أعتدتُ أن أتقابل من حين لآخر مع صديقاتي، فعلى الرغم من المسئوليات التي لا تلبث أن تنتهي، إلا أن صداقتنا التي دامت لأكثر من عشر سنوات لم تنقطع، كنا نُساند بعضنا البعض في كل ما نمر به، تلك المرة كانت صديقتنا أميرة تعاني مشكلة إصابة والدتها بمتلازمة الكمال.
كنا نتبادل الحديث، والسؤال عن أحوالنا، حينما لاحظتُ صديقتي أميرة ساهمة، تبدو وكأنها في ملكوتٍ آخر.
“ما بكِ أميرة؟ تبدين وكأنك تحملين أطنانًا من الهموم” هكذا سئلت، ولم أتوقع أن يأتي الرد في صورة بكاء هستيري أذهلنا جميعًا.
تكلمت أميرة من بين شهقاتها “أصبح الوضع مستحيلًا، لا أستطيع أن أكمل حياتي بهذه الطريقة، ولا أدري كيف أتصرف؟ حقًا لقد نفدت طاقتي”.
حضنتها منى قائلة: “اهدئي، فقط أخبرينا ما المشكلة؟ وسنصل معًا إلى حل”.
” إنها أمي ثانيًا، أو قلن ثالثًا أو عاشرًا فلم أعد أستطيع عد المواقف”.
متلازمة الكمال
كنا جميعًا نعرف مشكلة صديقتنا أميرة مع والدتها، فهي قديمة الأزل؛ إذ إن والدة صديقتنا العزيزة دائمة الانتقاد لها، فهي تريد أن يبدو كل شيء مثاليًا، ولا تتراجع عن انتقادها أمام الآخرين، بل وأصابتنا نحن عدة مرات بانتقادها اللاذع.
واصلت أميرة الكلام “لقد انتقدت عملي و أخبرتني أن آمالها قد خابت بي، إذ إني لم أحصل على ترقية، هل تصدقن ذلك؟ أنها تجعلني ألهث وراء تحقيق رغباتها”.
أعراض متلازمة الكمال
قالت لبنى: “أعتقد أن والدتك يا أميرة مُصابة بمتلازمة الكمال، أذكر أني قد قرأت عن هذا، يريد الجميع أن تكون حياته مثالية. لكن الكمال يرتبط بتحقيق الإنجازات، والمثابرة لتحقيق الأهداف، بينما الكمال غير الصحي يرتبط بتحقيق توقعات مبالغ فيها، ورفض ارتكاب الأخطاء. وأعتقد أن والدتك يا أميرة من النوع الثاني”.
علقت أميرة قائلة “نعم، لا تقبل والدتي الأخطاء ولا بد أن يبدو كل شيء في أكمل صورة، منذ الصغر تضع على عاتقنا جميعًا تنفيذ تلك الرغبة. لقد كنت أذاكر دروسي وأجتهد طوال العام، ثم أخفق في الحصول على الدرجة النهائية بفارق بسيط، لم تكن أمي تقدر مجهودي، ولكن تنتقد عدم حصولي على الدرجة النهائية”.
قالت منى “نعم أذكر ذلك، كانت ذكريات صعبة، ولكني كنتُ أعتقد سلوك والدتك يا أميرة بسبب الوسواس القهري، ولم أكن أعرف بمتلازمة الكمال”.
الفرق بين متلازمة الكمال والوسواس القهري
أجابت لبنى “لا، هناك فرق بينهم. متلازمة الكمال ترتبط بالتوقعات والمعايير العالية، بينما في الوسواس القهري يتعرض الشخص لأفكار وسلوكيات متكررة لا يستطيع السيطرة عليها. قد يكون الكمال من أعراض الوسواس القهري وقد لا يكون”.
سكتت أميرة قليلًا ثم قالت “الآن فهمت سبب انتقادها المستمر لي بدءًا من دراستي إلى عملي وحتى مظهري وملابسي، لكن ما العمل؟ وهل يوجد حل لتلك الحالة؟”.
طرق العلاج
تكلمت منى “أعتقد أن عليكِ التحدث مع والدتك وإقناعها بأنك تبذلين جهدك وراضية بالنتائج. فالحياة مثل الرحلة يكمن السر في متعة السعي وليس الوصول إلى الغاية، كما أنه من غير الطبيعي عدم ارتكاب الأخطاء”.
أضافت لبنى “منى على حق يا أميرة، حبذا لو تتمتع والدتك ببعض المرونة في تقبل النتائج. وعليكِ أن تُفهميها بأنكِ في حاجة إلى مساندتها وأن انتقادها الدائم يؤذيكِ نفسيًا”.
“نعم، كلنا بشر نخطىء ونصيب، كلنا في الأسرة نتألم من انتقادات أمي، لكننا لم نخبرها بذلك من قبل. أعتقد أن علىّ التحدث معها بصدق لتفهم مشاعري”.
عقبتُ على كلام أصدقائي قائلة “أعتقد أن معرفة المشكلة هي أولى خطوات الحل، كما أن والدتك تحبك يا أميرة لذا تريد لكِ الأفضل دائمًا. فتحدثي معها وأنا واثقة أنكِ ستجدي نتيجة ترضيكِ. وهيا أبدلي هذا الوجه البائس وابتسمي قليلًا يا فتاة أقلقِتنا عليكِ”.
اقرأ أيضًا
متلازمة الكمال | السعي إلى المثالية