د.أحمد عمر
ارتبط إسم متلازمة ستوكهولم بما حدث في أغسطس 1973 م، اقتحم بعض اللصوص بنك في مدينة ستوكهولم بالسويد بغرض السطو المسلح، ولكن فشلت العملية فاحتجزوا أربعة من موظفي البنك لمدة ستة أيام كرهائن، وعلى غير المتوقع آنذاك وفي خلال مكالمة هاتفية لأحد الرهائن مع رئيس الوزراء أفادت الرهينة أنها تثق بخاطفيها وتشعر بالأمان معهم وتخشى أن تموت عن طريق رجال الشرطة في الهجوم على المبنى.
وبعد تحرير الرهائن من قبضة اللصوص، رفض الرهائن الشهادة ضدهم في المحكمة بل جمعوا الأموال لمساعدة خاطفيهم في الحصول على حكم مخفف.
ومنذ ذلك الحين أطلق العلماء وخبراء علم النفس اسم متلازمة ستوكهولم للحالات التي يطور فيها الرهائن حالة عاطفية مع خاطفيهم الذين احتجزوهم بالأسر.
ما هي متلازمة ستوكهولم
متلازمة ستوكهولم هي استجابة نفسية نادرة الحدوث تحدث لبعض المخطوفين أو المتضررين من حادث اختطاف أو احتجاز أو معاملة سيئة يظهر فيها المخطوف أو المتضرر التعاطف مع خاطفيه أو محتجزيه، وينشأ هذا الرابط على مدار أيام أو شهور أو سنوات من الاحتجاز أو الإساءة.
أسباب حدوث متلازمة ستوكهولم
يفسر علماء علم النفس ظهور متلازمة ستوكهولم لدى الرهائن أو المتضررين كآلية تأقلم وتكيف تساعدهم على امتصاص صدمة الموقف، وهناك بعض العلماء الذين فسروا ظهور متلازمة ستوكهولم لدى المتضررين كشعور امتنان للخاطفين الذين حافظوا على سلامتهم كرهائن بدلاُ من قتلهم والإضرار بهم.
ما زال لدى بعض الباحثين وعلماء النفس والجريمة شكوك كثيرة حول متلازمة ستوكهولم وتفسيراتها، تصل في بعض الأحيان الى إنكار وجودها من الأصل، ومع ذلك يعتقد الخبراء أن أسباب ظهور متلازمة ستوكهولم يرجع إلى:
- المعاملة الإنسانية التي يتلقاها الضحية من الخاطفين.
- كثرة التواصل الدائم بين الرهائن والخاطفين.
- الاعتقاد بأن رجال الأمن لا تهتم بمصالحهم ولا يؤدون وظائفهم بالشكل الأمثل.
- إيجاد مبررات لأفعال الخاطفين خاصة إن كان هناك بعد أو سبب إنساني حمله على القيام بهذه الجريمة.
- استراتيجية نجاة يساعد بها المخطوف نفسه على التأقلم.
- تساعد أجواء الشحن العاطفي أثناء الاعتداء على نشأة الرابط الإنساني بين الضحايا والمعتدين، فبعد الشعور بالتوتر والقلق والخوف من القتل أو الأذى تتبدل تلك المشاعر مع إظهار الخاطفين بعض اللطف والتعاطف مع الرهائن، خاصة أن حياة هؤلاء الرهائن معتمدة على الخاطفين.
أعراض وآثار متلازمة ستوكهولم
تظهر أعراض متلازمة ستوكهولم في عدة أشكال منها:
- الشعور بلطف وتعاطف الخاطفين أو الآسرين تجاههم.
- الإحساس بمشاعر إيجابية تجاه الخاطفين أو أحدًا منهم.
- تَبَنّي نفس الأهداف أو الأيديولوجية الخاصة بالخاطفين أو المعتدين.
- الإحساس بالشفقة والتعاطف تجاه الخاطفين.
- عدم التفكير في الهروب وترك الخاطفين.
- تولد شعور بالغضب تجاه الشرطة والأهل والأصدقاء أي فرد آخر يحاول مساعدتهم على الهرب.
- رفض مساعدة الشرطة والجهات القضائية لملاحقة الخاطفين.
متلازمة ستوكهولم لها أيضًا بعض الآثار التي تظهر على المصابين مثل:
- الشعور بالذنب والاضطراب.
- فقد الثقة بالآخرين.
- اضطرابات ما بعد الصدمات مثل الكوابيس والأرق وتذكر مواقف سلبية سابقة.
- الدخول في حالة إنكار.
- انسحاب اجتماعي وتفضيل البعد عن المناسبات.
- الشعور بالفراغ وفقد الأمل والإحباط.
- انعدام الشغف بممارسة الأنشطة المعتادة والمفضلة.
العلاج من آثار متلازمة ستوكهولم
إذا شعرت أنك من المصابين بمتلازمة ستوكهولم أو كنت تعرف شخصًا مصاب بهذه الأعراض والآثار وكان قد تعرض لأي نوع من الاحتجاز أو الإيذاء البدني فيجب عليك فورًا التوجه الى معالج نفسي، فهو الشخص الأمثل الذي يستطيع مساعدتك على التعافي من آثار هذه الصدمة عن طريق تعلم بعض آليات التأقلم وتعليم كيفية التعامل مع الشعور المصاحب لهذه الأزمة.
فعلى الرغم من أن اضطراب متلازمة ستوكهولم غير معترف به ولا يوجد توصيات علاجية رسمية له، إلا أن للعلاج النفسي وكذلك بعض الأدوية التي يمكن تناولها تحت إشراف الأطباء المرخصين فقط دور واضح في تخفيف حدة الآثار والأعراض.
متلازمة ستوكهولم خارج الآسر
لا تعد متلازمة ستوكهولم مرتبطة بالخطف فقط، فمن الممكن الإصابة بهذه المتلازمة في العلاقات الضارة التي تنطوي على العنف المنزلي والإيذاء الجسدي مثل النساء اللائي يتعرضن للعنف الأسري على يد أزواجهن، وكذلك الاعتداء الجنسي من الأقارب أو المعارف، وفي التدريب الرياضي بين المدرب العنيف وأفراد الفريق.
ويقع التشابه في هذه الحالات بوجود طرف مؤذي يقدم خدمات ومساعدة الضحية، ولكنها مصحوبة بالإيذاء والعنف، فتقوم الضحية بترجمة هذه الخدمات إلى مبرر للعنف المبذول تجاهه، ومن ثم يتولد شعور بالتعاطف من الضحية تجاه من يؤذيه.
متلازمة ستوكهولم ومتلازمة ليما
على النقيض من متلازمة ستوكهولم فإن متلازمة ليما تحدث عندما يشعر الخاطف أو المعتدي بانجذاب عاطفي تجاه ضحاياه، وتعد اشهر حادثة لذلك هي واقعة حدثت في مدينة ليما ببيرو سنة 1996، حيث أطلق الجناة سراح عدد كبير من المحتجزين بعد الشعور بالتعاطف تجاههم.
أشهر حوادث متلازمة ستوكهولم
- باتريشيا هيرست 1974 م
بعد عشر أسابيع من اختطاف باتريشيا هيرست على يد مختطفين أمريكيين يطلق عليهم جيش التحرير التكافلي، قامت باتريشيا بمساعدتهم في سرقات بنوك وبعض الأنشطة غير الشرعية، كما بثت رسائل صوتية أدانت فيها أهلها، وبعد القبض عليها بررت باتريشيا ما حدث أنها تعرضت لأنواع مختلفة من الاعتداء والإيذاء الجنسي والنفسي وغسيل المخ.
وحكمت عليها المحكمة بقضاء سبع سنوات في السجن حتى أفرج عنها الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بعد أربع سنوات من مكوثها بالسجن وذلك عام 1979.
- ماري ماكلروي 1933 م
احتجزها بعض الخاطفين، ولم يطلقوا سراحها إلا بعد دفعة تقدر بثلاثين ألف دولار أمريكي، وعلى الرغم من إقرارها بضرورة تلقيهم العقاب المناسب إلا أنها زارتهم في السجن لإبداء التعاطف في ما حدث لهم.
- ناتاشا كامبوش 1998 م
اختطفت وهي بعمر عشر سنوات ولمدة أكثر من ثمانية سنوات، وقد قام خاطفها المدعو ولفجانج بريكلوبيل بضربها وإيذائها لدرجة تصل إلى تهديد حياتها، كما قام أيضًا بتقديم الطعام والهدايا والاهتمام بها مما جعلها تبكي متأثرة بحادثة انتحاره.
حاولت ناتاشا بعد ذلك شرح وتفسير بكائها قائلة إنه من الطبيعي أن تشعر بذلك، فقد قضت مدة طويلة معه وقد كان عليها أن تتماشى وتتأقلم مع الظروف المحيطة.
- جايسي لي دوجارد 1991 م
أبلغ بعض شهود العيان عن قيام رجل وامرأة باختطاف طفلة تبلغ من العمر أحد عشرة عامًا، وذلك بالقرب من منزلها في مدينة كاليفورنيا بأمريكا، وبعد ثمانية عشر عاما من الاختطاف، ظهرت جايسي في قسم الشرطة بعد أن أنجبت طفلين وهي محتجزة، وقد اتضح بعد ذلك أنها كانت محتجزة في خيمة خلف منزل خاطفيها، وأنها حظيت بأكثر من فرصة للهرب إلا أنها ارتبطت عاطفيا بمحتجزيها كشكل من أشكال النجاة.
متلازمة ستوكهولم، معضلة مستمرة
وفقا لتقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي لعام 1999 فأن 92% من ضحايا الرهائن والاحتجاز لا تظهر عليهم أبدًا أعراض أو آثار متلازمة ستوكهولم، وبهذه الحالات القليلة من الصعب تحديد كيفية تأثر الصحة العقلية لشخص ما بعد سنوات من الحادث الصادم.
اقرأ أيضًا
العلاج السلوكي المعرفي للأمراض النفسية
القلق النفسي عند المراهقين | ابني المراهق لا تقلق!
مراجع عام د.غادة هيكل