤثر هذه البروتينات على آلية عمل الجسم، وغيابها أو تشوهها يسبب الأمراض المختلفة.
يلعب إنزيم كاثبيسين ك. (Cathepsin K) دورًا رئيسًا في إعادة تشكيل العظام، فهو يكسر الكولاجين، وهو بروتين يدعم المعادن، مثل: الكالسيوم، والفوسفات في العظام.
تؤدي الطفرة الجينية التي تسبب متلازمة تولوز لوتريك إلى تراكم الكولاجين؛ مما يجعل العظام شديدة الكثافة لكن هشة.
التعظم التغلظي هو اضطراب جيني متنحي، وهذا يعني أن الشخص ينبغي أن يرث نسختين من الجين غير الطبيعي؛ حتى يظهر المرض والسمات الجسدية له.
خلال تكون الجنين تُمرر الجينات في أزواج فيحصل المولود على واحد من والده ونظيره من والدته.
إذا كان كلا الوالدان حاملًا للجين المتحور، فهذا يجعلهما حاملين للمرض.
وهذا يضع الاحتمالات التالية أمامنا:
- يرث الطفل جينًا واحدًا متحورًا وجينًا طبيعيًا، فسيكون أيضًا ناقلًا للمرض، ولكن لن يصاب به (ونسبة هذا في المواليد 50%).
- يرث الطفل الجين المتحور من كلا الوالدين، احتمالية إصابته بالمرض تبلغ (نسبة 25%).
- وراثة الطفل للجين غير المصاب من كلا الوالدين، وفي هذه الحالة لن يكون حاملًا للمرض ولن يكون مصابًا به (نسبة 25%).
أعراض متلازمة تولوز لوتريك
العرض الرئيس لمتلازمة تولوز لوتريك هو شدة كثافة العظام، ولكنها تكون هشة في نفس الوقت، وهناك أعراض أخرى للمرض مثل:
- علو الجبهة.
- عدم انغلاق فتحة اليافوخ في حديثي الولادة.
- الأظافر غير طبيعية.
- ضيق سقف الفم.
- قصر الأصابع.
- قصر القامة، غالبًا يكون الجذع بحجم البالغين والأرجل قصيرة.
- أنماط تنفس غير طبيعية.
- تضخم الكبد.
- صعوبة في العمليات العقلية، مع أنّ الذكاء لا يتأثر عادة بهذا المرض.
مضاعفات متلازمة تولوز لوتريك
نظرًا لأن التعظم التغلظي مرض يضعف العظام، فإن الأشخاص المصابين بهذه الحالة يواجهون خطرًا شديدًا، ويصبحون أكثر عرضة للسقوط، والكسور.
تشمل المضاعفات الناتجة عن الكسور ضعف الحركة، ويؤثر ذلك في القدرة على ممارسة الرياضة بانتظام.
وبالطبع هذا النمط من الحياة يؤثر في الوزن، وصحة القلب والأوعية الدموية، والصحة العامة.
قصر القامة هو نتيجة شائعة لمتلازمة تولوز لوتريك، لكن هرمونات النمو التي يشرف عليها طبيب الغدد الصماء يمكن أن تكون مفيدة.
كيفية تشخيص المرض
تُشخص متلازمة تولوز لوتريك غالبًا في مرحلة الطفولة، ولكن لندرة المرض يصعُب على الأطباء تشخيصه.
يعد الفحص البدني، والتاريخ الطبي، والاختبارات المعملية جزءًا من التشخيص.
التاريخ العائلي له دور هام في تشخيص هذه الأمراض، لأن وجود تاريخ عائلي للمتلازمة أو للحالات الوراثية الأخرى يساعد الطبيب على التشخيص.
يمكن كذلك استخدام الأشعة السينية للتشخيص، لأنها تُظهر خصائص العظام التي تتوافق مع أعراض متلازمة تولوز لوتريك.
يستخدم الأطباء اختبارات الجينات الوراثية؛ لتأكيد التشخيص، وتُجرى هذه الاختبارات في مختبرات متخصصة.
علاج متلازمة تولوز لوتريك
يحتاج علاج متلازمة تولوز لوتريك إلى مشاركة فريق من المتخصصين.
إذ يشرف على علاج الطفل المصاب بالمرض فريق رعاية صحية يضم طبيب أطفال، واختصاصي عظام، وربما جراح عظام، واختصاصي غدد صماء متخصص في الاضطرابات الهرمونية.
مع أنّ متلازمة تولوز لوتريك ليست اضطرابًا هرمونيًا، إلا أن بعض العلاجات الهرمونية، مثل هرمون النمو، يمكن أن تساعد في علاج الأعراض.
سيكون لدى البالغين المصابين بـالمتلازمة متخصصون مشابهون بالإضافة إلى طبيب الرعاية الأولية، الذي من المرجح أن ينسق رعايتهم.
ينبغي أن يكون علاج المتلازمة موافقًا لأعراض المريض، لأن الأعراض والسمات الجسدية تختلف من شخص لآخر.
ربما يستشير الطبيب جراح التجميل للمساعدة في علاج أي أعراض بالوجه.
إذا كان المريض يعاني ضيق سقف الفم، تترك القرارات العلاجية لطبيب الأسنان.
ستكون رعاية جراح العظام ذات أهمية خاصة طوال حياة المريض.
تعني الإصابة بمتلازمة تولوز لوتريك أنه من المحتمل الإصابة بالعديد من كسور العظام.
يمكن أن يواجه الشخص المصاب بالمتلازمة كسورًا متعددة في نفس المنطقة، مثل عظم الظنبوب (قصبة الساق)، صعوبة أحيانًا في تشخيص كسور الإجهاد لأن العظم يتضمن العديد من خطوط الكسر من الكسور السابقة.
في بعض الأحيان، يحتاج الشخص المصاب بالمتلازمة أو أي حالة أخرى من حالات هشاشة العظام إلى وضع شريحة في إحدى الساقين أو كلتيهما.
إذا شخص الأطباء المرض عند الطفل، ففي هذه الحالة يكون العلاج بهرمون النمو مناسبًا.
تشمل الأبحاث الأخرى استخدام مثبطات الإنزيم، وهي تتداخل مع نشاط الإنزيمات التي تضر بصحة العظام.
كذلك تشمل الأبحاث التلاعب بوظيفة جين معين.
تعرف إحدى الأدوات لذلك باسم التكرارات المتناظرة المتباعدة بشكل منتظم (CRISPR)، وتتضمن تعديل جينوم الخلية الحية لتعديل الطفرة المسببة للمرض.
ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت هذه الطريقة آمنة وفعالة لعلاج المتلازمة أم لا.
هل هناك علاقة بين متلازمة تولوز لوتريك والجسم الحجري؟
في الواقع لا توجد علاقة بين المرضين، إذ إن متلازمة الرجل الحجري أو (خلل التنسج الليفي المعظم المترقي) (Fibrodysplasia ossificans progressiva) هو اضطراب جيني آخر يؤثر على جين (ACVR1).
هذا الجين يدخل في عملية تكوين العظام وعندما يحدث فيه الخلل تتكون العظام في غير أماكنها.
فيحدث استبدال للأنسجة العضلية والأنسجة الضامة مثل الأوتار والأربطة بشكل تدريجي بالعظم.
يتكون في هذا المرض العظم خارج الهيكل العظمي فيُقيد حركة المريض.
تصبح هذه العملية ملحوظة عمومًا في مرحلة الطفولة المبكرة، بدءًا من الرقبة، والكتفين وصولاً إلى أسفل الجسم، والأطراف.
يتسبب تكوين العظام خارج الهيكل العظمي في فقدان تدريجي للحركة إذ تتأثر المفاصل.
كذلك ينتج عنه العجز عن فتح الفم بالكامل مما يسبب صعوبة في التحدث وتناول الطعام.
بمرور الوقت، يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب سوء التغذية بسبب مشكلات الأكل لديهم.
كذلك يعانون صعوبات في التنفس؛ نتيجة تكون عظم إضافي حول القفص الصدري مما يقيد توسع الرئتين.
تؤدي أي إصابة لعضلات شخص مصاب بخلل التنسج الليفي المعظم المترقي مثل السقوط أو الإجراءات الطبية الجراحية، إلى نوبات من تورم العضلات، والتهابها يتبعها تكون العظم في المنطقة المصابة.
يولد الأشخاص المصابون بهذا المرض بأصابع قدم كبيرة مشوهة.
هذا الشذوذ في أصابع القدم الكبيرة هو سمة مميزة تساعد على تمييز هذا الاضطراب عن مشاكل العظام والعضلات الأخرى، وربما يعاني الأفراد المصابون أيضًا قصور في الإبهام، وتشوهات هيكلية أخرى.
وكما هو الحال في متلازمة تولوز لوتريك، يمكن أن يرث الطفل المرض من أحد أبويه أو كلاهما، ولكن معظم حالات الجسم الحجري تنشأ عن طفرات خاصة في الشخص المريض دون وجود تاريخ عائلي للإصابة به.
نصائح للتعايش مع متلازمة تولوز لوتريك
التعايش مع المتلازمة يَعْني إجراء عدد من التعديلات على نمط الحياة.
- ينبغي ألا يمارس الأشخاص المصابون بهذه الحالة الرياضات التي تتطلب العنف الجسدي، وتكون السباحة أو ركوب الدراجات بدائل أفضل، بسبب انخفاض مخاطر الكسر.
- إذا كنت تعاني متلازمة تولوز لوتريك، ينبغي لك أن تناقش مع شريكك احتمالية انتقال الجين إلى الأطفال.
- ربما يرغب شريكك أيضًا في الخضوع للاختبار الجيني لمعرفة ما إذا كان حاملًا للمرض أم لا.
- إذا لم يكن حاملًا للمرض يكون الارتباط في هذه الحالة آمن.
- أما إذا كان الشريك الآخر حاملًا للمرض، فإن احتمالية نقل المرض للأطفال تزيد بنسبة 25%.
- لا تؤثر الإصابة بمتلازمة تولوز لوتريك على متوسط العمر المتوقع.
إذا كان المريض بصحة جيدة، فينبغي أن يكون قادرًا على عيش حياة طبيعية، مع اتخاذ بعض الاحتياطات التي يوصي بها الأطباء والمشاركة المستمرة لفريق من المتخصصين في الرعاية الصحية.
وفي النهاية -عزيزي القارئ- فإن وجود هذه الأمراض النادرة ينبهنا لدقة أجسامنا التي تعمل أفضل من أي برنامَج من برامج الحاسوب، ومفتاح النجاة بالنسبة إلى الأمراض الوراثية هو وعي صاحبها بها وبمضاعفاتها، ويسهم في ذلك الدراية بتاريخ العائلة المرضي.
اقرأ أيضًا
الأمراض الوراثية | هذا ما فعله حمضي النووي!