تعودت كل يوم قبل نومي أن أعدد نعم ربي عليّ، وأفكر كم من نعمٍ جليلةٍ أحاطني بها، وأكاد أجزم أن ابني حسن من أعظمها، ورحلتنا مع العين الكسولة خير دليل.
سأحكي لكم من البداية…
أتذكر أنه كان مشتاقًا للدنيا، وصل إليها بعد سبعة أشهر فقط من حملي… طفل جميل بوزن أقل من الطبيعي.
مرت السِّنُون سريعة وأنا أرى ابني يكبر أمامي ويضيف إلى حياتي حياة.
اكتشاف العين الكسولة
بحكم كون حسن ابني الوحيد كنت أبالغ في القلق عليه والاعتناء به، فمثلًا كنت أحرص على إجراء كشف دوري على عينيه منذ شهوره الأولى.
كانت هذه العادة لطفًا خفيًا، إذ إنني أذكر في عامه السادس عندما لاحظ الطبيب تباين قدرة عينيه على رؤية العلامات الصغيرة خلال كشف النظر.
حاول الطبيب معه مرة أخرى فقدم له مجلة ملونة مليئة بالحروف والأشكال، وبدأ يسأله: “أخبرني يا حسن ما هذا الحرف؟” هنا لاحظ الطبيب أن إجابة ابني كانت سريعة وواثقة عند النظر بعينه اليمنى، في حين تأخرت إجابته وتلجلج لسانه عند الاعتماد على عينه اليسرى فقط.
توجه إليَّ الطبيب وسألني إن كنت ألاحظ أن ابني يُثبت رأسه على وضعية معينة في أثناء مشاهدة التلفاز. وعندما أجبته بالإيجاب عبر الطبيب عن شكه بأن ابني يعاني الكسل البصري، وبعد إجراء الفحوص تأكد شكه هذا.
كنت لاحظت أن حسن يرمش بعينه كثيرًا، ولكن ظننتها حركة جديدة يُجربها للفت الانتباه.
يملأني الشعور بالذنب كلما تذكرت صيحاتي عليه بأن يجلس جيدًا ويضبط وضعية رأسه، لم يخطر ببالي أنها طريقة ما يتبعها صغيري حتى يرى بوضوح.
لن أنسى دهشتي من تعبير الطبيب وهو يشرح لي حالة ابني. حين قال: “سيدتي بمنتهى البساطة، عقل حسن تجاهل العين الكسولة لأنها أرسلت إليه صورة غير واضحة فاعتمد على عينه اليمنى. مهمتنا في المرحلة القادمة هي تنشيط العين اليسرى الكسولة.
رحلة العلاج
بدأت رحلة العلاج مع ابني التي كانت تبدو بسيطة في البداية.
ولكن إقناع طفل صغير بضرورة تغطية إحدى عينيه لبضع ساعات في اليوم ولمدة عدة أسابيع ليس بالأمر الهين إطلاقًا.
أذكر هذه المرحلة جيدًا تجلى فيها عند حسن ومكابرته في بعض الأحيان، وتارة أخرى أرى طفلي الصغير باكيًا رافضًا تغطية إحدى عينيه.
كنت أكتم دموعي وأنا أرى حسن يجد صعوبة في الرؤية، كان الأمر يوتره كثيرًا ويغضبه ويبكيني.
العين الكسولة وسبايدرمان
ابني هو صديقي، حواري معه بلغة العقل كان أقصر الطرق لتنفيذ مثل هذه المهام الشاقة.
تحدثنا عن ضرورة تغطية عينه اليمنى حتى نعطي فرصة لهذه العين الكسولة.
حاولت تلطيف الأجواء قدر المستطاع عن طريق مشاهدة حلَقات من مسلسله المفضل، أو اصطحابه في نزهات استثنائية أنا وهو فقط نتمشَّى ونتحدث معًا.
كان ابني عاشقًا للصلصال وطالما قضى أوقاته في اللعب به. أذكر أنني ساعدته في تشكيل صلصالًا على هيئة سبايدرمان استعملت ألوانه ورسمت هيئته، وفي النهاية غطيت إحدى عينيه بلون مختلف.
فرح حسن كثيرًا بهذا المُجسم وظل محتفظ به وساعده على اتباع تعليمات الطبيب.
مع الوقت تقبل ابني الفكرة وفهم ببساطة مشكلة العين الكسولة فالتزمنا بالعلاج كما أوصى الطبيب. هذا الذي كان يتلقى العديد من الاتصالات اليومية من أم غلبها القلق حتى أصبحت تنقل أدق تفاصيل ابنها لطبيبه.
أذكر أنه في أحد المكالمات حاول أن يُهدأ من روعي موضحًا أننا اكتشفنا هذا الكسل البصري مبكرًا، مما يجعل الوضع تحت السيطرة.
أما الآن فلا يسعني سوى أن أحمد ربي. فبعد الالتزام بالعلاج بدأت العين اليسرى في استيعاب الدرس جيدًا، رأت نتيجة كسلها وقررت التخلي عنه.
أصبح حسن يرى بعينيه بوضوح دون الحاجة لغطاء أو قطرات.
ما زلت أحتفظ بتلك الصورة لمُجسَم سبايدر مان، واليوم يكمل ابني عامه السابع ومازلت أحافظ على عادة كشفه الدوري.
لمزيد من المعلومات أقرأ أيضًا
الكسل البصري | استعمل نظرك أو اخسره
رائع.. السهل الممتنع المعلومه وصلت بساطه ووضوح.