طب عامطبي

الساعة البيولوجية وانتظام النوم

اعتدت احترام الساعة البيولوجية للنوم منذ الصغر.

اذكر عندما أمضت معنا ابنة خالتي بعض الوقت، وأضاءت الغرفة خلال نومي، فقلت لها: أغلقي النور سريعًا فإن الميلاتونين لا يظهر إلا في الظلام!.

ففزعت وخرجت من الغرفة قائلة: هل أصابك جن أم ماذا؟!، ما هذا الذي لا يظهر إلا في الظلام؟!

لم أتمالك نفسي من الضحك ونهضت لأوضح لها الأمر.

ما هي الساعة البيولوجية؟

الساعة الحيوية أو الساعة البيولوجية (biological clock):

دورة مدتها 24 ساعة؛ فهي مرتبطة بدوران الأرض حول نفسها، وتتأثر بالضوء والظلام.

يعتمد الجسم على إيقاع الساعة البيولوجية (circadian rhythm) ليعرف متى ينام ومتى يستيقظ.

كذلك لها تأثير على ما يلي:

  • النوم والاستيقاظ.
  • درجة حرارة الجسم.
  • مناعة الجسم.
  • الإحساس بالشبع والجوع.

لكن ما هو اضطراب الساعة البيولوجية وكيف نضبطها؟

اضطراب الساعة البيولوجية

ارتبطت اضطرابات النوم بهرمون يُطلق عليه الميلاتونين (melatonin) الذي يساعد الجسم على النوم والاستغراق في النوم.

يُنتج هذا الهرمون من الغدة الصنوبرية (pineal gland) الموجودة بالدماغ

حيث تعطي قرنية العين -عندما يصلها الضوء- الإشارات إلى غدة المهاد أو الهايبوثالامس، التي بدورها تعطي الإشارات إلى الغدة الصنوبرية، التي بدورها تُنتج هرمون الميلاتونين.

توجد مستقبلات هذا الهرمون في الغدة النخامية والمبيضين، والشعيرات الدموية، والمسالك المعوية، فيؤثر في العمليات الحيوية للجسم.

الميلاتونين مضاد للأكسدة؛ لذا له خصائص مضادة للشيخوخة، ويؤثر أيضًا على مناعة الجسم.

يُفرز هرمون الميلاتونين -والذي يطلق عليه أيضًا هرمون النوم- خلال الليل والظلام بتركيزات طبيعية مناسبة لعمل الجسم بكفاءة.

كذلك يخبر ضوء النهار جسدك بتقليل إفرازه.

لذا فإن اضطراب النوم والسهر ليلًا سوف يؤديان إلى ضعف إنتاج هذا الهرمون الهام.

لنتعرف أولًا إلى مسببات اضطراب النوم التي تؤثر في إنتاج الميلاتونين:

1.إرهاق السفر واضطراب الطيران (jet lag)

السفر إلى مناطق ذات توقيت مختلف (time zone):

عندما تسافر من بلدك في العاشرة ليلًا؛ لتصل إلى بلدة أخرى لتجدها في السابعة صباحًا، فإن جسدك المسكين لا يستطيع أن يفهم ما حدث!

كيف له في ساعات بسيطة أن يتحول من الليل إلى النهار؟!

تريد النوم في الوقت الذي يستيقظ فيه الجميع!!

يستغرق جسدك الكثير من الوقت ليعتاد فرق التوقيت، مما يعرضك حتمًا لاضطرابات النوم نتيجة الخلل في الساعة البيولوجية.

2.تغيير جدول النوم

عندما تضطر إلى العمل بدوام ليلي، فإن الساعة البيولوجية تحتاج إلى إعادة ضبط؛ حتى تعتاد مواعيد النوم والاستيقاظ الجديدة. 

يحتم عليك مثلًا أن تستيقظ في التاسعة مساءًا وتنام في الخامسة صباحًا.

لذا تنام بصعوبة في النهار، وتستيقظ وأنت مرهق في الليل.

3.بيئة وظروف النوم

الإضاءة والضوضاء تخبر جسدك أن الوقت غير مناسب للنوم، وتجد نفسك في حالة من القلق لعدم قدرتك على الخلود إلى النوم.

مثال على ذلك:

  • تأثير الأجهزة الإلكترونية على النوم

يميل الكثيرون إلى استخدام هواتفهم المحمولة أو الحاسب المحمول في الوقت السابق للنوم مباشرة. 

يتسبب ذلك في حالة من الانتباه عوضًا عن الخلود إلى النوم.

يخرج من هذه الأجهزة الإلكترونية ما يعرف بالضوء الأزرق.

فإن التعرض وقت النوم لهذا الضوء يقلل من إفراز الميلاتونين.

ينجم عن ذلك عدم الحصول على  قسط وافر من النوم، والشعور بالتعب والقلق.

4.الإصابة بالمرض

تتسبب بعض الأمراض في اضطراب النوم مثل:

  1. الذهان (dementia)، ألزهايمر (alzheimer’s disease)، الشلل الرعاش (parkinson’s disease).
  2. إصابات الرأس.
  3. الإفاقة من الغيبوبة.
  4. الاكتئاب.
  5.  كما تؤثر بعض أدوية الجهاز العصبي المركزي على نمط النوم.

5.تناول الكحوليات

يؤثر تناول الكحوليات على نمط النوم، ويؤدي إلى اضطرابه.

6.طيور الليل وطيور النهار

هناك أيضًا من نطلق عليهم طيور الليل (night owls)؛ أولئك الذين يسهرون طوال الليل وينامون في النهار، وعادة ما يكونون في سن المراهقة.

وعلى الطرف الآخر يوجد من نطلق عليهم طيور الصباح (early birds)؛ أولئك الذين ينامون الساعة الثامنة مساءً ويستيقظون ما بين الثالثة والخامسة صباحًا.

وكلاهما معرضان للقلق والأعراض الناتجة عن اضطراب ساعته البيولوجية.

أعراض اضطراب الساعة البيولوجية

  • الأرق: صعوبة النوم والاستغراق في النوم والحصول على عدد مناسب من ساعات النوم.
  • النوم خلال النهار والشعور بالنعاس.
  • صعوبة الاستيقاظ من النوم صباحًا.
  • الاكتئاب.
  • ضعف الأداء في العمل والدراسة.
  • عدم القدرة على الالتزام بالواجبات الاجتماعية.

بعدما عرفنا مسببات اضطراب الساعة البيولوجية وأعراضها؛ هيا نكتشف طريقة ضبطها.

ضبط الساعة البيولوجية

 تُضبط الساعة البيولوجية بعلاج اضطرابات النوم بالعلاج السلوكي كالتالي: 

1.التعرض للضوء الساطع

يستجيب الأشخاص الذين يعانون اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية إلى العلاج بالتعرض للضوء؛ لاسيما التعرض للضوء الساطع.

ينصح المتخصصون في عيادات النوم كل شخص يعاني اضطرابات النوم بالتعرض لمدة محددة للضوء، كذلك يُحدد توقيت التعرض للضوء.

مقدار وتوقيت التعرض للضوء يتوقف على حالة واحتياج كل شخص.

2.العلاج الزمني (chronotherapy)

يعتمد هذا العلاج السلوكي على التعديل المتدرج لوقت النوم حتى تصل إلى الجدول المناسب للنوم.

يُستخدم هذا العلاج للتخلص من الأرق الناجم عن الذَّهاب للنوم في الموعد غير المناسب للنوم.

مثال:

  1. إذا كنت تواجه مشكلة عدم الاستغراق في النوم متى ذهبت إلى سريرك، فعليك بالآتي:

 تؤخر ذهابك للنوم كل ليلة بضع ساعات تدريجيًا؛ حتى تصل إلى الموعد المناسب للنوم.

  1. إذا كنت تواجه مشكلة الاستغراق في النوم مبكرًا عن موعد نومك، فعليك بالآتي:

تقديم موعد الذهاب إلى سريرك حتى تنعم بنوم مريح. 

يجب عليك الآن؛ بعد أن ضبطت موعد نومك؛ أن تلتزم به جيدًا.

3.تعزيز الإشارات البيئية

وذلك بتوفير الظروف المناسبة للنوم أو الاستيقاظ.

العوامل التي يجب توافرها في أثناء النوم:

الهدوء، وإغلاق النوافذ، البعد عن الأضواء؛ فمن شأن ذلك أن يساعدك على النوم سريعًا.

العوامل التي يجب توافرها في أثناء الاستيقاظ:

الإضاءة الجيدة، وفتح النوافذ؛ فذلك سوف يبقيك يقظًا ونشيطًا.

كما يجب الحفاظ على مواعيد محددة للطعام ولجميع الأنشطة؛ فوجود روتين يومي يساعدك على حفظ إيقاع ساعتك البيولوجية منتظمًا.

4.تناول دواء الميلاتونين 

يساعدك على ضبط ساعتك البيولوجية، خاصة إذا كان عليك أن تسافر إلى بلد بتوقيت زمني مختلف عن بلدك.

استشر طبيبك في هذا الأمر.

بعض النصائح للحصول على نومة هنيئة

  • الذَّهاب إلى النوم والاستيقاظ في موعد محدد كل ليلة.
  • عدم الإسراف في تناول الكافيين أو تدخين السجائر.
  • عدم ممارسة رياضة عنيفة قبل الذَّهاب إلى الفراش مباشرة، وممارسة الرياضة في الصباح الباكر.
  • لا تعرض نفسك للإرهاق الشديد.
  • ألا تبقى في السرير بدون داعي؛ فإن السرير للنوم فقط.
  • عدم تناول الأكلات الدسمة ولا تفرط في شرب السوائل قبل الذَّهاب إلى النوم.
  • التوقف عن الإفراط في استخدام الهاتف المحمول؛ لأنه يسبب القلق والأرق والإحساس بالتعب الشديد، وعادة ما يقع المراهقين في هذه المشكلة. 

المراكز المتخصصة لطب النوم

قد يلجأ البعض إلى الذهاب إلى مراكز طبية متخصصة في تشخيص وعلاج اضطرابات النوم؛ إذ أنها:

  •  مزودة بأحدث الأجهزة المستخدمة في تشخيص اضطرابات النوم بمختلف أنواعها.
  • تعالج تحت إشراف أخصائيين نفسيين مدربين ولديهم خبرة في التعامل مع مشكلات اضطرابات النوم المختلفة.

فعلى من لا يستطيع معالجة نفسه وضبط ساعته البيولوجية ألا يتردد في الذَّهاب إلى أحد هذه المراكز الطبية المتخصصة.

والآن يا ابنة خالتي بعد أن أوضحت لكِ أهمية الساعة البيولوجية وما هو الميلاتونين وكيف السبيل إلى ضبطهما، أرجو منك إغلاق النور، نومًا هنيئًا لي ولكِ. ولكم جميعًا أتمنى نومًا منتظمًا. تصبحون على خير.

اقرأ أيضًا

ساعات النوم الهانئة | إليك أفضل 10 طرق للحصول عليها!

11 طريقة لرفع مستوى هرمون السعادة!

المصدر
sleepfoundationbritannicasciencedailywebmdhealthlinkbc

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى