وأنت تجلس في غرفة الانتظار في عيادة طب الأسنان مترقبًا لصوت الممرضة تنادي باسمك تنبهك بأنه قد حان دورك.
وإذ بك تدخل حجرة ينتظرك بها الطبيب ينظر إليك بابتسامة ويوجهك للجلوس علي الكرسي المخصص للعلاج ويطمئنك بأنه لا تخف مهما كانت مشكلتك ومهما كان ألمك سيساعدك على علاجها دون إحساس بالألم.
لعل هذا المشهد مألوفًا بالنسبة إليك عزيزي القارئ ومع ذلك تشعر بالرعب عند دخولك العيادة، ولكن تخيل أنك ولدت في زمن مختلف حيث لا يوجد كرسي ولا طبيب ولا تخدير بأدوات مختلفة.
في هذا المقال عزيزي القارئ سنسافر بك في رحلة عبر الزمن لنرى تاريخ طب الأسنان، كيف بدأت المهنة؟ وكيف تطورت؟ كيف عالج من سبقوا آلامهم؟ وكيف توصلنا إلى هذه الدرجة من التقدم في طرق العلاج؟ وكيف تطورت الأدوات؟
طب الأسنان
هو فرع من فروع الطب يهتم بعلاج وتشخيص الأمراض المتعلقة بالأسنان والفم ولا تقتصر مجالات الدراسة فيه على هذا فقط بل أيضًا يشمل دراسة الوجه والفكين.
طب الأسنان في العصور القديمة
- في هذه الحِقْبَة من التاريخ لم يكن هناك طب ولا تخصص وكان هناك اعتقاد سائد بالخرافات وذلك أنه إذا كنت تعانى الآلام فعليك أن تقدم تضحيات وقرابين إلى الكهنة ليتمكنوا من علاجك.
- ذلك يرجع أول دليل لتاريخ طب الأسنان إلى سنة ٧٠٠٠ قبل الميلاد في حضارة وادي السند.
- وردنا نص يرجع إلى العام ٥٠٠٠ قبل الميلاد من الحضارة السومرية يصف مصطلح “دودة الأسنان” لذلك كانوا يعتقدون أن الأسنان بداخلها دودة وهذه الدودة هي المتسببة بالآلام.
طب الأسنان عند المصريين القدماء
- في إحدى الحفائر القديمة وجدت أسنان إحدى المومياوات مربوطة ببعضها بسلك من ذهب وكانوا يستخدمون هذه الطريقة لتثبيت الأسنان المقلقلة وقد أضيفت إليها أسنان خارجية كاستبدال للأسنان المخلوعة بالفك.
- وجد دليل لأول طبيب أسنان قبل الميلاد منسوبة إلى “حسي ري” hesy re وكان قد كتب في تابوته العظماء من الأطباء من يعالجون الأسنان وترجع إلى ٢٦٠٠ قبل الميلاد.
- بينما وجدت بردية إيبرس التي تعود إلى السنوات من ١٥٥٠ إلى ١٧٠ قبل الميلاد التي ورد فيها وصف لكثير من أجزاء فم الإنسان (التجويف الفمي)، وبين ما ذكرته أيضًا كيفية علاج خراج الأسنان وكذلك طرق لعلاج تورم اللثًة والألم الناتج عنها.
- انصب علاج الأسنان حينها على بالوصفات الطبية المتخصصة باللًثة والغشاء المخاطي المبطن للفم وكذلك وجد ما يشير إلى غسول الأسنان، وهذا يدل على أن القدماء المصريين كانوا يعانون أمراض اللثًة واسعة الانتشار حيث دلت مومياء أحد الملوك المصريين على ذلك.
- كانوا يحشون الحفر الناتجة عن التسوس في الأسنان بالثوم، وبذور الكراوية.
طب الأسنان في تاريخ الصين
- بينما في الصين وجد ما يدل على التقدم الطبي في مرحلة ما قبل التاريخ وذلك كان القدماء الصينيين يعرفون كيف يعتنون بأسنانهم عن طريق غسول الفم باستخدام الماء والملح أو الشاي أو النبيذ لما لهذه المواد من فوائد مطهرة.
- كذلك استخدموا الإبر الصينية في علاج الألم الناتج عن التسوس.
- وصل التقدم الطبي في الصين في عصرها الذهبي في عام ٧٠٠ بعد الميلاد إلى استخدام مادة مصنوعة من الفضة ولذلك تعد هذه المادة نوع من مادة أمالجم المستخدمة هذه الأيام في حشو الأسنان.
طب الأسنان عند الرومان واليونانيين
- في سنة ٣٠٠ إلى ٥٠٠ قبل الميلاد كتب أبقراط وأرسطو عن طب الأسنان كبزوغ الأسنان في الفم وعلاج الأسنان المصابة بالتسوس وعلاج أمراض اللثَة وكذلك خلع الأسنان “ملقاط الأسنان”، واستخدام الأسلاك لتثبيت الأسنان المخلخلة وكسور الفك.
- أحد أطباء الرومان يدعى “اتروسكان” Etruscan صنع جسور للأسنان من مادة الذهب وهذه تُعد من أول محاولات تعويض الأسنان وجد أيضًا أن النساء هم أغلب من كان يضع الجسور الذهبية في الفم وهذا يدل على بداية طب الأسنان التجميلي.
- “سيلسوس” Celsus عالم روماني كتب عن جراحة الأسنان.
- “جالينوس“جاء بعد أرسطو وأبقراط وكتب عن كل فروع الطب ومنها الأسنان وعلاج أمراضها، ولذلك كان ما كتبه مرجعًا طبيًا للألفين عام الذي تليه.
- كانت الحفر الناتجة عن تسوس الأسنان تعالج بحشوها بالرصاص أو الخشب.
طب الأسنان في العصور الوسطى
طب الأسنان عند العرب والمسلمين
هل كان للعرب دور في التقدم العلمي في العلوم الطبية؟
- كان للعرب عصر ذهبي ازدهرت فيه العلوم وألفت فيه الكتب وبزغت أسماء كبيرة لعلماء أثروا العلم باجتهاداتهم، وكذلك كان لطب الأسنان دور من إرثهم الذي تركوه لنا.
- بينما بدأ هذا العصر عندما أمر الرسول صلي الله عليه وسلم الصحابة باستخدام السِّواك في تنظيف أسنانهم.
- “أبو بكر الرازي“: صاحب كتاب الحاوي في الطب، كان كتابه مرجعًا لطب الأسنان عند العرب ومما ذُكر فيه محاولاته الكثيرة لعلاج الأسنان متفاديا للخلع.
- “ابن سينا” كان ابن سينا من أشهر العلماء المسلمين وأكثرهم عملًا بالطب إذ أوصى بحفر الأسنان التي يعاني صاحبها ألم متواصل.
- “أبو القاسم الزهراوي” أوصى بكَيّ الناسور المتعلق بجذور الأسنان، وكذلك الخراج الذي يظهر في اللثَة موازيًا للجذر، وكان كتابه يحتوي على وصف الأدوات المستخدمة للعلاج وأوصى كذلك بربط الأسنان ببعضها إذا كانت مصابة بالتخلخل.
- ألف العرب المسلمون كتاب هداية المتعلمين في الطب وهذا الكتاب يعد مرجعًا للطب المعاصر وكانوا قد أفردوا جزءًا مخصصًا للأسنان من بين أقسامه.
- استخدم العرب مواد كيميائية للتقليل من الألم الناتج عن التسوس.
- كانوا يستخدمون الصمغ في حشو الأسنان المصابة بالتسوس وكذلك حجر الشب.
في أوروبا
- كان الرهبان هم من يزاولون هذه المهنة وفي عام ١١٣٠ إلى عام ١١٦٣ بعد الميلاد أصدر الحكام مراسيم تمنع الرهبان من مزاولة أي جراحات. وحينها أخذ الحلاقون هذه المهنة. ولذلك أجروا الجراحات والخلع إلى عام ١٢١٠.
- حيث أقيمت أول نِقابة لهم في فرنسا. وقسموا أنفسهم قسمين : قسم يتعلم ويتدرب جيدا ليؤدى العمليات الجراحية المعقدة والقسم الآخر من الحلاقين يقوم بخدمات الرعاية الصحية الروتينية مثل الحلاقة وعلاج الجروح وخلع الأسنان.
ومن هنا عزيزي القارئ سنهبط على محطات تاريخية سريعة لنرى كيف توصلنا إلى التقدم العلمي الذي نحن فيه اليوم.
- ١٤٠٠م سلسلة من المراسيم الملكية في فرنسا تمنع الحلاقين من القيام بأي جراحات ماعدا علاج الجروح وخلع الأسنان والحجامة.
- ١٥٣٠م صدر كتاب “كل أنواع الأمراض والعيوب المتعلقة بالأسنان للكاتب Artzney Buchlein وهو يعد أول كتاب متخصص فقط في طب الأسنان نُشر في ألمانيا وتمت كتابته لكل الجراحين والحلاقين الذين يعالجون الفم وهذا الكتاب يشمل صحة الفم، وخلع الأسنان، وحفرها وحشوها بحشوات من مادة الذهب.
- ١٥٧٥م في فرنسا أصدر طبيب الأسنان “Ambrosopare “الملقب الأبُّ الروحي للجراحين كتابه العمل الكامل “Complete works” ويتحدث فيه عن معلومات توصل إليها في خلع الأسنان وعلاج تسوس الأسنان وكسور الفك.
ثم ننتقل للأعوام التالية
-١٧٢٣م حيث قام الجراح الفرنسي “Pierre Fauchard “
والملقب الأبُّ الروحي لطب الأسنان الحديث بكتابة (كتاب طبيب الأسنان الجراح) The surgeon dentist وشرح في كتابه تشريح الفم والوظائف الحيوية لأنسجة الفم ووصف طرق استعاضة الأسنان وعلاجها وكيف يتم عمل أطقم الأسنان.
-١٧٤٦م قام “Claude Mouton “
بوصف التاج الذهبي والمسمار الذهبي الذي يوضع داخل جذر الأسنان بقناة العصب وأيضا أوصى بوضع مادة بيضاء على التيجان الذهبية من أجل مظهر أكثر جمالًا.
-١٧٦٠م كان “John Baker“
أول الأطباء الذين تمرنوا على تخصص طب الأسنان كان أول طبيب أسنان مهاجر إلى أمريكا ومارس المهنة على المهاجرين إلى أمريكا من أوروبا.
-١٧٦٠-١٧٨٠م ” Isaac Greenwood”
أول طبيب أسنان أمريكي المنشأ.
-١٧٦٨-١٧٧٠م Paul Revere
كان أول طبيب ينشر إعلانا في مجلة بوسطن الأمريكية يعرض فيه خدماته كطبيب أسنان.
-١٧٧٦م أول حالة طب الأسنان الشرعي
حيث تعرف الطبيب Revere على صديقه الطبيب Joseph warren الذي توفي في إحدى المعارك عن طريق جسر في أسنانه كان قد صنعه له.
-١٧٨٩م سجل الفرنسي Nicolas dubois dechemant
براءة اختراع الأسنان البورسلين.
-١٧٩٠م قام John Greenwood
أنشأ أول محرك قدم كرسي الأسنان.
-١٧٩٠م Joseph Flagg
أول من صنع كرسي مخصص لعلاج الأسنان وكان من الخشب مع ذراع ممتدة لوضع الأدوات عليها.
ثم ننتقل في محطات سريعة عبر القرن التاسع عشر
-١٨٣٢م عدّل “جيمس سنل” James Snell النماذج السابقة لكرسي الأسنان إلى أن توصل إلى هيئته الحالية.
-١٨٣٣-١٨٥٠م أدخل الأخوان Craw Cours مادة الأملجم( amalgam) المستخدمة في حشو الأسنان إلى الولايات المتحدة.
-١٨٣٩م أصدرت أول صحيفة مهتمة بعلوم الأسنان في أمريكا.
-١٨٤٠م تأسست أول مدرسة لطب الأسنان في العالم في بالتيمور بأمريكا.
-١٨٤٦م استخدم طبيب الأسنان William Morton مادة الإيثر (ether) في التخدير خلال الجراحة.
-١٨٥٥م اخترع Robert Arther صورة من مادة الذهب تسمى رقائق الذهب المتماسكة cohesive gold foil وخصائص هذه المادة تتيح للطبيب حشو الأسنان بمادة الذهب بأقل ضغط وأقل ضرر للأسنان.
-١٨٥٩ م تأسست الجمعية الأمريكية لطب الأسنان.
-١٨٦٤م اُخترع السد المطاطي rubber dam:
المستخدم في عزل الأسنان عن تجويف الفم خلال علاجها للتقليل من وجود البكتيريا والحد من عدم نجاح حشوات الأسنان.
-١٨٦٦م تخرجت Lucy Beaman Hobbs كأول طبيبة أسنان في العالم من جامعة أوهايو الأمريكية.
-١٨٦٧م تأسس فرع طب الأسنان في جامعة هارفارد كأول درجة جامعية تمنح لدارسي طب الأسنان.
-١٨٧١م James B.Morison
طوَّر صناعة قدم محرك لحفار الأسنان الذي يتيح باستخدام أدوات مخصصة burs القطع في الأسنان وإزالة الجزء المصاب بالتسوس.
-١٨٧٧م تمت صناعة كرسي الأسنان المسمى Wilkerson chair أول كرسي أسنان يعمل بمضخة هيدروليكية.
-١٨٨٠م صناعة أول معجون للأسنان في أنبوب معدنية والتسويق له.
-١٨٨٥م وظفت أول مساعدة طبيب أسنان (ممرضة أسنان) من قبل الطبيب C.Edmond Kells:
وكان من وظائفها استقبال المرضى وتنظيف الأدوات ومساعدة الطبيب في أثناء عمله على كرسي الأسنان.
-١٨٩٠م Willoughby Miller طبيب أسنان أمريكي:
كان في ألمانيا حين أشار إلى الطبيعة الميكروبية لتسوس الأسنان. أي أن المسبب الأساسي للتسوس هو البكتيريا في كتابه الكائنات الدقيقة في فم الإنسان. وتسبب في الحركة العالمية المشجعة لاستخدام الفرشاة والمعجون وخيط الأسنان الطبي للمحافظة على نظافتهم.
-١٨٩٥م اكتشف William Roentgen فيزيائي ألماني الأشعة السينية X-rays.
-١٨٩٦م C. Edmond Kells طبيب أسنان التقط أول صورة أشعة سينية لأسنان أحد مرضاه.
-١٨٩٩م أنشأ طبيب الأسنان Edward Hardly Angle أول تخصص في طب الأسنان وهو تقويم الأسنان.
القرن العشرون
عصر الاكتشافات والاختراعات
حدثت في هذا القرن نقلة نوعية في التقدم الطبي وهنا جولة سريعة لأهم الاختراعات والاكتشافات فيه.
-١٩٠٠م Angle أنشأ أول مدرسة لتقويم الأسنان.
-١٩٠٣م Charles land صنع تاج للأسنان من مادة الخزف تاج ذو سترة خزفية porcelain jacket crown.
-١٩٠٥م Alfred Einhorn كيميائي ألماني حضر مادة لاستخدامها في التخدير الموضعي وتسمى procain التي تم التسويق لها باسم Novocain.
-١٩٠٨م G V black نشر كتابه والذي كان مرجعًا أساسيًا لطب الأسنان التحفظي.
-١٩١٠م أقيم أول تدريب رسمي لتمريض الأسنان في جامعة أوهايو لجراحة الأسنان.
-١٩١٣م افتتح Dr.Fones مدرسة لتدريس صحة الفم والأسنان، وكان الأبُّ الروحي لهذا التخصص.
-١٩٣٧م Alvin Strock استخدم مِسْمَار من مادة الفايتاليوم لزراعة الأسنان. وكانت أول محاولة لاستخدام معدن متوافق حيويًا مع عظم الفك في زراعة الأسنان.
-١٩٣٨م صنعت فرشاة الأسنان من مادة النايلون.
-١٩٤٥م تم ضخ مادة صوديوم فلورايد في الماء العام في مدن ميتشيجن ونيويورك ونيوبيرج وجراند رابيدس.
-١٩٤٨م وقع Harry S.Truman علي إنشاء المعهد القومى الأمريكي لبحوث الأسنان.
-١٩٥٠م صناعة معجون للأسنان بمادة الفلورايد.
-١٩٥٧ م أدخل Jhon Borden ماكينة حفر الأسنان ذات السرعة العالية معلنا بداية عصر السرعة في طب الأسنان.
-١٩٦٠م إدخال الليزر في طب الأسنان وتمت الموافقة على استخدامه مع الأنسجة الرخوة كاللثة.
-١٩٦٠م صناعة فرشاة الأسنان الإلكترونية في سويسرا بعد الحرب العالمية الثانية.
-١٩٦٢م تحضير مادة Bis -GAMA التي تستخدم في حشو الأسنان.
-١٩٨٠م Per-Ingvar Branmark شرح كيفية التئام العظم في زراعة الأسنان.
-١٩٨٩م التسويق التجاري لأول نظام لتبييض الأسنان بالمنزل.
-١٩٩٠م إعلان الدخول في عصر طب الأسنان التجميلي بزيادة الطلب على التبييض واستخدام مادة الفينير والحشوات التجميلية.
-١٩٩٧م وافقت منظمة إدارة الأغذية والعقاقير بأمريكا FDA على استخدام نوع من الليزر في قطع المادة الصلبة للأسنان، كطريقة من طرق إزالة تسوس الأسنان.
وفي عصرنا هذا تنوعت الاختصاصات والمجالات في طب الأسنان نتيجة للتقدم العلمي الذي وصلنا إليه.
مجالات طب الأسنان
١-طب الأسنان الوقائي.
٢-الصحة العامة.
٣-علاج الجذور(علاج العصب السني).
٤-أمراض الوجه والفم.
٥-جراحة الوجه والفكين.
٦-تخصص أشعة الفم والوجه والفكين.
٧-طب الفم.
٨-تقويم الأسنان.
٩-طب أسنان الأطفال.
١٠-زراعة الأسنان.
١١-الاستعاضة يشمل التيجان والجسور وأطقم الأسنان.
١٢- أمراض اللثَة.
١٣- طب الأسنان الشرعي.
١٤-العلاج التحفظي.
في نهاية هذا البحث لا يسعنا إلا أن نشعر بالامتنان لكل من سبقونا، لما بذلوه من جهد في محاولة نفع البشرية، وعلاج الأمراض والآلام فما وصلنا إليه من تقدم هذه الأيام، هو نتاج محاولات كثيرة من البحث والعمل والاجتهاد، أدت لبناء صرح كبير من العلم.