الصحة النفسيةطبي

العمى الهستيري | من أطفأ نور عيني؟

بدأ الأمر بمشكلة عادية بين طرفين أحدهما سنّ سكِين لسانه ردًا لكرامته وانتصارًا على نظيره ولكن نظيره بدأ يصرخ فجأه أنا لا أرى! وأن عيناه أصابها العمى توقفت المشكلة لكن استمر الصراخ الهستيري نتيجة ما حدث، أنه العمى الهستيري.

في هذا المقال سنؤكد لك عزيزي القارئ أن العمى الهستيري ليس ادعاءً لإنهاء الخلاف بل هو أمر حدث ويحدث لبعض منّا.

أصل تسمية المرض (الهستيريا)

يرجع سبب التسمية لعام 460 ق.م حين كانت هذه الحالات تظهر لـ “أبقراط” أبو الطب، وتشتكي من عمى أو شلل أو فقدان حاسة السمع، أو حركات لا إرادية أو إغماء، رأى أبقراط أن الأعراض متزايدة لدى النساء أكثر من الرجال فأسند السبب إلى الرحم الذي يتمدد أو يتحرك مسببًا هذه الأعراض دون سبب عضوي حقيقي.

استمر الاعتقاد حوالي 2000 سنه إلى القرن السابع عشر حتى غير الطبيب شارل لبوا طبيب هنري الثاني ملك فرنسا هذا المفهوم عندما لاحظ أن المرض يصيب الرجال والنساء على حدى، وكانت الإصابات في الرجال تظهر غالبًا في صدمات ما بعد الحروب، أو نتيجة التعرض لانتهاكات جسدية في الطفولة.

في عام 1980 تغير اسم الهستيريا إلى اضطرابات التحويل وتم إلغاء لفظ “هستيريا” من السجلات الطبية!

ماهو العمى الهستيري؟

فقدان كامل أو متدرج لحاسة البصر في عين واحد أو كلاهما نتيجة تراكم الضغوط النفسية أو حدوث مشكلة أثرت على صاحبها بقوة، يعود السبب وراء حدوث الأعراض إلى تحقيق غاية أو هروب من ضغط.

فقدان أي وظيفة حركية أو حسية يندرج تحت أمراض اضطرابات التحويل.

هل تستمر حالة العمى الهستيري إلى الأبد؟

يفقد المريض حاسة البصر بشكل مفاجئ أو متدرج يشبه الأمر سحابة أمام عينيه في بدايته، قد يستمر الأمر لعدة دقائق وتعود حاسة البصر، أو يستمر الأمر لشهور ولكن في النهاية تعود مرة أخرى مع العلاج والمتابعة.

أسباب العمى الهستيري

لم يُثبت علماء النفس حتى الآن سبب محدد ولكن ربما كان وجود أحد عوامل الخطر التالية محفزًا لظهور اضطرابات التحويل:

  •  قد يكون هروبًا من الضغط الواقع على صاحبه، أو رفض تصديق حدث ما خاصة إذا كان يُشكل صدمة عاطفية أو جسدية.
  • التغيرات الحياتية الكبيرة إيجابية كانت أو سلبية؛ من شأنها التأثير على صاحبها وإحداث الضرر مثل: الطلاق أو ترك الوظيفة أو الانتقال من مكان لأخر أو التقاعد.
  • عوامل وراثية.
  • الاكتئاب.
  • كبت المشاعر والصدمات وعدم التعبير عنها.
  • شخصية تعاني صعوبات التكيف.

إذا كان العمى الهستيري جزء من اضطرابات التحويل فما هي تحديدًا اضطرابات التحويل؟

ظهور عَرض يطرأ على أعضاء الجسم حركيًا أو حسيًا دون وجود مشكلة عضوية حقيقة، ولكن الشكوى ليست ادعاء بل هي حقيقة تصيب البعض بنسبة قد تصل إلى 5% من الأشخاص بين عمر 10 أعوام إلى 35 عام، ويكون النصيب الأكبر من حظ النساء.

يُعد العمى الهستيري شكلًا من أشكال اضطرابات التحويل.

أعراض اضطرابات التحويل

تنقسم الأعراض إلى حسية:

  • فقدان حاسة البصر(hysterical blindness).
  • فقدان القدرة على الشم (anosmia).
  • عدم القدرة على السمع (Deafness).
  • فقدان الصوت (aphonia).
  • عدم القدرة على التحدث.

أعراض حركية:

  • التنميل وخدر الأطراف.
  • الشلل جزئي أو كُلي.
  • فقدان الاتزان.
  • فقدان للوعي.
  • الحركات لا إرادية مثل الرعاش.
  • التشنجات.
  • الغيبوبة.
  • عدم القدرة على البلع وتورم الحلق.

عدم التشخيص وتأخر العلاج قد يأخذ المشكلة لمنحنى أخطر، ومضاعفات حقيقة وربما إعاقات مستديمة لا شفاء منها.

أعراض العمى الهستيري

أعراضه تتلخص في فقدان كامل أو متدرج لحاسة البصر وعودتها بعد دقائق أو استمرار غيابها عدة شهور أحيانًا، ويشعر المريض بوجود سحابة على امتداد ناظريه وتشويش في الرؤية في بداية ظهوره.

تشخيص اضطرابات التحويل

يحتاج التشخيص إلى رحلة طويلة من الكشف والفحوص، والتحاليل ليُجزم الطبيب أن المشكلة نفسية تمامًا ولا علاقة لها بأي ضرر عضوي في جسم المريض.

  • الفحص البدني:

يعتمد الفحص البدني على سؤال المريض عن الأعراض التي يشكو منها والأعراض الموجودة فعليًا.

  • الفحص النفسي:

قد يحتاج الطبيب النفسي سؤال مريضه عدة أسئلة متعلقة بما يشعر به، وأفكاره، والضغوطات التي يمر بها، ومعرفة بعض التفاصيل من أفراد أسرته للوصول لأبعاد المشكلة التي يعانيها.

  • الاستناد إلى معايير التشخيص DMS-5 الخاصة باضطراب التحويل
  • وجود عرض واحد على الأقل من الأعراض الحسية أو الحركية.
  • عدم ظهور سبب لأعراض عصبية، أو فسيولوجية، بمعنى أن الأوعية الدموية سليمة والأعصاب سليمة.
  • دخول المريض في حالة توتر شديدة بسبب مشكلة أو ضغط نفسي.
  • عدم وجود تشخيص أكثر تناسبًا مع الأعراض غير تشخيصه كاضطرابات تحويل.

هل هي اضطرابات تحويل أم مرض آخر؟

قبل الإقرار بأن ما يعانيه المريض اضطرابات تحويل بشكل عام وعمى هستيري بشكل خاص، يحتاج الطبيب لاستبعاد ما يلي من الأمراض لتشابه أعراضها بما سبق ذكره:

  • الذئبة الحمراء.
  • التصلب المتعدد.
  • إصابة الحبل الشوكي.
  • السكتة الدماغية.
  • الشلل الدوري.
  • ضعف العضلات، أو اضطراب ضعف العضلات.

علاج اضطرابات التحويل

مريض اضطرابات التحويل بأنواعها ومريض العمى الهستيري بالأخص كانوا أشخاص طبيعيين تمامًا مثلنا، وانقلبت حياتهم رأسًا على عقب في ثوانٍ!

تخيل أنك جالسًا في غرفتك على أريكتك وتشعر فجأة أن أحدهم أطفأ النور! وليس أي نور بل نور عينيك تحديدًا كيف سيكون شعورك؟

ألم وخوف وارتباك، ورعب أحيانًا خَشْيَة ألّا تسترد نورهما.

علاج اضطرابات التحويل يشمل عدة محاور:

  • العلاج النفسي

يشمل العلاج الفردي الحديث حول ما يعانيه مريض اضطراب التحويل، والعمى الهستيري بالأخص من مشكلات؛ يضعه على أول طريق الشفاء، وجلسات العلاج الجماعي عامل مشجع لسرعة الشفاء والتخلص من المرض.

  • علاج السلوكي المعرفي(CBT) 

ليفهم المريض كيفية التعامل مع الأفكار السلبية وتغيير طريقة تعامله مع المشكلات وتجنب كبت المشاعر لعدم تكرار المرض مستقبلًا.

التنويم المغناطيسي والعلاج بالاسترخاء من شأنه تحرير الجسم من الضغوطات النفسية.

  • العلاج الدوائي

قد يحتاج جزء من العلاج للأدوية، كمضادات القلق ومضادات الاكتئاب للتخلص من الضغط المسبب لأعراض اضطراب التحويل؛ التي من ضمنها العمى الهستيري.

  • العلاج الطبيعي

قد ينتج اضطراب التحويل أعراض فقدان القدرة على الحركة أو حركات لا إرادية للجسم من شأن العلاج الطبيعي تداركها.

  • العلاج عن طريق تحفيز الدماغ

باستخدام الصدمات الكهربائية، والتحفيز المغناطيسي للتغلب على بعض الأعراض الحركية.

تلقي العلاج المناسب يلزمه متابعة مستمرة في حال انتهت المشكلة أو استمرت لذا لازم التنبيه.

  • المتابعة المستمر 

المتابعة الطبية في حالة استمرار العرض كبقاء العمى الهستيري مدة أطول أو غيرها من الأعراض غاية في الأهمية لتغيير طريقة العلاج المعتمدة؛ أملًا في التغلب على المشكلة.

علاج العمى الهستيري 

باتباع المحاور السابقة، للوصول بالمريض إلى الاستقرار النفسي وعودة النور لحياته من جديد.

العمى الهستيري وغيره من أعراض اضطراب التحويل؛ تحدث لكل من نالت منه أفكاره واقتاتت منه المشكلات ما شاءت، لا تسمح لها بالتهامك! فقاوم بقدر ما استطعت لا تكن فريسة لضغوطات الحياة، واطلب العون من أحبائك دون حرج، حالتك النفسية جزء من صحتك، وكلاهما أمانه فلا تتهاون فيها.

المصدر
mayoclinicverywellmind

د.ياسمين حمدي

حب القراءة والكتابة شغف لم أبرحه منذ الصِغر، و كتابة المقالات الطبية توجت هذا الشغف بما يرفع الوعي المجتمعي و يعود بالنفع في تبسيط ما أمكن من المعلومات الطبية و إيصالها للباحثين عنهُا، وليبقى الأثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى