شاهدت منذ أيام في التلفاز تلك القضية التي اشتهرت مؤخرًا، إذ تعرضت امرأة للقتل وكان ابنها هو الشاهد الوحيد على هذه الجريمة، لكن يزعم الابن أنه لا يتذكر شيئًا مما حدث، الأمر الذي جعل من حل لغز هذه القضية شيئًا صعبًا، عرض الصبي على لجنة طبية كاملة، التي شخصت حالته بأنه يعاني أحد الاضطرابات الانشقاقية، مما أدى إلى فقدان مؤقت لذاكرته في وقت الحادث.
لا يزال الجدل قائمًا حول هذه القضية، ولا يزال التساؤل والفضول يستوقفني حول مدى صحة، وكيفية فقدان الفرد لذاكرته فيما يخص بعض الأحداث في حياته.
لذلك كان لا بد من البحث، والكتابة عن هذه الاضطرابات لمعرفة كل ما يخصها، وهذا ما سنطرحه خلال ثوان من الآن.
ما هي الاضطرابات الانشقاقية؟
تُعرف أيضًا بالاضطرابات التفارقية أو الاضطرابات التفككية.
هي اختلال عقلي في ذاكرة الفرد أو مشاعره أو أفكاره أو هويته، إذ ينفصل الشخص عن نفسه، وتصبح أفكاره وذاكرته غير مترابطة.
يصاب عدد كبير من الناس بهذه الاضطرابات وأكثرهم من النساء، وتختلف مدة الانفصال من شخص لآخر، قد تمتد لساعات أو أيام أو حتى سنوات.
أسباب الاضطرابات الانشقاقية
تحدث الاضطرابات التفككية كوسيلة دفاع من العقل تساعد المريض على تخطي صدمة ما، والتعامل مع الخوف والألم الناتجين عن هذه الصدمة.
إذ ينفصل المريض عن الواقع المحيط أو عن نفسه كأنه يرى ما يفعله من بعيد، ولا يستطيع تذكر أي تفاصيل حدثت خلال مدة انفصاله.
الأشخاص الأكثر عرضة للاضطرابات الانشقاقية
- الأشخاص الذين تعرضوا لعنف جسدي أو عاطفي في مرحلة الطفولة.
- الأطفال والكبار الذين عايشوا الحروب.
- مواجهة المريض لصدمة مثل جريمة قتل.
- تعرض الفرد للخطف.
أعراض الاضطرابات الانشقاقية
تختلف أعراض الاضطراب الانشقاقي طبقًا لنوع الاضطراب المصاب به المريض، ومنها:
- نسيان بعض الأحداث والأوقات أو الهوية وماضي الفرد.
- شعور الانفصال عن الذات.
- الانفصال عن العالم المحيط.
- سماع أصوات في داخل العقل كأنها شخص يحدثك.
- بعض المشكلات العقلية مثل الاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية.
أنواع الاضطرابات الانشقاقية
يوجد ٣ أنواع من هذه الاضطرابات التي قد تصيب المريض:
- فقدان الذاكرة الانفصالي.
- اضطراب الهوية التفارقي.
- اضطراب تبدد الشخصية/ تبدد الواقع.
فقدان الذاكرة الانفصالي
هو أحد أنواع الاضطرابات الانشقاقية، ويطلق عليه أيضًا فقدان الذاكرة النفسي.
لا يستطيع المريض تذكر أحداث مدة زمنية معينة من حياته؛ نتيجة تعرضه لكارثة أو صدمة ما في هذه المدة.
إذ تدفن الذكريات الخاصة بهذه الكارثة في أعماق عقله، ولا يستطيع استعادتها بعد ذلك.
يختلف فقدان الذاكرة الناتج عن حادث أو ضربة تؤثر على المخ عن فقدان الذاكرة الانفصالي، إذ إنه يُعد وسيلة دفاعية نفسية، وليست عضوية لحماية المريض من أي مشاعر سلبية تتعلق بهذه الصدمة.
من الممكن أن يكون فقدان الذاكرة موضعي لبعض المعلومات والأحداث في مدة معينة، أو عام لمعظم أو كل المعلومات الشخصية مثل هويته أو ماضيه بالكامل، وقد يضطر المريض أن يبدأ حياته من جديد بهوية مختلفة تمامًا.
قد يكون فقدان الذاكرة الانفصالي مرضًا وراثيًا في العائلة الواحدة.
اضطراب الهوية التفارقي
يعد أكثر أنواع الاضطرابات الانشقاقية شدةً، وكان يعرف قديمًا باضطراب تعدد الشخصيات، إذ يمتلك المريض عدة شخصيات وأصوات بداخله.
قد تتنوع هذه الشخصيات في الصوت، والعمر، والجنس، والتاريخ الشخصي، والعادات الخاصة بها، فمنها من تُدخن وأخرى لا تدخن، وواحدة تحتاج لنظارة لتحسين النظر وأخرى لا تحتاج.
كذلك قد تكون إحدى هذه الشخصيات لحيوان ما، ومن الممكن أن تختلف في لغة الجسد.
ينتقل المريض من شخصية لأخرى بشكل لا إرادي، ويمكن ملاحظة ذلك من طريقة تغير حركات وصوت الشخص، وطريقة تعامله مع الآخرين.
يميل بعض المعالجين النفسيين عند علاج اضطراب الهوية التفارقي، إلى إعطاء أسماء لكل شخصية على حدة، كأنهم بالفعل يتعاملون مع أكثر من فرد.
اضطراب تبدد الشخصية/ تبدد الواقع
اضطراب تبدد الشخصية هو انفصال الشخص عن نفسه أو جسده، وكأنه يشاهد نفسه وما يفعله من بعيد.
أما اضطراب تبدد الواقع هو انفصال الشخص عن الواقع المحيط به، ويشعر كأنه عالم غير حقيقي.
يصاب المريض باضطراب تبدد الشخصية أو اضطراب تبدد الواقع أو الاثنين معًا، وتحدث في شكل نوبات متفرقة قد تستمر لعدة دقائق أو أكثر.
يشعر المريض خلال هذه النوبات بعدة أشياء منها:
- كأنه مشوش أو يحلم.
- أن العالم المحيط به غير حقيقي.
- يشعر بالزمن يمر بطيئًا أو سريعًا.
- تكون الأصوات مشوشة أو منخفضة جدًا أو مرتفعة جدًا.
يستطيع المصاب بهذا الاضطراب أن يميز بين أوقات مروره بالنوبات، والأوقات التي يكون فيها طبيعيًا، الأمر الذي يختلف فيه عن مرضى باقي الاضطرابات النفسية؛ إذ إنهم لا يميزون بين الواقع والخيال.
ما هي الهستيريا الانشقاقية؟!
الهستيريا هي لفظ يطلق على أي تصرف مصحوبًا بزيادة في المشاعر والانفعالات.
كانت الهستيريا قديمًا تطلق على مجموعة من الاضطرابات النفسية، وكان يستخدمها الأطباء النفسيين كتشخيص للمرض النفسي، ثم بعد ذلك قسمت الهستيريا إلى مجموعة من الاضطرابات منها الاضطرابات الانشقاقية.
ومن هنا جاء لفظ الهستيريا الانشقاقية، وهي إحدى أنواع الهستيريا التي تتميز بتشوش في الذاكرة أو فقدانها، والانفصال عن العالم المحيط أو النفس.
كيف يمكن تشخيص الاضطرابات الانشقاقية؟
تشخص هذه الاضطرابات عن طريق عدة خطوات وهي:
- الفحص البدني
يفحص الطبيب جسد المريض ويسأله بعض الأسئلة عن ماضيه والأعراض التي يشعر بها، كما يجري الطبيب بعض الفحوصات.
يستطيع الطبيب أن يستبعد -بواسطة هذه الفحوصات- وجود أي أمراض جسدية مسببة الأعراض مثل الأرق أو أمراض المخ.
بعد ذلك يحول المريض إلى الطبيب النفسي لعدم معاناته من أي أمراض عضوية.
- الفحص النفسي
يعتمد الفحص النفسي على التحدث عن مشاعر وأفكار المريض، كما يمكن أخذ بعض المعلومات عنه من عائلته.
- تصنيف الأعراض طبقًا ل DSM-5
تصنف الأعراض التي تظهر على المريض طبقًا للمعايير المذكورة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (الطبعة الخامسة) DSM-5، الذي نشرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي.
عن طريق هذا التصنيف والمقارنة، يستطيع الطبيب تشخيص المريض بنوع واحد من أنواع الاضطرابات الانشقاقية.
المعايير التي تنص عليها DSM-5 لفقدان الذاكرة الانفصالي:
- يتعرض المريض لنوبة واحدة أو أكثر من فقدان شديد لمعلوماته الشخصية.
- هذه النوبة لا تنتج عن مرض عضوي أو أدوية أو شرب الكحول.
- تعوق الأعراض المريض عن ممارسة حياته وعمله أو التعامل مع أصدقائه وزملائه في العمل.
المعايير التي تنص عليها DSM-5 لاضطراب الهوية التفارقي:
- يختبر المريض عدة شخصيات مستقلة.
- المريض لديه فجوة في ذاكرته عن أفعاله وممارساته اليومية.
- لا تكون الأعراض نتيجة لشرب الكحول أو أي مرض عضوي.
- تمنع الأعراض المريض من ممارسة عمله والتعامل مع الأشخاص المحيطة بأريحية.
معايير DSM-5 لتشخيص اضطراب تبدد الشخصية/ تبدد الواقع:
- يختبر المريض نوبات دائمة أو متكررة من الانفصال عن الذات أو الواقع المحيط، مع الإدراك الكامل لهذا الانفصال.
- عدم ظهور الأعراض نتيجة لأمراض عقلية أخرى كالانفصام في الشخصية، أو شرب الكحول أو اضطرابات انشقاقية أخرى.
- أعراض المريض تعوقه من ممارسة حياته أو علاقاته.
علاج الاضطرابات الانشقاقية
يعتمد العلاج على العلاج النفسي والأدوية.
العلاج النفسي
هو العلاج بالتحدث الذي يعتمد على محادثة الطبيب النفسي للمريض خلال جلسات العلاج، ومساعدته على التعامل مع نوبات انفصاله والصدمات التي يواجهها.
الأدوية
لا يوجد دواءًا محددًا لعلاج هذه الاضطرابات، ولكن يعتمد الأطباء على أدوية مثل مضادات الاكتئاب ومضادات القلق لعلاج الأعراض.
تعد الاضطرابات الانشقاقية أحد الأمراض النفسية التي يجب الاهتمام بها وعلاجها، وتكون أولى خطوات العلاج باعتراف المريض بمرضه.
يحتاج المريض للمساندة النفسية من طبيبه وعائلته، حتى يستطيع التغلب على مرضه وعلى أي موقف صادم، مع العلم أن مدة العلاج قد تطول.
لذلك لا تيأس ولا تتراجع واستمر في العلاج، فلكل طريق نهاية دائمًا.
اقرأ أيضًا
داء ألزهايمر | الأعراض والعلاج
الكلورازيبات | وداعًا أيها القلق!