(الحياة غير سهلة) حكمة أدركت صدقها مؤخرًا حين عايشت معاناة مريض السرطان.
اسمي رحمة، وأبلغ من العمر 32 عامًا، ومريضة بسرطان الثدي.
نشأت في أسرة متوسطة الحال، أبي وأمي موظفان حكوميان، ولي من الإخوة اثنين.
اجتهدت في دراستي، وتفوقت في جميع مراحلها، ونظرًا لضيق ذات اليد، آثرت دخول كلية أدبية.
تخرجت فيها بتقدير ممتاز، لكنهم آثروا الاحتفاظ بالتعيين لمن يرونهم أحق!
لن أطيل عليكم، فقد بدأت معاناتي منذ عامين، حين اكتشفت مرضي.
بداية الرحلة
فجأة، داهمني التعب والإرهاق مع كل مجهود، وأصبحت أتعرق كثيرا.
صاحب ذلك ارتفاع طفيف في درجة حرارتي، ثم بدأت آلام صدري.
تحسست كتلة غير طبيعية في ثديي الأيمن، ساورتني الظنون، خاصة أن خالتي توفيت نتيجة ذلك المرض الشرس!
فقدت بعض وزني كذلك، وعانيت صعوبة التنفس.
استشرت أحد المعارف، فنصحني بألا أتهاون، وأن أعرض نفسي على طبيب مختص.
بعد الفحص الجسدي، والتحاليل المعملية وبعض الفحوص التصويرية، أخبرني الطبيب أني مريضة بسرطان الثدي، المرحلة الثانية.
لحظة من الذهول وعدم التصديق، خاصة عندما أخبرني أن أفضل الحلول للقضاء عليه، هو باستئصال الثدي.
تحطمت كل أحلامي في لمح البصر، حلم الزواج والإنجاب، صحيح أني على أعتاب الثلاثين، لكن فرصة الزواج كانت قائمة. أما الآن فمن سيقبل مريضة سرطان، مستأصلة الثدي!
عدت إلى البيت لا أعي شيئًا مما حولي، متجنبة كل النظرات المتسائلة عما أسفرت عنه زيارات الطبيب، ودخلت غرفتي وغلَّقت بابها.
طافت بي أحلام يقظتي، ورأيتها كرماد محترق ذراه الريح في يوم عاصف. وبعد محاولات عدة، أخبرت أسرتي بالأمر. استنكر أبي ورفض تماما حل الطبيب، كذلك فعل إخوتي، أما أمي فنصحتني ألا أتأخر، فهي لا تتمنى تكرار مأساة أختها.
كان الخيار الثاني في الخطة، استخدام الأدوية الكيماوية. خضت أشهر من بروتوكول العلاج الذي أفقدني كل معالم أنوثتي.
ففقدت شعري كاملًا بما في ذلك حاجبيّ، وضمر جسمي، وبهتت بشرتي، وأصبحت مادة سخرية لمن حولي. إننا نعيش في مجتمع لا يعي حجم معاناة مريض السرطان.
أصبح علينا أن نحارب على جبهتين، نحارب أجسامنا التي استوحشت علينا، والمجتمع الذي يستهزأ بنتائج تلك المعركة. هذا غير نضالنا النفسي من أجل أن نؤمن بحقنا في الحياة وفي الأحلام!
انتهت مدة العلاج المبدئي، وبشرني الطبيب بالقضاء على الورم الخبيث، لكنه نصحني بمتابعة العلاج الهرموني لفترة، حتى تمام الشفاء.
ابتسمت لأول مرة من قلبي، وشعرت أن الأمل يعاودني، وصورة طفل صغير ضاحك تملأ مد بصري.
عدت إلى المنزل مستبشرة بيدي كيس الدواء، فلن أدع ذلك المرض يهزمني مرة أخرى.
عاد مرة أخرى
انقضى عام ونصف، وأنا مواظبة على جرعتي اليومية، ثم بدأت الأعراض تداهمني ثانية، هذه المرة في كلا الثديين.
غامت الدنيا في عيني، وشعرت بجبل يحط على أنفاسي، لا أصدق أني سأعيش تلك التجربة مرة أخرى!
جرجرت قدميّ، وذهبت إلى طبيبي فأخبرني أن الاستئصال هو الحل الأمثل في هذا الوضع، وأي تهاون سيؤدي إلى انتشاره في كل جسدي.
قامت الحرب في المنزل بين أبي وأمي، فوالدي ما زال يؤمن بفرصتي في الزواج والإنجاب وهذا الحل سيقضي عليها، وأمي ترى شريط أختها يمر أمام ناظريها ولا تريد تكراره.
مجموعات دعم مريض السرطان
تمكن الاكتئاب مني، ورأيتني منتهية في كل الأحوال، فآثرت الموت في غرفتي بعيدًا عن كل البشر، لولا صديقتي أمنية التي خففت عني، ونصحتني بجمعيات دعم مرضى السرطان.
عرفت عالمًا آخر، بعضهم يعانون معاناتي، والبعض الآخر يقدم الدعم النفسي والمادي قدر الإمكان.
شجعوني على اختيار أفضل الحلول لوضعي، وألا أعير انتباهًا لكلام الناس، لأن المهم أن أحيا حياتي بأفضل طريقة.
رأيت فتيات مستأصلات الثدي ضاحكات ومستقبلات للحياة بشعلة أمل، مما حمسني للاستجابة لحل الطبيب الأمثل، وآخرين ممن يعانون أنواعًا مختلفة من السرطان يحاولون استكمال حياتهم.
غدًا موعد جراحتي، وأكتب إليكم اليوم لأطلب منكم أمرًا واحدًا، لا تكونوا عونًا للمرض علينا، يكفينا أن تنهشنا أجسامنا، فارحموا ضعفنا، وصلّوا من أجلنا.
اقرؤوا عن ذلك الوحش المفترس، وما يعانيه مريض السرطان خلال رحلة المرض والعلاج. ادعموه نفسيًا لأنه أمر فارق في فاعلية العلاج، وادعوا لي بالشفاء.