يُعَدّ داء الورم الحبيبي المزمن (Chronic granulomatous disease- CGD) عوزًا مناعيًا وراثيًا نادرًا، يصيب خلايا الدم البيضاء التي تسمى البلعميات (Phagocyte)، مما يجعل المصابين بهذا المرض عرضة للإصابة بالالتهابات البكتيرية والفطرية المتكررة.
كذلك يطلق عليه متلازمة عجز العدلات والحبيبات قاتلة الطفولة، وهو أكثر شيوعًا في الذكور.
في هذا المقال سنأخذكم في جولة سنتعرف فيها إلى أعراضه وتشخيصه وطرق العلاج المختلفة.
ماهو داء الورم الحبيبي المزمن؟
هو نوع من الاضطرابات الوراثية يُسمى العوز المناعي الأولي، يصيب خلايا الدم البيضاء (البلعمة) ومنها العدلات (Neutrophils)، وتُعَدُّ العدلات هي المسؤولة عن محاربة البكتيريا والفطريات.
عجز العدلات يجعلها غير قادرة على حماية الجسم، مما يجعله غير قادر على مهاجمة وتدمير الميكروبات، ومن المحتمل أن تكون العدوى من النوع المهدد للحياة.
العدوى الأكثر شيوعًا في داء الورم الحبيبي المزمن غالبًا ما تصيب الجلد والرئة والعقد الليمفاوية والكبد، كذلك من الممكن أن تتكون مناطق منتفخة من الأنسجة الملتهبة مكونة الورم الحبيبي.
العوز المناعي والأمراض الوراثية
يولد بعض الأشخاص المصابين بمرض العوز المناعي الأولي (Primary Immunodeficiency disease) أو مرض نقص المناعة الأولي بخلل في جهاز المناعة، مما يجعلهم عرضة للإصابة المتكررة بالجراثيم المتمثلة في البكتيريا والفيروسات.
بعض أشكال العوز المناعي بسيطة لدرجة عدم ملاحظتها لسنوات، والبعض الآخر شديد ويُكتشف بعد الولادة مباشرة.
هناك أكثر من 300 نوع من اضطرابات نقص المناعة الأولية، تصنف إلى ست مجموعات بناءً على الجزء المصاب في جهاز المناعة، ويتضمن التصنيف ما يلي:
- نقص الخلايا التائية (الأجسام المضادة) (B cell (antibody) deficiencies).
- نقص الخلايا البائية (T cell deficiencies).
- مزيج من نقص الخلايا البائية والتائية (Combination B and T cell deficiencies).
- خلل الخلايا البلعمية (Defective phagocytes).
- القصور التكميلية (Complement deficiencies).
- مجهول السبب (Idiopathic).
ما مدى شيوع داء الورم الحبيبي المزمن CGD؟
يُعَدُّ هذا المرض من الأمراض النادرة، إذ يُشخص به 1 من كل 20 إلى 25 ألف شخص حول العالم، وهو أكثر شيوعًا في الذكور.
عوامل الخطورة
هي العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بالمرض، وتتمثل في:
- الجنس: الذكور أكثر عرضة للإصابة من الإناث.
- التاريخ العائلي للمرض: إذا شُخص أحد أفراد العائلة بالمرض يعني أنه موجود في العائلة بشكل متنحي.
- الوراثة: المرض وراثي سببه طفرة جينية وينتقل من الآباء للأبناء.
أسباب داء الورم الحبيبي المزمن CGD
تلعب العوامل الوراثية دورًا هامًا في الإصابة بهذا المرض، وتنقسم هذه العوامل إلى:
الطفرات الجينية
يُعَدُّ السبب الرئيسي لمتلازمة العدلات العاجزة طفرة جينية في أحد الجينات الخمسة ( CYBA, CYBB, NCF1, NCF2, NCF4) مسببةً خللًا في إنزيم (NADPH oxidase).
ينتج هذا الإنزيم مادة تسمى سوبراكسيداز (Superoxide)، التي لها خصائص سُمّية تساعد في القضاء على البكتيريا والفطريات.
عند حدوث الطفرة لن تُنتج هذه الأنزيمات أو ستنتج معطوبة، مما يترك الجسم عُرضة للميكروبات.
بعض المرضى المصابون بداء الورم الحبيبي المزمن (CGD) لا يملكون أحد الطفرات الجينية، وفي هذه الحالات يكون من الصعب على الأطباء معرفة سبب المرض.
الوراثة
يُورّث المرض من الوالدين للأبناء بطريقة وراثية متنحية، ومن الممكن أن ينقسم إلى قسمين:
- نمط متنحي مرتبط ب (X) كروموسوم (X-linked CGD)
في هذا النوع تصيب الطفرة جين (CYBB)، ويقع هذا الجين على الكروموسوم X وهو أحد الكروموسومات الجنسية، ويُعد هذا النوع هو الأكثر شيوعًا في داء الورم الحبيبي المزمن (CGD).
في الذكور لديهم كروموسوم (X) واحد؛ لذا تكفي نسخة واحدة محورة من الجين في كل خلية للتسبب في المرض.
أما الإناث فلديهم (2X) لذا لا بد أن تكون الطفرة في كلتا النسختين لظهور أعراض المرض، ومع صعوبة أن يكون لدى الإناث نسختان محورتان من هذا الجين فالمرض يصيب الذكور أكثر من الإناث.
ترث الأنثى المرض في صورة متنحية وتعد ناقلة للمرض، ونادرًا ما تظهر عليها أعراض خفيفة للمرض، مثل: زيادة وتيرة العدوى الفطرية أو البكتيرية.
الذكر المريض ينقل المرض إلى جميع بناته ويكن حاملات للمرض، ولكنه لا ينقل العدوى لأبنائه الذكور.
- نمط وراثي جسمي متنحي (Autosomal recessive CGD)
يحدث فيه المرض بسبب طفرات جينية في الجينات (NCF1, NCF2, NCF4, CYBA)، وهي صبغيات جسدية غير جنسية، لذا تكون الحالة الموروثة في نمط وراثي جسمي متنحي.
يحمل والدا الشخص المصاب بحالة جسمية متنحية نسخة واحدة من الجين المتحور، ولكن لا تظهر عليهم أعراض المرض.
في هذا النمط يتأثر الرجال والنساء بالتساوي.
أعراض داء الورم الحبيبي المزمن CGD
غالبًا ما تظهر الأعراض في مرحلة مبكرة من الطفولة، ونادرًا ما يشخص عند البالغين، ومن أهم أعراضه:
- الالتهابات المتكررة التي تسببها الفطريات والبكتيريا.
- أخرجة في الكبد أو الرئتين أو الجلد أو الطحال.
- الأورام الحبيبية (كتل من الخلايا تظهر في موقع الالتهاب أو العدوى).
- آلام البطن المزمنة.
- الإسهال المستمر.
- القيء والغثيان.
- انسداد الأمعاء.
- تورم في الغدد الليمفاوية.
- ألم في الصدر مع الشهيق والزفير.
- سيلان أنفي مزمن.
- تهيج الجلد (طفح الجلد وتورمه).
- احمرار وتورم الفم.
- البراز الدموي.
- التهاب العظم والنقي.
متى يجب زيارة الطبيب؟
يرجى التوجه لزيارة الطبيب إذا كنت أنت أو طفلك تعانون:
- الإصابة بنوع من الالتهاب الرئوي الفطري بسبب التواجد حول تبن أو قش.
- إصابات متكررة وظهرت عليكم الأعراض السابق ذكرها.
تشخيص داء الورم الحبيبي المزمن CGD
يشخص مرض الورم الحبيبي المزمن وفقًا لعدة إجراءات، كما يلي:
الفحص السريري
يجري الطبيب فحصًا بدنيًا ويبحث في وجود أورام حبيبية أو التهابات متكررة، كذلك سيسألك عن التاريخ المرضي للعائلة.
اختبارات وظائف العدلات
يطلب الطبيب اختبارات مخصصة لتحديد ما إذا كانت خلايا العدلات تعمل أم لا، ومن أشهرها اختبار قياس التدفق الخلوي باستخدام اختبار دايهيدرودامين 123 (Dihydrorhodamine 123) أو اختبار الشريحة (the nitroblue Tetrazolium (NBT) slide test).
تعتمد هذه الاختبارات على إضافة مواد كيميائية إلى عينة الدم؛ لقياس قدرة خلايا الدم البيضاء (العدلات) على تكوين المواد السامة التي تستخدم في قتل الميكروبات.
الاختبار الجيني
يفحص المختص عينة الدم جينيًا؛ لتحديد الجين المعيب الذي يسبب مرض (CGD).
فحص ما قبل الولادة
إذا شخص أحد أطفالك بالفعل بداء الورم الحبيبي المزمن فمن الممكن أن يطلب الطبيب اختبارات ما قبل الولادة.
علاج داء الورم الحبيبي المزمن CGD
يستخدم الأطباء العديد من الأدوية للسيطرة على الأعراض وإدارتها، ومن أهم العلاجات المستخدمة:
المضادات الحيوية (Antibiotics)
تستخدم مضادات البكتيريا لعلاج الالتهابات الحادة وكذلك للوقاية منها.
مضادات الفطريات (Antifungals)
ومن أهمها اتراكونازول (Itraconazole)، وتستخدم في علاج الالتهابات الفطرية والوقاية منها.
الكورتيكوستيرويدات (Corticosteroids)
يمكن استخدامها كذلك في علاج الالتهابات، ولكن يجب الحذر من استخدامها بكثرة، وذلك لخصائصها المثبطة للمناعة التي قد تزيد من مخاطر الإصابة بالعدوى.
حقن انترفيرون جاما (Interferon-gamma injections)
هي نسخة صناعية من مادة ينتجها جهاز المناعة الطبيعي، تستخدم للتقليل من شدة العدوى وتكرارها.
كذلك يجب عليك الحذر من تناول أي أدوية دون وصفة طبية.
زراعة الخلايا الجذعية
يستخدم الأطباء زراعة الخلايا الجذعية لعلاج مرضى داء الورم الحبيبي المزمن. تؤخذ الخلايا الجذعية غالبًا من أقارب المريض بعد إجراء فحوص التوافق.
في أثناء العملية تستبدل الخلايا الجذعية السليمة العدلات العاجزة في خلايا الدم البيضاء، مما يحسن من قدرتها على مواجهة وقتل الميكروبات.
نظرًا لمخاطر هذا الإجراء، يؤخذ في الاعتبار عمر المريض وصحته العامة مع عوامل أخرى.
مضاعفات داء الورم الحبيبي المزمن CGD
من الممكن أن يؤدي مرض الورم الحبيبي المزمن إلى مضاعفات خطرة، منها:
- اضطرابات المناعة الذاتية (Autoimmune disorders)، ويحدث في أقل من 5% من الحالات.
- صعوبة هضم الطعام بسبب الالتهابات والأخرجة.
- تأخر النمو (Growth retardation).
- مرض التهاب الأمعاء (Inflammatory bowel disease).
التوقعات المستقبلية للمرض (Prognosis)
تختلف التوقعات طويلة المدى للمرضى وفقًا لشدة أعراضهم، إذ تقلل العدوى المتكررة من متوسط عمر المصاب، ومع ذلك فقد أدت التطورات الحديثة إلى تحسين وإدارة أعراض المرضى.
في الواقع، يعيش مريض (CGD) الآن 40 عامًا على الأقل، ويرجع ذلك إلى الاستخدام الروتيني للعلاجات الوقائية.
في الختام عزيزي القارئ، إذا كنت مصابًا أو لديك طفل مصاب بداء الورم الحبيبي المزمن فمن المهم جدًا المحافظة على العلاج الوقائي مع المراجعة الدورية للطبيب.