“انظر لوجه طفلي وأحلم بابتسامة رقيقة من ثغره الصغير، كم أتمنى لو أسمع صوت ضحكاته أو حتى بكاءه، لكن قُدر لابني أن يصاب بمتلازمة موبيوس Moebius syndrome”.
“شعرت منذ اليوم الأول بخطب ما، لكن كذبت ومن حولي نفسي، وظننت أنها مجرد تخيلات وهلاوس أصابتني من شدة خوفي عليه”.
“لكن تأكدت مخاوفي حينما واجهني طبيبه بحقيقة إصابة طفلي بمرض نادر الحدوث يعرف باسم متلازمة موبيوس”.
متلازمة موبيوس Moebius syndrome مرض عصبي نادر، إذ تتراوح نسب الإصابة به من 1/50000 إلى 1/500000 بين الأطفال حديثي الولادة.
سنتناول في هذا المقال أسباب المتلازمة، وأعراضها، وطرق التشخيص، والعلاج.
ما هي متلازمة موبيوس Moebius syndrome؟
هو مرض نادر الحدوث تظهر أعراضه منذ الولادة، يحدث نتيجة خلل في نمو بعض أعصاب الوجه المسؤولة عن حركة العينين وتعبيرات الوجه.
ومن الممكن أن يصيب الخلل بعض الأعصاب الأخرى المسؤولة عن الكلام، والمضغ، والبلع.
قد يولد بعض أطفال المتلازمة بذقن وفم صغيرين، ومن الممكن أن يظهر لسانهم غير طبيعيًا أو قصيرًا بشكل واضح.
لا يستطيع مريض متلازمة موبيوس أن يعبر بملامح وجهه عن مشاعره أو حالته النفسية في حال إصابة العصب السابع؛ إذ لا يستطيع الابتسام، أو الوجوم، أو تحريك الحاجبين.
كذلك تعجز عينيه عن الحركة يمنةً ويسارًا إذا أصيب العصب السادس؛ لذلك يضطر المريض لإدارة وجهه كاملا نحو اليمين أو اليسار ليقرأ أو ليتابع تحرك الأجسام من حوله.
يفتقر مرضى متلازمة موبيوس أيضًا لغة الأعين أو التواصل البصري؛ مما يضعف اندماجهم مجتمعيًا.
أسباب متلازمة موبيوس Moebius syndrome
لم يتمكن العلماء حتى الآن من تحديد السبب الرئيسي للإصابة؛ إذ تحدث عشوائيًا لسبب غير معلوم.
ولكن أشارت الدراسات المتاحة حتى وقتنا هذا إلى مزيج بين عوامل جينية وبيئية ربما تزيد خطر الإصابة، سنتناولهما تفصيلًا في السطور التالية.
العوامل الجينية
أثبتت الأبحاث احتمالية انتقال متلازمة موبيوس كصفة وراثية سائدة؛ إذ تحتاج تلك الاضطرابات إلى نسخة منفردة من الجين غير الطبيعي لتظهر أعراض المرض على حامله.
ربما يرث المريض الجين الشاذ من أحد الوالدين، أو يظهر نتيجة حدوث طفرة جديدة في جسد المصاب.
يبلغ خطر انتقال الجينات الشاذة من الآباء إلى الأبناء نسبة تصل إلى 50% مع كل حمل، أيًا كان جنس المولود.
العوامل البيئية
افترض الباحثون بعض النظريات حول أسباب متلازمة موبيوس؛ إذ تشير توقعاتهم إلى حدوث بعض التغيرات في تدفق الدم إلى جذع الدماغ في المراحل المبكرة للتكوين الجنيني.
لكن رغم ذلك، لم يتعرفوا بعد إلى سبب حدوث هذه التغيرات، ولما تؤثر تحديدًا في تطور الأعصاب القحفية (الجمجمية).
وأشاروا أيضًا إلى إمكانية تسبب بعض الأدوية المتناولة في أثناء الحمل أو تعاطي المخدرات مثل: الكوكايين في ازدياد عوامل الخطر.
أعراض متلازمة موبيوس Moebius syndrome
تختلف أعراض المتلازمة باختلاف الأعصاب المتضررة والمتخلفة عن النمو، إليك بعض هذه الأعراض:
- ضعف عضلات الوجه أو شلل الوجه كاملًا.
- صعوبات في المضغ، والمص، والبلع.
- صعوبة النطق والكلام.
- سيلان اللعاب.
- عدم القدرة على إظهار تعبيرات الوجه مثل: الابتسام، والعبوس، ورفع الحاجبين.
- عدم القدرة على إغلاق جفن العين كاملًا؛ مسببًا التهاب العينين وجفافهما.
- بعض مشكلات الأسنان.
- حنف القدم Club foot.
- نقص بعض أصابع اليد والقدم أو التصاقهم.
- مشكلات بالسمع.
- متلازمة بولاند، وتشمل تشوهات في الأطراف العلوية وعظام الصدر.
تشخيص متلازمة موبيوس Moebius syndrome
يعد تشخيص الأمراض الوراثية النادرة تحديًا كبيرًا، إذ يحقق الطبيب في التاريخ الطبي للمريض وعائلته، بالإضافة إلى الفحص السريري الشامل، ونتائج الاختبارات المعملية، والتدقيق في الأعراض وحدتها.
لا توجد حتى الآن اختبارات تشخيصية تؤكد الإصابة بمتلازمة موبيوس، لكن من الممكن إجراء بعض الفحوصات لاستبعاد الأسباب الأخرى لشلل الوجه، وكذلك لتقييم حالة الجسم العامة.
تتضمن مجموعة الاختبارات التشخيصية ما يلي:
- تخطيط صدى القلب (Echocardiography)
- التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ (MRI)
- الموجات فوق الصوتية على البطن (Ultrasound)
- تحاليل تتعلق بالوراثة الخلوية (Cytogenetics)
ما هي العلاقة بين متلازمة موبيوس والتوحد؟
اختلف العلماء حول تفسير العلاقة بين متلازمة موبيوس ومرض التوحد، إذ يؤكد البعض منهم ارتفاع نسب الإصابة بالتوحد في المصابين بالمتلازمة.
بينما يؤكد البعض الآخر أن تشابه بعض أعراض المتلازمة مع أعراض التوحد مثل: الافتقار إلى تعبيرات الوجه، وعدم القدرة على الابتسام ربما كان سببًا في تشخيص مريض المتلازمة خطئًا بالتوحد.
علاج متلازمة موبيوس Moebius syndrome
يعتمد علاج متلازمة موبيوس على علاج التشوهات الخاصة بكل حالة، ويتطلب ذلك مجموعة من الأطباء المتخصصين.
تشمل مجموعة الأطباء المعالجين بعض التخصصات الآتية:
- طبيب أطفال.
- طبيب أمراض نفسية وعصبية.
- جراح تجميل.
- أخصائي أنف وأذن وحنجرة.
- جراح عظام.
- طبيب فم وأسنان.
- أخصائي تخاطب.
- طبيب عيون.
يتعاون فريق الأطباء لوضع الخطة العلاجية الأمثل، سنشرح بعضها في السطور الآتية.
التدخل الجراحي
قد يشمل العلاج بالجراحة بعض الإجراءات مثل:
- جراحة نقل العضلات
يلجأ الطبيب إلى جراحة نقل العضلات لعلاج شلل الوجه، تعرف أيضًا باسم نقل الوتر الصدغي، إذ تُنقل العضلة الصدغية -أحد العضلات المسؤولة عن المضغ- إلى زوايا الفم.
- تطعيم عصب الوجه
يخضع المريض لهذا الإجراء لحل مشكلة عدم انغلاق جفون العينين.
يستعين الطبيب بعصب حسي من باطن الساق، ويصله بعصب الوجه الموجود في الجانب السليم، ثم يراقب عبور الألياف العصبية المتجددة إلى الجانب الآخر المصاب بالشلل؛ لتدعم العصب الحركي المنقول بعملية ذات مهارة كبرى تعرف بالمفاغرة الوعائية المهجرية.
- عملية الابتسامة
تُعد أحدث الجراحات وتشمل نقل للأوعية الدموية الدقيقة من عضلة الفخذ إلى الوجه، ثم وصلها بالأعصاب المسؤولة عن العضلة المتحكمة في المضغ.
أظهرت تلك الجراحة نجاحًا باهرًا في تحسين حركة الوجه، والنطق؛ وبالتالي عززت ثقة المريض بنفسه.
- جراحة تصحيح الحول
من الممكن أن يحتاج مريض متلازمة موبيوس إلى جراحة تصحيح حول العينين، لكن ينصح الأطباء بتأجيلها لاحتمالية تحسن الحالة مع التقدم في السن.
- علاج تشوهات الهيكل العظمي
تشمل عدد من الجراحات المسؤولة عن تقويم وتصحيح التشوهات التي تؤثر على الأطراف أو الفكين.
العلاج الطبيعي
من الممكن أن يساهم العلاج الطبيعي في تحسن حركة الأطراف، خاصةً بعد التدخل الجراحي.
علاج التخاطب
يلجأ مرضى متلازمة موبيوس إلى أخصائي التخاطب؛ ليساعدهم في تحسين قدرتهم على الكلام والتواصل أفضل مع الآخرين.
العلاج النفسي
من الضروري جدًا ألا يُعامل العلاج النفسي لمرضى متلازمة موبيوس على أنه رفاهية أو غير هام؛ إذ يواجه المرضى الكثير من الضغوط والتحديات من الممكن أن تجعلهم ضحية للاكتئاب.
يفتقر مرضى المتلازمة إلى قدرات الوجه التعبيرية؛ مما قد يدفع المحيطون بهم إلى التحديق المخيف أحيانًا؛ فيثير ذلك الخوف داخل المرضى.
كذلك تزيد رغبة المريض في العزلة والابتعاد عن التجمعات العامة أو تجنب حضور المناسبات الاجتماعية.
ومن هنا تظهر أهمية العلاج النفسي لمساعدة المريض في مواجهة المجتمع، ومحاولة ادماجه به، والقضاء على مشاعره السلبية.
ختامًا، ناقشنا في هذا المقال أهم أعراض متلازمة موبيوس Moebius syndrome، وتعرفنا أكثر على الاضطرابات وثيقة الصلة بالمرض؛ ومن هنا يظهر جليًا واجبنا المجتمعي المتمثل في تسهيل فرص اندماج ذوي الإعاقة الحركية، وتقديم كل وسائل الدعم لهم.
اقرأ أيضًا:
أحدث التقنييات لعلاج التوحديين
عدم التمييز على أساس الإعاقة واجب مجتمعي
مريض متلازمة توريت | ماذا حلّ بصغيري؟!
شلل الأعصاب القحفية | ماذا تعرف عنه؟
متلازمة برادر ويلي | متلازمات النمو وراثة أم طفرات جينية؟
مراجع د.آلاء أسامه
مراجع طبي د.أروى سمير
مراجع عام د.أسماء يونس