في زيارةٍ إلى صديقي -وعند باب بيته- انسابت رائحة شهية إلى أنفي، فسال لعابي.
بعد ما رحب بي، دعاني إلى سفرة الطعام، ولا أُخفيكم سرًا أن قلبي سبقني إليها.
جلست أمام الطعام فرأيت كل ما لذ وطاب، أكلت اللقمة الأولى فالثانية، ثم بدأت أشعر بمثلِ النار تلتهم صدري.
يا لسوء حظي، نسيت دوائي، فأنا أعاني الارتجاع المعدي المريئي منذ سنين، وقد نصحني الأطباء بتخفيف الطعام الدسم، لكن هيهات أن أستجيب.
تعالوا معي في رحلة، لنعرف مم يشكو صديقنا؟ وما دواؤه؟ وكيف نقي أنفسنا مما أصابه؟
ما الارتجاع المعدي المريئي؟
هو ضعف يحدث في العضلة العاصرة المريئية الموجودة بين المريء والمعدة في الجهاز الهضمي.
يؤدي هذا الضعف إلى رجوع عصارة المعدة الحمضية أو الطعام والسوائل الموجودة في المعدة إلى المريء.
ربما تؤثر تلك العصارة سلبًا على بطانة المريء محدثةً فيها تهيُّجًا وربما التهابًا أو قرحةً مع عدم العلاج.
أسباب الارتجاع المعدي المريئي
عادةً، عند تناولك الطعام يمر عبر المريء حتى يستقر في المعدة، ثم تُغلق العضلة العاصرة الموجودة بين المريء والمعدة بإحكام.
بيد أن عواملًا عدَّة تحول دون حدوث هذا الغلق المحكم لتلك العضلة مثل:
- حدوث ضغط شديد على المعدة كما هو الحال في الشهور الأخيرة من الحمل.
- فتق الحجاب الحاجز.
- بعض أنواع الطعام مثل:
- منتجات الألبان.
- الأطعمة الحارة.
- الدسمة.
- عادات الطعام الخاطئة مثل:
- النوم بعد تناول الطعام.
- تناول كميات كبيرة منه.
- البلع السريع دون المضغ الجيد.
- أنواع خاصة من الأدوية مثل:
- أدوية الربو والحساسية.
- ضغط الدم المرتفع.
- المسكنات.
- المهدئات ومضادات الاكتئاب.
أعراض الارتجاع المعدي المريئي
- حموضة.
- حرقة في فُم المعدة.
- غثيان.
- ألم معدي.
- اللقمة الهستيرية (شعور غير مؤلم بوجود كتلة في الحلق).
- بُحَّة في الصوت.
- سعال مزمن.
- رغبة مستمرة في تنظيف الحلق.
إذا لم تُعالَج تلك الأعراض، قد يصيب المريض عدة مضاعفات، فما تلك المضاعفات؟
مضاعفات الارتجاع المعدي المريئي
- ألم في الصدر.
- صعوبة في البلع.
- تجشُّؤ مع الشعور بالطعم الحمضي في الفم.
- التهاب مزمن في المريء.
- قرحة المريء.
كذلك يصاب الرضع وحديثو الولادة والأطفال بالارتجاع المعدي المريئي، حينها ستصاحبهم عدة أعراض.
أعراض الارتجاع المعدي المريئي عند الأطفال
- قيء متكرر.
- بكاء مع عدم الرغبة في الأكل (خاصةً الرضع).
- رائحة الفم الكريهة.
- شكوى من ألمٍ في منطقة الصدر.
- بعض صعوبات التنفس.
- صعوبة في النوم بعد الأكل.
- بحَّة في الصوت.
ارتجاع المريء للحامل
تعاني أكثر من نصف السيدات ارتجاعًا في المريء في أثناء حملهن في الثلثين الثاني والثالث من الحمل.
فما هي أسبابه؟
يكون بسبب التغيرات الهرمونية، التي -بدورها- تُحدِث ارتخاءً للعضلات في القناة الهضمية في أثناء فترة الحمل.
أيضًا، مع نمو الجنين، يزداد حجم الرحم، فيزيد الضغط الواقع على المعدة، مسببةً بذلك خروج أحماض المعدة منها إلى قناة المريء.
قد تتسبب حصوات المرارة في الشعور بالحموضة في أثناء الحمل، لكنه أمر نادر الحدوث.
ارتجاع المريء النفسي
في عام 2015، أشارت دراسة إلى وجود علاقة بين ارتجاع المريء والاضطرابات النفسية مثل: القلق والتوتر النفسي.
بينت الدراسة أن المرض النفسي يُزيد من أعراض الارتجاع المعدي المريئي لكنه لا يُحدِثه.
إذ يؤثر المرض النفسي على حركة المريء وقوة العضلة العاصرة بين المريء والمعدة، كما يؤدي ارتجاع المريء إلى شعور المريض ببعض الأعراض النفسية.
يبدو الأمر وكأنه حلقة مفرغة، كلٌ منهما يسبب الآخر، أليس كذلك؟!
أعراض ارتجاع المريء النفسية
إلى جانب أعراض ارتجاع المريء السابق ذكرها، قد تظهر أيضًا بعض الأعراض النفسية عند شعور المريض بأعراض ارتجاع المريء مثل:
- الشعور بالتوتر وعدم الراحة.
- تسارع ضربات القلب.
- شعور بالخطر أو الموت الوشيك.
- سرعة في التنفس.
- ضيق في التنفس.
- نومًا متقطعًا نتيجة شعوره بالقلق النفسي أو بالحرقة.
الارتجاع المعدي المريئي وضيق التنفس
الجدير بالذكر أن 75 % ممن يعانون ضيقًا تنفسيًا أو ربوًا أو مشكلات تنفسية، يشكون كذلك من أعراض ارتجاع المريء.
إذ إن ارتجاع المريء قد يسبب جرحًا في الحلق والقصبة الهوائية مما يؤدي إلى كحة مزمنة.
من المؤسف أن ارتجاع المريء قد يؤدي إلى ازدياد مشكلات ضيق التنفس سوءًا، كما قد تؤدي علاجات ضيق التنفس إلى تدهور حالة ارتجاع المريء.
لحسن الحظ، يستطيع الأطباء تمييز أعراض ضيق التنفس الناشئة من ارتجاع المريء في الحالات التالية:
- إذا بدأ المريض شكواه من ضيق التنفس بعد البلوغ.
- إذا ساءت أعراض الربو بعد تناول المريض وجبة دسمة، أو النوم بعد تناول الطعام مباشرةً.
- عدم تحسن مشكلات ضيق التنفس عند المريض بعد تناول علاجات الربو.
كيفية الوقاية من الارتجاع المعدي المريئي
دعني أبشِّرُك أن الوقاية من الارتجاع المعدي المريئي أمرٌ سهلٌ وبالإمكان.
ما عليك -عزيزي القارئ- إلا اتباع النصائح العشر التالية:
- اخسر الزائد من وزنك.
- تناول طعامًا صحيًا.
- تجنب تناول الدهون والمأكولات الحارة.
- تجنب البصل والثوم والحمضيات.
- تناول وجبات صغيرة.
- لا تستلقِ بعد الأكل مباشرة.
- ارفع رأسك قليلًا عند نومك.
- استشر طبيبك في أدويتك التي تسبب الارتجاع.
- اقلع عن التدخين فورًا.
- ارتدِ ملابس فضفاضة.
كيفية علاج الارتجاع المعدي المريئي
إن اتباع النصائح سابقة الذكر في كيفية الوقاية من ارتجاع المريء، قادرة على تخفيف شدة معاناتك إذا كنت مصابًا بهذه الحالة.
قد لا يكون اتباع الطرق الصحية كافيًا لتخفيف ألمك في بعض الأحيان، لذا يلجأ الطبيب إلى توجيهك للعلاج الدوائي.
تتعدد علاجات الارتجاع المعدي المريئي مثل:
1. مضادات للحموضة
تختلف الأشكال الدوائية لمضادات الحموضة بين الأشربة وحبوب المضغ والأكياس سريعة الذوبان.
أما الأشربة فهناك شراب جافيسكون (Gaviscon) وشراب مالوكس (Maalox)، ويتوفر منهما أيضًا حبوب للمضغ.
بالنسبة إلى الأكياس سريعة الذوبان، فيوجد منها فوار الفواكه وفوار إينو(Eno).
عادةً، تكون الجرعة بعد الوجبات بحد أقصى ثلاث مرات يوميًا.
2. مثبطات مضخة البروتون
هي كبسولات ارتجاع المريء وتُعَد أفضل علاج لارتجاع المريء والتهاب المعدة في الصيدليات.
تعتمد هذه الكبسولات على تثبيط حوالي 70% من تصنيع الحمض المعدي، وبالتالي تقليل وجوده في المعدة وصعوده إلى المريء.
يتوفر منها في الصيدليات كبسولات نيكسيم (Nexium)، وبانتوماكس (Pantomax)، وأوميز (Omez) على سبيل المثال لا الحصر.
تُؤخذ بجرعة يومية 20 مجم قبل الإفطار والعشاء بساعة أو قد تُؤخذ بجرعة 40 مجم مرة واحدة يوميًا قبل الإفطار بساعة.
يفضل الاستمرار في تناولها مدة لا تقل عن شهر ونصف تقريبًا.
3. مثبطات إنتاج الحمض المعدي
تُعرف أيضًا باسم حاصرات مستقبلات الهيستامين-2 (H-2).
ليست بسرعة العلاجات السابقة ولكنها تسهم في تقليل إفراز الحمض خاصة ليلًا، فهي تناسب من يشكون ارتجاع المريء في أثناء النوم.
يتوفر منها في الصيدليات فيكسيت (Fixit) , ألسفري (Ulcfree).
تُؤخذ الجرعة مرتين يوميًا قبل الأكل بنصف ساعة.
يرجى استشارة الطبيب وعدم تناول أي أدوية دون وصفة طبية.
ختامًا عزيزي القارئ، جميعنا يعرف أن المعدة بيت الداء، فمنها تُبعَثُ الأمراض وتبدأ، فاحرص على اتباع نظمٍ صحيةٍ تقيك من أوجاعها وتبقيك منعمٌ بالصحة والعافية.
إن الصحة تاجٌ على رؤوس الأصحاء، فحافظ عليها.
