اليوم أتممت ستين عامًا من عمري وحان وقت التقاعد، أتساءل هل كانت كل تلك السنوات التي قضيتها في عملي تكافئ حياتي التي قضيتها فيه؟ لماذا لم أفكر يومًا في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية؟
فلم أرى أول خطوة لابني، ولم أسمع أول كلمة تخرج من فمه.
لم أشاركه أول يوم له في المدرسة، ولم أحضر حفل تخرجه.
لقد ضحيت بحضور زفاف ولدي بسبب العمل.
هل كان العمل مهمًا لدرجة أن أترك زوجتي وحيدة دون أن أشاركها أحزانها ومرضها؟
هل كان العمل لا يؤجل للحد الذي يمنعني من أن ألقى نظرة الوداع على أمي؟
أين كان قلبي وعقلي تلك السنوات؟
في هذا المقال سنلقي الضوء على أهمية تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية، وكيف يتمكن المرء من إعطاء كل ذي حقٍ حقه؟
مفهوم التوازن بين العمل و جوانب الحياة الأخرى
هو ضبط كفتي ميزان حياتك بين عملك وجوانب حياتك الأخرى، ومن تلك الجوانب حياتك الصحية، وحياتك الأسرية والاجتماعية، ولا تنسى حياة روحك.
فلن تستقم حياتك إلا إذا حققت التوازن بين عملك وباقي جوانب حياتك.
أسباب عدم التوازن بين العمل والحياة الأسرية
لا يخفى على أحد أهمية تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية، ورغم هذا فإن الكثيرين فشلوا في تحقيق ذلك التوازن مما أثر سلبًا عليهم وعلى أسرتهم.
فقد تفككت الأسر، وتأثر الأطفال وخصوصًا في العقود الأخيرة بعد اقتحام المرأة لميدان العمل وانخراط الرجل في تحقيق طموحاته ومواكبة العالم.
فأصبحت الأسرة آخر أولويات كلا الأبوين وحينها يطفو على السطح ما هو معروف بنظريات صراع الأدوار.
نظريات صراع الأدوار
هو عدم القدرة على التوازن بين دورك كرب أسرة – سواء كنت رجل أو امرأة- ودورك كموظف أو رب عمل.
فتتراكم مسؤولياتك تجاه عملك أو أسرتك، وتكون النتيجة أن أحد الأدوار يجور على الآخر؛ وغالبًا ما يكون دورك كموظف أو رب عمل هو المنتصر.
وبعد مدة من الصراع تسقط في حفرة إدمان العمل، فتجد نفسك تتخلى عن حضور حفل تخرج ابنك أو تقصر في حقوق أقاربك من الدرجة الأولى بحجة ضغوطات العمل التي لا تنتهي، وهنا يحدث الخلل.
أنواع الصراع بين العمل والحياة الأسرية
- صراع العمل والحياة الأسرية القائم على الوقت
حينها تجد أن عملك يأخذ كل وقتك وتنسى حق أسرتك فيه.
- صراع العمل والحياة الأسرية القائم على الضغوط
ففي الكثير من أماكن العمل نجد رب العمل يكلف الموظفين الكثير من المهام التي تضعهم تحت ضغط مستمر، مما يسبب لهم توتر دائم و يؤثر على حياتهم الأسرية.
- صراع العمل والحياة الأسرية القائم على السلوك
فنجد أن بعض المهن تؤثر على أخلاق صاحبها بالسلب، فنلاحظ أن بعض الأشخاص اكتسبوا بعض الصفات والسلوكيات غير الصحية مثل استخدامهم لبعض الألفاظ البذيئة وخاصة بعد التحاقهم بعمل معين.
لماذا ينبغي لك التوازن بين عملك وحياتك الأسرية؟
لا أحد يُنكر ضرورة العمل خصوصًا في واقعنا المعاصر وسيطرة المادة علينا، ولكن دورانك في عجلة حياتك العملية لا ينبغي له أن يجور علي جوانب حياتك الأخرى التي لا تقل أهمية أبدًا بل تزيد، فالعمل ماهو إلا وسيلة لغاية.
وإليك بعض المكاسب التي ستجنيها بتحقيق التوازن بين العمل وبين حياتك الأسرية:
- تحسن علاقتك بنفسك
في عالمٍ مُمتلِئ بالصراعات، والضغوطات أنت بحاجة لوقت لاسترجاع نفسك وشحن بطارية روحك.
قد تحتاج إلى ممارسة بعض الهوايات والأنشطة أو ممارسة الرياضة، قد تحتاج في بعض الأوقات إلى جلسة تأمل أو وقفة مع الذات.
استقطاع بعض الوقت لنفسك سيحسن من مزاجك العام ويقلل شعورك الدائم بالتوتر، مما أكثر قدرة على اتخاذ قرارات سليمة.
- تتحسن علاقتك بأطفالك
سواءً كنت أب أو أم فعلاقتك بأطفالك ينبغي أن تكون أهم أولوياتك، وذلك لن يحدث إلا بتخصيص وقت تقضيه معهم.
أطفالك بحاجة لحبك ولحنانك، اهتمامك بتربيتهم وتنمية مهاراتهم حق لهم، فلا تكن أبٌ أناني حتى لا تجني أبناء عاقين.
- تحسن علاقاتك الاجتماعية
الوقت هو حجر الأساس لبناء علاقات اجتماعية سوية وصحية، فأحبابك بحاجة إلى أن يشعروا بوجودك حولهم، يحتاجون إليك في أوقات حزنهم لتخفف عنهم، وفي أفراحهم لتشاركهم، وفي مرضهم لتطمئنهم.
٩ طرق عملية لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية
- قد تساعدك ساعات العمل المرنة في تحقيق ذلك التوازن، أي عدم الارتباط بأوقات عمل محددة، فيمكنك الوصول متأخر أو الخروج بعد انتهاء ساعات العمل فالمهم إنجاز العمل المطلوب. حينها يكون الانسحاب من أجل بعض المناسبات أسهل.
- جرب العمل عن بعد.
- ابحث عن الدوام الجزئي.
- تفاوض مع مديرك لأخذ إجازة لقضاء جزء من العطلة المدرسية مع أسرتك.
- خطط لمهامك قبل ذهابك للعمل، فالمهام المكتوبة والمحددة تقلل الوقت المهدر.
- رتب مهامك حسب صعوبتها، فتنجز المهام الأكثر صعوبة بداية اليوم.
- حاول تقليل عدد المهام التي يجب عليك إنجازها في المنزل، بما في ذلك الرسائل البريدية و المكالمات الهاتفية والرد عليها.
- إن كنت تعمل في البيت فحدد مكان منفصل للعمل لتستطيع التركيز ومن المهم تخصيص وقت للعمل.
- حاول الفصل بين عملك وحياتك الأسرية، فلا مشكلات العمل تؤثر على أسرتك، ولا مشاكل أسرتك تؤثر على عملك.
كيف تتحول من وضع العمل إلى وضع رب الأسرة؟
قد يكون الفصل بين مشاكل عملك وحياتك الأسرية وعدم خلط الأوراق من الأمور الصعب تحقيقها، فنحن بشر لسنا آلات، فلا يوجد زر نضغط عليه يحولنا من وضع العمل إلى وضع رب المنزل، ولكن إليك بعض النصائح التي قد تساعدك:
- أغلق هاتف العمل بعد خروجك منه.
- يمكنك قراءة كتابًا في طريقك للمنزل أو الاستماع لبعض الموسيقى التي قد تساعدك على الاسترخاء، وتخفيف ضغط يوم العمل الشاق.
- حاول ممارسة رياضة بسيطة بعد عملك وقبل ذهابك للمنزل، مثل ركوب الدراجة أو المشي.
- حاول ممارسة رياضة التأمل قبل ذهابك لمنزلك لتساعدك على صفاء ذهنك.
ختامًا -عزيزي القارئ– أعلم أن لربك عليك حق، ولجسدك عليك حق ولنفسك عليك حق، فأعط كل ذي حقٍ حقه.