هل عانيت يومًا فقدان الذاكرة نفسي المنشأ؟ هل شعُرت أن عاطفتك قد سرقت منك ذاكرتك؟
لا تتعجب، فقد تتفاجأ بهذا الشعور المؤلم، وبينما يرفض عقلك تصديقه، يحارب قلبك كي ينفي هذا الاتهام عنه.
فكيف لهذا القلب وهو منبع الحب والعاطفة أن يكون سارقًا قاسيًا لذكرياتنا.
هذه الحالة تحدث في الحقيقة لبعض الأشخاص، وقبل أن نتعرف على معنى فقدان الذاكرة نفسي المنشأ وأسبابه، دعونا نتجول في رحلة عبر العقول لنرى كيف تتشكل الذكريات داخل المخ.
الذاكرة
المخ البشري معقد وغامض، والذاكرة هي من العناصر الأكثر غموضًا داخله.
يستطيع المخ تخزين البيانات بطريقتين هما: الذاكرة قصيرة المدى والذاكرة طويلة المدى.
ويوجد ثلاثة أجزاء رئيسية في المخ هي المسؤولة عن الذاكرة، وهي:
- الحصين (Hippocampus)
هو الجزء المسؤول عن صنع كلٍ من الذاكرة المرتبطة بالحقائق والأحداث اليومية، والذاكرة المرتبطة بالمسارات والطرق.
وهو أيضًا المسؤول عن تحويل الذاكرة قصيرة المدى إلى ذاكرة طويلة المدى.
- اللوزة (Amygdala)
هو الجزء المسؤول عن الذاكرة المرتبطة بالعاطفة والمشاعر، سواء كانت ذكريات تعبر عن خوف أو حب.
- الفص الصدغي (Temboral lobe)
هو فص من الفصوص الأربعة لمنطقة القشرة الجديدة (Neocortex) في المخ، وهو المسؤول عن الذاكرة التقريرية وهي نوع من أنواع الذاكرة طويلة المدى.
هناك عوامل عدة تتحكم في تشكيل الذاكرة داخل المخ، من أهمها: التغذية، والشيخوخة والتنشئة وغيرها من العوامل.
فقدان الذاكرة
وظيفة الذاكرة تعتمد على عدة أجزاء من المخ، لذلك فإن أي مرض أو إصابة تؤثر على الدماغ يمكنها أن تسبب فقدانًا للذاكرة.
وتبعًا لنوع هذه الإصابة تختلف أنواع فقدان الذاكرة، وهي:
- فقدان الذاكرة العصبي
يحدث نتيجةً لسكتة دماغية، أو التهاب الدماغ، أو لنقص الأكسجين الذي يصل إلى المخ.
- فقدان الذاكرة التفارقي (فقدان الذاكرة نفسي المنشأ)
وهو فقدان مؤقت في الذاكرة نتيجةً لصدمة انفعالية يتعرض لها المصاب، وعادة ما يستمر ذلك مدة قصيرة فقط.
ماذا يعني فقدان الذاكرة نفسي المنشأ؟
فقدان الذاكرة نفسي المنشأ، هو فقدان الذاكرة بسبب صدمة نفسية، إذ يؤدي إلى عدم القدرة على تذكُّر المعلومات الشخصية المهمّة.
وتتكون الذاكرة المفقودة من معلومات عن الأحداث المسبِّبة للصدمة النفسية، قد تستمر هذه المعلومات -على الرغم من نسيانها- في التأثير على السلوك أحيانًا.
أسباب فقدان الذاكرة النفسي
يعد فقدان الذاكرة نفسي المنشأ أكثر شُيوعًا بين النساء بالمقارنة مع الرجال، والأشخاص الذين عانوا أو شهدوا أحداثًا مؤلمةً، مثل سوء المعاملة في الطفولة، أوالاعتداء الجسدي أو الجنسي أو الاغتصاب، والحوادث، أو وفاة أحد أفراد الأسرة.
وقد ينتج أيضًا فقدان الذاكرة نفسي المنشأ عن القلق بشأن مشكلات وضغوطات مالية أو نزاع داخلي هائل، مثل: الشعور بالذنب تجاه بعض التصرفات، أو الصعوبات التي تبدو غير قابلة للحل، أو الجرائم المرتكبة.
يمكن أن يستمر فقدان الذاكرة نفسي المنشأ لبعض الوقت بعد وقوع هذا الحادث المؤلم.
وقد لوحظ أن الأشخاص الذين يعانون فقدان الذاكرة النفسي، يسترجعون الذاكرة من تلقاء أنفسهم أحيانًا بعد مدة قصيرة.
عوامل الخطورة التي تسبب فقدان الذاكرة النفسي
- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
- الاكتئاب.
- اضطرابات النوم.
- إدمان الكحولات وبعض الأدوية.
أعراض فقدان الذاكرة التفارقي
يعد العرض الوحيد والأهم لفقدان الذاكرة نفسي المنشأ هو فقدان الذاكرة الخاصة بمسبب الصدمة النفسية.
فلا يستطيع مرضى فقدان الذاكرة نفسي المنشأ تذكرَ المعلوماتِ الشخصية المهمَّة، التي تكون ذات صلة بالصدمة ولا تُنسَى عادةً.
كما يمكن ملاحظة بعض الأعراض الأخرى مثل:
- يظهر بعض المرضى حالة من التخليط الذهني وعدم المبالاة بشكلٍ مثير للغرابة.
- يعاني معظم المصابين بفقدان الذاكرة نفسي المنشأ واحدةً أو أكثر من الثغرات في ذاكرتهم.
- يجد مصابو فقدان الذاكرة نفسي المنشأ صعوبة في تشكيل العلاقات والحفاظ عليها.
- يسترجع بعض المرضى ذكريَّات من الماضي، كما يحدث في اضطراب ما بعد الصدمة، أي أنَّهم يسترجعون الأحداث كما لو كانت تحدث فعلًا، ويكونون غير مدركين للتاريخ الحالي.
- يعاني بعض المرضى أعراضًا أخرى، مثل: التعب أو الضعف أو مشكلات في النوم.
- يعدُّ الاكتئابُ والرغبة الانتحارية والسلوكيات المضرة مثل: تعاطي الأدوية والسلوك الجنسي المتهوِّر من المشاكل الشائعة في حالات فقدان الذاكرة نفسي المنشأ.
- يعاني بعض المرضى نَّوبَات الشرود التفارقيّ (Dissociative fugues) وهي اختفاء المرضى من جميع أماكنهم المعتادة.
أنواع فقدان الذاكرة نفسي المنشأ
- .فقدان الذاكرة المُوَضَّع (Localized amnesia): هو فقدان الذاكرة المرتبطة بأحداث محدَّدة أو مدّة معينة من الزمن، التي تعرض خلالها للضغط النفسي.
- وفقدان الذاكرة الانتقائي (Selective amnesia): هو فقدان الذاكرة الخاصة بجوانب معيَّنة من الحدث فقط أو مواقف محددة فقط خلال مدّة من الزمن.
- فقدان الذاكرة المعمَّم (Generalized amnesia): هو فقدان ذاكرة الهُوِيَّة الشخصيَّة أو قصَّة الحياة بأكملها، وأحيانًا المهارات المكتسبة.
- وفقدان الذاكرة المَنهجي (Systematized amnesia): هو فقدان ذاكرة المعلومات لفئة معيَّنة، مثل جميع المعلومات عن أشخاص معيَّنة أو عن الأسرة.
- فقدان الذاكرة المستمرّ (Continuous amnesia): فقدان الذاكرة لكل حدث جديد يحدث.
التشخيص
يُجري الأطباء عادةً فَحصًا سريريًا لاستبعاد الأسباب العصبية لفقدان الذاكرة، مثل داء ألزهايمر أو الخرف وكذلك للتحقق من ردود الأفعال.
كما تُجرى بعض الاختبارات الأخرى لاستبعاد الأسباب المحتملة لفقدان الذاكرة، وتشمل هذه الاختبارات ما يلي:
الاختبارات التشخيصية
- الأشعة المقطعية والتصوير بالرنين المغناطيسي لاستبعاد أورام الدماغ.
- تخطيط كهربيَّة الدماغ EEG لاستبعاد الإصابة بالصَّرع.
- تحاليل الدَّم لاستبعاد تناول العقاقير أو المنشطات، والتحقق من عدم وجود عدوى أو نقص فيتامينات.
الاختبار المعرفي
يفحص الطبيب تفكير المريض، وآراءه، وذاكرته الحديثة على المدى الطويل.
ويمكن للطبيب التحقق من معرفة المريض بالمعلومات العامة بالإضافة إلى معلوماته الشخصية وأحداث الماضي.
ويساعد تقييم الذاكرة على تحديد مدى فقدان الذاكرة واقتراح آراء حول نوع المساعدة والدعم النفسي الذي قد يحتاج إليه المريض.
الاختبارات النفسية
تساعد الاختباراتُ النفسية الأطباءَ على التمييز والفهم الأفضل لتجارب المريض، ومن ثَمَّ وضع خطَّة العلاج.
علاج فقدان الذاكرة التفارقي
يُعد الدعم النفسي للمريض هو كل ما هو مطلوب لمساعدة المريض على تذكُّر الجزء المفقود من ذاكرته.
لذلك يجب مساعدة المرضى على الشعور بالأمان وتجنب تعرضهم للصدمات أو الضغوط النفسية.
قد تكون الحاجة لاستعادة الذاكرة المفقودة مُلحة، فيلجأ الأطباء إلى تطبيق بعض الطرق لمساعدة المريض على استرجاعها سريعًا، مثل:
- جلسات التنويم المغناطيسي: يستخدم الأطباء هذه الطريقة لجعل المريض يشعر بالطمأنينة وتهدئة حالة القلق المرتبطة بأحداث الذاكرة المفقودة.
- جَلسة مع الطبيب مع إعطاء المهدئات: يعطي الطبيب المريض الباربيتورات (Barbiturates) أو البنزوديازيبينات (Benzodiazepines)، حقنًا في الوريد.
توقعات سير المرض
تعود الذاكرة للمريض بسرعة أحيَانًا، ويستعيد معظمُ المرضى ما يبدو أنَّه ذكريَّات مفقودة ويتعافون من الضغوطات التي تسببت في فقدان الذاكرة.
لكن في بعض الحالات الأخرى قد يستمر فقدان الذاكرة، خاصةً في الأشخاص الذين يعانون الشرود التفارُقي (Dissociative fugues)، لفترة طويلة.
نصائح يجب اتباعها في أثناء العلاج
- يجب أن يحرص الأطباء على عدم اقتراح أي أفكار توجه المريض لتكوين ذاكرة كاذبة.
- تجنب الضغط على المريض حتى لا يشعر بالقلق، فالذاكرة المفقودة غالبًا ما تسبب ألمًا وانزعاجًا شديدًا للمريض.
- قد لا تكون الذكريات التي تُستدعى بهذه الطريقة صحيحة، وقد تتطلَّب تأكيدًا من شخص آخر أو مصدرٍ آخر.
- لا بد من طمأنة المريض، لأن بعضهم يشكِّكون أحيانًا في المعالج وخاصةً الذين تعرَّضوا للإيذاء في مرحلة الطفولة، ويتوقَّعون من المعالجين أنهم قد يستغلَّونهم أو يُسيئوا لهم، بدلاً من مساعدتهم على استعادة الذكريات الحقيقيَّة.
- بمجرد استعادة المريض لذاكرته، يجب أن يتواصل مع المعالج النفسي، حتى يستطيع مواجهة الصدمات والضغوطات النفسية المستقبلية ويتعلم كيف يفهمها أو يجد طرقًا لحلها.
عزيزي القارئ، يجب أن تعلم أن الحياة تدور بنا بين عسر ويسر، وشدة وفرج، وصعب يعقبه سهل، وضيق يتبعه سرور.
فلا تستسلم وتضعف أمام ضغوطات الحياة، فأنت ذو قيمة عالية وغالية لدى أسرتك ومجتمعك، فاحرص على صنع ذاتك ولا تقف عند ما فاتك.
اقرأ أيضًا
الذاكرة | أنواعها وطرق تحسينها
اليقظة الذهنية| فوائدها وأمثلة على تمارينها
التشتت الذهني | وعلاج قلة التركيز