يحكي لي صديقي، أن طبيبه النفسي نصحه بتجربة التنويم المغناطيسي، لتعلم إدارة مشاعر القلق التي تعتريه دائمًا، إلى جانب جلسات الاسترخاء والتأمل التي يمارسها والعلاج السلوكي المعرفي الذي يخضع له فعلًا.
تعجبت من هذا الأمر، إذ إني ظننت أن التنويم المغناطيسي ما هو إلا خرافة تُنسَج حولها قصص الرعب والخيال، لكني كنت مخطئًا.
فما التنويم المغناطيسي؟ نجيب عن هذا السؤال في السطور المقبلة.
تعريف التنويم المغناطيسي (Hypnosis)
يُعد أداة يستخدمها بعض الأطباء النفسيين لإدخال المريض في حالة عقلية، يكون فيها أقرب إلى التركيز والانتباه على شيء ما، مع انفصاله مؤقتًا عما حوله.
يبدو المريض وكأنه نائمًا، لكنه يكون يقظًا مدركًا لما يدور حوله.
يتمتع المريض في هذه الحالة بالانفتاح الذهني، فيستطيع البوح عن أشياء قد يُخفيها عن معالجه النفسي لأنها مؤلمة أو محرجة له، أو ببساطة لأنه أخفاها في عقله الباطن ولم يعد يتذكرها.
أنواع التنويم المغناطيسي
للتنويم المغناطيسي أنواع عدة، نذكر منها الآتي:
التنويم المغناطيسي الموجه (Guided hypnosis)
يوجد هذا النوع في المواقع المنتشرة على الشبكة العنكبوتية، وتستخدم الموسيقى لمساعدة الشخص على الدخول في حالة التنويم والاسترخاء الكاملين.
التنويم المغناطيسي العلاجي (Hypnotherapy)
يستخدم الأطباء النفسيين هذا النوع أداةً علاجيةً، لمساعدة المريض على التغلب على مشكلات نفسية كثيرة مثل القلق والاكتئاب. ويستخدم مع العلاج السلوكي المعرفي والأدوية النفسية.
ويستخدم التنويم المغناطيسي في علم النفس بطريقة من اثنتين:
- العلاج الإيحائي (Suggestion therapy):
يكون المريض في حالة من الاسترخاء الشديد مما يسمح للطبيب باقتراح بعض الأفكار عليه؛ لتغيير سلوك معين للمريض مثل التدخين أو الأكل بشراهة.
- التحليل النفسي (Analysis):
فيه يستطيع الطبيب طرح بضعة أسئلة مفتاحية على المريض، فيغوص في أعماقه، ويستخلص الذكريات المؤلمة التي قد تكون جذرًا لاضطراب نفسي ما يعانيه المريض.
التنويم المغناطيسي الذاتي (Self hypnosis)
هذا النوع يمارسه الشخص بنفسه دون مساعدة من المتخصصين، ليسيطر على نوبات التوتر أو ليخفف حدة الألم الذي يشعر به.
الاستخدامات
للتنويم المغناطيسي تطبيقات عدة، مثل:
- التخفيف من الألم المصاحب لحالات مرضية كثيرة مثل:
- القولون العصبي.
- جراحات الأسنان.
- السرطان.
- التهاب المفصل الروماتويدي.
- الفيبروماليجيا.
- الحروق.
- الصداع.
- التحسين من حالة الجلد في بعض الحالات الطبية مثل الصدفية.
- التخفيف من الهبات الساخنة المصاحبة لانقطاع الطمث.
- تخفيف أعراض متلازمة فرط الحركة وتشتت الانتباه.
- تخفيف الشعور بالغثيان والقيء لدى مرضى السرطان الذين يخضعون للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي.
- التقليل من أعراض الخرف.
- مساعدة المرضى على التوقف عن التدخين وفقدان الوزن.
- المساعدة على علاج اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والتوتر واضطراب ما بعد الصدمة والفوبيا.
ننوه إلى أن العلاج السلوكي المعرفي مازال خط الدفاع الأول أمام الاضطرابات النفسية. كذلك استخدام هذه التقنية لا يغني عن الأدوية النفسية أبدًا.
بالإضافة إلى أن هناك بعض الأطباء النفسيين الذين لا يرون فائدة من ممارسة هذه التقنية، فمازالت قيد التجربة ومثار جدل في الأوساط العلمية.
المخاطر
هناك بعض المخاطر النادرة، نذكر منها الآتي:
- التوتر.
- الدوخة.
- الصداع.
- اختلاق بعض الذكريات المزيفة (Confabulation).
- صدور ثورة عنف عن المريض أو انهياره بعد تذكره لصدمة حدثت في ماضيه (Abreaction).
لا يعد التنويم المغناطيسي مناسبًا للمرضى الذين يعانون الهلوسة وأوهام العظمة.
كذلك لا يستخدم في علاج الألم إلا بعد تقييم الطبيب للمريض والتأكد من عدم حاجة المريض إلى الأدوية أو العمليات الجراحية.
كيف يعمل التنويم المغناطيسي؟
كثيرًا ما نمر بأحداث مؤلمة في طفولتنا، ثم ندفنها في أعماقنا وننساها مع الوقت، هنا فطن الأطباء إلى أهمية أداة مثل التنويم المغناطيسي.
إذ أوضحت بعض التجارب، قدرة هذه الأداة المذهلة على مساعدة المريض على تذكر بعض الأحداث، ومن ثمَّ مساعدة الطبيب على وضع يديه على جذور اضطرابه النفسي، وبالتالي تقديم العلاج المناسب للمريض.
يضع الطبيب المريض في حالة استرخاء كاملة، تساعده على التركيز على موضوع واحد مع تجاهل مؤقت لكل ما يدور من حوله، ثم تبدأ الذكريات المفقودة في العودة إلى وعيه مجددًا.
ما هي مراحله؟
للتنويم المغناطيسي أربع مراحل، وهي:
البَدْء في التنويم المغناطيسي (Induction)
ولها تقنيات مختلفة مثل:
- تقنية الأربع خطوات: وفيه يطلب المعالج من المريض أن يغلق عينيه ثم يتخيل عجزه عن فتحهما ثم محاولته فتحهما مع التظاهر بعدم القدرة على ذلك ثم محاولة إرخاء جسده كله.
- تقنية تثبيت العينين: وفيه يحدق المريض في شيء ما حتى يشعر بثقل جفنيه، فيغلق عينيه ويسمح لنفسه بالاسترخاء الكامل.
- تعلم التنويم المغناطيسي باليد: وفيه يطلب المعالج من المريض مَدّ ذراعيه أمامه بشكل مستقيم، مع تخيل وجود مغناطيس في يديه تجعلهما ينجذبان لبعضهما البعض.
- تقنية إسقاط الذراع: يرفع المريض ذراعيه مع إبقاء رأسه بشكل عمودي، يركز بصره على أحد أصابعه، ثم يشعر بثقل ذراعه بمرور الوقت فتسقط تدريجيًا، وتغلَق عينيه بالتزامن مع سقوط ذراعيه إلى جانبه.
ثم يغلق عينيه ويشعر بالاسترخاء بالتزامن مع حركة يديه نحو بعضهما البعض، حتى تسقط ذراعيه ويدخل في حالة كاملة من الاسترخاء.
- الاسترخاء التقدمي: وفيه يركز المريض على تنفسه، فيسحب الهواء من أنفه ببطء (الشهيق) ثم يخرجه من فمه (الزفير) بنفس المعدل.
ثم يتخيل الهدوء والاسترخاء وهما يغمران جسده بدايةً من قدميه صعودًا إلى رأسه.
- التخيل البصري: يركز المريض على التنفس بعمق مع استحضار مشهد يشعر فيه بالاسترخاء والأمان.
كأن يستحضر في ذهنه حديقة غناء بها زرع وبحيرات صافية، أو غرفة هادئة بها ما يبهجه من ألوان وسبل الراحة.
تعميق التنويم المغناطيسي
وفيه يستخدم المعالج أحد التقنيات الآتية للتعميق من حالة الاسترخاء التي دخلها المريض:
- الاسترخاء التقدمي.
- التخيل البصري.
- فترات من الصمت.
- التنفس العميق مع العد.
- العد.
اقتراحات ما بعد التنويم المغناطيسي
وفيه يقترح المعالج على المريض أن يبدأ في تحديد سلوكياته الخاطئة التي يريد تغييرها، أو يقدم أفكارًا للمريض لتساعده على التوقف عن أحد العادات السيئة مثل التدخين أو يقدم بعض الاقتراحات عن كيفية الاستجابة للألم بشكل أفضل.
قد يبدأ المعالج في طرح الأسئلة على المريض لتساعده على الكشف عن جذور المشكلة النفسية التي يشكو منها المريض، فيستطيع المعالج فهم الأسباب الحقيقية ومن ثم يقدم حلول أفضل للتغلب عليها.
إنهاء التنويم المغناطيسي
يطلب المعالج من المريض أن يبدأ العد من 1 إلى 5 أو العكس ليخرج من حالة الاسترخاء ويعود إلى الانتباه الكامل لما حوله.
قد يشكو بعض المرضى بعد انتهاء الجِلسة من آلام بالعضلات أو الدوخة، وهي أعراض مشابهة لما يعانيه الإنسان عند استيقاظه من النوم.
ماذا يحدث للمخ في أثناء التنويم المغناطيسي؟
خضع عددٌ من المرضى في أثناء الجلسات إلى ملاحظة نشاط المخ، ووُجد الآتي:
- ارتفاع نشاط مراكز معينة بالمخ، هي المنوطة بالتحكم في عمليات التفكير والإدراك.
- انخفاض نشاط مراكز أخرى بالمخ، تُعد المسؤولة عن الأفعال التي تصدر عن الإنسان.
أساطير حول التنويم المغناطيسي
يحيط بالتنويم المغناطيسي هالة من الغموض، مما يُتيح أحيانًا الفرصة لتصديق بعض المعلومات المغلوطة، ومنها:
- سلب إرادة المريض:
هل رأيتم من قبل فيلمًا سينمائيًا يظهر فيه البطل مسلوب الإرادة أمام المعالج الذي يأمره بفعل أشياء قد تكون ضد رغبته؟
حسنًا، هذا غير صحيح على أرض الواقع، فالمعالج لا يستطيع غسل مخ مريضه ولا إجباره على فعل أشياء ضد رغبته، بل يستطيع المريض دائمًا إنهاء الجِلسة وقت ما يريد.
- كل الناس يُمكن تنويمهم مغناطيسيًا:
هذا أيضًا غير حقيقي، فأثبتت الدراسات أن 10% فقط يُمكن تنويمهم مغناطيسيًا بسهولة، و10 إلى 15% لا تنجح معهم محاولات تنويمهم أبدًا.
كذلك الأطفال أسرع في الاستجابة من غيرهم.
- لا يستطيع المريض الكذب وهو تحت تأثير التنويم المغناطيسي:
غير حقيقي، فكما أوضحنا سابقًا، يظل المريض متمتعًا بكامل إرادته فلا يُجبر على قول أي شيء لا يريده كذبًا كان أو حقيقةً.
- التنويم المغناطيسي مثل النوم تمامًا:
هذا أيضًا غير دقيق، فعلى الرغم من مظهر المريض الذي يبدوا نائمًا مسترخيًا تمامًا، لكنه يكون مستيقظًا.
قد يتنفس بمعدل بطيء وتتراخى عضلات جسمه ولا ينتبه إلى ما حوله مؤقتًا، وينصرف تركيزه إلى شيء محدد بناءً على طلب المعالج.
لكن هذا قريب لما يحدث لنا جميعًا إذا سقطنا في دوامة أحلام اليقظة، التي نستطيع دومًا الخروج منها بسهولة والانتباه مجددًا لما يدور حولنا.
وأخيرًا، ننبه إلى أنه لا ينبغي لك ممارسة تقنية التنويم المغناطيسي على الآخرين بهدف العلاج النفسي إلًّا إذا كنت متخصصًا، وتلقيت ما يكفي من التدريبات اللازمة لتؤدي هذا الأمر.
اقرأ أيضًا
الهبات الساخنة | كيف نتغلب عليها؟
13 علاج منزلي للتخلص من الصداع