هل شاهدتم من قبل فيلم الفتاة الدانماركية؟ حسنًا، هو فيلم رائع يجب عليكم مشاهدته، يحكي عن مريض يخوض رحلة شخصية طويلة للحصول على علاج اضطراب الهُوِيَّة الجنسية، هذا الاضطراب الذي كان يعانيه في وقت لم يكن معروف عنه الكثير بعد.
في هذا المقال نسلط الضوء على هذا الاضطراب الغامض ونحاول تقديم كل الحلول التي يقترحها العلم في هذا الشأن.
ما اضطراب الهُوِيَّة الجنسية؟
في البداية، يولد الطفل ويُسجل في الأوراق الرسمية كذكر أو أنثى تبعًا لتشريح جسده وشكل أعضائه التناسلية، ثم يبدأ الآباء في إطلاق الاسم المناسب على أطفالهم تبعًا لجنسهم.
فإذا كان ذكرًا يطلقون عليه اسم أحمد مثلًا، ويبدؤون في شراء الألعاب المناسبة له مثل كرة القدم والألعاب القتالية، ويطلون غرفة نومه باللون الأزرق.
وإذا كانت بنتًا قد يسمونها ليلى مثلًا، ويلاعبنها بالعرائس، ويطلون غرفة نومها باللون الزهري، ويلبسنها الفساتين الملونة الجميلة.
حسنًا، ماذا لو أن أحمد كبر في السن وبدأ يشعر أنه في الجسد الخطأ، وبدأ يردد كلمات مثل أنا بنت ولا أشعر أني موجود في الجسد الصحيح، أو العكس؟
هذا باختصار ما يعانيه مرضى هذا الاضطراب، عقولهم تنتمي إلى جنس وأجسامهم إلى جنس آخر، يشعرون دائمًا بالانفصال عن أجسامهم، بل أحيانًا يكرهونها ولا يرغبون في رؤيتها أبدًا.
يُطلق على هذا الاضطراب اسمًا آخر كذلك وهو (Gender identity disorder) أو اضطراب الهُوِيَّة الجندرية.
أحيانًا يستخدم مصطلح الهُوِيَّة الجنسية (Sexual identity) ليشير إلى شيء آخر، وهو الجنس الذي ينجذب إليه الشخص على المستوى العاطفي والجنسي، ولا يكون المقصود تصنيف الشخص لنفسه ذكرًا أو أنثى.
أعراض اضطراب الهُوِيَّة الجنسية
قد تبدأ الأعراض في الظهور في طور الطفولة، بدايةً من عمر السنتين.
وقد لا يبدأ المريض في الشكوى والتذمر بخصوص شعوره بالتناقض بين جسده الذي يراه بالمرآة وما يشعر به نحوه، إلَّا مع بداية ظهور علامات البلوغ الثانوية مثل خشونة الصوت ونمو شعر الوجه عند الذكور ونمو الثديين عند الإناث.
للتشخيص يجب أن يشكو المريض في الأقل عرضين اثنين من الآتي مدة لا تقل عن ستة أشهر.
هذه قائمة بأهم الأعراض:
- الشعور بالانفصال عن جسده وما يعتريه من علامات البلوغ الأولية والثانوية المميزة لجنسه المسجل بالأوراق الرسمية.
- الرغبة الشديدة في التخلص من أعضائه التناسلية، إلى الحد الذي يبلغ بالبعض إلى إيذاء أنفسهم.
- النفور الشديد من الاستحمام أو تبديل ملابسهم حتى لا يرووا أو يلمسوا أعضاءهم التناسلية.
- إطلاق اسم بديل على أنفسهم يعبر عن الجنس الآخر، مع إصرارهم على أن ينادوا به من قبل الجميع.
- الرغبة في أن يُعاملوا كما يُعامل الجنس الآخر.
- الميل إلى اللعب مع الأطفال المنتمين إلى الجنس الذي يشعرون بالانتماء إليه.
- ارتداء الملابس الدالة على الجنس الآخر الذي يشعرون بالانتماء إليه.
- رفض الألعاب المقدمة إليهم من والديهم بشدة، لأنها تعبر عن الجنس الذي يشعرون بعدم الانتماء إليه.
مضاعفات اضطراب الهُوِيَّة الجنسية
بناءً على ما سبق، يعاني المرضى الشعور بالقلق الاجتماعي (Social anxiety disorder)، إذ يصبحوا غير قادرين على الخروج من المنزل والذهاب إلى المدرسة أو العمل لممارسة حياتهم طبيعيًا، خوفًا من التعرض إلى الأذى أو التحرش من الناس.
تشخيص اضطراب الهُوِيَّة الجنسية
يتبع الأطباء الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس (DSM-5) لتشخيص هذا الاضطراب.
يُقيم الطبيب الحالة العقلية والنفسية للمريض، ويحدد مدى التباين بين الجنس المسجل في الأوراق الرسمية للمريض وتقبل أو عدم تقبل المريض لجنسه.
علاج اضطراب الهُوِيَّة الجنسية
للأسف، لم يصل العلماء إلى علاج متمثل في مجموعة من الأقراص الذي إذا ابتلعها المريض تغير شعوره نحو جسده وبدأ في تقبله.
لكننا عندما نقول علاج اضطراب الهُوِيَّة الجنسية نعني الآتي:
العلاج النفسي (Therapy)
يعاني مرضى هذا الاضطراب التوتر والقلق بسبب ما يتعرضون إليه أحيانًا من سوء معاملة أقرانهم وعدم تقبلهم لهم وأحيانًا التحرش بهم.
قد يعانون اضطرابات أخرى مثل الاكتئاب واضطرابات الأكل وإيذاء أنفسهم بل قد يحاولون الانتحار أيضًا.
لذا يحتاج هؤلاء المرضى إلى اللجوء إلى الطبيب النفسي ليساعدهم على فهم ما يشعرون به، وعلى التأكد من رغبتهم في الانتماء إلى جنس آخر.
حاصرات البلوغ (Puberty Suppression)
يلجأ الأطباء أحيانًا إلى إعطاء الأطفال الذين يعانون هذا الاضطراب مشتقات هرمون مطلق لموجهة الغدد التناسلية (GnRH analogues) التي توقف إفراز الهرمونات الجنسية مثل التستوستيرون والإستروجين ليوقفوا عملية البلوغ.
يهدف هذا العلاج إلى تأخير ظهور علامات البلوغ المميزة للجنس الذي يرفضه المريض، لإعطائه الوقت لفهم وتحديد الجنس الذي يرغب حقًا في الانتماء إليه، وإلى تقليل شعور الرفض ناحية أجسامهم.
يحصل المريض على جرعته إما بغرس الدواء تحت جلد الذراع، مع تكرار هذا الأمر مرة كل عام، أو بحقن الدواء مرة واحدة كل شهر أو ثلاثة أشهر.
مزايا هذا العلاج:
- يقلل التوتر والقلق والاكتئاب.
- يُحد الأفكار الانتحارية التي تنتاب المريض.
- يُحسِّن الحالة العقلية للمريض.
- قد يُجنب المريض اللجوء إلى الجراحة مستقبلًا.
الأضرار الجانبية المحتملة:
- تورم في مكان الحقن.
- زيادة الوزن.
- هبَّات ساخنة.
- الصداع.
- العقم في المستقبل.
العلاج الهرموني (Cross-sex hormone therapy)
هنا يعطي الطبيب المريض الهرمونات التي تحفز ظهور علامات البلوغ الثانوية للجنس الآخر، فيُعطى الذكر المحبوس بجسد أنثى هرمون التستوستيرون، والأنثى التي تعيش داخل جسد ذكر هرمون الإستروجين، فتبدأ أجسامهم في التغير إلى ما يُوافق شعورهم نحو أنفسهم.
العلاج بهرمون الإستروجين
إذا بدأ المريض في تلقي العلاج قبل البلوغ، فقد يتجنب ظهور علامات البلوغ الثانوية الذكورية مثل خشونة الصوت ونمو شعر الوجه.
يقلل هرمون الإستروجين إفراز هرمون التستوستيرون، ويحفز علامات الأنوثة على الظهور.
الأضرار الجانبية تشمل الآتي:
- زيادة الوزن.
- ارتفاع نسبة الدهون الثلاثية بالدم.
- ارتفاع ضغط الدَّم.
- الإصابة بداء السكري من النوع الثاني.
- الإصابة بالجلطات.
- العقم.
- ارتفاع نسبة البوتاسيوم بالدم.
العلاج بهرمون التستوستيرون
إذا بدأ المريض في تلقي العلاج قبل البلوغ فقد يتجنب ظهور علامات البلوغ الثانوية الأنثوية مثل نمو الثديين.
يقلل التستوستيرون إنتاج هرمون الإستروجين ويوقف الدورة الشهرية.
الأضرار الجانبية تشمل الآتي:
- زيادة الوزن.
- حب الشباب.
- ارتفاع نسبة خلايا الدَّم الحمراء (Polycethemia).
- توقف التنفس في أثناء النوم.
- ارتفاع ضغط الدَّم.
- الإصابة بداء السكري من النوع الثاني.
- الإصابة بالجلطات.
- آلام بالحوض.
- العقم.
العلاج الجراحي (Surgery)
إذا كان المريض ذكرًا يعيش بداخل جسد أنثى، فسيحتاج إلى إجراء جراحة (masculinizing surgery) لإزالة أنسجة الصدر مع إعادة بناء هذه المنطقة لتبدو أكثر ذكورية.
بالإضافة إلى أنه يخضع لجراحة تزيل البظر(بعد تكبيره بتناول هرمون التستوستيرون) ثم إعادة تخليقه ليصبح قضيبًا، ثم يوصل هذا القضيب بالحالب بواسطة قطعة لحم تؤخذ من الذقن، ليستطيع التبول من خلال هذا القضيب.
قد يصنع الأطباء قضيبًا من أنسجة الساعد أو الفخذين كذلك، ويوصلوه بالحالب.
يخضع المريض كذلك إلى جراحات أخرى لإزالة المَهْبِل أو الرحم أو المبايض.
إذا كان المريض أنثى يعيش في جسد ذكر، فسيحتاج إلى إجراء جراحة (feminizing surgery) لإعادة خلق المَهْبِل من أنسجة القضيب، فأعلى حافَة القضيب يتحول إلى البظر، وجلد كيس الصفن يصبح الشفرتين، وقد يستخدم جزء من الأمعاء لصناعة جدار المَهْبِل.
قد يخضع المريض لجراحة لإزالة خصية أو الخصيتين وقد يزيل كيس الصفن أيضًا.
وأخيرًا، مازال علاج اضطراب الهُوِيَّة الجنسية موضوعًا يشغل عقول العلماء ويثير فضولهم العلمي ويدفعهم لإجراء مزيد من البحوث ليكونوا أقدر على الفهم وتقديم المساعدة التي يحتاج إليها مرضاهم.
اقرأ أيضًا
الهبات الساخنة | كيف نتغلب عليها؟