يَتساءل البعض لمَ يُعانون عسر الهضم في رمضان عن باقي الشهور؟ ألا يُدركون حجم الكارثة التي يرتكبونها!
أجل كارثة، تَبقى المعدة فارغةً ما يقرب من 14 ساعة (ساعات الصيام)، إلى أن يحين وقت الإفطار فيُداهم المعدة بوجبةٍ كبيرةٍ دسمة.
ثم يَتبعها بتناول الحلويات والعصائر المليئة بالسكر، مما يُضعف قدرة المعدة والأمعاء على الهضم.
من هنا تأتي مشكلة عسر الهضم في رمضان. سنُجيب كل تساؤلاتك عن أسبابه وكيفية علاجه والوقاية من تكراره.
ما عسر الهضم (Dyspepsia)؟
هو اضطرابات المعدة والأمعاء مصحوبة بمجموعة من الأعراض، وهي كالآتي:
- ألم بالجزء العلوي من البطن.
- حُرقة المعدة.
- غازات وتجشؤ وانتفاخات.
- الشعور بعدم الراحة والامتلاء في أثناء الأكل وبعده.
- غثيان أو قيء.
- المذاق الحمضي.
قد يكون عسر الهضم في رمضان مؤشرًا لأمراضٍ خطيرةٍ؛ لذا يجب زيارة الطبيب إذا عانيت أيًا من الأعراض الآتية:
- تقيؤ دم بني اللون (دم مهضوم).
- إذا لاحظت دمًا بالبراز أو كان لونه أسودًا.
- الفقدان المفاجيء للشهية أو الوزن.
- ألم شديد بالبطن غير مرتبط بالطعام مصحوب بعدم الراحة.
- إذا كان عُسر الهضم مصحوبًا بضيق التنفس أو تعرق، أو ألمٍ بالصدر يَمتد إلى الرقبة أو الذراع فقد يكون مؤشرًا لبداية نوبة قلبية.
مضاعفات عسر الهضم في رمضان؟
يُصاحب عسر الهضم المستمر والشديد بعض المضاعفات، ومنها:
ضيق المريء (Esophageal Stricture): قد يَتسبب تَعرض المريء الدائم لحمض المعدة في ضيقه يتبعه صعوبةً في البلع وألمًا بالصدر، وهنا يلزم التدخل الجراحي لتوسيعه.
تضيق البواب (Pyloric Stenosis): ربما تُؤدي حموضة المعدة الزائدة إلى ضيق الممر بين المعدة والأمعاء الدقيقة (البواب)، فيَلزم التدخل الجراحي.
التهاب الغشاء البريتوني (Peritonitis): قد تَتسبب حموضة المعدة الزائدة في تلف وتهتك بطانة الجهاز الهضمي، يُصاحبه أحيانًا التهابًا بالغشاء البريتوني.
يُعد عسر الهضم عرضًا وليس مرضًا، يُعانيه ما يقرب من 30% من سكان العالم.
ما أسباب عسر الهضم في رمضان؟
تَتباين مسببات عُسر الهضم بين العادات الغذائية والصحية الخاطئة إلى الحالات المرضية في رمضان وغيره من الشهور.
أولًا: نظام الحياة غير الصحي (Unhealthy lifestyle)
يُمارس البعض عادات خاطئة ولا يُدركون مدى ضررها على صحتهم، وتشمل الآتي:
- تناول الوجبات سريعًا دون المضغ جيدًا.
- التَحدث في أثناء تناول الطعام؛ فيسبب ابتلاعًا مزيد من الهواء يُصاحبه تجشؤًا وانتفاخًا (عسر الهضم).
- تَناول الأدوية التي تُهيج المعدة من مضادات الالتهاب اللاستيرويدية (NSAIDS) (مثل: الأسبرين والكيتولاك)، والمضادات الحيوية (مثل: أوجمنتين، وتتراسيد).
- التدخين في رمضان وغيره من الشهور والإفراط في تناول الكحول.
- السمنة (زيادة الوزن).
- الإجهاد والتعب واضطرابات النوم.
- المشكلات العاطفية (مثل: القلق، والتوتر) تُزيد حدة الأعراض.
ثانيًا: الأمراض
قد يكون عسر الهضم في رمضان عرضًا لمجموعةٍ من الأمراض تتضمن الآتي:
- الارتجاع المعدي المريئي (GERD).
- عدوى الملوية البوابية (H- Pylori).
- القرح الهضمية (Peptic Ulcers).
- سرطان المعدة (Stomach Cancer) لكنه نادرًا.
- متلازمة القولون العصبي (IBS).
- الحصوات المرارية (Gallstones).
- الالتهاب المزمن للبنكرياس (Chronic Pancreatitis).
- فشل الكبد (Hepatic Failure).
- فتق الحجاب الحاجز (Hiatal Hernia).
- خزل المعدة (Gastroparesis) وهو تَباطؤ حركة المعدة يُعانيه غالبًا مرضى السكري.
- خلل في بكتيريا الجهاز الهضمي، وهو زيادة البكتيريا الضارة عن النافعة.
قد يُعاني البعض عسر الهضم في رمضان ليس له علاقة بما سبق ذكره، في هذه الحالة يُطلق عليه عسر الهضم الوظيفي أو غير التقرحي.
تَتسبب أحيانًا التغيرات الهرمونية، وضغط الجنين على المعدة في الثلاثة أشهر الأخيرة في عسر الهضم.
التشخيص
سيسألك الطبيب بعض الأسئلة لمعرفة الأعراض وأوقاتها ومكان الألم، وكذلك التاريخ الصحي لك ولعائلتك، ونظامك الغذائي والأدوية التي تتناولها.
يَتبعه الفحص السريري بالضغط على مناطق مختلفة من بطنك، ومن مكان الألم يمكنه معرفة السبب، ويَلجأ أحيانًا لبعض الفحوصات لدقة التشخيص، ومنها:
- اختبارات الدم (Blood tests): لاختبار وظائف الكبد وصورة الدم الكاملة.
- اختبار العدوى الملوية البوابية (H- Pylori): من خلال فحص الدم، أو اختبار البراز، أو اختبار التنفس.
- التنظير العلوي (Upper Endoscopy): يُدخل الطبيب أنبوبًا صغيرًا مرنًا مزودًا بكاميرا لرؤية المعدة والأمعاء جيدًا من الداخل.
كما يُمكنه أخذ خُزعة من الأنسجة لفحصها للتأكد من الإصابة بقرحةٍ أو ورم.
علاج عسر الهضم في رمضان
تَختلف طرق العلاج باختلاف المسبب إن كان مرضًا أو دواءً أو نمط حياة خاطئ، سنتعرف إليها سويا.
أولًا: تغيير نمط الحياة
قد يُساهم تغيير نمط الحياة في تخفيف الأعراض البسيطة وغير المتكررة، ويتحقق ذلك باتباع التعليمات الآتية:
- تجنب الأطعمة المقلية والحارة.
- الأكل ببطئ ومضغ الطعام جيدًا.
- تناول وجبات صغيرة في أوقات مختلفة.
- الحد من الأطعمة الحمضية، مثل: الفاكهة الحمضية، والطماطم.
- تجنب المأكولات والمشروبات المحتوية على كافيين.
- تجنب زيادة الوزن.
- الحد من تناول المشروبات الغازية واستبدالها بالماء.
- تناول الماء تدريجيًا وعدم الإفراط في تناوله في أثناء الأكل، فتناول كوب واحد يكفي لتسهيل الهضم.
- الإقلاع عن التدخين وتقليل تناول الكحول، فإنهما يزيدان تهيج المعدة.
- تجنب ارتداء الملابس الضيقة، لضغطها على المعدة فتدفع محتوياتها إلى المريء.
- الاسترخاء إذا كان التوتر والإجهاد سببًا فيه، من خلال التأمل والتنفس العميق.
- عدم الذهاب إلى النوم إلا بعد 3 ساعات على الأقل من آخر وجبة، وأخذ قسطًا كافيًا منه.
- النوم على وسادة مرتفعة، حيث تكون الرأس في مستوى أعلى من القدم.
- عدم ممارسة الرياضة أو النوم بعد تناول الطعام مباشرة.
ثانيًا: الإقلاع عن الأدوية المهيجة للمعدة
استشر الطبيب أو الصيدلي إذا شعرت بألم بالمعدة بعد تناول أي دواء، لاستبداله بآخر.
ثالثًا: علاج الأمراض المسببة في عسر الهضم في رمضان:
سنتناول علاج أحد الأمراض الشائعة التي يُصاحبها عسر الهضم في رمضان وباقي الشهور، وهو الارتجاع المريئي وحرقة المعدة.
علاج الارتجاع المريئي وحرقة المعدة
تَختلف الأدوية المستخدمة في علاجه وفقًا لحدة الأعراض، وتشمل:
مضادات الحموضة (Antacids): العلاج الأولي لعلاج عسر الهضم البسيط وغير المتكرر، تُصرف غالبًا بدون وصفة، ومنها: مالوكس (Maalox)، وجافيسكون (Gaviscon)، وفورا فروت (Fawar Fruit)، ورايوبان (Riopan).
مضادات مستقبلات الهيستامين 2 (H2 receptor antagonist): يُعد أكثر فعالية في علاج الأعراض من الخفيفة إلى المتوسطة، ومنها: زنتاك (Zantac)، وانتودين (Antodine).
مثبطات مضخة البروتون (PPIS): أكثر فعالية في علاج الحالات من المتوسطة إلى الشديدة، ومنها نيكسيم (Nexium)، وإبيرازول (Epirazole)، وكونترلوك (Controloc).
منظم حركة المعدة (Prokinetics): يُعزز حركة الطعام في المعدة، مثل: بريمبران (Primperan)، وموتيليوم (Motilium)، وقد يُصاحبهما تشنجات بالعضلات، واكتئاب وقلق وتعب.
المضادات الحيوية (Antibiotics): إذا كانت تقرحات المعدة بسبب الملوية البوابية (H- Pylori)، فيلزم تناول مضادات حيوية.
مضادات الاكتئاب (Antidepressants): قد تَتسبب مشكلات الجهاز العصبي في عسر الهضم؛ لذا تَناول جرعات منخفضة من مضادات الاكتئاب قد تُخفف الأعراض.
هل تساعد الفواكه سهلة الهضم على علاج عسر الهضم في رمضان؟
نعم تَلعب الفواكه سهلة الهضم دورًا في تخفيف أعراض عسر الهضم في رمضان، ومنها:
الباباظ (Papaya): يحتوي على إنزيم البابين (Papin) الذي يُساعد على هضم البروتين. غني كذلك بمضادات الأكسدة، والفيتامينات والمعادن، مثل: فيتامين A، وفيتامين K، والفولات.
الموز (Banana): غني بالبوتاسيوم والفيتامينات والمعادن، مثل: فيتامين B، والماغنسيوم، وفيتامين C.
كنتالوب (Cantaloupe): يُطلق عليه أيضًا شمام، يَحتوي على الألياف والعديد من الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة، مثل: فيتامين A، فيتامين C، والبوتاسيوم.
البطيخ (Watermelon): يَحتوي على نسبة عالية من السوائل، فيُفضل تناوله لتخفيف أعراض عسر الهضم، وتعويض السوائل المفقودة في أثناء الصيام.
غني كذلك بمضادات الأكسدة، وبيتا كاروتين (Beta- Carotene)، وفيتامين A، وفيتامين C، ويحتوي على البوتاسيوم ولكنه ليس بوفرة كباقي الفواكه.
شمام كوز العسل (Honeydew): نوع من البطيخ، غني بفيتامين C.
هل يمكنني الحفاظ على صحة جهازي الهضمي؟
أجل، يُمكنك الحفاظ على صحة جهازك الهضمي، من خلال اتباع نظام غذائي صحي لتحقيق التوازن بين الكائنات الحية الدقيقة التي تَعيش فيه.
يُوجد بالجسم ما يقرب من 500 بكتيريا في الجهاز الهضمي والتناسلي والبولي منها النافع والضار.
تُحافظ البكتيريا النافعة بقدرٍ كبيرٍ على صحة الجهاز الهضمي والقلب، وتُساعد على خفض الوزن، وقتل البكتيريا الضارة.
أسمعك تَتساءل الآن كيف أُحافظ على توازن الكائنات الحية الدقيقة داخل جهازي الهضمي، سأُجيبك في السطور القادمة، فتابع معي.
كيفية تحقيق توازن الكائنات الحية الدقيقة بالجهاز الهضمي
يمكنك تحقيق التوازن من خلال زيادة البكتيريا النافعة، وذلك باتباع الآتي:
تناول الأطعمة المخمرة والبروبيوتيك
أشارت أبحاث أن تناول أي منهما يُعزز صحة الجهاز الهضمي، ويَقي من سرطان القولون والتهاباته.
إليك بعض أمثلة الأطعمة المخمرة: الملفوف المخلل، والزبادي، والكفير، والكيمتشي.
إدماج الغذاء النباتي إلى نظامك الغذائي
معظم الأطعمة النباتية غنية بألياف البريبيوتيك -غذاء البكتيريا النافعة- الذي تَفتقر إليه المصادر الحيوانية مثل اللحوم والدواجن.
من أمثلة الأطعمة التي تحتوي على الألياف: الموز، والثوم، والبصل، والحبوب الكاملة، والبقوليات، ونبات الهليون، والهندباء البرية (جذور السريس).
تقليل السكريات والحلويات والدهون
أثبتت الدراسات أن تَناول الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون تُخل توازن بكتيريا الأمعاء.
أشارت دراسات أخرى أن سكر الأسبرتام (السكر الصناعي) يُزيد البكتيريا الضارة، ويَرفع سكر الدم ويُزيد خطر الإصابة بأمراض التمثيل الغذائي.
عدم الإفراط في تناول المضادات الحيوية
لتأثيرها السلبي على الأمعاء من خلال قتل البكتيريا النافعة، وعلى المناعة فتضعفها.
الانتظام على ممارسة الرياضة
تلعب الرياضة دورًا في الحفاظ على صحة الأمعاء.
الإقلاع عن التدخين
يُزيد التدخين في رمضان خطر الإصابة بداء الأمعاء الالتهابي (IBD)، ومشكلات القلب والرئة.
الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم
يُحسِن النوم صحة الجهاز الهضمي وكذلك الصحة النفسية؛ فاحرص على ألا تقل ساعات نومك عن 7 ساعات.
ختامًا، اعلم -عزيزي القارئ- أن صحتك النفسية والجسدية والمناعية من صحة جهازك الهضمي.
فاحرص أن يكون نظامك الغذائي صحيًا طوال الشهر وبعده، لتجنب معاناتك عسر الهضم في رمضان،