بقلم ا.منى أحمد عبد المؤمن
لقد خلق الله الطفل جنينًا كان أو رضيعًا بقدرات ومهارات خارقة بالنسبة لحجمه الصغير جدًا وخبراته المعدمة في الحياة، كمهارة التنفس والبلع في آن واحد.
يستطيع الطفل الرضاعة والبلع في أثناء التنفس فلا يحدث له اختناق. هذه المهارات ضرورية لبقائه حيًا، وهي من رحمة الله عز وجل بنا.
لكن ماذا عن تنمية مهارات الطفل في مراحل عمره المتتالية اللاحقة؟ وهل هي ضرورة أم رَفَاهيَة؟ هذا ما سنعرفه في مقالنا.
تطور الطفل ما المقصود به؟
يشير مصطلح (تطور الطفل) إلى سلسلة التغيرات الجسدية، واللغوية، والفكرية، والعاطفية التي تطرأ على الطفل منذ الولادة حتى بداية البلوغ. يصبح الطفل في أثناء هذه العملية أكثر اعتمادًا على نفسه من اعتماده على الوالدين والمحيطين به، وبمتابعة تطور الطفل نطمئن أنه ينمو نموًا طبيعيًا دون قصور.
التشابكات العصبية وتنمية مهارات الأطفال
ماهي التشابكات العصبية؟ وما أهميتها؟
التشابكات العصبية هي وصلات تمرر الإشارات الكيميائية والكهربائية بين خليتين عصبيتين. هي كمسارات تمر من خلالها المعلومات، وتساعدنا على فهم ما يدور حولنا ثم التجاوب معه.
في الحقيقة ليس ما نحتاج إليه هو زيادة عدد الخلايا العصبية في مخ الطفل فبالفعل يولد ولديه ما يكفي. ما يهم هو سرعة زيادة الترابطات والتشابكات العصبية بين هذه الخلايا خاصة في العامين الأوليين من عمر الطفل. هنا يأتي دور تنمية مهارات الطفل حتى حديث الولادة.
ينتج المخ المزيد من الخلايا العصبية باكتشافه العالم من حوله. فنجد أن الخلايا العصبية الموجودة في مخ الطفل ذو الثلاثة أعوام تقريبًا هي ضعف الموجودة في مخ البالغين (فالخلايا العصبية التي لم تُنشط في عمر مبكر يحدث لها ضمور).
الآن أصبح من الواضح لنا ضرورة زيادة فرص التعلم وتنمية مهارات الطفل تبعًا لمراحل عمره المختلفة، مما يزيد من التشابكات العصبية المخية وزيادة تطوره.
إذًا ما هي المهارات الضرورية التي يُنصح بتعلمها للطفل؟ وكيف نطبقها؟ وفي أي مرحلة عمرية؟
ِ
تنمية مهارات الطفل العقلية
المهارة العقلية هي الطريقة التي يفكر ويشعر بها الأطفال تجاه أنفسهم والعالم. تؤثر تلك المهارات على كيفية مواجهة الأطفال ضغوطات وتحديات الحياة.
أنت كمعلم(ة) أو والد(ة) يمكنك تنمية مهارات الطفل العقلية بتشجعيه على تجرِبة أشياء غير مألوفة. شجعه على التحدث أمام زملاء صفه، وأخذ المخاطر المناسبة لسنهم كالتسلق في النادي أو فِنَاء المدرسة.
شجع طفلك على اللعب
يكون اللعب بالنسبة للطفل للمتعة فقط. رغم ذلك فوقت اللعب والجري والصياح ضروري جدًا لتطوره كما الرعاية والتغذية الصحية.
يساعد اللعب الأطفال على أن يصبحوا أكثر إبداعًا، ويساعدهم على تعلم مهارات حل المشكلات، وعلى التحكم في الذات والانفعالات.
فمثلًا، يزيد استخدام (البازل) من مهارات التركيز، والهدوء، والصبر، وتقسيم العمل، وأيضًا مهارة حل المشكلات.
تحفيز الحواس
الحواس هي نافذة الطفل للتعرف على العالم حوله. تساعده على بناء عقله وزيادة عدد وقوة التشابكات العصبية.
يمكنك المساعدة في تحفيز حواس طفلك ومساعدته في بناء قوته العقلية والعضلية بطرق وأدوات بسيطة من المنزل:
- امنح طفلك فرصة لكي يرى ضوء الشمس والظلام وتفاوت الألوان، فالطبيعة تقدم له الفرص الذهبية التي لن يجدها داخل المنزل أو أمام الشاشات.
- اتركه يلمس بيديه وقدميه اليابسة والرمل والماء، الصُّلْب واللين، الأملس والخشن، الساخن والبارد. ماذا عن تجرِبة ملمس الطين المنساب بين أصابعه!
- دعه يشم الروائح المختلفة النفاذة والهادئة كأنواع البهارات المختلفة، والعطور.
- قدم له مذاقات مختلفة من الأطعمة مثل الحلو، والمالح، والحامض، والمر. أبناؤنا بحاجة إلي اكتشاف العالم بشكل حسي ملموس أكثر منه إلى مجرد تلقي معلومات نظرية.
- عرضهُ للكثير من الأصوات المتنوعة القوية والهادئة فالطبيعة مليئة بالأصوات الماتعة كصوت الطير، وحفيف الشجر، وأصوات الحيوانات، وقطرات المطر.
- اجعله يطرق على الأواني والمواد المختلفة ليميز الفرق بين صوت الطرق على إنآء خشبي بملعقة معدنية والطرق بملعقة خشبية على إنآء بلاستيكي وغيرهم من الأصوات.
- قدم له أنواع مختلفة من الألوان الخشبية، والشمعية، والمائية، وألوان الإصبع واجعله يلمسها بيديه. الرسم والتلوين أو حتى مجرد الشخبطة من أعظم وأمتع الأنشطة الحسية.
تقنين وقت الشاشة
- حاول ألّا يُعتمد على الشاشات بشكل رئيس في يوم الطفل. قم بتحديد أوقات معينة للمشاهدة.
- قسم الوقت على فترات قصيرة غير متواصلة.
- اختر البرامج الهادفة المسلية وليس المسلية فقط.
التجارِب العلمية للأطفال
تعلم العلوم أمرٌ هام جدًا لإثارة فضول وتساؤلات الطفل، ثم مساعدته للوصول إلى إجابة لأسئلته بطريقة عملية.
القيام بتجارب علمية منزلية بسيطة أمر يبدو كالسحر بالنسبة للطفل، حيث يمكن قضاء وقت ممتع ونافع أيضًا مع الطفل بأدوات من المطبخ.
تجربة نفخ بالون باستخدام بيكربونات الصوديوم
الأدوات:
قمع- بالون- ملعقة- زجاجة- بيكربونات صوديوم- خل أبيض
خطوات التجربة
-قم بملء البالون بملعقتين من كربونات الصوديوم بإستخدام قمع.
-املء زجاجة بحوالي كوب من الخل.
-قم بتثبيت فوهة البالون على فوهة الزجاجة بإحكام.
-ارفع البالون قليلًا للسماح لبيكربونات الصوديوم بالتفاعل مع الخل.
-نلاحظ ظهور فقاعات وصوت غاز متصاعد يعمل على نفخ البالون تِلْقائيًا.
-اجعل الطفل يشرح ما رآه.
– دوّن الملاحظات، واستمتع وانت تشاهد ردة فعله.
تنمية مهارات الطفل اللغوية
- تحدث مع الطفل بلغةٍ صحيحة منذ الميلاد بل ومن قبل الميلاد، فهذا يدعم مهارات التواصل والمهارات اللغوية لديه.
- تحدث مع طفلك دومًا بأي مكان، بأي وقت، عن أي شئ.
- ساعد طفلك على تعلم لغة الحِوَار بالتوقف عن الكلام وإعطاء فرصة له بالرد.
- اقرأ لطفلك، فالقراءة، والأناشيد، واستخدام القوافي تنمي من مهارات التذوق الأدبي.
تنمية مهارات الطفل العاطفية والاجتماعية
أهمية تنمية مهارات الطفل العاطفية
المهارات العاطفية والاجتماعية تساعدنا على فهم أنفسنا، والتفاعل والتواصل مع الآخرين ومعرفة ما الذي يجب توقعه من العلاقات، فهي جوهر فهم الأطفال الصغار للعالم من حولهم.
كيفية تطوير مهارات الطفل الاجتماعية
يُعد تفاعل الوالدين مع الطفل في مراحل عمره المختلفة الخطوة الأساسية لتطوير علاقاته.
تنمية مهارات الطفل الاجتماعية في السنتين الأولى
- في هذه المرحلة يتعلم طفلك الآن كيف يثق في الآخرين، لذا عليك النزول لمستواه جسديًا والتواصل بالعينين كثيرًا معه.
- تقليد الأصوات التي يصدرها ثم السماح له بالرد عليك.
- تقليد تعبيرات وجهه المختلفة الباسمة أو الحزينة أو المتأملة.
- اصطحب طفلك في الزيارات وفي أثناء أداءك الأنشطة المختلفة كالجري والطهي والتسوق. هذا يعلمه التفاعل مع الآخرين بطريقة إيجابية ومهذبة.
تنمية مهارات الطفل الاجتماعية في مرحلة ما قبل المدرسة
- عبر لطفلك عن حبك عن طريق الكلمات الحانية وبلمسه بمودةٍ وقرب، فهذه طريقة رائعة تعلمه كيف يعبر عن مشاعره هو أيضًا.
- ساعد طفلك على التعبير عن مشاعره”بسؤاله بماذا يشعر”؟
- العب معه ألعابًا مناسبةً لعمره لتشجعه علي اللعب التعاوني. هذا يمكنه من الاندماج في مجموعة وتعلم المشاركة والتعاون.
- خصص له أوقاتًا لمقابلة أصدقائه وعدم اللعب بمفرده طوال الوقت. هذه فرصة رائعة للتفاعل مع الآخرين وتعلم مهارات اجتماعية عديدة كانتظار دوره، واحترام حقوق الآخرين.
- كن له نموذجًا في إظهار ثقتك بالآخرين كالأصدقاء والمقربين.
تنمية مهارات الطفل الاجتماعية في مرحلة المدرسة
في هذه المرحلة سوف يتواجد الطفل لعدد أكبر من الساعات مع غرباء غير الوالدين كالأصدقاء والزملاء والمعلمين.
- تحدث مع طفلك عن القيم والعلاقات. اسأله كل يوم عن المدرسة والأصدقاء.
- إعطاء الطفل فرصة للمناقشة حول الصراعات الاجتماعية وطريقة حلهم المشكلات، ومناقشتهم في أفعالهم وردود أفعالهم. ثم توجيهم لطريقة التصرف الصحيح.
- كن قدوة للطفل فعليه أن يراك تتصرف بإيجابية وبهدوء في وقت المشكلات. يراك تتفاوض وتبحث عن حل ملائم لجميع الأطراف.
- تناقش مع الطفل حول موضوع”التنمر” و”المضايقات الشخصية” سواء المُعْرَض لها الطفل أو المنتشرة على شبكة الإنترنت.
- إتاحة الفرصة للطفل الأكبر لحل مشكلاته اليومية بنفسه دون التدخل لمساعدته.
تنمية مهارات الحياة العملية
مهارات الحياة العملية تزيد من ثقة الطفل بنفسه واعتماده على ذاته. كما أنها قابلة للتطبيق في أعمار مختلفة.
يمكن أن نبدأ بخطوات بسيطة، مثل أن يقوم الطفل ذو العام أو العام ونصف بخلع بنطاله أو غسل يديه ثم نتدرج ليطهو أو يضع خطة ليومه.
أمثلة لتنمية مهارات الحياة العملية من المنزل
- قدم لطفلك الزجاجات والعلب البلاستيكية ليتعلم كيفية فتحها وإغلاقها، دعه يطابق الغطاء مع الإناء وفقًا للون أو الحجم.
- قدم -للطفل الأصغر سنًا- عددًا من الكور الصوفية أو الفاكهة لينقلها من إناء إلى آخر بكامل يده. ثم نستخدم حجمًا أصغر كحبات الفول (تحت إشراف أحد الوالدين) ودعه ينقلها بالملعقة بدلاً من يده.
- علمه صب الماء بين إناءين متماثلين، والصب في إناء ضيق باستخدام (قمع)، والصب من إناء كبير (دورق) لعدة أوعية صغيرة أو أكواب.
- استخدام مقص وسكين للتقطيع (نستخدم مع الطفل أدوات حقيقية وليست بلاستيكية).
بالنسبة للسكين يمكن استخدام سكين المائدة في البداية وليس سكين المطبخ. ويقوم الطفل بتقطيع أشياء لينة في البداية كثمرة الموز.
- سحب الكرسي والجلوس عليه.
- تنظيف الطاولة بعد الطعام.
- إعادة الأدوات والألعاب لمكانها بعد الانتهاء من اللعب.
- زراعة النباتات والعناية بها.
- نشر الملابس على منشر داخلي منخفض.
- فك وربط الصواميل.
- اللضم: بإدخال خيط في فتحات كبيرة ثم ضيقة نسبيًا.
- ارتداء وربط الحذاء.
- فتح وإغلاق السوستة.
جميع هذه المهارات تقدم للطفل تبعًا لرغبته وبخطوات صغيرة غير معقدة. كما نراعي أن جميع الأدوات المستخدمة لا تكون ضخمة كالتي نستخدمها نحن الكبار، وإنما مناسبه لحجم الطفل.
تنمية مهارات الطفل الحركية
يشير مصطلح (التطور الحركي) إلى النمو الجسدي، وتقوية عظام الطفل، وعضلاته، وقدرته على الحركة ولمس محيطه.
ينقسم التطور الحركي للطفل إلى فئتين: المهارات الحركية الكبيرة، والمهارات الحركية الدقيقة.
ما المقصود بتنمية المهارات الحركية الكبيرة
هي القدرة على أداء مهارات حركية كبيرة كالجلوس، والقيام، والمشي، والجري، والركل، والقفز بإستخدام العضلات الكبيرة للجسد، والتي تحتاج إلى:
- القوة الجسدية.
- التوازن.
- التآزر البصري العضلي.
أنشطة لتنمية المهارات الحركية الكبيرة
- الترامبولين.
من الأدوات المفيدة جدًا في زيادة التوازن. إذا لم يتوفر لديك واحدًا في المنزل أوالحديقة، هيأ لطفلك (الوسائد) للقفز.
- التدحرج على الأرض.
- ركل الكرة.
- لعب كرة السلة.
- السباحة.
- المشي على سطح غير مستو.
- ركوب دراجة، سكوتر، أو حصان.
- الرقص وأداء التمارين الرياضية.
عدم تنمية المهارات الحركية الكبيرة يسبب العديد من المشكلات للطفل منها عدم القدرة على التنقل أو عدم القدرة على القفز من مكان لآخر بثبات وكفاءة.
تنمية المهارات الحركية الدقيقة
المهارات الحركية الدقيقة هي القدرة على صنع حركات باستخدام العضلات الصغيرة للأيدي والأصابع والساعدين. كمسك قلم للكتابة أو استخدام لوحة المفاتيح.
تبدأ تنمية المهارات الحركية الدقيقة منذ الطفولة وتزداد في النمو كلما أصبح الطفل أكبر.
نحتاج للمهارات الحركية الدقيقة للقيام ببعض المهام اليومية المتكررة كغسيل الأسنان، وإغلاق زر القميص، وفتح باب باستخدام المفتاح.
يترتب علي إهمال تنمية المهارات الحركية للأطفال أمور عدة منها: مشكلة في إطعام الطفل نفسه.
أنشطة لتنمية المهارات الحركية الدقيقة
يمكننا مساعدة الصغير على تنمية عضلاته الصغيرة ومهاراته الحركية الدقيقة باستخدام أنشطة بسيطة.
- قدم لطفلك عجين اللعب (الصلصال) أو اصنع له واحدًا منزلي الصنع باستخدام الدقيق والماء. شجعه على الضغط عليه وفرده، أو لفه كالثعبان. قوما بصنع أشكال بسيطة أو استخدام المقص في قص العجين.
- الرسم والتلوين الحر أو الموجه خاصة باستخدام فرشاة.
يمكنك توجيه طفلك للطريقة الصحيحة لمسك الفرشاة (باستخدام ثلاث أصابع فقط) إذا كان عمر الطفل خمس سنوات أو أكبر ولا يفضل قبل ذلك.
- نشاط العصر باستخدام إسفنجة نظيفة: يغمس الطفل الإسفنجة في إناء به ماء، ثم يقوم بعصرها في إناء آخر (لا تنسي يا أمي وضع مِنْشَفَة بجواري لأتعلم مسح الماء المسكوب).
ختامًا
إن تنمية مهارات الطفل تبدأ منذ كونه جنينًا في رحم أمه. إذا لم تبدأ بعد فابدأ من الْآنَ مازال متاح لديك الوقت للمشاركة في إنشاء جيل مميز سوي ومتزن نفسيًا وجسديًا.
اقرأ أيضا
كيف أجعل طفلي استثنائيًا؟
دور الأم في حياة أطفالها
9 طرق عملية لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسريةِ
مراجعة د.نسيبة تركي
د.آلاء أسامة