استيقظتُ في الصباح الباكر على صوت زقزقة العصافير مبتسمة. جدي من عودني على ذلك، قبل إصابته بذلك المرض سارق الذكريات “ألزهايمر”.
اعتاد “جدي” وضع طبق صغير به بضع حبوب، وبجواره طبق آخر به قطرات من الماء.
فتأتي العصافير إلى النافذة وأستيقظ جذلة على صوتها.
الآن تغير كل شيء، فتمر أيام دون أن يتذكرني.
لا بأس، علي أن أحافظ على ابتسامتي ومعنوياتي مرتفعة، فقد يتذكرني في هذا اليوم المميز “ذكرى ميلاده”.
بداية الأعراض
كانت البداية تكرار نسيانه لبعض المواعيد الهامة، وتاريخ اليوم، أيضًا تناول دوائه، ومكان ركن السيارة.
لم يلقِ أحد بالًا لهذه الأحداث، فالكل مُعرض للنسيان. وظننّا وقتها أنها علامات الشيخوخة، والتقدم في العمر.
حتى جاء هذا اليوم حينما أحضره جارنا الشرطي إلى المنزل، وأخبرنا -بتأثر- أنه وجد جدي يمشي هائمًا على وجهه، ويبدو عليه الارتباك الشديد.
فأصابه القلق وذهب يسأله إن كان يريد مساعدة، عندها أخبره جدي أنه نسي طريق العودة إلى البيت.
التشخيص والفحوصات
نصحنا جارنا الشرطي بالذهاب إلى طبيب متخصص، وهذا ما كنا ننويه بالفعل.
ذهب والدي مع جدي لزيارة الطبيب، الذي سئل والدي عن الأعراض وبداية ظهورها، والأمراض التي يعانيها جدي والأدوية التي يتناولها.
سأل الطبيب كذلك عن نمط الحياة الذي يحياه جدي، وإن كان هناك أي ضغوطات نفسية أو عصبية.
سأل الطبيب جدي أيضًا بضع أسئلةٍ لتحديد قوة الذاكرة طويلة المدى وقصيرة المدى. وطلب منه ذكر تاريخ اليوم، واسم الرئيس الحالي، وحفظ قائمة قصيرة من الكلمات.
كذلك فحص الطبيب العلامات الحيوية لجدي المتمثلة في قياس ضغط الدم، ونبض القلب، ودرجة الحرارة، ونسبة الأوكسجين في الدم.
بعد ذلك طلب منا الطبيب إجراء فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي “MRI”، والتصوير المقطعي “CT scan”. ليؤكد بعدها إصابة جدي بمرض ألزهايمر.
العلاج
يعرف الجميع أنه لا يوجد علاج لهذا الداء اللعين “ألزهايمر” إلى الآن.
لكن الطبيب أخبرنا بوجود أدوية تساعد على منع تطور المرض، وتخفيف الأعراض، والتعايش معه.
وصف الطبيب لجدي عقار ميمانتين “memantine”.
حينما بحثت عن تأثيره وجدته يثَبِّط الجلوتامات “glutamate”، وهي من المواد الكيميائية التي يفرزها الدماغ بكميات كبيرة لدى مرضى ألزهايمر. وتُعد مسؤولة عن تدمير خلايا الدماغ.
كذلك وصف الطبيب بعض أدويَة مضادات القلق، والمُهدئات لتجنب الأعراض النفسية المُصاحبة للمرض.
التعايش مع ألزهايمر
نصحنا الطبيب بجعل المنزل أكثر أمانًا، وإزالة أي مخاطر قد يواجهها جدي.
فأبعدنا مواد التنظيف والكيماويات الخطرة، وأي أسلحة، أو أدوات خطرة في المنزل.
أيضا نصحنا الطبيب بإبعاد الأدوية التي لا تخصه، والحفاظ على روتين يومي من الصباح إلى المساء، على مدار الأسبوع. سهلت تلك الأمور على جدي كثيرًا.
بحثتُ أيضًا عن هذا المرض، ووجدت أن مريض ألزهايمر يعاني صعوبة في إدارة أمور المنزل البسيطة في الكثير من الأحيان، مما يتطلب رعاية خاصة. لذا زودنا المنزل وغرفة نومه بطفايات الحريق تحسبًا للطوارئ.
واعتدنا قبل النوم التأكد من إغلاق الموقد والنوافذ والباب الرئيسي للبيت، و التحقق من الأجهزة الكهربائية.
نسعى جميعًا إلى معاملة جدي بلطف وعدم العبوس في وجهه لحساسيته الشديدة، وعدم الحديث أمامه عن مرضه حتى لا تتأثر نفسيته سلبًا.
نحرص أيضًا على توفير جو هادئ، وتجنبيه الضوضاء والإزعاج؛ إذ قد يُسبب ذلك له مزيدًا من التشويش والارتباك.
قطع رنين الهاتف شريط ذكرياتي فتناولته مبتسمة.
كانت ملك تستعجلني الهبوط إلى الطابق السفلي حيث يحيا جدنا العزيز، وبدأ الأحفاد في التجمع للاحتفال.
قد يكون ألزهايمر مرض يصعب التعايش معه، وتمر أوقات ينسانا فيها جدي، إلا أننا لن ننسى ما قدمه لنا من حب واهتمام في سنوات عمرنا الأولى.
لذلك نحاول إسعاده بكل الطرق.
اقرأ أيضًا
داء ألزهايمر | الأعراض والعلاج
اقرأ أيضًا في القسم القصصي
مرض باركنسون | منحة من قلب المحنة!
مريض السرطان والانتصار في المعركة